المؤلف:: محمد بن عبد الوهاب الناشر:: سنة النشر:: الصفحات:: 84 الغلاف:: https://images-na.ssl-images-amazon.com/images/S/compressed.photo.goodreads.com/books/1498605326i/7142142.jpg الصيغة:: PDF الرابط:: https://www.goodreads.com/book/show/7142142 ISBN:: الحالة:: مكتمل التسميات:: مهمات_العلم المعرفة:: العقيدة, التدريب:: , تاريخ القراءة:: 2024-02-15 معالج:: 1 تقييم الفائدة المستقبلية::


مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

العثيمين

ابْتَدَأَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ كِتَابَهُ بِالبَسْمَلَةِ اقتِدَاءً بِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ مَبْدُوء بِالبَسْمَلَةِ، وَاتَّبَاعًا لِحَدِيثِ: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِـ(بِسْمِ اللَّهِ) فَهُوَ أَبْتَرُ» وَاقْتِدَاءً بِالرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ يَبْدَأُ كُتُبُهُ بِالبَسْمَلَةِ. ص ١٥

العصيمي

ابْتَدَأَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ رِسَالَتَهُ بِالبَسْمَلَةِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهَا؛ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ فِيمَا اسْتَفْتَحَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسَائِلَهُ وَمُكَاتِبَاتِهِ إِلَى المُلُوكِ، وَالتَّصَانِيفُ تَجْرِي مَجْرَاهَا. ص ٨

عثمان الخميس

يسمى الكتاب كذلك الأصول الثلاثة.

العصيمي - بداية المتن الحَقِيقَةِ

وَما يُنَبَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ هَاتَيْنِ المُقَدِّمَتَيْنِ المُسْتَفْتَحَتَيْنِ بِقَوْلِ المُصَنِّفِ: (اعْلَمْ - رَحِمَكَ اللهُ -)؛ هُمَا رِسَالَتَانِ لَهُ خَارِجَتَانِ عَنْ رِسَالَةِ ثَلَاثَةِ الأُصُولِ وَأَدِلَّتِهَا، ثُمَّ ضَمَّهُمَا بَعْضُ تَلَامِيذِهِ إِلَيْهَا، وَتَتَابَعَ النَّقَلَةُ عَلَى إِثْبَاتِهِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا لِحُسْنِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ مَعَانِيهِمَا وَمَقَاصِدِهَا، ثَمَّ اشْتَهَرَ مَجْمُوعُ تِلْكَ الرَّسَائِلِ الثَّلَاثِ بِاسْمِ ثَلَاثَةِ الأُصُولِ وَأَدِلَّتِهَا، وَإِلَّا فَمُبْتَدَأُ «ثَلَاثَةِ الأُصُولِ» قَوْلُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ: (اعْلَمْ - أَرْشَدَكَ اللهُ لِطَاعَتِهِ). ص ١٧

المسائل الأربع

اعلمْ -رحمكَ اللهُ- أَنَّهُ يجبُ علينَا تَعَلُّمُ أربعِ مسائلَ:

العثيمين - مَرَاتبُ الإِدْرَاكِ

وَمَرَاتبُ الإِدْرَاكِ ست:

  • الأولى: العِلْمُ، وَهُوَ إدْرَاكُ الشَّيْءِ عَلَ مَا هُوَ عَلَيْهِ إِدْرَاكًا جَازِمًا.
  • الثانية: الجهْلُ البَسِيطُ، وَهُوَ عَدَمُ الإدْرَاكِ بالكلية.
  • الثَّالِثَةُ: الجَهْلُ المُرَكَّبُ، وَهُوَ إِدْرَاكُ الشَّيْءِ عَلَى وَجْهِ يُخَالِفُ مَا هُوَ عَلَيْهِ.
  • الرّابِعَةُ: الوَهُمُ، وَهُوَ إِدْرَاكُ الشَّيْءِ مَعَ احْتِمَالِ ضِدَّ رَاجِحٍ.
  • الخَامِسَةُ: الشَّكُ، وَهُوَ إِدْرَاكُ الشَّيْءِ مَعَ احْتِمَالٍ مُسَاوِ.
  • السَّادِسَةُ: الظَّنُّ، وَهُوَ إِدْرَاكُ الشَّيْءِ مَعَ احْتِمَالِ ضِد مَرْجُوحٍ. ص ١٦

العثيمين - تقسيم العلم إلى ضَرُورِيٌّ وَنَظَرِيٌّ

وَالعِلْمُ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: ضَرُورِيٌّ وَنَظَرِيٌّ.

  • فَالضَّرُورِيُّ مَا يَكُونُ إِدْرَاكُ المَعْلُوم فِيهِ ضَرُوريًا، بِحَيْثُ يُضْطَرُّ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نظرٍ وَلَا اسْتِدْلَالِ، كَالعِلْمِ بِأَنَّ النَّارَ حَارَّةٌ، مَثَلًا.
  • وَالنَّظَرِيُّ مَا يَحْتَاجُ إِلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ كَالعِلْمِ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الوُضُوءِ. ص ١٧

العثيمين - معنى الرَّحْمَة مفردة ومقرونة بِالْمَغْفِرَةِ

“رَحِمَكَ اللَّهُ” غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِكَ، وَوَفَّقَكَ وَعَصَمَكَ فِيهَا يُسْتَقْبَلُ مِنْهَا، هَذَا إِذَا أَفْرِدَتِ الرَّحْمَةُ، أَمَّا إِذَا قُرِنَتْ بِالْمَغْفِرَةِ، فَالْمَغْفِرَةُ لِمَا مَضَى مِنَ الذُّنُوبِ، وَالرَّحْمَةُ وَالتَّوْفِيقُ لِلخَيْرِ وَالسَّلَامَةُ مِنَ الذُّنُوبِ فِي المُسْتَقْبَل. ص ١٧

العثيمين - التنبيه على عظم المسائل الأربعة

هَذِهِ الْمَسَائِلُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَشْمَلُ الدِّينَ كُلَّهُ؛ فَهِيَ جَدِيرَةُ بِالعِنَايَةِ لِعِظَمِ نَفْعِهَا. ص ١٧

الأُولى: العِلْمُ؛ وهوَ معرفةُ اللهِ، ومعرفةُ نبيِّهِ، ومعرفةُ دينِ الإسلامِ بالأدلةِ.

العصيمي - معنى العلم ووصف العلم المطلوب شرعا

(العِلْمُ)؛ وَهُوَ شَرْعًا: إِدْرَاكُ خِطَابِ الشَّرْعِ، وَمَرَدُّهُ إِلَى المَعَارِفِ الثَّلَاثِ؛ مَعْرِفَةِ العَبْدِ رَبَّهُ، وَدِينَهُ، وَنَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَالعِلْمُ المَطْلُوبُ شَرْعًا لَهُ وَصْفَانِ – وَفْقَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ -:

  • أَحَدُهُمَا: مَا يُطلَبُ مِنْهُ، وَهُوَ مَا تَعَلَّقَ بِمَعْرِفَةِ اللهِ، وَمَعْرِفَةِ دِينِهِ، وَمَعْرِفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا هُوَ عِلْمُ الشَّرْعِ.
  • وَالآخَرُ: مَا يُطلَبُ فِيهِ، وَهُوَ اقتِرَانُهُ بِالأَدِلَّةِ، فَتَكُونُ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ عِلْمًا حَالَ اقْتِرَانهَا بِالْأَدِلَّةِ. والجار والمجرُورُ في قَوْلِ المصنفِ: (بِالأَدِلَّةِ)؛ مُتَعَلَّقٌ بِالْمَعَارِفِ الثَّلَاثِ كُلُّهَا؛ فَمَعْرِفَةُ الأُصُولِ الثَّلَاثَةِ لَا بُدَّ مِنِ اقتِرَانِهَا بِالْأَدِلَّةِ.

وَمَقْصُودُهُ مِن اقتِرَانِ تِلْكَ المَعْرِفَةِ بِالأَدِلَّةِ: أَعْتِقَادُ العَبْدِ اعْتِقَادًا جَازِمًا أَنَّ مَا آمَنَ بِهِ رَبَّا وَدِينًا وَرَسُولًا ثَابِتٌ بِالأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَإِذَا اعْتَقَدَ آحَادُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ مَا آمَنُوا بِهِ شَهِدَتْ بِصِحْتِهِ أَدِلَّةٌ شَرْعِيَّةٌ مَقْطُوعٌ بِهَا؛ كَفَاهُمْ فِي كَوْنِ مَعْرِفَتِهِمْ عَنْ دَلِيلٍ؛ فَلَا يَلْزَمُهُمْ مَعْرِفَةً أَفْرَادِ الأَدِلَّةِ، فَضْلًا عَنِ الاسْتِنْبَاطِ. ص ٨

العصيمي - مَعْرِفَةُ الشَّرْعِ المَأْمُورُ بِهَا نَوْعَانِ

  • أَحَدُهُمَا: المعرِفَةُ الإجمالِيَّةُ وَهِيَ مَعْرِفَةُ أَصُولِ الشَّرع وَكُلْيَاتِهِ، وَيَتَعَلَّقُ وُجُوبُهَا بِالخَلْقِ؛ كَافَّةً، فَهِيَ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ.
  • وَالآخَرُ: المَعْرِفَةُ التَّفْصِيلِيَّةُ وَهِيَ مَعْرِفَةٌ تَفَاصِيلِ الشَّرْعِ، وَيَتَعَلَّقُ وُجُوبُهَا بِآحَادٍ مِنَ الخَلْقِ؛ لمعنى أفتَرَنَ بِهِمْ كَالحُكُم، أَوِ الْقَضَاءِ، أَوِ الإِفْتَاءِ.

ص ٩

الخليفي - لماذا العلم الشرعي أهم من غيره؟

  • لأنه متعلق بنجاة في الآخرة، ومتعلق بأشرف معلوم وهو الله عز وجل.
  • كل العلوم تحتاجه وهو لا يحتاجها أو هو غاية والعلوم الأخرى وسيلة.
  • لولا الدين هذا كله ما له قيمة

العثيمين - بيان معرفة الله

مَعْرِفَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالقَلْبِ مَعْرِفَةٌ تَسْتَلْزِمُ:

  • قَبُولَ مَا شَرَعَهُ
  • وَالإِذْعَانَ والانْقِيَادَ لَهُ
  • وَتَحْكِيمَ شَرِيعَتِهِ الَّتِي جَاءَ بِهَا رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ

وَيَتَعَرَّفُ العَبْدُ عَلَى رَبِّهِ بالنظر في الآيَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فِي كِتاب الله عَرَّ وجَل وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، والنظر في الآيَاتِ الكَوْنِيَّةِ الَّتِي هِيَ المَخْلُوقَاتُ. ص ١٧

الخليفي - أصلان لإدراك ضرورة النبوة

  • عقول البشر ليست مطلقة
  • هناك حق يمكن إدراكه

العثيمين - بيان معرفةُ النبي

مَعْرِفَةُ رَسُولِهِ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم المَعْرِفَةَ الَّتِي تَسْتَلْزِمُ:

  • قَبُولَ مَا جَاءَ بِهِ فِي الهُدَى وَدِينِ الحَقِّ
  • وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ
  • وَامْتثَالُ أَمْرِهِ فِيمَا أَمَرَ
  • وَاجْتِنَابُ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ
  • وَتَحْكِيمُ شَرِيعَتِهِ
  • وَالرِّضَا بِحُكْمِهِ … قَالَ عَزَّوَجَلَّ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ٦٣]. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: «أَتَدْرِي مَا الفِتْنَةُ؟ الفِتْنَةُ الشَّرْكُ، لَعَلَّهُ إِذَا رَدَّ بَعْضَ قَوْلِهِ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنَ الزَّيْعَ فَيَهْلَكَ». ص ١٨

العثيمين - بيان معرفة الإسلام

الإِسْلَامُ بِالمَعْنَى العَامَّ هُوَ التَّعَبُدُ اللَّهِ بِمَا شَرَعَ منذ أَنْ أَرْسَلَ اللهُ الرُّسُلَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ… وَالإِسْلامُ بِالمعنى الخاص بَعْدَ بَعْثَةِ النَّبِي تَختَصُّ بِمَا بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ، لأَنَّ ما بُعِثَ بِهِ النَّبِيُّ نَسَ جَمِيعَ الأَدْيَانِ السَّابِقَةِ… وَهَذَا الدِّينُ الإِسْلَامِيُّ هُوَ الدِّينُ المَقْبُولُ عِنْدَ اللَّهِ النَّافِعُ لِصَاحِبِهِ، قَالَ اللهُ عَزَّوَجَلَّ: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الْإِسْلَامِ} [آل عمران:۱۹] وَقَالَ: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينَا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَسِرِينَ} [آل عمران: ٨٥] وَهَذَا الإِسْلَامُ هُوَ الإِسْلَامُ الَّذِي امْتَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَأُمَّتِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتَمْمتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَمَ دِينًا} [المائدة: ٣]. ص ١٨-١٩

العثيمين - بيان معنى الأدلة

«بِالأَدِلَّةِ» جَمْعُ: دَلِيلِ، وَهُوَ مَا يُرْشِدُ إِلَى المَطْلُوبِ، وَالأدلَّة عَلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ سَمْعِيَّةٌ وَعَقْلِيَّةٌ، فَالسَّمْعِيَّةُ مَا ثَبَتَ بِالوَحْيِ وَهُوَ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَالعَقْلِيَّةُ مَا ثَبَتَ بِالنَّظَرِ وَالتَّأمُل. ص ١٩

الثانيةُ: العملُ بهِ.

العصيمي - تعريف العمل شَرْعًا

ظُهُورُ صُورَةٍ خِطَابِ الشَّرْعِ عَلَى العَبْدِ. وخِطَابُ الشَّرْعِ نَوْعَانِ:

  • أَحَدُهُمَا: خِطَابُ الشَّرْعِ الخَبَرِيُّ، وَظُهُورُ صُورَتِهِ بِامْتِثالِه بِالتَّصْدِيقِ [في باطن الإنسان] إِثْبَاتًا وَنَفْيًا.
  • وَالثَّانِي: خِطَابُ الشَّرْعِ الطَّلَبِيُّ، وَظُهُورُ صُورَتِهِ بِامْتِثَالِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَاعْتِقَادِ حِلٌّ الحلال.

ص ٩

العثيمين - بيان المراد بالعمل

«العَمَلُ بِهِ» أَيِ: العَمَلُ بِمَا تَقْتَضِيهِ هَذِهِ الْمَعْرِفَةُ مِنَ الْإِيْمَانِ بِاللَّهِ، وَالْقِيَامِ بطاعته بِامْتثَالِ أَوَامِرِهِ، وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ مِنَ العِبَادَاتِ الخَاصَّةِ، وَالعِبَادَاتِ الْمُتَعَدِّيَةِ:

  • فَالعِبَادَاتُ الخَاصَّةُ مِثْلُ الصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالحَجِّ.
  • وَالْعِبَادَاتُ المُتَعَدِّيَةِ كَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

وَالعَمَلُ فِي الحَقِيقَةِ هُوَ ثَمَرَةُ العِلْم؛ فَمَنْ عَمِلَ بِلَا عِلْمٍ فَقَدْ شَابَهَ النَّصَارَى، وَمَنْ عَلِمَ وَلَمْ يَعْمَلْ فَقَدْ شَابَهَ اليَهُودَ. ص ٢٠

الثالثةُ: الدعوةُ إليهِ.

العصيمي - المراد بالدعوة

(الدَّعْوَةُ إِلَيْهِ) أَيْ: الدَّعْوَةُ إلَى العِلْم. وَالمُرَادُ بِهَا: الدَّعْوَةُ إِلَى اللهِ… وَالدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ شَرْعًا هِيَ: طَلَبُ النَّاسِ كَافَّةً إِلَى اتِّبَاعِ سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ. ص ١٠

عثمان الخميس

الدعوة إليه أي إلى العلم وإلى الله وإلى متابعة الرسول وإلى التزام الأدلة.

العثيمين - بيان المراد بالدعوة

الدَّعْوَةُ إِلَى مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مِنْ شَرِيعَةِ اللَّهِ تَعَالَى… وَلَا بُدَّ لِهَذِهِ الدَّعْوَةِ مِنْ عِلْمٍ بِشَرِيعَةِ اللهِ عَمَل حَتَّى تَكُونَ الدَّعْوَةُ عَنْ عِلْمٍ وَبَصِيرَة… وَالبَصِيرَةُ تَكُونُ فِيمَا يَدْعُو إِلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ الدَّاعِيَةُ عَالِمًا بِالحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَفِي كَيْفِيَّةِ الدَّعْوَةِ، وَفِي حَالِ المَدْعُو… وَالدَّعْوَةُ إِلَى اللهِ عَزَّوَجَلَّ هِيَ وَظِيفَةُ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَطَرِيقَةُ مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ. (مَن دَعا إلى هُدًى، كانَ له مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِن أُجُورِهِمْ شيئًا، ومَن دَعا إلى ضَلالَةٍ، كانَ عليه مِنَ الإثْمِ مِثْلُ آثامِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِن آثامِهِمْ شيئًا). (مسلم: ٢٦٧٤) ص ٢٠-٢١-٢٢

العثيمين - من مجالات الدَّعْوَة

  • مِنْهَا الدَّعْوَةُ إلى الله تعالى بالخطابة، وَإلْقَاءِ المحاضرات
  • وَمِنْهَا الدَّعْوَةُ إِلَى اللهِ بِالمقَالَاتِ
  • وَمِنْهَا الدَّعْوَةُ إلى الله بحلقَاتِ العِلْم
  • وَمِنْهَا الدَّعْوَةُ إلى الله بالتأليف وَنَشْرِ الدِّينِ…
  • وَمِنْهَا الدَّعْوَةُ إِلَى اللهِ فِي المَجَالِسِ الخَاصَّةِ… عَلَى وَجْهِ لَا مَلَلَ فِيهِ وَلَا إِثْقَالَ ص ٢١

الرابعةُ: الصبرُ علَى الأَذى فيهِ.

العصيمي - معنى الصبر

(الصَّبْرُ عَلَى الأَذَى فِيهِ)؛ أَيْ: فِي العِلْمِ، تَعَلُّما وَعَمَلًا وَدَعْوَةً. وَالصَّبْرُ شَرْعًا: حَبْسُ النَّفْسِ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ. وَحُكْمُ اللَّهِ نَوْعَانِ:

  • أَحَدُهُمَا: حُكْمٌ قَدَرِيٌّ. [محله الأقدار النازلة]
  • وَالْآخَرُ: حُكْمٌ شَرْعِيٌّ. [محله وحي الله وخطابه]

… فَيَكُونُ الصَّبْرُ عَلَى الأَذَى فِي العِلْمِ بِاعْتِبَارِ الوَصْفِ العَارِضِ صَبْرًا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ القَدَرِيِّ، وَبِاعْتِبَارِ أَصْلِ المَأْمُورِ بِهِ صَبْرًا عَلَى حُكْمِ اللهِ الشَّرْعِيَّ؛ فَاجْتَمَعَ فِيهِ نَوْعَا الصَّبْرِ. ص ١١

العثيمين - بيان معنى الصبر

الصَّبْرُ: حَبْسُ النَّفْسِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، وَحَبْسُهَا عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَحَبْسُهَا عَنِ التَّسَخُطِ مِنْ أَقْدَارِ اللَّهِ… أَذِيَّةَ الدَّاعِينَ إِلَى الخَيْرِ مِنْ طَبِيعَةِ البَشَرِ إِلَّا مَنْ هَدَى اللَّهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى لنبيه صلى الله عليه وسلم {وَلَقَدْ كَذِبَتْ رُسُلٌ مِن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنَا} [الأنعام: ٣٤]… وَانْظُرْ إِلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا} [الإنسان: ۲۳]، كَانَ مِنَ الْمُنتَظَرِ أَنْ يُقَالَ: فَاشْكُرْ نِعْمَةَ رَبِّكَ، وَلَكِنَّهُ عَزَ وَجَلَّ قَالَ: {فَأَصْبِر لحُكْمِ رَبِّكَ} [الإنسان: ٢٤]، وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ قَامَ بِهَذَا القُرْآنِ فَلَابُدَّ أَنْ يَنَالَهُ مَا يَنَالُهُ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى صَبْرٍ. ص ٢٢-٢٣

والدليلُ قولُه تعالَى: بسم الله الرحمٰن الرحيم ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.

العثيمين - الدليل على المراتب الأربع

«وَالدَّلِيلُ، أَيْ: عَلَى هَذِهِ المَرَاتِبِ الْأَرْبَعِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالْعَصْرِ﴾ أَقْسَمَ الله عَزَّوَجَلَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِالعَصْرِ الَّذِي هُوَ الدَّهْرُ، وَهُوَ عَل الحَوَادِثِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرُ، فَأَقْسَمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الإِنْسَانَ كُلَّ الإِنْسَانِ فِي خُسْرٍ إِلَّا مَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الأَرْبَعِ: الإِيمَانِ، وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالتَّوَاصِي بِالحَقِّ، وَالتَّوَاصِي بِالصَّبْرِ. ص ٢٤

العصيمي - أدلة المراتب من السورة

وَقَعَ القَسَمُ بِهِ عَلَى أَنَّ جِنسَ الإِنْسَانِ فِي خُسْرٍ، ثُمَّ اسْتَنَى اللَّهُ مِنَ الخَاسِرِينَ نَوْعًا هُمُ المنصِفُونَ بِأَرْبَعَ صِفَاتٍ:

  • الصَّفَةِ الأولى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر :۱۳]، وَهَذَا دَلِيلُ العِلْمِ؛ لِأَنَّ الإِيمَانَ في أَصْلِهِ وَكَمَالِهِ لا يُحصِّلُ إِلَّا بِالعِلْم.
  • وقَالَ فِي الصِّفَةِ الثَّانِيَةِ: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، وَهَذَا دَلِيلُ العَمَلِ، وَوَصْفُ العَمَلِ بِـ (الصَّالِحَاتِ) يُبَيِّنُ أَنَّ المَطْلُوبَ مِنَ العَبْدِ لَيْسَ مُطْلَقَ العَمَلِ؛ بَلْ عَمَلٌ مَخْصُوصٌ، وَهُوَ: العَمَلُ الصَّالِحُ الوَاقِعُ خَالِصًا للهِ وَفْقَ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
  • ثُمَّ قَالَ فِي الصَّفَةِ الثَّالِثَةِ: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَق}، وَهَذَا دَلِيلُ الدَّعْوَةِ، فَـ (الحق): اسم لِما وَجَبَ وَلَزِمَ، وَأَعْلَاهُ مَا كَانَ وُجُوبُهُ وَلْزُومُهُ بِطَرِيقِ الشَّرْعِ، وَالتَّوَاصِي بِهِ تَفَاعَلٌ مِنَ الوَصِيَّةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرِ، وَهَذِهِ حَقِيقَةُ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ.
  • ثُمَّ قَالَ فِي الصِّفَةِ الرَّابِعَةِ: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، وَهَذَا دَلِيلُ الصَّبْرِ.

[ومعنى التواصي بذل الوصية بين الخلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر] فَسُورَةُ العَصْرِ - مَعَ قِصَرِهَا - دَلَّتْ عَلَى المَسَائِلِ الأَرْبَعِ، وَهِيَ وَافِيَةٌ فِي بَيَانِ مَا يُؤْمَرُ بِهِ النَّاسُ لِيَنْجُوا وَيُفْلِحُوا. ص ١٢

العصيمي - الراجح في معنى العصر الوقت الكائن آخر النهار

اسم (العَصْرِ) إِذَا أُطْلِقَ فِي خِطَابِ الشَّرْعِ وَعُرْفِ الصَّحَابَةِ رَضِوَانَهُ عَنْهُمْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ: الوَقْتُ المَعْرُوفُ آخِرَ النَّهَارِ. وَحَمْلُ خِطَابِ الشَّرْعِ عَلَى مَا هُوَ فِيهِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْأَجْنَبِيُّ عَنْهُ، فَإِنَّ الكَلِمَةَ الوَاحِدَةَ مِنْ كَلَامِ العَرَبِ تَتَجَاذَبُهَا مَعَانٍ عِدَّةٌ؛ لِاتسَاعِ لُغَتِهِمْ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُبَيِّنَ شَيْئًا مِنْ كَلَامِ اللَّهِ أَوْ كَلَامِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارْقُبْ مَا جَرَى اعْتِدَادُ الشَّرْعِ بِهِ مِنْ تِلْكَ المَعَانِي فَاحْمِلْهُ عَلَيْهِ. ص ١١

العثيمين - جِهَادُ النَّفْسِ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ

  • إِحْدَاهَا: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى تَعَلُّمِ الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ الَّذِي لَا فَلَاحَ لَهَا وَلَا سَعَادَةَ فِي مَعَاشِهَا وَمَعَادِهَا إِلَّا بِهِ، وَمَتَى فَاتَهَا عِلْمُهُ شَقِيَتْ فِي الدَّارَيْنِ.
  • الثَّانِيَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الْعِلْمِ بِلَا عَمَلٍ إِنْ لَمْ يَضُرَّهَا لَمْ يَنْفَعْهَا.
  • الثَّالِثَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، وَتَعْلِيمِهِ مَنْ لَا يَعْلَمُهُ، وَإِلَّا كَانَ مِنَ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْهُدَى وَالْبَيِّنَاتِ، وَلَا يَنْفَعُهُ عِلْمُهُ، وَلَا يُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
  • الرَّابِعَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الصَّبْرِ عَلَى مَشَاقِّ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ وَأَذَى الْخَلْقِ، وَيَتَحَمَّلُ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلَّهِ. فَإِذَا اسْتَكْمَلَ هَذِهِ الْمَرَاتِبَ الْأَرْبَعَ صَارَ مِنَ الرَّبَّانِيِّينَ، فَإِنَّ السَّلَفَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْعَالِمَ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسَمَّى رَبَّانِيًّا حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ وَيَعْمَلَ بِهِ وَيُعَلِّمَهُ. زاد المعاد في هدي خير العباد - ط الرسالة ٣/‏٩ — ابن القيم (ت ٧٥١) ص ٢٤

العثيمين - كُلَّ إِنْسَانٍ فَهُوَ فِي خَيْبَةٍ وَخُسْرٍ إِلَّا مَنْ جَمَعَ هَذِهِ الأَوْصَافَ الأَرْبَعَةَ

  • أَحَدُهَا: الإِيمَانُ، وَيَشْمَلُ كُلَّ مَا يُقَرِّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنِ اعْتِقَادٍ صَحِيحٍ وَعِلْمٍ نَافِعٍ.
  • الثَّانِي: العَمَلُ الصَّالِحُ، وَهُوَ كُلُّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يُقَرِّبُ إِلَى اللهِ بِأَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ للَّهِ مخلِصًا، وَلمُحَمَّدٍ مُتَّبعًا.
  • الثَّالِثُ: التَّوَاصِي بِالحَقِّ، وَهُوَ التَّوَاصِي عَلَى فِعْل الخيرِ وَالحَثُ عَلَيْهِ وَالتَّرْغِيبُ فيه.
  • الرابع: التَّوَاصِي بِالصَّبْرِ، بِأَنْ يُوصِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالصَّيْرِ عَلَى فِعْلِ أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَرْكِ مَحَارِمِ اللَّهِ، وَتَحَمْلِ أَقْدَارِ اللَّهِ. وَالتَّوَاصِي بالحقِّ وَالتَّوَاصِي بِالصَّيْرِ يَتَضَمَّنَانِ الأَمْرَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ اللَّذَيْنِ بِهِمَا قِوَامُ الأُمَّةِ وَصَلَاحُهَا وَنَصْرُهَا.

ص ٢٥

قالَ الشافعيُّ -رحمَهُ اللهُ تعالَى-: «هذه السورة لوْ مَا أَنْزَلَ اللهُ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ إلاَّ هي لَكَفَتْهمْ».

العثيمين - كفاية سورة العصر للخلق

مُرَادُهُ رَحمَهُ اللهُ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ كَافِيَةٌ لِلخَلْقِ فِي الحَقِّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِدِينِ اللهِ: بِالإِيمَانِ، وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ، وَالصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ كَافِيَةُ لِلخَلْقِ فِي جَمِيعِ الشَّرِيعَةِ. وَقَوْلُهُ: «لَوْ مَا أَنْزَلَ اللهُ حُجَّةٌ عَلَى خَلْقِهِ إِلَّا هَذِهِ السُّورَةَ لَكفَتْهمْ»؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ البَصِيرَ إِذَا سَمِعَ هَذِهِ السُّورَةَ أَوْ قَرَأَهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَسْعَى إلى تخليص نَفْسِهِ مِنَ الخسْرَانِ وَذَلِكَ بِاتِّصَافِهِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الأَرْبَع: الإِيمَانِ، وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالتَّوَاصِي بالحق، وَالتَّوَاصِي بِالصَّبْرِ. ص ٢٥-٢٦

عثمان الخميس

النقل عن الشافعي بهذا اللفظ لا يصح والصواب: “لَوْ تَدَبَّرَ النَّاسُ هَذِهِ السُّورَةَ لَكَفَتْهُمْ”، وعموما لم يثبت بإسناد صحيح إليه.

وقال البخاريُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-: «بابٌ: العلمُ قبلَ القولِ والعملِ، والدليلُ قولُه تعالَى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ﴾»؛ فبدأَ بالعلمِ قبلَ القولِ والعملِ».

العثيمين - أدلة وجوب العلم قبل القول والعمل

استدلَ البُخَارِيُّ رَحِمَ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ البَدَاءَةِ بِالعِلْمِ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ، وَهَذَا دَلِيلٌ أَثَرِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الإِنْسَانَ يَعْلَمُ أَوَّلًا ثُمَّ يَعْمَلُ ثَانِيَا. وَهُنَاكَ دَلِيلٌ عَقلِيٌّ نَظَرِيٌّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ العِلْمَ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ القَوْلَ أَوِ العَمَلَ لَا يَكُونُ صَحِيحًا مَقْبُولًا حَتَّى يَكُونَ عَلَى وَفْقِ الشَّرِيعَةِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْلَمَ الإِنْسَانُ أَنْ عَمَلَهُ عَلَى وَفْقِ الشَّرِيعَةِ إِلَّا بِالْعَلم. ص ٢٦

العصيمي - تقديم العلم على المسائل الأربعة

وَالمُقَدَّمُ مِنْ هَذِهِ المَسَائِلِ الأَرْبَع هُوَ العِلْمُ، فَهُوَ أَصْلُهَا الَّذِي تَتَفَرَّعُ مِنْهُ وَتَنْشَأُ عَنْهُ. ص ١٣

المسائل الثلاث

اعلمْ -رحِمكَ اللهُ-: أنَّهُ يجبُ على كلِّ مسلم ومسلمة تَعَلُّمُ ثلاث هذه المسائلِ والعملُ بهنَّ: الأولى: أنَّ اللهَ خَلَقنا

العثيمين - أدلة الخلق

  • أما السمعي فكثير ومنه:
    • قوله عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} [سورة الأنعام، الآية: 2]
    • وقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [سورة الأعراف، الآية: 11] الآية،
    • وقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ} [سورة الحجر، الآية: 15]
    • وقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} [سورة الروم، الآية: 29]
    • وقوله: {خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [سورة الرحمن، الآية: 14]
    • وقوله {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [سورة الزمر، الآية: 62]
    • وقوله: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [سورة الصافات، الآية: 96]
    • وقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات، الآية: 56] إلى غير ذلك من الآيات.
  • أما الدليل العقلي على أن الله خلقنا فقد جاءت الإشارة إليه في قوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [سورة الطور، الآية: 35]

ص ٢٧

ورَزَقَنا

العثيمين - أدلة الرزق

  • أما الكتاب:
    • فقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [سورة الذاريات، الآية: 58]
    • وقال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ} [سورة سبأ، الآية: 24]
    • وقوله: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} [سورة يونس، الآية: 31] والآيات في هذا كثيرة.
  • وأما السنة: فمنها قوله صلى الله عليه وسلم في الجنين “يبعث إليه ملك فيؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله، وعمله وشقي أم سعيد”.
  • وأما الدليل العقلي على أن الله رزقنا فلأننا لا نعيش إلا على طعام وشراب، والطعام والشراب خلقه الله عز وجل.

ص ٢٨-٢٩

ولم يتركْنا هَمَلاً؛

العثيمين - أدلة أن الله لم يترك الخلق هَمَلاً

  • أما السمعية:
    • فمنها قوله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [سورة المؤمنين، الآيتين: 115-116]
    • وقوله: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [سورة القيامة، الآيات: 36-40].
  • وأما العقل: فلأن وجود هذه البشرية لتحيا ثم تتمتع كما تتمتع الأنعام ثم تموت إلى غير بعث ولا حساب أمر لا يليق بحكمة الله عز وجل بل هو عبث محض، ولا يمكن أن يخلق الله هذه الخليقة ويرسل إليها الرسل ويبيح لنا دماء المعارضين المخالفين للرسل عليهم الصلاة والسلام ثم تكون النتيجة لا شيء، هذا مستحيل على حكمة الله عز وجل.

ص ٢٩-٣٠

بل أرسلَ إلينا رسولاً، فمنْ أطاعَهُ دخلَ الجنَّةَ، ومنْ عصاهُ دخلَ النّارَ. والدليلُ قولُهُ تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا﴾.

العثيمين - أدلة إرسال الرسل

قال الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} [سورة فاطر، الآية: 24] ولا بد أن يرسل إلى الخلق لتقوم عليهم الحجة وليعبدوا الله بما يحبه ويرضاه قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [سورة النساء، الآيات: 63-165] ولا يمكن أن نعبد الله بما يرضاه إلا عن طريق الرسل عليهم الصلاة والسلام لأنهم هم الذين بينوا لنا ما يحبه الله ويرضاه… والدليل قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً} [سورة المزمل، الآيتين: 16. 15].

ص ٣٠

العثيمين - أدلة وجوب طاعة الرسل

“فمنْ أطاعَهُ دخلَ الجنَّةَ” هذا حق مستفاد من:

  • قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [سورة آل عمران، الآيتين: 132-133]
  • ومن قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سورة النساء، الآية: 13]
  • ومن قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [سورة النور، الآية: 52]
  • وقوله: {ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً} [سورة النساء، الآية 69].
  • وقوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [سورة الأحزاب، الآية: 71] والآيات في ذلك كثيرة.
  • ومن قوله صلى الله عليه وسلم “كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى” فقيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: “من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني دخل النار” البخاري.

“ومنْ عصاهُ دخلَ النّارَ” هذا أيضاً حق مستفاد من:

  • قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [سورة النساء، الآية: 14]
  • وقوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [سورة الأحزاب، الآية: 36]
  • وقوله {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [سورة الجن، الآية: 23]
  • ومن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: “ومن عصاني دخل النار. ص ٣١-٣٢

الثانية: أنَّ اللهَ لا يرضى أن يُشْرك معهُ أحدٌ في عبادتِه لا نبيٌّ مُرْسَل ولا مَلَكٌ مُقَرَّب ولا غيرهما، والدليلُ قولُهُ تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾.

العثيمين - عظم خطر الشَّرْك

وإِذَا كَانَ اللهُ لَا يَرْضَى بِالكُفْرِ وَالشِّرْكِ فَإِنَّ الوَاجِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ لَا يَرْضَى بِهِمَا؛ لأنَّ الْمُؤْمِنَ رِضَاهُ وَغَضَبُهُ تَبَعُ رِضَا اللهِ وَغَضَبِهِ، فَيَغْضَبُ لِمَا يُغْضِبُ اللَّهَ وَيَرْضَى بمَا يَرْضَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَل وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ اللهُ لَا يَرْضَى الكُفْرَ وَلَا الشَّرْكَ فَإِنَّهُ لا يليق بِمُؤْمِنٍ أَنْ يَرْضَى بِهمَا. وَالشِّرْكُ أَمْرُهُ خَطِيرٌ قَالَ اللهُ عَزَ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [سورة النساء، الآية: 48] وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [سورة المائدة، الآية: 72] وقال النبي صلى الله عليه وسلم “من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار”. ص ٣٣

عثمان الخميس

(قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى: أنا أغْنى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فيه مَعِي غيرِي، تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ). صحيح مسلم (٢٩٨٥)

الثالثة: أنَّ مَنْ أطاعَ الرسولَ ووحَّدَ اللهَ لا يجوزُ لهُ مُوالاةُ مَنْ حادَّ اللهَ ورسولَهُ ولو كان أقْرَبَ قريبٍ، والدليلُ قوله تَعَالىٰ: ﴿لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.

العثيمين - الولاء والبراء

المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْنَا عِلْمُهُ: الوَلَاء وَالبَرَاء. وَالوَلَاء وَالبَرَاءُ أَصْلُ عَظِيمٌ جَاءَتْ فِيهِ النُّصُوصُ الكَثِيرَةُ:

  • قَالَ اللهُ عَزَ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} [سورة آل عمران، الآية: 118]
  • وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورة المائدة، الآية: 51]
  • وقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سورة المائدة، الآية: 57]
  • وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [سورة التوبة، الآيتين: 23-24]
  • وقال عز وجل: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [سورة الممتحنة، الآية: 4] الآية.

وَلِأَنَّ مُوَالَاةَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَمُدَارَاتَهُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا فِي قَلْبِ الإِنْسَانِ مِنَ الإِيمَانِ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ضَعِيفٌ، لأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ العَقْل أَنْ يُحِبَّ الإِنْسَانُ شَيْئًا هُوَ عَدُوٌّ لِمَحْبُوبِهِ. وَمُوَالَاةُ الكُفَّارِ تَكُونُ بِمُنَاصَرَتِهِمْ وَمُعَاوَنَتِهِمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الكُفْرِ وَالضَّلَالِ، وَمُوَادَّتْهُمْ تَكُونُ يفعل الأَسْبَابِ الَّتى تَكُونُ بِهَا مَوَدَّتُهُمْ، فَتَجِدُهُ يَوَادُّهُمْ - أي يَطْلُبُ وُدَّهُمْ بِكُلِّ طَرِيقِ، وَهَذَا لَا شَكٍّ يُنَافِي الإِيمَانَ كُلَّهُ أَوْ كَمَالَهُ. فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ مُعَادَاةُ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَلَوْ كَانَ أَقْرَبَ قَرِيبٍ إِلَيْهِ، وَيُغْضُهُ، وَالبُعْدُ عَنْهُ، وَلَكِنْ هَذَا لَا يَمْنَعُ نَصِيحَتَهُ وَدَعْوَتَهُ لِلْحَقِّ. ص ٣٣-٣٤

عثمان الخميس - أوثق عرى الإيمان

(إنَّ أوْثَقَ عُرى الإسلامِ: أنْ تُحِبَّ في اللهِ، وتُبغِضَ في اللهِ) صحيح الجامع (٢٠٠٩)

العصيمي - بيان المسائل الثلاثة

ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ هُنَا ثَلَاثَ مَسَائِلَ عَظِيمَةٌ (يَجِبُّ عَلَى كُلِّ مُسْلِم وَمُسْلِمَةٍ) تَعلُّمُهُنَّ (وَالعَمَلُ بهن):

  • فَأَمَّا المَسْأَلَةُ الأُولَى: فَمَقْصُودُهَا: بَيَانُ وُجُوبِ طَاعَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ… وَأُتْبِعَ خَبَرُ إِرْسَالِ الرَّسُولِ إِلَيْنَا بِذِكْرِ إِرْسَالِ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَى فِرْعَونَ، وَعَاقِبَةِ عِصْيَانِهِ = تَحْذِيرًا لِهَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ عِصْيَانِ النَّبِيِّ المُرْسَلِ إِلَيْهَا…
  • وَأَمَّا المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فَمَقْصُودُهَا: إِبْطَالُ الشِّرْكِ فِي العِبَادَةِ، وَإِحْقَاقُ تَوْحِيدِ اللَّهِ بِبَيَانِ أَنَّ اللهَ لَا يَرْضَى أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُ فِي عِبَادَتِهِ… وَالنَّهْيُّ عَنْ دَعْوَةِ غَيْرِ اللَّهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ العِبَادَةَ كُلَّهَا اللَّهِ وَحْدَهُ، فَالدُّعَاءُ يُطْلَقُ فِي خِطَابِ الشرع أسما لِلْعِبَادَةِ كُلْهَا تَعْظِيمَا لَهُ… وَإِبْطَالُ عِبَادَةِ غَيْرِهِ يَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ العِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ.
  • وَأَمَّا المَسْأَلَةُ الثَّالِثةُ: فَمَقْصُودُهَا: بَيَانُ وُجُوبِ البَرَاءَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ؛ لِأَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِبْطَالَ الشِّرْكِ لَا يَتَحَقَّقَانِ إِلَّا بِإِقَامَةِ هَذَا الْأَصْلِ.

ص ١٦-١٧

تعريف الحنيفيةَ

اعلَمْ -أرشدَكَ اللهُ - لطاعتِه أنَّ الحنيفيةَ -مِلَّةَ إبراهيمَ-: أنْ تعبدَ اللهَ وحدَهُ مخلصًا له الدِّين وبذلك أَمَرَ اللهُ جميعَ الناس وخلَقَهم لها كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾،

العصيمي - معنى الحنيفيةَ

الحَنِيفِيَّةَ فِي الشَّرْعِ لَهَا مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا: عَامٌ، وَهُوَ: الإِسْلَامُ. وَالآخَرُ: خَاصٌ؛ وَهُوَ: الإِقْبَالُ عَلَى اللهِ بِالتَّوْحِيدِ، وَلَازِمُهُ المَيْلُ عَمَّا سِوَاهُ بِالبَرَاءَةِ مِنَ الشِّرْكِ. فَأَصْلُ الحَنِيفِيَّةَ وَضْعًا هُوَ: الإِقْبَالُ، وَالمَيْلُ لَازِمُهَا، وَالكَلِمَةُ لَا تُفَسِّرُ بِاللَّازِمِ ابْتِدَاءً، فَتُفَسَّرُ بمَا وُضِعَتْ لَهُ فِي كَلَامِ العَرَب، ثُمَّ يَكُونُ اللَّازِمُ تَابِعًا لَهُ، فَأَصْلُ الحَنِيفِيَّةِ هِيَ: الإِقْبَالُ، وَإِذَا أَقْبَلَ العَبْدُ عَلَى شَيْءٍ مَالَ عَنْ غَيْرِهِ. وَالمَذْكُورُ فِي قَوْلِ المُصَنِّفِ: (أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ)؛ هُوَ مَقْصُودُ الحَنِيفِيَّةِ، وَلُبُهَا المُحَقِّقُ وَصْفَهَا الجَامِعَ لِلْمَعْنَيَيْنِ مَعًا. وَهِيَ دِينُ الأَنْبِيَاءِ جَمِيعًا، فَلَا تَخْتَصُّ بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَأُضِيفَتْ إِلَيْهِ فِي كَلَامِ المُصَنِّفِ تَبَعًا لإضَافَتِهَا لَهُ فِي القَرْآنِ الكَرِيمِ. ص ١٩

العصيمي - سبب إضافة الحنيفيةَ إلى إِبْرَاهِيم

وَأَضِيفَتِ الملة التَّوْحِيدِيَّةُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لِأَمْرَيْنِ:

  • أَحَدُهُمَا: أَنَّ الَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ نَبينا صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ يَعْرِفُونَ إِبْرَاهِيمَ، وَيَذْكُرُونَ أَنَّهُمْ مِنْ صَلَّى ذُرِّيَّتِهِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ عَلَى دِينِهِ، فَحَقِيقٌ بِهِمْ أَنْ يَكُونُوا مِثْلَهُ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ.
  • وَالآخَرُ: أَنَّ اللهَ جَعَلَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِمَامًا لَمنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، بِخِلَافِ سَابِقِيهِ، فَلَمْ يَجْعَلْ أَحَدًا مِنْهُمْ إِمَامًا لِمَنْ بَعْدَهُ، ذَكَرَهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَبْنُ جَرِيرٍ فِي «تَفْسِيرِهِ».
  • وإبراهيم عليه الصلاة والسلام هو أكمل الخلق في تحقيق التوحيد، حتّى رَقى إلى مرتبة الخُلّة، وشاركه نبيُّنا ﷺ فيها، وإبراهيمُ والدٌ ونبيُّنا ولدٌ، فالنسبة إلى الوالِد أكمل من النسبة إلى الولد.

ص ١٩

العثيمين - معنى العبادة

  • العِبَادَةُ بمفهومها العام هِيَ «التَّذَلُّلُ اللهِ محبَّةٌ وَتَعْظِيمًا بِفِعْلِ أَوَامِرِهِ، وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ عَلَى الوَجْهِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ شَرَائِعُهُ».
  • أَمَّا الْمَفْهُومُ الخاص لِلْعِبَادَةِ - يَعْنِي تَفْصِيلَهَا - فَقَدْ قَالَ شَيْخُ الإِسْلَام ابْنُ تَيْمِيَّة رحمة الله: «العِبَادَةُ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ مِنَ الْأَقْوَالِ، وَالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ كَالخَوْفِ وَالخَشْيَةِ، وَالتَّوَكُلِ، وَالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصَّيَامِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ شرائع الإسلام»

ص ٣٥

العصيمي - معنى العبادة

وعِبَادَةُ اللهِ لَهَا مَعْنَيَانِ فِي الشَّرْع:

  • أَحَدُهُمَا: عَامٌ، وَهُوَ: امْتثَالُ خِطَابِ الشَّرْعِ المُقْتَرِنُ بِالحُبِّ وَالْخُضُوعِ.
  • وَالثَّانِي: خَاصٌ وَهُوَ التَّوْحِيدُ.

وَعُبّرَ بِ (الخضُوعِ) فِي بَيَانِ المَعْنَى العَامُ لِلْعِبَادَةِ دُونَ (الذُّلُّ) لِأَمْرَيْنِ:

  • أَحَدُهُمَا: مُوَافَقَةُ الخِطَابِ الشَّرْعِيّ؛ لِأَنَّ الخضُوعَ مِمَّا يُعْبَدُ اللَّهُ بِهِ بِخِلَافِ الذُّل، فَالخَضُوعُ يَكُونُ دِينِيًّا شَرْعِيَّا، وَكوْنِيا قَدَرِيَّا، وَأَمَّا الذُّلُّ فَإِنَّهُ كَوْنِيٌّ قَدَرِيٌّ لَا دِينِيٌّ شَرْعِيٌّ، فَيُتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ بِالخُضُوعِ وَيَكُونُ عِبَادَةً لَهُ، وَلَا يُتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ بِالذُّلِّ وَلَا يَكُونُ عِبَادَةً لَهُ…
  • وَالآخَرُ: أَنَّ الذُّلَّ يَنْطَوِي عَلَى الْإِجْبَارِ وَالقَهْرِ جَامِعًا مَحْذُورَيْنِ:
    • الأَوَّلُ: أَنَّ قَلْبَ الدَّلِيلِ فَارِغْ مِنَ الإِقْبَالِ بِالتَّعْظِيمِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ العِبَادَةِ.
    • وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ نَقْصًا لَا يُنَاسِبُ مَقَامَ عِبَادَةِ اللهِ المُورِثَةِ كَمَالَ الْحَالِ.

ص ٢٠

العثيمين - معنى الإخلاص

الإِخْلَاصُ هُوَ التَّنْقِيةُ، وَالْمَرَادُ بِهِ أَنْ يَقْصِدَ المَرْهُ بِعِبَادَتِهِ وَجْهَ اللَّهِ عَزَ وَجَلَّ، وَالوُصُولَ إلى دَارٍ كَرَامَتِهِ، بِحَيْثُ لَا يَعْبُدُ مَعَهُ غَيْرَهُ لَا مَلَكًا مُقَرَّبًا وَلَا نَبِيًّا مُرْسَلًا.

ص ٣٥

العثيمين - أدلة الأمر بالحنيفية

  • قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل: ١٢٣].
  • وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَمَن يَرْغَبُ عَن مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَهُ في الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٣٠) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمُ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٣١) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَنبَنِي إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الَّذِينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (١٣٢)﴾ [البقرة: ۱۳۰ - ۱۳۲]…
  • كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٢٥].
  • وَبَيَّنَ اللهُ عَزَ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ أَنَّ الخَلْقَ إِنَّمَا خُلِقُوا لِهَذَا، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦].

ص ٣٦

العصيمي - وجه دلالة الأية على الأمر بالحنيفية وخلق الناس لها

وَدِلالة الآية عَلَى المَسْأَلَتَيْنِ مِنْ جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: صَرِيحُ نَصْهَا؛ المبين أنهم مخلوقونَ لِلْعِبَادَةِ. وَالأُخْرَى لَازِمُ لَفْظِهَا المُبيِّنُ أَنَّ النَّاسَ مَأْمُورُونَ بها؛ لأنهُمْ تَخلُوفُونَ لِأَجْلِهَا. وَعَالَمُ الحِنِّ وَعَالَمُ الإِنْسِ يَجْمَعُهُمَا أَسْمُ (النَّاسِ) فِي أَصَحٌ الْقَوْلَيْنِ، فَيَنْدَرِجَانِ فِي قَوْلِ المُصَنِّفِ: (وَبِذَلِكَ أَمَرَ اللهُ جَمِيعَ النَّاسِ، وَخَلَقَهُمْ لَهَا)، فَظَهَرَ بِهَذَا الإِيضَاحِ وَجْهُ دِلَالَةِ الآيَةِ عَلَى المَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا: الأَمْرِ بِهَا، وَالخَلْقِ لَهَا؛ فَالخَلْقُ صَرِيحُ نَصِّهَا، وَالْأَمْرُ لَازِمُ لَفْظِهَا. ص ٢١

ومعنى ﴿يَعْبُدُونِ﴾: يوحِّدونِ. وأعظمُ ما أَمرَ اللهُ به: التوحيدَ، وهو إفرادُ اللهِ بالعبادة.

العصيمي - وجه تفسير العبادة بالتَّوحيد

فَسَّرَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ (يَعْبُدُونِ) بِقَوْلِهِ: (يُوَحِّدُونِ)، وَلَهُ وَجْهَانِ:

  • أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مِنْ تَفْسِيرِ اللَّفْظِ بِأَخَصَّ أَفْرَادِهِ تَعْظِيمًا لَهُ؛ فَآكَدُ أَنْوَاعِ العِبَادَةِ وَأَعْظَمُهَا هُوَ التَّوْحِيدُ.
  • وَالآخَرُ: أَنَّهُ مِنْ تَفْسِيرِ اللَّفْظِ بِمَا وُضِعَ لَهُ فِي خِطَابِ الشَّرْعِ، فَالعِبَادَةُ تُطْلَقُ فِي الشَّرْعِ وَيُرَادُ بِهَا التَّوْحِيدُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ﴾ [البقرة:۲۱]؛ أَيْ: وَحْدُوهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُما: «كُلُّ مَا وَرَدَ فِي القُرْآنِ مِنَ العِبَادَةِ فَمَعْنَاهَا التَّوْحِيدُ»، ذَكَرَهُ البَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ.

وَالعِبَادَةُ وَالتَّوْحِيدُ أَصْلَانِ عَظِيمَانِ تَتَحَقَّقُ صِلَتْهُمَا افْتِرَاقا وَاتِّفَاقًا بِحَسَبِ المَعْنَى المَنْظُورِ إِلَيْهِ؛ فلهما حَالَانِ:

  • الحَالُ الأُولَى: اتَّفَاقُهُمَا إِذَا نُظِرَ إِلَى إِرَادَةِ التَّقَرُّبِ…
  • وَالحَالُ الثَّانِيَةُ: افْتِرَاقُهُمَا إِذَا نُظِرَ إِلَى الأَعْمَالِ المُتَقَرَّبِ بِهَا. ص ٢١-٢٢

العثيمين - أنواع العبادة

وَاعْلَمْ أَنَّ العِبَادَةَ نَوْعَانِ:

  1. عِبَادَةٌ كَوْنِيَّةٌ، وَهِيَ الخُضُوعُ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى الكَوْنِيِّ، وَهَذِهِ شَامِلَةٌ جَمِيعِ الخَلْقِ، لَا يَخْرُجُ عَنْهَا أَحَدٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا وَاتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم: ٩٣] فَهِيَ شَامِلَةٌ لِلْمُؤْمِنِ وَالكَافِرِ، وَالبَرِّ وَالفَاجِرِ.
  2. وَالثَّانِي: عِبَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَهِيَ الخُضُوعُ لِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى الشَّرْعِيِّ، وَهَذِهِ خَاصَّةٌ بِمَنْ أَطَاعَ اللهَ تَعَالَى، وَاتَّبَعَ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣].

فَالنَّوعُ الأَوَّلُ لَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ الإِنْسَانُ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، لَكِنْ قَدْ يُحْمَدُ عَلَى مَا يَحْصلُ مِنْهُ مِنْ شُكْرِ عِنْدَ الرَّخَاءِ، وَصَبْرِ عَلَى البَلاءِ، بِخِلَافِ النّوع الثَّانِي فَإِنَّهُ يُحْمَدُ عَلَيْهِ. ص ٣٦-٣٧

العثيمين - معنى التوحيد

التَّوْحِيدُ لُغَةٌ مَصْدَرُ وَحَدَ يُوَحْدُ، أَيْ: جَعَلَ الشَّيْءَ وَاحِدًا، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِنَفْيِ وَإِثْبَاتٍ، نَفْيِ الحُكْمِ عَمَّا سِوَى الْمُوَحَّدِ وَإِثْبَاتِهِ لَهُ، فَمَثَلًا نَقُولُ: إِنَّهُ لَا يَتِمُّ لِلإِنْسَانِ التَّوْحِيدُ حَتَّى يَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ فَيَنْفِي الْأُلُوهِيَّةَ عَمَّا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى، وَيُثْبتها اللهِ وَحْدَهُ. وفي الإصْطِلاح عَرَّفَهُ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ: «التَّوْحِيدُ هُوَ إِفْرَادُ اللَّهِ بِالعِبَادَةِ» أَيْ: أَنْ تَعْبُدَ الله وَحْدَهُ لا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، لَا تُشْرِكَ بِهِ نَبِيًّا مُرْسَلًا، وَلَا مَلَكًا مُقَرَّبًا، وَلَا رَئِيسًا، وَلَا مَلِكًا، وَلَا أَحَدًا مِنَ الخَلْقِ، بَل تُفْرِدُهُ وَحْدَهُ بِالعِبَادَةِ محبَّةٌ وَتَعْظِيمًا، وَرَغْبَةً وَرَهْبَةً، وَمُرَادُ الشَّيْخ رَحِمَهُ اللهُ التَّوْحِيدُ الَّذِي بُعِثَتِ الرُّسُلُ لِتَحْقِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَصَلَ بِهِ الإِخْلَالُ مِنْ أَقْوَامِهِمْ. وَهُنَاكَ تَعْرِيفٌ أَعَمُّ لِلتَّوْحِيدِ وَهُوَ: «إِفْرَادُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ». ص ٣٧

العثيمين - أنواع التوحيد

وَأَنْوَاعُ التَّوْحِيدِ ثَلَاثَةٌ:

  1. الأَوَّلُ: تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ، وَهُوَ إِفْرَادُ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالخَلْقِ، وَالمُلْكِ، وَالتَّدْبِيرِ قَالَ اللهُ عَزَ وَجَلَّ: ﴿اللَّهُ خَلِقُ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الزمر: ٦٢]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿هَلْ مِنْ خَلِقٍ غَيْرُالله يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [فاطر:۳] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿تَبَرَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرُ﴾ [الملك: ١] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٥٤].
  2. الثَّانِي: تَوْحِيدُ الأُلُوهِيَّةِ، وَهُوَ «إِفْرَادُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالعِبَادَةِ بِأَنْ لَا يَتَّخِذَ الإِنْسَانُ مَعَ اللهِ أَحَدًا يَعْبُدُهُ وَيَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ، كَمَا يَعْبُدُ اللهَ تَعَالَى وَيَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ».
  3. الثَّالِثُ: تَوْحِيدُ الأَسْمَاءِ وَالصَّفَاتِ، وَهُوَ إِفْرَادُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِمَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ، وَوَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ، أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، وَذَلِكَ بِإِثْبَاتِ مَا أَثْبَتَهُ وَنَفَي مَا نَفَاهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفِ، وَلَا تَعْطِيلِ، وَمِنْ غَيْرِ تَكيف، وَلا تمثيل».

ص ٣٧-٣٨

العصيمي - معنى التوحيد وأنواعه

ذَكَرَ المُصَنِّفُ أَنَّ “أَعْظَمَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ التَّوْحِيدُ”، وَ”أَعْظَمَ مَا نَهَى عَنْهُ: الشَّرْكُ”، مَعَ بَيَانِ حَدٌ التَّوْحِيدِ وَالشِّرْكِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الحَنِيفِيَّةَ مُرَكَّبة مِنَ الإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ بِالتَّوْحِيدِ، وَلَازِمُهُ المَيْل عَنْ مَا سِوَاهُ بِالبَرَاءَةِ مِنَ الشِّرْكِ؛ أحْتيج إلى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ التَّوْحِيدِ وَالشِّرْكِ. وَالتَّوْحِيدُ لَهُ مَعْنَيَانِ شَرْعًا: 4. أَحَدُهُمَا: عَام وَهُوَ: إِفْرَادُ اللهِ بحقه. وحَقُّ اللَّهِ نَوْعَانِ: حَقٌّ فِي المَعْرِفَةِ وَالإِثْبَاتِ، وَحَقٌّ فِي الإِرَادَةِ وَالطَّلب. وَيَنْشَأُ مِنْ هَذَيْنِ الحقيْنِ أَنَّ الوَاجِبَ اللهِ مِنَ التَّوْحِيدِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعِ هِيَ: تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ وَتَوْحِيد الألوهية، وَتَوْحِيدُ الأَسْمَاءِ وَالصَّفَاتِ. 5. وَالآخَرُ: خَاصٌ؛ وَهُوَ: إِفْرَادُ اللهِ بِالعِبَادَةِ. وَالمَعْنَى الثَّانِي هُوَ المَعْهُودُ شَرْعًا؛ أَيْ: المُرَادُ عِنْدَ ذِكْرِ (التَّوْحِيدِ) فِي الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ، وَمِنْ هُنَا أَقْتَصَرَ عَلَيْهِ المُصَنِّفُ وَخَصَّهُ بِالذِّكْرِ دُونَ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِهِ، فَقَالَ: (التَّوْحِيدُ، وَهُوَ إِفْرَادُ اللهِ بِالعِبَادَةِ) اقْتِصَارًا عَلَى المَعْهُودِ الشَّرْعِيِّ. ص ٢٣

العصيمي - التوحيد أعظم أمر

ذَكَرَ المُصنِّفُ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ أَعْظَمَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ التَّوْحِيدُ، وَأَنَّ أَعْظَمَ مَا نَهَى عَنْهُ الشِّرْكُ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النِّسَاء: ٣٦]، وَالْأَعْظَمِيَّةُ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ كَوْنِ هَذِهِ الجُمْلَةِ هِيَ صَدْرُ آيَةِ الحُقُوقِ العَشَرَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامى …} (النِّسَاء :٣٦) إِلَى تَمامِ الآيَةِ. وَدِلَالَتُهَا عَلَى أَعْظَمِيَّتِهِمَا أَمْرًا وَنَهْيًا مِنْ وَجْهَيْنِ:

  • أَحَدُهُمَا: ابْتِدَاء تِلْكَ الحُقُوقِ المُعَظَّمَةِ بِالأَمْرِ بِالْعِبَادَةِ - وَحَقِيقَتُهَا : التَّوْحِيدُ ، وَبِالنَّهْيِ عَنِ الشِّرْكِ.
  • وَالآخَرُ: عَطْفُ مَا بَعْدَهُمَا عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُبْدَأُ إِلَّا بِالأَهمُ، صَرَّحَ بِهِ ابْنُ قَاسِمِ العَاصِمِيُّ فِي حَاشِيَةِ ثَلَاثَةِ الأُصُولِ، وَأَلْمَحَ إِلَيْهِ المُصَنِّفُ فِي مَسَائِلِ التَّرْجَمةِ الأُولَى مِنْ كِتَابِ التَّوْحِيدِ»، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: (الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: آيَةُ سُورَةِ النِّسَاءِ الَّتِي تُسَمَّى آيَةَ الحُقُوقِ العَشَرَةِ، بَدَأَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء: ١٣٦]) أهـ. فَاقْتِصَارُهُ عَلَى المَبْدُوءِ بِهِ عِنْدَ ذِكْرِ آيَةِ الحُقُوقِ العَشَرَةِ يُرَادُ بِهِ الاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الوَجْهِ عَلَى أَعْظَمِيَّةِ الأَمْرِ بِالتَّوْحِيدِ وَالنَّهْي عَنِ الشِّرْكِ، وَهَذَا مِمَّا غَمُضُ عَلَى بَعْضٍ شُرَّاحٍ هَذَا الكِتَابِ، فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الأَمْرُ بِالتَّوْحِيدِ وَالنَّهْيُّ عَنِ الشِّرْكِ، إِذْ قَالَ اللهُ: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النِّسَاء: ٣٦]، وَأَنَّ الْأَعْظَمِيَّةَ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ أَدِلَّةٍ خَارِجِيَّةٍ؛ وَهَذَا غَلَط ، فَالآيَةٌ دَالَّةٌ عَلَى الأَمْرَينِ مَعًا، فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى الْأَمْرِ بِالتَّوْحِيدِ وَالنَّهْي عَنِ الشِّرْكِ، كَمَا تَدُلُّ عَلَى أَعْظَمِيَّةِ الأَمْرِ بِالتَّوْحِيدِ وَالنَّهْي عَنِ الشِّرْكِ عَلَى الوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. ص ٢٤ - ٢٥

العثيمين - المراد بالتوحيدِ في هذا الموضع

وَمُرَادُ المؤلف هُنَا تَوْحِيدُ الأُلُوهِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي ضَلَّ فِيهِ المُشْرِكُونَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمُ النبي صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، واسْتَبَاحَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ، وَسَبى نِسَاءَهُمْ وَذُرِّيَّتَهُمْ، النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ. وَأَكْثَرُ مَا يُعَالِجُ الرُّسُلُ أَقْوَامَهُمْ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ التَّوْحِيدِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كل أَمة رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا الله﴾ (النحل: ١٣٦). فَالعِبَادَةُ لَا تصِحُ إِلَّا للهِ عَز وجَل. ص ٣٨

العثيمين - المخل بتوحيد الأُلُوهِيَّةِ كافرٌ

وَمَنْ أَخَلَّ بِهَذَا التَّوْحِيدِ فَهُوَ مُشْرِكٌ كَافِرُ، وَإِنْ أَقَرٌ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصَّفَاتِ، فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ رَجُلًا يُقِرُّ إِقْرَارًا كَامِلًا بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصَّفَاتِ، ولكنه يَذْهَبُ إلَى القَبرِ فَيَعْبُدُ صَاحِبَهُ، أَوْ يَنذَرُ لَهُ قُرْبَانًا يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ مُشْرِكٌ كَافِرُ خَالِدٌ فِي النَّارِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ [المائدة: ٧٢]. وَإِنَّمَا كَانَ التَّوْحِيدُ أَعْظَمَ مَا أَمَرَ اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ الأَصْلُ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَيْهِ الدِّينُ كُلُّهُ، وَلِهَذَا بَدَأَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ، وَأَمَرَ مَنْ أَرْسَلَهُ لِلدَّعْوَةِ أَنْ يَبْدَأُ بِهِ. ص ٣٨

وأعظمُ ما نهى عنه الشركُ وهو دعوةُ غيرهِ معهُ؛ والدليل قوله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾.

العثيمين - لماذا كان أعظم ما نهى الله تعالى عنه الشرك؟

أَعْظَمُ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ الشَّرْكُ؛ وَذَلِكَ لأَنَّ أَعْظَمَ الحُقُوقِ هُوَ حَقُّ الله عَز وجَلْ فَإِذَا فَرَّطَ فِيهِ الإِنْسَانُ فَقَدْ فَرّط في أعظم الحقُوقِ، وَهُوَ تَوْحِيدُ اللهِ عَزَّ وَجَل. قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿إِن الشِرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان:۱۳]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء :٤٨]، وَقَالَ عَزَّوَجَلَّ: ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَلَا بَعِيدًا﴾ [النساء: ١١٦]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَنهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ [المائدة:۷۲]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨]. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ: (أَعْظَمُ الذَّنب أَنْ تَجْعَلَ الله نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ) وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ، رَضَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ». وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ. ص ٣٩

العصيمي - أنواع الشرك

والشِّرْكُ يُطْلَقُ فِي الشَّرْعِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ:

  • أَحَدُهُمَا: عَامٌ؛ وَهُوَ: جَعْلُ شَيْءٍ مِنْ حَقٌّ اللَّهِ لِغَيْرِهِ.
  • وَالثَّانِي: خَاصٌ ؛ وَهُوَ: جَعْلُ شَيْءٍ مِنَ الْعِبَادَةِ لِغَيْرِ اللَّهِ.

والمعنى الثّانِي هُوَ المعهودُ شَرْعًا؛ أَي المُرَادُ إِذَا أُطلِقَ اسْمٌ الشِّرْكِ في الآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ: (وَأَعْظَمُ مَا نَهَى عَنْهُ الشِّرْكُ، وَهُوَ: دَعْوَةُ غَيْرِهِ مَعَهُ)؛ لِأَنَّ الشِّرْكَ يُطْلَقُ فِي خِطَابِ الشَّرْعِ وَيُرَادُ بِهِ الشَّرْكُ المُتَعَلَّقُ بِالعِبَادَةِ، وَالعِبَادَةُ يُعَبَّرُ عَنْهَا – كَمَا تَقَدَّمَ - بِالدُّعَاءِ، فَقَوْلُهُ: (وَهُوَ: دَعْوَةُ غَيْرِهِ مَعَهُ)؛ بِمَنْزِلَةٍ قَوْلِنَا: وَهُوَ عِبَادَةُ غَيْرِ اللَّهِ مَعَهُ. ص ٢٤

الأصول الثلاثة

العثيمين - الأصول الثلاثة هي أسئلة القبر

وَهَذِهِ الأُصُولُ الثَّلَاثَةُ يُشِيرُ بِهَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى الْأُصُولِ الَّتِي يُسْأَلُ عَنْهَا الإِنْسَانُ في قَيْرِهِ: مَنْ رَبُّكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيِّكُ؟ ص ٤٠

عثمان الخميس - الأصول الثلاثة

الكتاب على طريقة السؤال والجواب وهي من أنفع طرق التعليم. ويريد الكتاب معرفة العبد لربه بأسماءه وصفاته، فكلما كان العبد لله أعرف كان له أخشى، ومعرفة دينه أي الحلال والحرام للعبادة على بصيرة، ومعرفة نبيه. أي: معرفة المرسَل: النبي ﷺ والمرسِل: الله عز وجل والرسالة: الدين.

العصيمي - الأصول الثلاثة

لَا يُمْكِنُ القِيَامُ بِالْعِبَادَةِ إِلَّا بِمَعْرِفَةِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ:

  • أَوَّلهُا: مَعْرِفَةُ المَعْبُودِ الَّذِي تُجْعَلُ لَهُ العِبَادَةُ؛ وَهُوَ اللَّهُ عَزَ وَجَلَّ.
  • والثَّانِي: مَعْرِفَةُ المبلغ عَنِ المعبودِ، وَهُوَ الرَّسُولُ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.
  • وَالثَّالِثُ: مَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ العِبَادَةِ، وَهِيَ الدِّينُ. ص ٢٧

١. معرفة الله تعالى (من ربك؟)

فَإِذَا قِيلَ لَكَ: مَا الأُصُولُ الثلاثةُ التي يجبُ على الإنسانِ معرفتُها؟ فقُلْ: معرِفةُ العبدِ رَبَّهُ، ودينَهُ، ونبيَّهُ محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

العصيمي - أُصُولُ مَعْرِفَةِ اللهِ الوَاجِبَةِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَرْبَعَةٌ

  • أَوَّلُها مَعْرِفَةً وُجُودِهِ؛ فَيُؤْمِنُ العَبْدُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ.
  • وَثَانِيهَا: مَعْرِفَةُ رُبُويَّتِهِ فَيُؤْمِنُ العَبْدُ بِأَنَّهُ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ.
  • وَثَالِتُهَا: مَعْرِفَةُ أُلُوهِيَّتِهِ؛ فَيُؤْمِنُ العَبْدُ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُعْبَدُ بِحَقِّ وَحْدَهُ.
  • وَرَابِعُها مَعْرِفَةً أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، فَيُؤْمِنُ العَبْدُ بِأَنَّ اللَّهِ أَسْمَاء حُسْنَى، وَصِفَاتٍ عُلَا. وَمِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ قَدْرُ يَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وَمَا زَادَ عَلَى هَذَا القَدْرِ فَالنَّاسُ يَتَفَاضَلُونَ فِيهِ. ص ٣٠

العثيمين - الدليل المرشد إلى معرفة الله تعالى

١- النَّظَرُ وَالتَّفَكُرُ فِي مَخْلُوقَاتِهِ عَزَ وَجَلَّ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى مَعْرِفَتِهِ، وَمَعْرِفَةِ عَظِيمٍ سُلْطَانِهِ، وَتَمَامِ قُدْرَتِهِ، وَحِكْمَتِهِ، وَرَحْمَتِهِ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ} [الأعراف: 185]، وَقَالَ عَزَ وَجَلَّ: {إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾ [سبأ: 46]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتِ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: 190]. وَقَالَ عَزَ وَجَلَّ: {إِنَّ فِي اخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ﴾ [يونس: 6]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِى فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 164]. ٢- النَّظَرُ فِي آيَاتِهِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهِيَ الوَحْيُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَيَنْظُرُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْمَصَالِحِ العَظِيمَةِ الَّتِي لَا تَقُومُ حَيَاةُ الخَلْقِ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا بِهَا، فَإِذَا نَظَرَ فِيهَا وَتَأَمَّلَهَا وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ العِلْمِ وَالحِكْمَةِ، وَوَجَدَ انْتِظَامَهَا وَمُوَافَقَتَهَا لِمَصَالِحِ العِبَادِ - عَرَفَ بِذَلِكَ رَبَّهُ عَزَ وَجَلَّ، كَمَا قَالَ اللهُ عَزَ وَجَلَّ: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنَ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 82]. ٣- وَمِنْهَا مَا يُلْقِي اللَّهُ عَزَ وَجَلَّ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَى رَبَّهُ رَأْيَ العَيْنِ، قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَ سَأَلَهُ جِبْرِيلُ: «مَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ». ص ٤١ - ٤٢

العثيمين - معرفة الدين لا تقاس بما عليه المسلمين اليوم

مَعْرِفَةُ الأَصْلِ الثَّانِي وَهُوَ دِينُهُ الَّذِي كُلِّفَ العَمَلَ بِهِ، وَمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ وَمَصَالِحِ الخَلْقِ، وَدَرْءِ المَفَاسِدِ عَنْهَا، وَدِينُ الْإِسْلَامِ مَنْ تَأَمَّلَهُ حَقَّ التَّأَمُّلِ تَأَمُّلًا مَبْنِيًّا عَلَى الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ - عَرَفَ أَنَّهُ دِينُ الحَقِّ، وَأَنَّهُ الدِّينُ الَّذِي لَا تَقُومُ مَصَالِحُ الخَلْقِ إِلَّا بِهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ نَقِيسَ الإِسْلَامَ بِمَا عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ اليَوْمَ؛ فَإِنَّ المُسْلِمِينَ قَدْ فَرَّطُوا فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، وَارْتَكَبُوا مَحَاذِيرَ عَظِيمَةٌ، حَتَّى كَأَنَّ العَائِشَ بَيْنَهُمْ فِي البِلَادِ الإِسْلَامِيَّةِ يَعِيشُ فِي جَوِّ غَيْرِ إِسْلَامِيٌّ. ص ٤٢

العثيمين - معنى صلاح الدين لكل زمان ومكان

وَالدِّينُ الإِسْلَامِيُّ - بِحَمْدِ اللهِ تَعَالَى - مُتَضَمِّنْ جَمِيعِ الْمَصَالِحِ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا الأَدْيَانُ السَّابِقَةُ، مُتَمَيِّزُ عَلَيْهَا بِكَوْنِهِ صَالِحًا لِكُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ وَأُمَّةٍ. وَمَعْنَى كَوْنِهِ صَالِحًا لِكُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ وَأُمَّةٍ: أَنَّ التَّمَسُّكَ بِهِ لَا يُنَافِي مَصَالِحَ الأُمَّةِ فِي أَيِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ وَأُمَّةٍ، فَدِينُ الإِسْلَامِ يَأْمُرُ بِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ، وَيَنْهَى عَنْ كُلِّ عَمَلٍ سَيِّي، فَهُوَ يَأْمُرُ بِكُلِّ خُلُقٍ فَاضِلٍ، وَيَنْهَى عَنْ كُلِّ خُلُقٍ سَافِلِ. ص ٤٢ - ٤٣

العثيمين - كيفية تحقيق أصل معرفة النبي ﷺ

 الأَصْلُ الثَّالِثُ، وَهُوَ مَعْرِفَةُ الإِنْسَانِ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا، وَتَحْصُلُ بِدِرَاسَةِ حَيَاةِ النَّبِيِّ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ العِبَادَةِ، وَالأَخْلَاقِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ عَزَّوَجَلَّ، وَالجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ جَوَانِبِ حَيَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَلِهَذَا يَنْبَغِي لِكُلِّ إِنْسَانٍ يُرِيدُ أَنْ يَزْدَادَ مَعْرِفَةً بِنَبِيِّهِ وَإِيْمَانًا بِهِ أَنْ يُطَالِعَ مِنْ سِيرَتِهِ مَا تَيَسَّرَ فِي حَرْبِهِ وَسِلْمِهِ، وَشِدَّتِهِ وَرَخَائِهِ، وَجَميعِ أَحْوَالِهِ.  ص ٤٣

فإذا قيلَ لكَ: مَنْ رَبُّكَ؟ فقلْ: ربيَّ اللهُ الذي ربّاني ورَبَّى جميعَ العالمينَ بنعمِهِ

العثيمين - معنى التربية

الرِّعَايَةِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا تَقْوِيمُ الْمُرَبَّى، وَيُشْعِرُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّ الرَّبَّ مَأْخُوذُ مِنَ التَّرْبِيَةِ؛ لأَنَّهُ قَالَ: «الَّذِي رَبَّانِي وَرَبَّى جَمِيعَ العالَمينَ بِنِعَمِهِ» فَكُلُّ العَالَمِينَ قَدْ رَبَّاهُمُ اللَّهُ بِنِعَمِهِ، وَأَعَدَّهُمْ لِمَا خُلِقُوا لَهُ، وَأَمَدَّهُمْ بِرِزْقِهِ. ص ٤٣

العصيمي - معنى العالمين

وَقَوْلُ المُصنفِ رَحِمَهُ اللهُ تَفْسِيرًا لِلعالمين :: (وَكُلُّ مَنْ سِوَى اللَّهِ عَالَم)؛ هِيَ مَقَالَةٌ تَبِعَ فِيهَا غَيْرَهُ مِنَ المُتَأَخْرِينَ. وَحَقِيقَتُها أَصْطِلاحٌ جَرَى بِهِ لِسَانُ عُلَماءِ الكَلَامِ فَشَاعَ وَذَاعَ، وَلَا أَصْلَ لَهُ فِي كَلَام العَرَبِ، فَلَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ العَرَبِ إِطْلَاقُ أَسْمِ العَالَمِينَ عَلَى تَجُمُوعَ مَا سِوَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَمَنْشَؤُهُ أَنَّ عُلَمَاءَ الكَلَام رَتَّبُوا مُقَدِّمَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا اللهُ قَدِيمٌ. وَالْأُخْرَى: العَالَم حَادِثُ. فَأَنْتَجَتِ المُقَدِّمَتَانِ أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللهِ عَالَم فَهِيَ نَتِيجَةٌ عَقْلِيَّةٌ لِقَاعِدَةٍ مَنْطِقِيَّةٍ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي النِّسَانِ العَرَبِ. فَاسْمُ (العَالَمِ) فِي لِسَانِ العَرَبِ يُسْتَعْمَلُ لِلدِّلَالَةِ عَلَى الْأَفْرَادِ الْمُتَجَانِسَةِ، فَيُقَالُ : عَالَمُ الإِنْسِ، وَعَالَمُ الجِنِّ، وَعَالَمُ المَلَائِكَةِ، وَهَلُمَّ جَرًّا…، وَمَجْمُوعُهَا يُسَمَّى (العَالَمِينَ). وَمَا لَا جِنْسَ لَهُ لَا يَنْدِرِجُ فِي هَذَا؛ كَالعَرْشِ وَالكُرْسِيِّ الإِلَهِيَّيْنِ، وَالجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَالمَوْجُودَاتُ سِوَى اللَّهِ نَوْعَانِ:

  • أَحَدُهُمَا: الأَفْرَادُ الَّتِي لَا نَظِيرَ لَهَا مِنْ جِنْسِهَا، فَلَا يُشَارِكُهَا غَيْرُهَا فِي حَقِيقَتِهَا؛ كَالكُرْسِيِّ وَالعَرْشِ، وَالجَنَّةِ وَالنَّارِ.
  • وَالآخَرُ: الأَفْرَادُ المُتَجَانِسَةُ، أَيْ: المُشْتَرِكَةُ فِي جِنْسِ وَاحِدٍ، وَيُسَمَّى مَجْمُوعُهَا بِـ (العَالَمِينَ)؛ كَعَالَم الجن، وعالم الإنس، وَعَالَم المَلائِكَةِ، فَلَا يَصِحُ نَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {رب العالمينَ} بِأَنَّ كُلَّ مَنْ سِوَى اللَّهِ عَالَمْ؛ لِأَنَّهُ أصْطِلاح حَادِثُ، وَالقُرْآنُ لَا يُفَسَّر بِالمُصْطَلَحَ الحَادِثِ.

وَأَحْسَنُ مَنْ عَبَّرَ بِعِبَارَةِ وَافِيَةٍ مِنْ مُتَأَخْرِي الْمُفَسِّرِينَ أَحَدُ عُلَمَاءِ الحَنَابِلَةِ فِي تَفْسِيرٍ طُبِعَ بَأَخَرَةٍ، فَإِنَّهُ لَمَّا جَاءَ إِلَى ذِكْرِ {العَالَمِينَ} قَالَ : أَصْنَافُ الخَلَائِقِ، أَيْ: الخَلَائِقُ ذَوَاتُ الأَصْنَافِ مِمَّا لَهُ جِنْسٌ يَجْمَعُهُ، كَالَّذِي مَثَلْنَا مِنَ المَلَائِكَةِ وَالإِنْسِ وَالجِنِّ، وَمَا لَا صِنْفَ لَهُ فَلَا يَدْخُلُ فِي العَالَمِينَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلْ بِنَفْسِهِ كَالأَعْيَانِ المَذْكُورَةِ آنِفًا مِنَ العَرْشِ وَالكُرْسي وَالجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَهِيَ أَفْرَادُ فَذَةٌ مِنَ المَخْلُوقَاتِ. ص ٣٠ - ٣١

وهو معبودي ليس لي معبودٌ سواهُ. والدليلُ قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ وكلُّ ما سِوَى اللهِ عالَم وأنا واحدٌ من ذلكَ العالَمِ.

العثيمين - معنى رب العالمينَ

أَيْ: مُرَبِّيهِمْ بِالنِّعَمِ، وَخَالِقُهُمْ، وَمَالِكُهُمْ، وَالْمُدَبِّرُ لَهُمْ، كَمَا شَاءَ عَزَّ وَجَلَّ. ص ٤٤

العثيمين - معنى العالم

العَالَمُ: كُلُّ مَنْ سِوَى اللَّهِ، وَسُمُّوا عَالَمًا؛ لِأَنَّهُمْ عَلَمٌ عَلَى خَالِقِهِمْ وَمَالِكِهِمْ وَمُدَبِّرِهِمْ، فَفِي كُلِّ شَيْءٍ آيَةٌ لِلَّهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدٌ. ص ٤٤

فإذَا قيلَ لكَ: بِمَ عرفْتَ ربَّك؟ فقُل: بآياتِه ومخلوقاتِه؛ ومِنْ آياتِه الليلُ والنهارُ والشمسُ والقمرُ، ومِنْ مخلوقاتِه السماواتُ السَّبْعُ ومن فيهن والأَرْضُونَ السَّبع ومَنْ فيهنَّ وما بينهما

العثيمين - معنى وأقسام الآيات

الآيَاتُ: جَمْعُ آيةٍ، وَهِيَ العَلَامَةُ عَلَى الشَّيْءِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَيْهِ وَتُبَيِّنُهُ. وَآيَاتُ اللهِ تَعَالَى نَوْعَانِ: كَوْنِيَّةٌ وَشَرْعِيَّةٌ، فَالكَوْنِيَّةُ هِيَ المَخْلُوقَاتُ، وَالشَّرْعِيَّةُ هِيَ الوَحْيُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللهُ عَلَى رُسُلِهِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُ الْمُؤَلْفِ رَحِمَهُ اللَّهُ: «بِآيَاتِهِ وَخَلُوقاتِهِ مِنْ بَابِ عَطْفِ الخَاصٌ عَلَى العَامَ، إِذَا فَسَّرْنَا الْآيَاتِ بِأَنَّهَا الْآيَاتُ الكَوْنِيَّةُ وَالشَّرْعِيَّةُ، أَوْ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْمُبَايِنِ الْمُغَابِرِ إِذَا خَصَّصْنَا الْآيَاتِ بِالْآيَاتِ الشَّرْعِيَّةِ. وَعَلَى كُلِّ: فَاللَّهُ عَزَ وَجَلَّ يُعْرَفُ بِآيَاتِهِ الكَوْنِيَّةِ، وَهِيَ المَخْلُوقَاتُ العَظِيمَةُ، وَمَا فِيهَا مِنْ عَجَائِبِ الصَّنْعَةِ وَبَالِغِ الحِكْمَةِ، وَكَذَلِكَ يُعْرَفُ بِآيَاتِهِ الشَّرْعِيَّةِ، وَمَا فِيهَا مِنَ العَدْلِ، وَالاشْتِمَالِ عَلَى الْمَصَالِحِ، وَدَفْعِ الْمَفَاسِدِ. ص ٤٥

عثمان الخميس - الوحي من أصول طرق معرفة الله تعالى

ولو زاد المؤلف ووحيه إلى “آياتِه ومخلوقاتِه” لكان أشمل. والمعرفة بآياتِه ومخلوقاتِه إجمالية.

والدليلُ قولُه تَعَالىٰ: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ وقولُهُ تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ في سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ استَوى عَلَى العَرشِ يُغشِي اللَّيلَ النَّهارَ يَطلُبُهُ حَثيثًا وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمرِهِ أَلا لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ العالَمينَ﴾.

العثيمين - خلق السَّماواتِ وَالْأَرْضِ دليل على الله عَزَّ وَجَلَّ

مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ…﴾ الْآيَةَ، وَفِيهَا مِنْ آيَاتِ اللهِ:

  • أَوَّلًا: أَنَّ اللهَ خَلَقَ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ الْعَظِيمَةَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَلَوْ شَاءَ خَلَقَهَا بِلَحْظَةٍ، وَلَكِنَّهُ رَبَطَ الْمُسَيِّبَاتِ بِأَسْبَابِهَا، كَمَا تَقْتَضِيهِ حِكْمَتُهُ.
  • ثَانِيًا: أَنَّهُ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، أَيْ: عَلَا عَلَيْهِ عُلُوًّا خَاصًّا بِهِ كَمَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَهَذَا عُنْوَانُ كَمَالِ الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ.
  • ثَالِثًا: أَنَّهُ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ، بِأَنْ يَجْعَلَ اللَّيْلَ غِشَاءَ لِلنَّهَارِ، أَيْ غِطَاءً لَهُ، فَهُوَ كَالثَّوْبِ يُسْدَلُ عَلَى ضَوْءِ النَّهَارِ فَيُغَطِّيهِ.
  • رَابِعًا: أَنَّهُ جَعَلَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُذَلَّلَاتٍ بِأَمْرِهِ، جَلَّ سُلْطَانُهُ، يَأْمُرُهُنَّ بِمَا يَشَاءُ لِمَصْلَحَةِ الْعِبَادِ.
  • خَامِسًا: عُمُومُ مُلْكِهِ وَتَمَامُ سُلْطَانُهُ حَيْثُ كَانَ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ لَا لِغَيْرِهِ.
  • سَادِسًا: عُمُومُ رُبُوبِيَّتِهِ لِلْعَالَمِينَ كُلِّهِمْ. ص ٤٧

والرَّبُّ هو المعبودُ. والدليلُ قولُه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، قالَ ابنُ كثيرٍ -رحِمَهُ اللهُ تعالى-: «الخالقُ لهٰذه الأشياءِ هو المستحقُّ للعبادةِ».

العثيمين - معنى المعبود

فَالرَّبُّ هُوَ الْمَعْبُودُ، أَيْ: هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ، أَوْ: هُوَ الَّذِي يُعْبَدُ لِاسْتِحْقَاقِهِ لِلْعِبَادَةِ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَنْ عُبِدَ فَهُوَ رَبٌّ، فَالْآلِهَةُ الَّتِي تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ وَاتَّخَذَهَا عُبَّادُهَا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ لَيْسَتْ أَرْبَابًا، وَالرَّبُّ هُوَ الْخَالِقُ الْمَالِكُ الْمُدَبِّرُ لِجَمِيعِ الْأُمُورِ. … قَوْلُهُ: ﴿ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ هَذِهِ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ تُعَلِّلُ مَا سَبَقَ، أَيْ: اعْبُدُوهُ؛ لِأَنَّهُ رَبُّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ، فَمِنْ أَجْلِ كَوْنِهِ الرَّبَّ الْخَالِقَ كَانَ لِزَامًا عَلَيْكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَهَذَا نَقُولُ: يَلْزَمُ كُلَّ مَنْ أَقَرَّ بِرُبُوبِيَّةِ اللهِ أَنْ يَعْبُدَهُ وَحْدَهُ، وَإِلَّا كَانَ مُتَنَاقِضًا. ص ٤٨

العثيمين - معنى التقوى

وَالتَّقْوَى هِيَ اتِّخَاذُ وِقَايَةٍ مِنْ عَذَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِاتِّبَاعِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ. ص ٤٨

أنواعُ العبادةِ

وأنواعُ العبادةِ التي أَمَرَ اللهُ بها: مثلُ الإسلامِ، والإيمانِ، والإحسانِ؛

الخليفي - معنى العبادة

تعريف شيخ الإسلام للعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة. وقد نقول إن العبادة هي كل ما إذا فعلته امتثالا أو تركته امتثالاًً أُجرت عليه، من الواجبات والمستحبات. ما إذا فعلته امتثالاً أو تركته امتثالاً. لأنه أحياناً قد يترك الإنسان أمراً على جهة التعبد، فينال الأجر، شيئاً مكروهاً أو محرماً فينال الأجر.

عثمان الخميس - أنواع العبادة

  • قلبية وهي الأعظم
  • البدنية
    • مالية
    • غير مالية

العثيمين - الْإِسْلَامُ وَالْإِيمَانُ وَالْإِحْسَانُ هِم الدِّينُ

وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ: الْإِسْلَامُ، وَالْإِيمَانُ، وَالْإِحْسَانُ هِيَ الدِّينُ كَمَا جَاءَ ذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا». قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ، يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ. قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ». قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ. قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ». قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ. قَالَ: «مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ». قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا. قَالَ: «أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ». ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟» قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ». فَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ هِيَ الدِّينُ؛ وَذَلِكَ أَنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ لِلدِّينِ كُلِّهِ. ص ٥٠

ومنهُ الدعاءُ، والخوفُ، والرجاءُ، والتوكلُ، والرغبةُ، والرهبةُ، والخشوعُ، والخَشيةُ، والإنابةُ، والاستعانةُ، والاستعاذةُ، والاستغاثةُ، والذَّبْحُ، والنذرُ، وغيرُ ذلك من أنواع العبادةِ التي أَمرَ اللهُ بها كلُّها لله تعالى. والدليلُ قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾. فمَنْ صَرَفَ منها شيئًا لغير الله فهو مشرِكٌ كافرٌ. والدليلُ قوله تعالى: ﴿وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾.

العثيمين - لا يحل صرف العبادة لأحد غير الله عز وجل

[١] أَيْ: كُلُّ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ مِمَّا ذُكِرَ وَغَيْرُهُ للهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَلَا يَحِلُّ صَرْفُهَا لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى. [٢] ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - جُمْلَةً مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ، وَذَكَرَ أَنَّ مَنْ صَرَفَ مِنْهَا شَيْئًا لِغَيْرِ اللهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ كَافِرٌ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّ ٱلْمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا۟ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدًا﴾، وَبِقَوْلِهِ: ﴿وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ لَا بُرْهَٰنَ لَهُۥ بِهِۦ فَإِنَّمَا حِسَابُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦٓ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ ٱلْكَٰافِرُونَ﴾. وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنَ الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ الْمَسَاجِدَ، وَهِيَ مَوَاضِعُ السُّجُودِ، أَوْ أَعْضَاءُ السُّجُودِ للهِ، وَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ: ﴿فَلَا تَدْعُوا۟ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدًا﴾، أَيْ: لَا تَعْبُدُوا مَعَهُ غَيْرَهُ فَتَسْجُدُوا لَهُ. وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنَ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ بِأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ مَنْ يَدْعُو مَعَ اللهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَإِنَّهُ كَافِرٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: ﴿إِنَّهُۥ لَا يُفْلِحُ ٱلْكَٰفِرُونَ﴾. ص ٥١

العثيمين - استحالة البرهنة على تعدد الآلهة

وَفِي قَوْلِهِ: ﴿لَا بُرْهَٰنَ لَهُۥ بِهِۦ﴾ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بُرْهَانٌ عَلَى تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ، فَهَذِهِ الصِّفَةُ ﴿لَا بُرْهَٰنَ لَهُۥ بِهِۦ﴾ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِلْأَمْرِ، وَلَيْسَتْ صِفَةً مُقَيَّدَةً تُخْرِجُ مَا فِيهِ بُرْهَانٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بُرْهَانٌ عَلَى أَنَّ مَعَ اللهِ إِلَٰهًا آخَرَ. ص ٥١

١. الدعاء

وفي الحديثِ: «الدُّعَاءُ مُخُّ العِبَادَة». والدليلُ قوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾.

العثيمين - الدليل على أن الدعاء من العبادة

وَاسْتَدَلَّ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللهُ - بِمَا يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ»، وَاسْتَدَلَّ كَذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَىٰ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدْعُونِيٓ أَسْتَجِبْ لَكُمْۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَٰخِرِينَ﴾. ص ٥٢

العصيمي - الدعاء شرعًا له معنيان

  • أَحَدُهُمَا: عَامٌ، وَهُوَ: أمْثَالُ خِطَابِ الشَّرْع المُقْتَرِنُ بِالحُبِّ وَالخُضُوعِ، فَيَشْمَلُ جَمِيعَ أَفْرَادِ العِبَادَةِ؛ لِأَنَّ (الدُّعَاءَ) يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ العِبَادَةُ كُلُّهَا، وَيُسَمَّى هَذَا: (دُعَاءَ العِبَادَةِ)، فَالصَّلَاةُ مَثَلًا دُعَاءُ، والزَّكَاةُ مَثَلًا دُعَاءُ، وَالْحَجِّ مَثَلًا دُعَاءُ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا يَرْجِعُ إِلَى أَسْمِ العِبَادَةِ، فَيَشْمَلُهُ الدُّعَاءُ عَلَى هَذَا المَعْنَى.
  • وَالْآخَرُ: خَاصٌ؛ وَهُوَ طَلَبُ العَبْدِ مِنْ رَبِّهِ حُصُولَ مَا يَنْفَعُهُ وَدَوَامَهُ، أَوْ دَفْعَ مَا يَضُرُّهُ وَرَفْعَهُ، ويُسمَّى: (دُعَاءَ المَسْأَلَةِ). -ص ٤١

العثيمين - أحوال الدعاء

فَدَلَّتِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَىٰ أَنَّ الدُّعَاءَ مِنَ الْعِبَادَةِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا صَحَّ أَنْ يُقَالَ: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَٰخِرِينَ﴾.

  1. فَمَنْ دَعَا غَيْرَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِشَيْءٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللهُ فَهُوَ مُشْرِكٌ كَافِرٌ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَدْعُو حَيًّا أَوْ مَيِّتًا.
  2. وَمَنْ دَعَا حَيًّا بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: يَا فُلَانُ أَطْعِمْنِي، يَا فُلَانُ أَسْقِنِي، فَلَا شَيْءَ فِيهِ،
  3. وَمَنْ دَعَا مَيِّتًا أَوْ غَائِبًا بِمِثْلِ هَذَا فَإِنَّهُ مُشْرِكٌ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَوِ الْغَائِبَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُومَ بِمِثْلِ هَذَا، فَدُعَاؤُهُ إِيَّاهُ يَدُلُّ عَلَىٰ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ لَهُ تَصَرُّفًا فِي الْكَوْنِ، فَيَكُونُ بِذَلِكَ مُشْرِكًا. ص ٥٢

العثيمين - أنواع الدعاء

وَاعْلَمْ أَنَّ الدُّعَاءَ نَوْعَانِ: دُعَاءُ مَسْأَلَةٍ، وَدُعَاءُ عِبَادَةٍ. 4. فَدُعَاءُ الْمَسْأَلَةِ هُوَ دُعَاءُ الطَّلَبِ، أَيْ: طَلَبِ الْحَاجَاتِ، وَهُوَ عِبَادَةٌ إِذَا كَانَ مِنَ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الِافْتِقَارَ إِلَى اللهِ تَعَالَىٰ وَاللُّجُوءَ إِلَيْهِ، وَاعْتِقَادَ أَنَّهُ قَادِرٌ كَرِيمٌ وَاسِعُ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ. وَيَجُوزُ إِذَا صَدَرَ مِنَ الْعَبْدِ لِمِثْلِهِ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ إِذَا كَانَ الْمَدْعُو يَعْقِلُ الدُّعَاءَ، وَيَقْدِرُ عَلَى الْإِجَابَةِ، كَمَا سَبَقَ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ: يَا فُلَانُ أَطْعِمْنِي. 5. وَأَمَّا دُعَاءُ الْعِبَادَةِ فَأَنْ يَتَعَبَّدَ بِهِ لِلْمَدْعُوِّ؛ طَلَبًا لِثَوَابِهِ، وَخَوْفًا مِنْ عِقَابِهِ، وَهَذَا لَا يَصِلُّ لِغَيْرِ اللهِ، وَصَرْفُهُ لِغَيْرِ اللهِ شِرْكٌ أَكْبَرُ، مُخْرِجٌ عَنِ الْمِلَّةِ، وَعَلَيْهِ يَقَعُ الْوَعِيدُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَٰخِرِينَ﴾ [غافر: ٦٠]. ص ٥٢

٢. الخوف

ودليلُ الخوفِ قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.

العثيمين - معنى الخوف

الْخَوْفُ: هُوَ الذُّعْرُ، وَهُوَ انْفِعَالٌ يَحْصُلُ بِتَوَقُّعِ مَا فِيهِ هَلَاكٌ أَوْ ضَرَرٌ أَوْ أَذًى، وَقَدْ نَهَى اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ خَوْفِ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ، وَأَمَرَ بِخَوْفِهِ وَحْدَهُ. ص ٥٣

العصيمي - معنى الخوف شرعًا

خَوْفُ اللهِ شَرْعًا هُوَ: فِرَارُ القَلْبِ إلى اللهِ ذُعْرًا وَفَزعًا. ص ٤١

العثيمين - أنواع الخوف

وَالْخَوْفُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:

  1. النَّوْعُ الْأَوَّلُ: خَوْفٌ طَبِيعِيٌّ كَخَوْفِ الْإِنْسَانِ مِنَ السَّبُعِ وَالنَّارِ وَالْغَرَقِ، وَهَذَا لَا يُلَامُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى عَنْ مُوسَىٰ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿فَأَصْبَحَ فِي ٱلْمَدِينَةِ خَآئِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: ١٨]، لَكِنْ إِذَا كَانَ هَذَا الْخَوْفُ - كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللهُ - سَبَبًا لِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ كَانَ حَرَامًا؛ لِأَنَّ مَا كَانَ سَبَبًا لِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ فَهُوَ حَرَامٌ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٧٥]. وَالْخَوْفُ مِنَ اللهِ تَعَالَى يَكُونُ مَحْمُودًا، وَيَكُونُ غَيْرَ مَحْمُودٍ.
  • فَالْمَحْمُودُ مَا كَانَتْ غَايَتُهُ أَنْ يَحُولَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَعْصِيَةِ اللهِ، بِحَيْثُ يَحْمِلُكَ عَلَى فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ، فَإِذَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْغَايَةُ سَكَنَ الْقَلْبُ، وَاطْمَأَنَّ، وَغَلَبَ عَلَيْهِ الْفَرَحُ بِنِعْمَةِ اللهِ، وَالرَّجَاءُ لِثَوَابِهِ.
  • وَغَيْرُ الْمَحْمُودِ مَا يَحْمِلُ الْعَبْدَ عَلَى الْيَأْسِ مِنْ رَوْحِ اللهِ وَالْقُنُوطِ، وَحِينَئِذٍ يَتَحَسَّرُ الْعَبْدُ، وَيَنْكَمِشُ، وَرُبَّمَا يَتَمَادَى فِي الْمَعْصِيَةِ؛ لِقُوَّةِ يَأْسِهِ.
  1. النَّوْعُ الثَّانِي: خَوْفُ الْعِبَادَةِ، أَنْ يَخَافَ أَحَدًا يَتَعَبَّدُ بِالْخَوْفِ لَهُ، فَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا للهِ تَعَالَى، وَصَرْفُهُ لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى شِرْكٌ أَكْبَرُ.
  2. النَّوْعُ الثَّالِثُ: خَوْفُ السِّرِّ، كَأَنْ يَخَافَ صَاحِبَ الْقَبْرِ، أَوْ وَلِيًّا بَعِيدًا عَنْهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، لَكِنَّهُ يَخَافُهُ مَخَافَةَ سِرٍّ، فَهَذَا أَيْضًا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ مِنَ الشِّرْكِ. ص ٥٣ - ٥٤

٣. الرَّجاءِ

ودليلُ الرَّجاءِ قوله تعالى: ﴿فَمَن كانَ يَرجو لِقاءَ رَبِّهِ فَليَعمَل عَمَلًا صالِحًا وَلا يُشرِك بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾

العثيمين - معنى الرجاء

الرَّجَاءُ طَمَعُ الْإِنْسَانِ فِي أَمْرٍ قَرِيبِ الْمَنَالِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي بَعِيدِ الْمَنَالِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْقَرِيبِ. وَالرَّجَاءُ الْمُتَضَمِّنُ لِلذُّلِّ وَالْخُضُوعِ لَا يَكُونُ إِلَّا للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَصَرْفُهُ لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى شِرْكٌ، إِمَّا أَصْغَرُ وَإِمَّا أَكْبَرُ، بِحَسَبِ مَا يَقُومُ بِقَلْبِ الرَّاجِي. وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُوا۟ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَٰلِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدًا﴾. وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّجَاءَ الْمَحْمُودَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِمَنْ عَمِلَ بِطَاعَةِ اللهِ وَرَجَا ثَوَابَهَا، أَوْ تَابَ مِنْ مَعْصِيَتِهِ وَرَجَا قَبُولَ تَوْبَتِهِ، فَأَمَّا الرَّجَاءُ بِلَا عَمَلٍ فَهُوَ غُرُورٌ وَتَمَنٍّ مَذْمُومٌ. ص ٥٤

العصيمي - معنى الرجاء شرعًا

أَمَلُ العَبْدِ بِرَبِّهِ فِي حُصُولِ المَقْصُودِ، مَعَ بَذْلِ الْجُهْدِ وَحُسْنِ التَّوَكَّلِ. ص ٤١

٤. التَّوكُّلِ

ودليلُ التَّوكُّلِ قوله تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾.

العثيمين - معنى التَّوكُّل

التَّوَكُّلُ عَلَى الشَّيْءِ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ. وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ تَعَالَى: الِاعْتِمَادُ عَلَى اللهِ تَعَالَى كِفَايَةً وَحَسْبًا فِي جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ، وَهُوَ مِنْ تَمَامِ الْإِيمَانِ وَعَلَامَاتِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوٓا۟ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾. ص ٥٥

العثيمين - أنواع التَّوكُّل

  1. الْأَوَّلُ: التَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ مِنْ تَمَامِ الْإِيمَانِ وَعَلَامَاتِ صِدْقِهِ، وَهُوَ وَاجِبٌ لَا يَتِمُّ الْإِيمَانُ إِلَّا بِهِ، وَسَبَقَ دَلِيلُهُ.
  2. الثَّانِي: تَوَكُّلُ السِّرِّ، بِأَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى مَيِّتٍ فِي جَلْبِ مَنْفَعَةٍ، أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ، فَهَذَا شِرْكٌ أَكْبَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ إِلَّا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ لِهَذَا الْمَيِّتِ تَصَرُّفًا سِرِّيًّا فِي الْكَوْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا، أَوْ وَلِيًّا، أَوْ طَاغُوتًا عَدُوًّا للهِ تَعَالَى.
  3. الثَّالِثُ: التَّوَكُّلُ عَلَى الْغَيْرِ فِيمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْغَيْرُ، مَعَ الشُّعُورِ بِعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ وَانْحِطَاطِ مَرْتَبَةِ الْمُتَوَكِّلِ عَنْهُ، مِثْلَ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَيْهِ فِي حُصُولِ الْمَعَاشِ وَنَحْوِهِ، فَهَذَا نَوْعٌ مِنَ الشِّرْكِ الْأَصْغَرِ؛ لِقُوَّةِ تَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِهِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ. أَمَّا لَوِ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ سَبَبٌ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي قَدَّرَ ذَلِكَ عَلَى يَدِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ، إِذَا كَانَ لِلْمُتَوَكَّلِ عَلَيْهِ أَثَرٌ صَحِيحٌ فِي حُصُولِهِ.
  4. الرَّابِعُ: التَّوَكَّلُ عَلَى الغَيْرِ فِيمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْمُتَوَكَّلُ، بِحَيْثُ يُنِيبُ غَيْرَهُ فِي أَمْرِ تَجُوزُ فِيهِ النِّيَابَةُ، فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ بِدَلَالَةِ الكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالإِجْمَاعِ:
  • فَقَدْ قَالَ يَعْقُوبُ لِبَنِيهِ: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾ [يوسف:87].
  • وَوَكَّلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الصَّدَقَةِ عُمَّالا) وَحُفَّاظًا، وَوَكَّلَ فِي إِثْبَاتِ الحُدُودِ وَإِقَامَتِهَا،
  • وَوَكَّلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِوَاللَّهُ عَنْهُ فِي هَدْيِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجُلُودِهَا وَجِلَالِهَا، وَأَنْ يَنْحَرَ مَا بَقِيَ مِنَ المِئةِ بَعْدَ أَنْ نَحَرَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ.
  • وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ فَمَعْلُومٌ مِنْ حَيْثُ الجُمْلَةِ.

ص ٥٥ - ٥٦

الخليفي - لا يقال توكلت على مخلوق

لا يقال توكلت على الله وعليك. لا، هي لا “وعليك” ولا “ثم عليك”. لأنه ما يتوكل على مخلوق البتة.

٥. الرَّغْبَةِ والرَّهبَةِ والخُشوعِ

ودليلُ الرَّغْبَةِ والرَّهبَةِ والخُشوعِ قولُه تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾.

العثيمين - معنى الرَّغْبَةِ والرَّهبَةِ والخُشوعِ

  • الرَّغْبَةُ: مَحَبَّةُ الوُصُولِ إِلَى الشَّيْءِ المَحْبُوبِ.
  • وَالرَّهْبَةُ: الخَوْفُ الْمُثمِرُ لِلهَرَبِ مِنَ الْمَخُوفِ، فَهِيَ خَوْفٌ مَقْرُونٌ بِعَمَلٍ.
  • الخُشُوعُ: الذُّلُّ وَالتَّطَامُنُ لِعَظَمَةِ اللهِ، بِحَيْثُ يَسْتَسْلِمُ لِقَضَائِهِ الكَوْنِيِّ
وَالشَّرْعِيِّ. 
ص ٥٦

العصيمي - معنى الرَّغْبَةِ والرَّهبَةِ والخُشوعِ شرعًا

  • والرَّغْبة إلى الله شَرْعًا هِيَ إِرَادَةُ مَرْضَاةِ اللهِ فِي الوُصُولِ إِلَى المَقْصُودِ محبَّةٌ لَهُ وَرَجَاءَ
  • وَالرَّهْبَةُ مِنَ اللهِ شَرْعًا هِيَ فرَارُ القَلْبِ إِلَى اللهِ ذُعْرًا وَفَزَعًا، مَعَ عَمَلٍ مَا يُرْضِيهِ.
  • والخشُوعُ للَّهِ شَرْعًا هُوَ: فِرَارُ القَلْبِ إِلَى اللهِ ذُعْرًا وَفَزَعًا مَعَ الخضُوع لَهُ. ص ٤٢

العثيمين - الجمع بين الرَّغْبَةِ والرَّهبَةِ والخُشوعِ

وَصَفَ اللهُ تَعَالَى الْخُلَّصَ مِنْ عِبَادِهِ بِأَنَّهُمْ يَدْعُونَ اللهَ تَعَالَى رَغَبًا وَرَهَبًا مَعَ الْخُشُوعِ لَهُ، وَالدُّعَاءُ هُنَا شَامِلٌ لِدُعَاءِ الْعِبَادَةِ وَدُعَاءِ الْمَسْأَلَةِ، فَهُمْ يَدْعُونَ اللهَ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدَهُ، وَطَمَعًا فِي ثَوَابِهِ، مَعَ خَوْفِهِمْ مِنْ عِقَابِهِ وَآثَارِ ذُنُوبِهِمْ، وَالْمُؤْمِنُ يَنْبَغِي أَنْ يَسْعَى إِلَى اللهِ تَعَالَى بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، وَيُغَلِّبُ الرَّجَاءَ فِي جَانِبِ الطَّاعَةِ لِيَنْشَطَ عَلَيْهَا وَيُؤَمِّلَ قَبُولَهَا، وَيُغَلِّبُ الْخَوْفَ إِذَا هَمَّ بِالْمَعْصِيَةِ؛ لِيَهْرَبَ مِنْهَا، وَيَنْجُوَ مِنْ عِقَابِهَا.

  • وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يُغَلِّبُ جَانِبَ الرَّجَاءِ فِي حَالِ الْمَرَضِ، وَجَانِبَ الْخَوْفِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ مُنْكَسِرٌ، ضَعِيفُ النَّفْسِ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُ فَيَمُوتَ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفِي حَالِ الصِّحَّةِ يَكُونُ نَشِيطًا مُؤَمِّلًا طُولَ الْبَقَاءِ، فَيَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى الْأَشَرِ وَالْبَطَرِ، فَيُغَلِّبُ جَانِبَ الْخَوْفِ؛ لِيَسْلَمَ مِنْ ذَلِكَ.
  • وَقِيلَ: يَكُونُ رَجَاؤُهُ وَخَوْفُهُ وَاحِدًا سَوَاءً؛ لِئَلَّا يَحْمِلَهُ الرَّجَاءُ عَلَى الْأَمْنِ مِنْ مَكْرِ اللهِ، وَالْخَوْفُ عَلَى الْيَأْسِ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَكِلَاهُمَا قَبِيحٌ مُهْلِكٌ لِصَاحِبِهِ. ص ٥٧

٦. الخَشيةِ

ودليلُ الخَشيةِ قوله تعالى: ﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي﴾.

العثيمين - معنى الخَشيةِ

الْخَوْفُ الْمَبْنِيُّ عَلَى الْعِلْمِ بِعَظَمَةِ مَنْ يَخْشَاهُ وَكَمَالِ سُلْطَانِهِ؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَٰٓؤُا۟﴾ [فاطر: ٢٨]، أَيْ: الْعُلَمَاءُ بِعَظَمَتِهِ وَكَمَالِ سُلْطَانِهِ، فَهِيَ أَخَصُّ مِنَ الْخَوْفِ. وَيَتَّضِحُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِالْمِثَالِ، فَإِذَا خِفْتَ مِنْ شَخْصٍ لَا تَدْرِي هَلْ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْكَ أَمْ لَا، فَهَذَا خَوْفٌ، وَإِذَا خِفْتَ مِنْ شَخْصٍ تَعْلَمُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْكَ فَهَذِهِ خَشْيَةٌ. وَيُقَالُ فِي أَقْسَامِ أَحْكَامِ الْخَشْيَةِ مَا يُقَالُ فِي أَقْسَامِ أَحْكَامِ الْخَوْفِ. ص ٥٧

العصيمي - معنى الخشية شرعًا

خَشْيَةُ اللهِ شَرْعًا: فِرَارُ القَلْبِ إِلَى اللهِ ذُعْرًا وَفَرعًا مَعَ العِلْمِ بِهِ وَبِأَمْرِه. ص ٤٢

٧. الإنابة

ودليل الإنابةِ قوله تعالى: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾.

العثيمين - معنى الإنابة

الرُّجُوعُ إِلَى اللهِ بِالْقِيَامِ بِطَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ، وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْ مَعْنَى التَّوْبَةِ، إِلَّا أَنَّهَا أَرَقُّ مِنْهَا لِمَا تُشْعِرُ بِهِ مِنَ الاعْتِمَادِ عَلَى اللهِ وَالنُّزُوعِ إِلَيْهِ، وَلَا تَكُونُ إِلَّا للهِ تَعَالَى. وَدَلِيلُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَنِيبُوٓا۟ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا۟ لَهُۥ﴾، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَسْلِمُوا۟ لَهُۥ﴾ الْإِسْلَامُ الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ الِاسْتِسْلَامُ لِأَحْكَامِ اللهِ الشَّرْعِيَّةِ. ص ٥٨

العصيمي - معنى الإنابةِ شرعًا

رُجُوعُ القَلب إلى اللهِ محبَّةٌ وَخَوْفًا وَرَجَاءَ. ص ٤٢

العثيمين - الإسلام نَوْعَانِ

الْإِسْلَامَ للهِ تَعَالَى نَوْعَانِ:

  1. الْأَوَّلُ: إِسْلَامٌ كَوْنِيٌّ، وَهُوَ الِاسْتِسْلَامُ لِحُكْمِهِ الْكَوْنِيِّ، وَهَذَا عَامٌّ لِكُلِّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ، وَبَرٍّ وَفَاجِرٍ، لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَكْبِرَ عَنْهُ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَهُۥٓ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ [آل عمران: ٨٣].
  2. الثَّانِي: إِسْلَامٌ شَرْعِيٌّ، وَهُوَ الِاسْتِسْلَامُ لِحُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ، وَهَذَا خَاصٌّ بِمَنْ قَامَ بِطَاعَتِهِ مِنَ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ بِإِحْسَانٍ، وَدَلِيلُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ، وَمِنْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللهُ. ص ٥٨

٨. الاستعانةِ

ودليل الاستعانةِ قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾،وفي الحديثِ: «إذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللهِ».

العصيمي - معنى الاستعانةِ شرعًا

وَالاسْتِعَانَةُ بِاللهِ شَرْعًا هِيَ : طَلَبُ العَوْنِ مِنَ اللَّهِ فِي الوُصُولِ إِلَى المَقْصُودِ. وَالعَوْنُ هُوَ : المُسَاعَدَةُ. ص ٤٣

العثيمين - أنواع الاستعانةِ

  1. الْأَوَّلُ: الِاسْتِعَانَةُ بِاللهِ، وَهِيَ: الِاسْتِعَانَةُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِكَمَالِ الذُّلِّ مِنَ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ، وَتَفْويضِ الْأَمْرِ إِلَيْهِ، وَاعْتِقَادِ كِفَايَتِهِ، وَهَذِهِ لَا تَكُونُ إِلَّا للهِ تَعَالَىٰ. وَدَلِيلُهَا قَوْلُهُ تَعَالَىٰ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، وَوَجْهُ الِاخْتِصَاصِ أَنَّ اللهَ تَعَالَىٰ قَدَّمَ الْمَعْمُولَ «إِيَّاكَ»، وَقَاعِدَةُ اللُّغَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ أَنَّ تَقْدِيمَ مَا حَقُّهُ التَّأْخِيرُ يُفِيدُ الْحَصْرَ وَالِاخْتِصَاصَ، وَعَلَىٰ هَذَا يَكُونُ صَرْفُ هَذَا النَّوْعِ لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَىٰ شِرْكًا مُخْرِجًا عَنِ الْمِلَّةِ.
  2. الثَّانِي: الِاسْتِعَانَةُ بِالْمَخْلُوقِ عَلَىٰ أَمْرٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَهَذِهِ عَلَىٰ حَسَبِ الْمُسْتَعَانِ عَلَيْهِ،
  • فَإِنْ كَانَتْ عَلَىٰ بِرٍّ فَهِيَ جَائِزَةٌ لِلْمُسْتَعِينِ، مَشْرُوعَةٌ لِلْمُعِينِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَىٰ: ﴿وَتَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ﴾ [المائدة: ٢].
  • وَإِنْ كَانَتْ عَلَىٰ إِثْمٍ فَهِيَ حَرَامٌ عَلَى الْمُسْتَعِينِ وَالْمُعِينِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَىٰ: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلْإِثْمِ وَٱلْعُدْوَٰنِ﴾ [المائدة: ٢]. وَإِنْ كَانَتْ عَلَىٰ مُبَاحٍ فَهِيَ جَائِزَةٌ لِلْمُسْتَعِينِ وَالْمُعِينِ، لَكِنَّ الْمُعِينَ قَدْ يُثَابُ عَلَىٰ ذَلِكَ ثَوَابَ الْإِحْسَانِ إِلَى الْغَيْرِ، وَمِنْ ثَمَّ تَكُونُ فِي حَقِّهِ مَشْرُوعَةً؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَىٰ: ﴿وَأَحْسِنُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ١٩٥].
  1. الثَّالِثُ: الِاسْتِعَانَةُ بِمَخْلُوقٍ حَيٍّ حَاضِرٍ غَيْرِ قَادِرٍ، فَهَذِهِ لَغْوٌ لَا طَائِلَ تَحْتَهَا، مِثْلَ أَنْ يَسْتَعِينَ بِشَخْصٍ ضَعِيفٍ عَلَىٰ حِمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ.
  2. الرَّابِعُ: الِاسْتِعَانَةُ بِالْأَمْوَاتِ مُطْلَقًا، أَوْ بِالْأَحْيَاءِ عَلَىٰ أَمْرٍ غَائِبٍ لَا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ مُبَاشَرَتِهِ، فَهَذَا شِرْكٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ إِلَّا مِنْ شَخْصٍ يَعْتَقِدُ أَنَّ لِهَؤُلَاءِ تَصَرُّفًا خَفِيًّا فِي الْكَوْنِ.
  3. الْخَامِسُ: الِاسْتِعَانَةُ بِالْأعْمَالِ وَالْأَحْوَالِ الْمَحْبُوبَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَهَذِهِ مَشْرُوعَةٌ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: ﴿ٱسْتَعِينُوا۟ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ﴾ [البقرة: ١٥٣]. ص ٥٩ - ٦٠

٩. الاستعاذةِ

ودليل الاستعاذةِ قوله تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾، وقوله تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾.

العثيمين - معنى الاستعاذةِ

طَلَبُ الْإِعَاذَةِ، وَالْإِعَاذَةُ الْحِمَايَةُ مِنْ مَكْرُوهٍ، فَالْمُسْتَعِيذُ مُحْتَمٍ بِمَنِ اسْتَعَاذَ بِهِ وَمُعْتَصِمٌ بِهِ. ص ٦٠

العصيمي - معنى الاستعاذةِ شرعًا

والاسْتِعَاذَةُ بِاللهِ شَرْعًا هِيَ : طَلَبُ العَوْذِ مِنَ اللهِ عِنْدَ وُرُودِ الْمُخَوِّفِ. وَالعَوْذُ هُوَ: الالْتِجَاء. ص ٤٣

العثيمين - أنواع الاستعاذةِ

  1. الْأَوَّلُ: الِاسْتِعَاذَةُ بِاللهِ تَعَالَى، وَهِيَ الْمُتَضَمِّنَةُ لِكَمَالِ الِافْتِقَارِ إِلَيْهِ، وَالِاعْتِصَامِ بِهِ، وَاعْتِقَادِ كِفَايَتِهِ، وَتَمَامِ حِمَايَتِهِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَاضِرٍ أَوْ مُسْتَقْبَلٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، بَشَرٍ أَوْ غَيْرِ بَشَرٍ.
  • وَدَلِيلُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ﴾ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
  • وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ مَلِكِ ٱلنَّاسِ إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ﴾ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
  1. الثَّانِي: الِاسْتِعَاذَةُ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ كَكَلَامِهِ، وَعَظَمَتِهِ، وَعِزَّتِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
  • وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ».
  • وَقَوْلُهُ: «أَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي».
  • وَقَوْلُهُ فِي دُعَاءِ الْأَلَمِ: «أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ».
  • وَقَوْلُهُ: «أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ».
  • وَقَوْلُهُ حِينَ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ﴾ [الأنعام: ٦٥]، فَقَالَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ».
  1. الثَّالِثُ: الِاسْتِعَاذَةُ بِالْأَمْوَاتِ، أَوْ بِالْأَحْيَاءِ غَيْرِ الْحَاضِرِينَ الْقَادِرِينَ عَلَى الْعَوْذِ، فَهَذَا شِرْكٌ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن: ٦].
  2. الْرَّابِعُ: الِاسْتِعَاذَةُ بِمَا يُمْكِنُ الْعَوْذُ بِهِ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ مِنَ الْبَشَرِ، أَوِ الْأَمَاكِنِ، أَوْ غَيْرِهَا، فَهَذَا جَائِزٌ.
  • وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ ﷺ فِي ذِكْرِ الْفِتَنِ: «مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
  • وَقَدْ بَيَّنَ ﷺ هَذَا الْمَلْجَأَ وَالْمَعَاذَ بِقَوْلِهِ: «فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ» الْحَدِيثَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
  • وَفِي صَحِيحِهِ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ، رَوَاهُ عَنْهُ: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَحْزُومٍ سَرَقَتْ، فَأُتِيَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ، فَعَاذَتْ بِأُمِّ سَلَمَةَ، الْحَدِيثَ.
  • وَفِي صَحِيحِهِ أَيْضًا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «يَعُوذُ عَائِدٌ بِالْبَيْتِ فَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثُ…» الْحَدِيثَ.
  • وَلَكِنْ إِنِ اسْتَعَاذَ مِنْ شَرِّ ظَالِمٍ وَجَبَ إِيْوَاؤُهُ وَإِعَاذَتُهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَإِنِ اسْتَعَاذَ لِيَتَوَصَّلَ إِلَى فِعْلِ مَحْظُورٍ، أَوِ الْهَرَبِ مِنْ وَاجِبٍ، حَرُمَ إِيْوَاؤُهُ.

ص ٦٠ - ٦٢

١٠. الاستغاثةِ

ودليل الاستغاثةِ قوله تعالى: ﴿إِذ تَستَغيثونَ رَبَّكُم فَاستَجابَ لَكُم﴾.

العصيمي - معنى الاستغاثةِ شرعًا

وَالاسْتِغَاثَةُ بِاللهِ شَرْعًا هِيَ: طَلَبُ الغَوْثِ مِنَ اللَّهِ عِنْدَ وُرُودِ الضَّرَرِ. وَالغَوْثُ هُوَ: المُسَاعَدَةُ فِي الشِّدَّةِ. ص ٤٣

العثيمين - أقسام الاستغاثةِ

الِاسْتِغَاثَةُ: طَلَبُ الْغَوْثِ، وَهُوَ الْإِنْقَاذُ مِنَ الشِّدَّةِ وَالْهَلَاكِ، وَهُوَ أَقْسَامٌ:

  1. الْأَوَّلُ: الِاسْتِغَاثَةُ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَأَكْمَلِهَا، وَهُوَ دَأْبُ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ. وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللهُ -: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلَٰٓائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾، وَكَانَ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ حِينَ نَظَرَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فِي أَلْفِ رَجُلٍ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَدَخَلَ الْعَرِيشَ يُنَاشِدُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، رَافِعًا يَدَيْهِ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ»، وَمَا زَالَ يَسْتَغِيثُ بِرَبِّهِ، رَافِعًا يَدَيْهِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
  2. الثَّانِي: الِاسْتِغَاثَةُ بِالْأَمْوَاتِ، أَوْ بِالْأَحْيَاءِ غَيْرِ الْحَاضِرِينَ الْقَادِرِينَ عَلَى الْإِغَاثَةِ، فَهَذَا شِرْكٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ إِلَّا مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ لِهَؤُلَاءِ تَصَرُّفًا خَفِيًّا فِي الْكَوْنِ، فَيَجْعَلُ لَهُمْ حَظًّا مِنَ الرُّبُوبِيَّةِ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلْأَرْضِۗ أَءِلَٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل: ٦٢].
  3. الثَّالِثُ: الِاسْتِغَاثَةُ بِالْأَحْيَاءِ الْعَالِمِينَ الْقَادِرِينَ عَلَى الْإِغَاثَةِ، فَهَذَا جَائِزٌ كَالِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ، قَالَ اللهُ تَعَالَىٰ فِي قِصَّةِ مُوسَىٰ: ﴿فَٱسْتَغَٰثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِۦ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِۦ فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ﴾ [القصص: ١٥].
  4. الرَّابِعُ: الِاسْتِغَاثَةُ بِحَيٍّ غَيْرِ قَادِرٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ لَهُ قُوَّةً خَفِيَّةً، مِثْلَ أَنْ يَسْتَغِيثَ الْغَرِيقُ بِرَجُلٍ مَشْلُولٍ، فَهَذَا لَغْوٌ وَسُخْرِيَةٌ بِمَنِ اسْتُغِيثَ بِهِ، فَيُمْنَعُ مِنْهُ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ، وَلِعِلَّةٍ أُخْرَىٰ، وَهِيَ: أَنَّ الْغَرِيقَ رُبَّمَا اغْتَرَّ بِذَلِكَ غَيْرُهُ، فَتَوَهَّمَ أَنَّ لِهَذَا الْمَشْلُولِ قُوَّةً خَفِيَّةً يُنْقِذُ بِهَا مِنَ الشِّدَّةِ. ص ٦٣ - ٦٤

١١. الذَّبْحِ

ودليل الذَّبْحِ قوله تعالى: ﴿قُل إِنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحيايَ وَمَماتي لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ * لا شَريكَ لَهُ﴾، ومِنَ السُّنَّةِ قوله صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ».

العصيمي - معنى الذبح شرعًا

وَالذَّبْحُ اللهِ شَرْعًا هُوَ قَطْعُ الحلْقُومِ وَالمَرِيء مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ تَقَرُّبَا إِلَى اللَّهِ، عَلَى صِفَةٍ مَعْلُومَةٍ. ص ٤٣

العثيمين - أوجه الذَّبْحِ

الذَّبْحُ إِزْهَاقُ الرُّوحِ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ. وَيَقَعُ عَلَى وُجُوهٍ:

  1. الْأَوَّلُ: أَنْ يَقَعَ عِبَادَةً، بِأَنْ يَقْصِدَ بِهِ تَعْظِيمَ الْمَذْبُوحِ لَهُ، وَالتَّذَلُّلَ لَهُ، وَالتَّقَرُّبَ إِلَيْهِ، فَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا للهِ تَعَالَى عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي شَرَعَهُ اللهُ تَعَالَى، وَصَرْفُهُ لِغَيْرِ اللهِ شِرْكٌ أَكْبَرُ. وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللهُ - وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُۥ﴾.
  2. الثَّانِي: أَنْ يَقَعَ إِكْرَامًا لِضَيْفٍ، أَوْ وَلِيمَةً لِعُرْسٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا مَأْمُورٌ بِهِ إِمَّا وُجُوبًا أَوِ اسْتِحْبَابًا؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ»، وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ».
  3. الثَّالِثُ: أَنْ يَقَعَ عَلَى وَجْهِ التَّمَتُّعِ بِالْأَكْلِ، أَوِ الِاتِّجَارِ بِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا مِنْ قِسْمِ الْمُبَاحِ، فَالْأَصْلُ فِيهِ الْإِبَاحَةُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا۟ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعَٰمًا فَهُمْ لَهَا مَٰلِكُونَ وَذَلَّلْنَٰهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ﴾ [يس: ٧١ - ٧٢]. وَقَدْ يَكُونُ مَطْلُوبًا أَوْ مَنْهِيًّا عَنْهُ حَسْبَمَا يَكُونُ وَسِيلَةً لَهُ.

ص ٦٤ - ٦٥

١٢. النذرُ

ودليلُ النَّذْرِ قوله تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾.

العثيمين - معنى النذر

وَالنَّذْرُ الَّذِي هُوَ إِلْزَامُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مَا، أَوْ طَاعَةِ اللهِ غَيْرِ وَاجِبَةٍ مَكْرُوهٌ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهُ مُحَرَّمٌ، لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنِ النَّذْرِ، وَقَالَ: «إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ».

وَمَعَ ذَلِكَ فَإِذَا نَذَرَ الْإِنْسَانُ طَاعَةَ اللهِ وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُهَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ».

[٢] وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ اللهَ أَثْنَى عَلَيْهِمْ لِإِيفَائِهِمُ النَّذْرَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللهَ يُحِبُّ ذَلِكَ، وَكُلُّ مَحْبُوبِ اللهِ مِنَ الْأَعْمَالِ فَهُوَ عِبَادَةٌ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُۥ مُسْتَطِيرًا﴾.

وَاعْلَمْ أَنَّ النَّذْرَ الَّذِي امْتَدَحَ اللهُ تَعَالَى هَؤُلَاءِ الْقَائِمِينَ بِهِ هُوَ جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ الَّتِي فَرَضَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّ الْعِبَادَاتِ الْوَاجِبَةَ إِذَا شَرَعَ فِيهَا الْإِنْسَانُ فَقَدِ الْتَزَمَ بِهَا، وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا۟ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا۟ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا۟ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩].

وَالْخَلَاصَةُ: أَنَّ النَّذْرَ يُطْلَقُ عَلَى الْعِبَادَاتِ الْمَفْرُوضَةِ عُمُومًا، وَيُطْلَقُ عَلَى النَّذْرِ الْخَاصِّ، وَهُوَ إِلْزَامُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ قَسَمَ الْعُلَمَاءُ النَّذْرَ الْخَاصَّ إِلَى أَقْسَامٍ، وَمَحَلُّ بَسْطِهَا كُتُبُ الْفِقْهِ.

ص ٦٥ - ٦٦

العصيمي - معنى النذر شرعًا

والنَّذْرُ اللهِ شَرْعًا يَقَعُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَامٌ؛ وَهُوَ: إِلْزَامُ العَبْدِ نَفْسَهُ أَمْثَالَ خِطَابِ الشَّرْعِ؛ أَيْ: الالْتِرَامَ بِدِينِ الإِسْلَامِ. وَالآخَرُ: خَاصٌ؛ وَهُوَ : إِلْزَامُ العَبْدِ نَفْسَهُ اللَّهِ نَفْلًا مُعَيَّنًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ.

وَهَذَا الحَدُّ الشَّرْعِيُّ لِلنَّذْرِ فِي مَعْنَاهُ الخاص يَتَحَقَّقُ مَعَهُ كَوْنُهُ عِبَادَةً وَفْقَ القُيُودِ المَذْكُورَةِ.

  • فَقَوْلُنَا: (نَفْلًا)؛ خَرَجَ بِهِ: الْفَرْضُ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لِلْعَبْدِ أَصَالَةٌ.
  • وَقَوْلُنَا: (مُعَيَّنًا)؛ خَرَجَ بِهِ المُبْهَمُ؛ لِأَنَّ الإِبْهَامَ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ النَّذْرُ، بَلْ تَلْزَمُ فِيهِ الكَفَّارَةُ، فَلَوْ قَالَ امْرُؤ للهِ عَلَيَّ نَذْرُ - وَلَمْ يُعَيِّنْهُ -؛ لَمْ تَقَعْ بِهِ قُرْبَةٌ، وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ النَّذْرِ.
  • وَقَوْلُنَا: (غَيْرَ مُعَلَّقِ)؛ خَرَجَ بِهِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ العِوَضِ وَالمَقَابَلَةِ مِمَّا يَنْذُرُهُ العَبْدُ فِي مُقَابَلَةِ مَا يُرِيدُهُ مِنَ اللهِ؛ كَأَنْ يَقُولَ اللهِ عَلَيَّ إِنْ شَفَى مَرِيضِي أَنْ أَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَهَذَا لَا يُعَدُّ قُرْبَةً؛ لِأَنَّهُ ووَقَعَ عَلَى وَجْهِ العِوَض وَالمَقَابَلَةِ.

وهَذَا فَضْلُ الخِطَابِ فِي عَقْدِ النَّذْرِ، هَلْ هُوَ عِبَادَةٌ مَطْلُوبَةٌ أَمْ لَا؟ فَيَتَحَقَّقُ كَوْنُهُ عِبَادَةً إِذَا كَانَ وَاقِعًا عَلَى النَّعْتِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ؛ مِنْ جَرَيَانِهِ نَفْلًا مُعَيَّنًا غَيْرَ معلق. ص ٤٥

الخليفي - أهمية حقوق الله المحضة

الأمور التي انتقاها المجدد كلها من الأمور الخصوصية التي ليس الكافر علاقة بها بل هي من خصوصية الدين ولب حقوق الله تعالة. وليست من العبادات التي أكثر الناس اليوم يعظمونها في الدين مثل صلة الرحم وبر والوالدين وإتقان العمل، والصدقات، والكرم، والوفاء، غيرها. فهذه الأمور إن لم تضبط، الأمور الأخرى لا تضبط. وهذه الأمور إذا ضبطت فيها الفوز والنجاة. أما إذا ضحينا بهذه الأمور لأجل الأمور الأخرى فيا وحشتنا ويا بلاءنا. فالأمر ضائع.

٢. معرفة الإسلام (ما دينك؟)

عثمان الخميس - مراتب الدين

  • الإسلام: ظاهر العمل
  • الإيمان: اعتقاد القلب
  • الإحسان: الإتقان والدرجة العليا

العصيمي - مِنْ أَهَمَّ مُهِمَّاتِ الدِّيَانَةِ مَعْرِفَةُ الوَاجِبِ في مَرَاتِب الدِّين

ومِنْ أَهَمَّ مُهِمَّاتِ الدِّيَانَةِ: مَعْرِفَةُ الوَاجِبِ عَلَيْكَ فِي هَذِهِ الْمَرَاتِبِ؛ فِي إِيمَانِكَ، وَإِسْلَامِكَ، وَإحْسَانِكَ، وَالوَاجِبُ مِنْهَا يَرْجِعُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَصول:

  1. فَالأَصْلُ الأَوَّلُ: الاعْتِقَادُ، وَالوَاجِبُ فِيهِ: كَوْنُهُ مُوَافِقًا لِلْحَقِّ فِي نَفْسِهِ. وَجَمَاعُهُ: أَرْكَانُ الإِيمَانِ السَّئَةُ الَّتِي سَتَأْتِي. وَالحَقُّ مِنَ الاعْتِقَادِ: مَا جَاءَ فِي الشَّرْع.
  2. وَالأَصْلُ الثَّانِي: الفِعْلُ، وَالوَاجِبُ فِيهِ: مُوَافَقَةٌ حَرَكَاتِ العَبْدِ الْاخْتِيَارِيَّةِ بَاطِئًا وَظَاهِرًا لِلشَّرْع أَمْرًا وَحِلًّا. وَالحَرَكَاتُ الاخْتِيَارِيَّةُ: مَا صَدَرَ عَنْ إِرَادَةٍ وَقَصْدٍ مِنَ العَبْدِ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا. وَالأَمْرُ: الفَرْضُ وَالنَّفْلُ. وَالحِلُّ: الحَلَالُ المَأْذُونُ فِيهِ. فَيَنبَغِي أَنْ تَكُونَ أَفْعَالُ العَبْدِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ دَائِرَةً بَيْنَ الْأَمْرِ وَالحِلْ؛ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ فَرْضِ أَوْ نَفْلِ، أَوْ مِنْ جِنْسِ الحِلِّ الْمَأْذُونِ فِيهِ شَرْعًا. وَفِعْلُ العَبْدِ نَوْعَانِ:
  3. أَحَدُهُمَا: فِعْلُهُ مَعَ رَبِّهِ. وجَمَاعُهُ: شَرَائِعُ الإِسْلَامِ اللَّازِمَةُ لَهُ؛ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالحَجِّ، وَتَوَابِعِهَا مِنَ الشُّرُوطِ وَالأَرْكَانِ وَالوَاجِبَاتِ وَالمُنْطِلَاتِ.
  4. وَالآخَرُ: فِعْلُهُ مَعَ الخَلْقِ. وجَمَاعُهُ: أَحْكَامُ الْمُعَاشَرَةِ وَالْمُعَامَلَةِ مَعَهُمْ كَافَّةٌ.
  5. وَالأَصْلُ الثَّالِثُ: التَّرْكُ، وَالوَاجِبُ فِيهِ مُوَافَقَةُ تَرْكِ العَبْدِ وَاجْتِنَابِهِ مَرْضَاةَ اللَّهِ. وَجِمَاعُهُ: عِلْمُ المُحَرَّمَاتِ الخَمْسِ الَّتِي اتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الأَنْبِيَاءُ؛ وَهِيَ: الفَوَاحِشُ، وَالإِثْمُ، وَالبَغْيُّ، وَالشِّرْكُ، وَالقَوْلُ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَمَا يَرْجِعُ إِلَى هَذِهِ وَيَتَّصِلُ بِهَا.

فَهذه الأصول الثلاثَةُ مِنَ الاعْتِفَادِ وَالفِعْلِ وَالتَّرْكِ تُبَيِّنُ مَا يَجِبُ عَلَيْكَ مِنَ الإِسْلَامِ، وَالإِيمَانِ، وَالإِحْسَانِ. وَتَفْصِيلُ مَا يَجِبُ مِنْ هَذِهِ الأُصُولِ الثَّلاثَةِ الاعْتِقَادِ، وَالفِعْلِ، وَالتَّرْكِ = لَا يُمْكِنُ ضَبطه لاخْتِلافِ النَّاسِ في أَسْبَابِ العِلْمِ الوَاجِبِ، ذَكَرَهُ ابْنُ القَيِّمِ فِي «مِفْتَاحٍ دَارِ السَّعَادَةِ».

وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي بَيَانِ العِلْمِ الوَاجِبِ هُوَ: أَنَّ كُلَّ مَا وَجَبَ عَلَيْكَ مِنَ العَمَلِ وَجَبَ عَلَيْكَ تَعَلَّمُهُ قَبْلَ أَدَائِهِ، ذَكَرَهُ الآجُرِّيُّ فِي طَلَبِ العِلْمِ، وَابْنُ القَيِّمِ فِي مِفْتَاحِ دَارِ السَّعَادَةِ»، وَالقَرَافِيُّ فِي «الفُرُوقِ». وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِمَّا يَجِبُ عَلَى العَبْدِ فِي الإِسْلَامِ، وَالإِيمَانِ، وَالإِحْسَانِ = مَسْأَلَةٌ جَلِيلَةٌ، وَمَعَ جَلَالَتِهَا لَمْ يُحَقِّقْهَا كَمَا يَنْبَغِي فِيمَنْ عَلِمْتُ سِوَى ابْنِ القَيِّمِ فِي مِفْتَاحِ دَارِ السَّعَادَةِ، وَهِيَ تَفْتَحُ أَبْوَابًا مُشْرَعَةً لِلَّبِيبِ الفَطِنِ فِي فَهْمِ مَا يُرَادُ مِنَ الخَلْقِ فِي إِسْلَامِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ وَإِحْسَانِهِمْ، فَتَبَيَّنُ لَهُ مَوَاقِعَ الخِطَابِ الشَّرْعِيٌّ خَبَرًا وَطَلَبًا. ص ٤٨ - ٤٩

الإسلام

الأصلُ الثَّاني: معرفةُ دين الإسلامِ بالأدلةِ وهو الاستسلامُ للهِ بالتوحيدِ، والانقيادُ له بالطاعةِ، والبراءةُ والخلوصُ مِنَ الشِّركِ وأهلِهِ.

العصيمي - معنى الدين شرعًا

وَالدِّينُ يُطْلَقُ فِي الشَّرْعِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ:

  • أَحَدُهُمَا: عَامٌ؛ وَهُوَ: مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ لِتَحْقِيقِ عِبَادَتِهِ.
  • وَالآخَرُ: خَاصٌ؛ وَهُوَ: التَّوْحِيدُ. ص ٤٧

العثيمين - معنى الإسلام وما يتضمنه

الإسلام- هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله» فهو متضمن لأمور ثلاثة.

  1. أن يستسلم العبد لربه استسلامًا شرعيًا؛ وذلك بتوحيد الله عز وجل، وإفراده بالعبادة، وهذا الإسلام هو الذي يحمد عليه العبد ويُثاب عليه، أما الاستسلام القدري فلا ثواب فيه؛ لأنه لا حيلة للإنسان فيه، قال الله تعالى: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ [آل عمران: ٨٣].
  2. فعل أوامره واجتناب نواهي؛ لأن الطاعة طاعة في الأمر بفعله، وطاعة في النهي بتركه.
  3. البراءة من الشرك أي: أن يتبرأ منه، ويتخلى منه، وهذا يستلزم البراءة من أهله، قال الله تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ [الممتحنة: ٤]. ص ٦٧

العصيمي - معنى الإسلام شرعًا

والإِسْلَامُ الشَّرْعِيُّ لَهُ إِطْلَاقَانِ:

  • أَحَدُهُمَا: عَامٌ، وَهُوَ: الاسْتِسْلَامُ اللهِ بِالتَّوْحِيدِ، وَالانْقِيَادُ لَهُ بِالطَّاعَةِ، وَالبَرَاءَةُ وَالخُلُوصُ مِنَ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ. وَحَقِيقَتُهُ هِيَ: الاسْتِسْلَامُ اللهِ بِالتَّوْحِيدِ، فَالجُمْلَتَانِ الآتِيَتَانِ بَعْدَهُ مِنَ الانْقِيَادِ لَهُ بِالطَّاعَةِ، وَالبَرَاءَةِ وَالخُلُوصِ مِنَ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ؛ هُمَا مِنْ جُمْلَةِ الاسْتِسْلَامِ لِلَّهِ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اسْتَسْلَمَ اللَّهِ أَنْقَادَ لَهُ بِالطَّاعَةِ، وَبَرِئَ مِنَ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ، لَكِنْ صُرِّحَ بِهِمَا اعْتِنَاءً بِهِمَا.

  • وَالآخَرُ: خَاصٌ، وَلَهُ مَعْنَيَانِ أَيْضًا:

    • الأَوَّلُ: الدِّينُ الَّذِي بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُما: «بْنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ…» ، فَالمُرَادُ بِهِ الدِّينُ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحَقِيقَتُهُ شَرْعًا: اسْتِسْلَامُ البَاطِنِ وَالظَّاهِرِ اللهِ تَعَبدَا لَهُ بِالشَّرْعِ المُنَزَّلِ عَلَى مُحَمَّدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى مَقَامِ المُشَاهَدَةِ أَوِ الْمُرَاقَبَةِ.
    • وَالثَّانِي: الأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ، فَإِنَّهَا تُسَمَّى (إِسْلَامًا)، وَهَذَا هُوَ المَقْصُودُ إِذَا قُرِنَ الإِسْلَامُ بِالإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ.

ص ٤٧

أركان الإسلام

وهو ثلاثُ مراتبَ: الإسلامُ، والإيمانُ، والإحسانُ. وكلُّ مرتبةٍ لها أركانٌ؛ فأركانُ الإسلامِ خمسةٌ، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام. والدليل من السنة حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بني الإسلام على خمس؛ شهادةِ ألا إلٰه إلاّ اللهُ، وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، وصومِ رمضانَ، وحجِّ البيتِ” والدليل قوله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.

١. شهادةِ ألا إلٰه إلاّ اللهُ

فدليلُ الشّهادةِ قولُهُ تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾. ومعناها: لا معبودَ بحقٍّ إلا اللهُ. (لا إلٰه): نافيًا جميعَ مَا يُعْبدُ مِنْ دونِ اللهِ. (إلا الله): مُثْبِتًا العبادةَ للهِ وحدَهُ لا شريكَ لهُ في عبادتِهِ، كما أنَّه لا شريك له في مُلْكِهِ. وتفسيرُها الذي يوضِّحُها: قولُه تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾، وقولُه تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾.

العثيمين - العبادات تبنى على تحقيق الشهادتين معًا

شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ركن واحد، وإنما كانتا ركنًا واحدًا مع أنهما من شقّين؛ لأن العبادات تنبني على تحقيقهما معًا، فلا تُقبل العبادة إلا بالإخلاص لله عز وجل وهو ما تتضمنه شهادة أن لا إله إلا الله، واتباع الرسول ﷺ وهو ما تتضمنه شهادة أن محمدًا رسول الله. ص ٦٨

العثيمين - أعظم شهادة وأعظم مشهود

فِي ٱلْآيَةِ ٱلْكَرِيمَةِ شَهَادَةُ ٱللَّهِ لِنَفْسِهِ بِأَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ، وَشَهَادَةُ ٱلْمَلَائِكَةِ، وَشَهَادَةُ أَهْلِ ٱلْعِلْمِ بِذَٰلِكَ، وَأَنَّهُۥ تَعَالَىٰ قَائِمٌ بِٱلْقِسْطِ -أَيِ ٱلْعَدْلِ- ثُمَّ قَرَّرَ ذَٰلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ﴾ وَفِي هَٰذِهِ ٱلْآيَةِ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَهْلِ ٱلْعِلْمِ، حَيْثُ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ شُهَدَاءُ مَعَهُ وَمَعَ ٱلْمَلَائِكَةِ، وَٱلْمُرَادُ بِهِمْ أُولُواْ ٱلْعِلْمِ بِشَرِيعَتِهِ، وَيَدْخُلُ فِيهِمْ دُخُولًا أَوَّلِيًّا رُسُلُهُ ٱلْكِرَامُ. وَهَٰذِهِ ٱلشَّهَادَةُ أَعْظَمُ شَهَادَةٍ؛ لِعِظَمِ ٱلشَّاهِدِ وَٱلْمَشْهُودِ بِهِ، فَٱلشَّاهِدُ هُوَ ٱللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُۥ وَأُولُواْ ٱلْعِلْمِ، وَٱلْمَشْهُودُ بِهِ تَوْحِيدُ ٱللَّهِ فِي أُلُوهِيَّتِهِ، وَتَقْرِيرُ ذَٰلِكَ ﴿لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ﴾. ص ٦٩

العثيمين - معنى لا إله إلا الله

مَعْنَىٰ لَا إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ: أَلَّا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا ٱللَّهُ، فَشَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ أَنْ يَعْتَرِفَ ٱلْإِنْسَانُ بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ بِأَنَّهُ لَا مَعْبُودَ حَقٌّ إِلَّا ٱللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّ «إِلَٰهَ» بِمَعْنَىٰ مَأْلُوهِ، وَٱلتَّأَلُّهُ: ٱلتَّعَبُّدُ. وَجُمْلَةُ «لَا إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ» مُشْتَمِلَةٌ عَلَىٰ نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ، أَمَّا ٱلنَّفْيُ فَهُوَ «لَا إِلَٰهَ» وَأَمَّا ٱلْإِثْبَاتُ «إِلَّا ٱللَّهُ». وَ«ٱللَّهُ» لَفْظُ ٱلْجَلَالَةِ بَدَلٌ مِنْ خَبَرِ «لَا» ٱلْمَحْذُوفِ، وَٱلتَّقْدِيرُ: «لَا إِلَٰهَ حَقٌّ إِلَّا ٱللَّهُ». ص ٦٩ - ٧٠

العثيمين - الآلِهَةُ الَّتِي تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ باطلة

وَبِتَقْدِيرِنَا الخَبَرَ بِهَذِهِ الكَلِمَةِ (حَقٌّ) يَتَبَيَّنُ الجَوَابِ عَنِ الإِشْكَالِ التَّالِي، وَهُوَ: كَيْفَ يُقَالُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» مَعَ أَنَّ هُنَاكَ آلِهَةٌ تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَقَدْ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى آلِهَةً، وَسَمَّاهَا عَابِدُوهَا آلِهَةً، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ [هود: ١١٠]، وَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ نُثْبِتَ الأُلُوهِيَّةَ لِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالرُّسُلُ يَقُولُونَ لِأَقْوَامِهِمْ: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: ٥٩]؟ وَالْجَوَابُ عَلَى هَذَا الإِشْكَالِ يَتَبَيَّنُ بِتَقْدِيرِ الخَبَرِ فِي «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» فَنَقُولُ: هَذِهِ الآلِهَةُ الَّتِي تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ هِيَ آلِهَةٌ، لَكِنَّهَا آلِهَةٌ بَاطِلَةٌ، لَيْسَتْ آلِهَةً حَقَّةً، وَلَيْسَ لَهَا مِنْ حَقِّ الأُلُوهِيَّةِ شَيْءٌ. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [الحج: ٦٢]. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَىٰ تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ﴾ [النجم: ١٩-٢٣]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ﴾ [يوسف: ٤٠]. إِذَنْ: فَمَعْنَىٰ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ: لَا مَعْبُودَ حَقٌّ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَمَّا الْمَعْبُودَاتُ سِوَاهُ فَإِنَّ أُلُوهِيَّتَهَا الَّتِي يَزْعُمُهَا عَابِدُوهَا لَيْسَتْ حَقِيقِيَّةً، أَيْ: أُلُوهِيَّةٌ بَاطِلَةٌ. ص ٧٠

العثيمين - لله وحده الأمر الكوني والشرعي

قَوْلُهُ تَعَالَىٰ: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٥٤] فَفِي هَٰذِهِ الْآيَةِ حَصْرُ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ، فَلَهُ الْخَلْقُ وَلَهُ الْأَمْرُ الْكَوْنِيُّ وَالشَّرْعِيُّ. ص ٧١

٢. شهادةِ أن محمدًا رسولُ اللهِ

ودليلُ شهادةِ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، قولهُ تعالى: ﴿لَقَد جاءَكُم رَسولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزيزٌ عَلَيهِ ما عَنِتُّم حَريصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنينَ رَءوفٌ رَحيمٌ﴾. ومعنى شهادةِ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ: طاعتُهُ فيما أَمَرَ، وتصديقُهُ فيما أَخْبَرَ واجتنابُ ما عنْهُ نهى وزَجَرَ، وأنْ لا يُعبدَ اللهُ إلاَّ بما شَرَعَ.

العثيمين - اختصاص رأفة النبي ﷺ بِالمُؤمِنينَ

ذو رأفة ورحمة بالمؤمنين، وخص المؤمنين بذلك؛ لأنه ﷺ مأمور بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم. ص ٧٣

العثيمين - معنى شهادة أن محمدًا رسول الله

الإقرار باللسان، والإيمان بالقلب، بأن محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي رسول الله عز وجل إلى جميع الخلق من الجن والإنس، كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦]، ولا عبادة لله تعالى إلا عن طريق الوحي الذي جاء به محمد ﷺ، كما قال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: ١]. ص ٧٣

العثيمين - مقتضى شهادة أن محمدًا رسول الله

ومقتضى هذه الشهادة أن تصدق رسول الله ﷺ فيما أخبر، وأن تمتثل أمره فيما أمر، وأن تجتنب ما عنه نهى وزجر، وأن لا تعبد الله إلا بما شرع. ومقتضى هذه الشهادة أيضًا أن لا تعتقد أن لرسول الله ﷺ حقًا في الربوبية، وتصريف الكون، أو حقًا في العبادة، بل هو عبد لا يُعبد، ورسول لا يُكذب، ولا يملك لنفسه ولا لغيره شيئًا من النفع أو الضر إلا ما شاء الله… وَبِهَٰذَا تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ لَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَلَا مَنْ دُونَهُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَأَنَّ الْعِبَادَةَ لَيْسَتْ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَىٰ وَحْدَهُ ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام: ١٦٢-١٦٣]، وَأَنَّ حَقَّهُ أَنْ تُنْزِلَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ إِيَّاهَا، وَهُوَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ. ص ٧٣ - ٧٤

العصيمي - اختصاص نسبة الشرع بالله

وَقَوْلُ المُصنفِ فِي مَعْنَى شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ: (وَأَلَّا يُعْبَدَ اللَّهُ إِلَّا بِمَا شَرَعَ يَعُودُ الضَّمِيرُ المُسْتَتِرُ فِيهِ إِلَى الاسْمِ الأَحْسَنِ (الله)، فَتَقْدِيرُ الكَلَامِ: (وَأَلَّا يُعْبَدَ اللَّهُ إِلَّا بِمَا شَرَعَهُ الله)؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الشَّرْعِ، فَهُوَ حَقٌّ خَاصٌ بِاللَّهِ لَا يَكُونُ لِلنَّبِيِّ وَلَا لِغَيْرِهِ، فَلَا يُقَالُ: (قَالَ الشَّارِعُ عَلَى إِرَادَةِ غَيْرِ اللهِ، وَلَا يُقَالُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّهُ المُشَرِّعُ)، وَلَا يَجُوزُ إِطْلَاقُ اسْمِ (المَجْلِسِ التَّشْرِيعِيُّ) عَلَى مجْلِسِ الشُّورَى أَوِ الْمَجْلِسِ النِّيَابِيُّ؛ لِأَنَّ هَذَا مُشَاحَّةُ للهِ فِي حَقٌّ مُتَمَحِّضٍ لَهُ، وَهُوَ التَّشْرِيعُ. وَالدَّلِيلُ عَلَى اخْتِصَاصِ نِسْبَةِ الشَّرْعِ بِاللهِ أَمْرَانِ:

  • أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِعْلَ الشَّرْع لَمْ يَأْتِ مُضَافًا فِي القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ إِلَّا إِلَى اللَّهِ، فَلَمَّا شَاعَ اطْرَادُهُ فِيهِمَا عَلَى هَذَا النَّحْوِ تُحقِّقَ أَنَّ المَقْصُودَ: جَعْلُ هَذَا الْحَقِّ اللَّهِ وَحْدَهُ.
  • وَالآخَرُ: أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضَي اللهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ قَالَ: (شَرَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، بَلْ قَالُوا: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَ(سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ. فَإِنَّ التَّشْرِيعَ: وَضْعُ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ. وَأَمَّا فَرْضُهُ وَسنهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ بَيَانُ لِمَا يُبَلِّغُ بِهِ الشَّرْعَ، فَإِنَّ وَظِيفَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البلاغ. ص ٥٤ - ٥٥

الخليفي - من أدلة حجية السنة

فالقرآن دل على حجية السنة. {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}. وأيضاً الله عز وجل يحكي لنا ما حصل في قصة زيد بن حارثة وزينب بنت جحش. لو لم يكن فعل النبي ﷺ حجة عند الناس أكان الله عز وجل سينزل هذا؟ أيضاً أمر القبلة، الاستدلال بالقبلة. أين في القرآن؟ يعني الله عز وجل قال: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا}. طيب قبلها كيف كانوا يصلون؟ ما لا يذكر ما كان قبلها في القرآن. فدل أن الناس كانت تصلي على أمر السنة. ولهذا في حديث النبي ﷺ: “من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار”. وهذا حديث متواتر. ولو لم يكن قوله سنة وفعله سنة وحجة ما زجر من أن يكذب عليه.

الخليفي - تصديق أخبار النبي إيمان وعمل له أجر

التصديق هذا بحد ذاته إيمان، بحد ذاته طاعة، تأخذ عليها ثواباً. يعني الآن مثلاً أخبار الدجال، نحن الآن ربما ندرس عن الدجال ربما لا ندركه، لكن مجرد أن نسمع هذه الأخبار ونؤمن بها هذا ثواب لنا. أسماء الله وصفاته، نسمعها نؤمن بها. أخبار الأمم السابقة، لو يخبرنا النبي ﷺ، عن بقرة، مرة أخبر الصحابة عن بقرة تكلمت. فقال: “ونؤمن بذلك أنا وأبو بكر وعمر”. هذا خلاص اختبار. أي شيء يخبرك به النبي ﷺ. بعضهم يقول لك والله ما في فائدة في هذا الموضوع. لا، دائماً في فائدة. بعضهم يريد متعلقاً سياسياً، اجتماعياً للأمور.

٣ - ٤. إِقَامَةِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاةِ

ودليلُ الصلاةِ، والزكاةِ، وتفسيرِ التَّوحيدِ قولُه تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾.

العثيمين - معنى الأية وتضمنها للتوحيد

  • أَنَّ الصَّلاةَ وَالزَّكَاةَ مِنَ الدِّينِ قَوْلُهُ تَعَالَىٰ: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البينة: ٥]، وَهَٰذِهِ الْآيَةُ عَامَّةٌ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ فِيهَا مُخْلِصًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَنِيفًا، مُتَّبِعًا لِشَرِيعَتِهِ.
  • هَٰذَا مِنْ بَابِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ؛ لِأَنَّ إِقَامَةَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ مِنَ الْعِبَادَةِ، وَلَٰكِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ نَصَّ عَلَيْهِمَا؛ لِمَا لَهُمَا مِنَ الْأَهَمِّيَّةِ، فَالصَّلاةُ عِبَادَةُ الْبَدَنِ، وَالزَّكَاةُ عِبَادَةُ الْمَالِ، وَهُمَا قَرِينَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
  • دين القيمة أي: دين الملة القيمة التي لا اعوجاج فيها؛ لأنها دين الله عز وجل، ودين الله مستقيم، كما قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: ١٥٣].
  • وهذه الآية الكريمة كما تضمنت ذكر العبادة والصلاة فقد تضمنت حقيقة التوحيد، وأنه الإخلاص لله عز وجل من غير ميل إلى الشرك، فمن لم يخلص لله لم يكن موحدًا، ومن جعل عبادته لغير الله لم يكن موحدًا. ص ٧٤ - ٧٥
٥. صوم رمضان

ودليلُ الصيامِ قولُه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.

العثيمين - فوائد من قوله تعالى {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ}

  1. أولًا: أهمية الصيام؛ حيث فرضه الله عز وجل على الأمم من قبلنا، وهذا يدل على محبة الله عز وجل له، وأنه لا زم لكل أمة.
  2. ثانيًا: التخفيف على هذه الأمة؛ حيث إنها لم تكلف وحدها بالصيام الذي قد يكون فيه مشقة على النفوس والأبدان.
  3. ثالثًا: الإشارة إلى أن الله تعالى أكمل لهذه الأمة دينها؛ حيث أكمل لها الفضائل التي سبقت لغيرها. ص ٧٥

العثيمين - الحكمة من الصيام

بَيَّنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حِكْمَةَ الصِّيَامِ بِقَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ أَيْ: تَتَّقُونَ اللهَ بِصِيَامِكُمْ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ خِصَالِ التَّقْوَىٰ، وَقَدْ أَشَارَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى هَذِهِ الْفَائِدَةِ بِقَوْلِهِ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ». ص ٧٦

٦. الحج

ودليلُ الحجِّ قولُه تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾

العثيمين - ترك الحج لمن استطاع كفر

فِي قَوْلِهِ تَعَالَىٰ: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْحَجِّ مِمَّنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا يَكُونُ كُفْرًا. وَلَكِنَّهُ كُفْرٌ لَا يُخْرِجُ مِنَ الْمِلَّةِ عَلَى قَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ؛ لِقَوْلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنَ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ». ص ٧٦

الإيمان

المرتبة الثانية: الإيمان وهو بضعٌ وسبعونَ شعبَة، أعلاها قولُ لا إلٰه إلاّ الله، وأدْناها إماطةُ الأذَى عنِ الطريقِ والحياءُ شعبةٌ مِنَ الإيمانِ. وأركانُهُ سِتَّة: أنْ تؤمنَ بالله، وملائكَتِهِ، وكتبِهِ، ورُسُلِهِ، واليومِ الآخرِ، وبالقَدَرِ خيرِهِ وشرِّهِ؛ كله من الله. والدليلُ على هٰذه الأركانِ الستَّةِ قولُه تعالى: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾. ودليلُ القَدَرِ قوله تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾.

العثيمين - معنى الإيمان

الإِيمَانُ فِي اللُّغَةِ: التَّصْدِيقُ. وَفِي الشَّرْعِ: «اعْتِقَادٌ بِالْقَلْبِ، وَقَوْلٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ، وَهُوَ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً». ص ٧٧

العصيمي - معنى الإيمان في الشرع

وَالإِيمَانُ فِي الشَّرْعِ لَهُ مَعْنَيَانِ:

  • أَحَدُهُمَا: عَامٌ؛ وَهُوَ: الدِّينُ الَّذِي بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ يُسَمَّى إِيمَانًا. وَحَقِيقَتُهُ شَرْعًا: التَّصْدِيقُ الجَازِمُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا بِاللهِ؛ تَعَبُّدًا لَهُ بِالشَّرْعِ المُنَزَّلِ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى مَقَامِ المُشَاهَدَةِ أَوِ الْمُرَاقَبَةِ.
  • والآخَرُ: خَاصٌ؛ وَهُوَ: الاعْتِقَادَاتُ البَاطِنَةُ، فَإِنَّهَا تُسَمَّى إِيمَانًا، وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ إِذَا قُرِنَ الإِيمَانُ بِالإِسْلَام وَالإِحْسَانِ. ص ٥٧

العثيمين - معنى الحياء

صِفَةٌ انْفِعَالِيَّةٌ تَحْدُثُ عِنْدَ الْخَجَلِ، وَتَحْجِزُ الْمَرْءَ عَنْ فِعْلِ مَا يُخَالِفُ الْمَرُوءَةَ. ص ٧٧

العصيمي - شعب الإيمان وأنواعها

وَلِلإِيمَانِ شُعَبٌ كَثِيرَةٌ، «أَعْلَاهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ». وَاخْتُلِفَ فِي عَدَدِ شُعَبِ الإِيمَانِ؛ لِاخْتِلَافِ لَفْظِ الصَّحِيحَيْنِ فِي الحَدِيثِ الوَارِدِ؛ فَوَقَعَ عِندَ البُخَارِي: «الإيمَانُ بِضْعُ وَسِتُّونَ»، وَوَقَعَ عِندَ «مُسْلِم»: «الإِيمَانُ بِضْعُ وَسَبْعُونَ»، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ: «الإيمانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ، أَوْ وَسَبْعُونَ شُعْبَةٌ»، والمحفوظ فيه لفظ «البُخَارِيّ»: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتّونَ شُعْبَةٌ». وَشُعَبُ الإِيمَانِ هِيَ خِصَالُهُ وَأَجْزَاؤُهُ الجَامِعَةُ لَهُ، وَمِنْهَا قَوْليٌّ؛ كَقَوْلِ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، وَعَمَلي كَإِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَقَلْبِي، كَالحَياء، وجُمِعَتْ هَذِهِ الأَنْوَاعُ الثَّلَاثَةُ فِي الحَدِيثِ المَذْكُورِ. ص ٥٧

العثيمين - الجمع بين أركان الإيمان وشعبه

وَالْجَمْعُ بَيْنَ مَا تَضَمَّنَهُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- مِنْ أَنَّ الْإِيمَانَ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، وَأَنَّ الْإِيمَانَ أَرْكَانُهُ سِتَّةٌ، أَنْ نَقُولَ: الْإِيمَانُ الَّذِي هُوَ الْعَقِيدَةُ أُصُولُهُ سِتَّةٌ، وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَمَا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالَ: «الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ». وَأَمَّا الإِيمَانُ الَّذِي يَشْمَلُ الأَعْمَالَ وَأَنْوَاعَهَا وَأَجْنَاسَهَا فَهُوَ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً؛ وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الصَّلَاةَ إِيمَانًا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣]، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: يَعْنِي صَلَاتَكُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرُوا بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ. ص ٧٧ - ٧٨

العصيمي - ما ينبغي تعلمه في أركان الإيمان الستة

وَرَأْسُ مَا يَنْبَغِي تَعَلَّمُهُ فِي أَرْكَانِ الإِيمَانِ السِّتَّةِ هُوَ: مَعْرِفَةُ القَدْرِ الوَاجِبِ الْمُجْزِئ مِنَ الإِيمَانِ بِكُلِّ رُكْنٍ مِنْهَا، مِمَّا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى العَبْدِ ابْتِدَاءً، وَلَا يَسَعُهُ جَهْلُهُ، وَهَذِهِ المَسْأَلَةُ مَعَ جَلَالَتِهَا يَقُل مَنْ يُنَبِّهُ إِلَيْهَا. وَاسْتِقْرَاءُ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ يُبَيِّنُ أَنَّ مِنَ الإِيمَانِ قَدْرًا وَاجبًا لَا يَصِحُ دِينُ العَبْدِ إِلَّا بِهِ؛ فِي الإِيمَانِ باللهِ، وَبِمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَبِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ كُلُّ فِي محله.

  • فَالقَدْرُ الوَاجِبُ المُجْزِئُ مِنَ الإِيمَانِ بِاللهِ هُوَ: الإِيمَانُ بِوُجُودِهِ رَبا مُسْتَحِقًا لِلْعِبَادَةِ، لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى وَالصَّفَاتُ العُلَا.
  • وَالقَدْرُ الوَاجِبُ المُجْزِئُ مِنَ الإِيمَانِ بِالمَلائِكَةِ هُوَ: الإِيمَانُ بِأَنَّهُمْ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ، وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَنزِلُ بِالوَحْيِ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِأَمْرِ اللهِ.
  • وَالقَدْرُ الوَاجِبُ المُجْزِئُ مِنَ الإِيمَانِ بِالكُتُبِ هُوَ: الإِيمَانُ بِأَنَّ اللهَ أَنْزَلَ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنَ الرُّسُلِ كُتُبَا هِيَ كَلَامُهُ عَزَ وَجَلَّ لِيَحْكُمُوا بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا أَخْتَلَفُوا فِيهِ، وَكُلُّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالقُرْآنِ.
  • وَالقَدْرُ الوَاجِبُ المُجْزِئُ مِنَ الإِيمَانِ بِالرُّسُلِ هُوَ: الإِيمَانُ بِأَنَّ اللهَ أَرْسَلَ إِلَى النَّاسِ رُسُلًا مِنْهُمْ؛ لِيَأْمُرُوهُمْ بِعِبَادَةِ اللهِ، وَأَنَّ خَاتَهُمْ هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
  • وَالقَدْرُ الوَاجِبُ المُجْزِئُ مِنَ الإِيمَانِ بِاليَوْمِ الآخِرِ هُوَ: الإِيمَانُ بِالبَعْثِ فِي يَوْمٍ عَظِيمٍ هُوَ يَوْمُ القِيَامَةِ؛ لِمُجَازَاةِ الخَلْقِ، فَمَنْ أَحْسَنَ فَلَهُ الحُسْنَى وَهِيَ الجَنَّةُ - جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِهَا، وَمَنْ أَسَاءَ فَلَهُ مَا عَمِلَ وَجَزَاؤُهُ النَّارُ.
  • وَالقَدْرُ الوَاجِبُ المُجْزِئُ مِنَ الإِيمَانِ بِالقَدَرِ هُوَ: الإِيمَانُ بِأَنَّ اللهَ قَدَّرَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٌ أَزَلًا، وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ وَخَلْقِهِ.

فَهَذِهِ الجُمْلَةُ هِيَ عَمُودُ الأَقْدَارِ الْمُجْزِئَةِ مِنَ الإِيمَانِ فِي كُلِّ رُكْنٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْكَانِ ابْتِدَاءً، مِمَّا لَا يَسَعُ العَبْدَ جَهْلُهُ، وَلَا يَصِحُ إِيمَانُهُ إِلَّا بِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ شُهُودِ هَذِهِ الْمَعَانِ وَالعِلْمِ بِهَا، وَإِنْ فُقِدَتِ العِبَارَاتُ المُؤَدِّيَةُ عَنْهَا. فَمَتَى وُجِدَ العِلْمُ بِهَا وَاعْتِقَادُهَا كَانَ كَافِيًا فِي صِحَّةِ إِيمَانِ العَبْدِ، وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الإِيمَانِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا بِالنَّظَرِ إِلَى بُلُوغ الدَّلِيلِ وَالعِلْمِ بِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ نَفْلِ العِلْمِ الَّذِي لَا يَجِبُ. ص ٥٨ - ٥٩

١. الإيمان بالله
١. الإيمان بوجوده

العثيمين - أدلة وجود الله من الْفِطْرَةُ وَالْعَقْلُ وَالشَّرْعُ وَالْحِسُّ

دَلَّ عَلَى وُجُودِهِ تَعَالَى: الْفِطْرَةُ، وَالْعَقْلُ، وَالشَّرْعُ، وَالْحِسُّ. ١ - أَمَّا دَلَالَةُ الْفِطْرَةِ عَلَى وُجُودِهِ: فَإِنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ قَدْ فُطِرَ عَلَى الْإِيمَانِ بِخَالِقِهِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ تَفْكِيرٍ أَوْ تَعْلِيمٍ، وَلَا يَنْصَرِفُ عَنْ مُقْتَضَى هَذِهِ الْفِطْرَةِ إِلَّا مَنْ طَرَأَ عَلَى قَلْبِهِ مَا يَصْرِفُهُ عَنْهَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ». ٢- وَأَمَّا دَلَالَةُ الْعَقْلِ عَلَى وُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى: فَلِأَنَّ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ سَابِقَهَا عَدَمٌ، وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ خَالِقٍ أَوْجَدَهَا، إِذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُوجِدَ نَفْسَهَا بِنَفْسِهَا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُوجَدَ صُدْفَةً. ٣- وَأَمَّا دَلَالَةُ الشَّرْعِ عَلَى وُجُودِ اللهِ تَعَالَى: فَلِأَنَّ الكُتُبَ السَّمَاوِيَّةَ كُلَّهَا تَنْطِقُ بِذَلِكَ، وَمَا جَاءَتْ بِهِ مِنَ الأَحْكَامِ المُتَضَمِّنَةِ لِمَصَالِحِ الخَلْقِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا مِنْ رَبٍّ حَكِيمٍ عَلِيمٍ بِمَصَالِحِ خَلْقِهِ، وَمَا جَاءَتْ بِهِ مِنَ الأَخْبَارِ الكَوْنِيَّةِ الَّتِي شَهِدَ الْوَاقِعُ بِصِدْقِهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا مِنْ رَبٍّ قَادِرٍ عَلَى إِيجَادِ مَا أَخْبَرَ بِهِ. ٤- وَأَمَّا أَدِلَّةُ الحِسِّ عَلَى وُجُودِ اللهِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

  • أَحَدُهُمَا: أَنَّنَا نَسْمَعُ وَنُشَاهِدُ مِنْ إِجَابَةِ الدَّاعِينَ، وَغَوْثِ الْمَكْرُوبِينَ - مَا يَدُلُّ دَلَالَةً قَاطِعَةً عَلَى وُجُودِهِ تَعَالَى … وَمَا زَالَتْ إِجَابَةُ الدَّاعِينَ أَمْرًا مَشْهُودًا إِلَى يَوْمِنَا هَذَا لِمَنْ صَدَقَ النُّجُوءَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَتَى بِشَرَائِطِ الإِجَابَةِ.
  • الثَّانِي: أَنَّ آيَاتِ الأَنْبِيَاءِ - الَّتِي تُسَمَّى المُعْجِزَاتِ - وَيُشَاهِدُهَا النَّاسُ، أَوْ يَسْمَعُونَ بِهَا - بُرْهَانٌ قَاطِعٌ عَلَى وُجُودِ مُرْسِلِهِمْ، وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَىٰ؛ لِأَنَّهَا أُمُورٌ خَارِجَةٌ عَنْ نِطَاقِ البَشَرِ، يُجْرِيهَا اللَّهُ تَعَالَىٰ تَأْيِيدًا لِرُسُلِهِ وَنَصْرًا لَهُمْ.

ص ٧٨ - ٨١

٢. الإيمان بِرُبُوبِيَّةِ

العثيمين - معنى الإيمان بالربوبية

أي: بأنه وحده الرب لا شريك له ولا معين. والرب: من له الخلق والملك والأمر، فلا خالق إلا الله، ولا مالك إلا هو، ولا أمر إلا له، قال تعالى: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ [الأعراف: ٥٤]، وقال: ﴿ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۖ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ﴾ [فاطر: ١٣]. ولم يُعلم أن أحدًا من الخلق أنكر ربوبية الله سبحانه، إلا أن يكون مكابرًا غير معتقد بما يقول، كما حصل من فرعون حين قال لقومه: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ﴾ [النازعات: ٢٤]، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي﴾ [القصص: ٣٨]، لكن ذلك ليس عن عقيدة، قال الله تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤]، وقال موسى لفرعون -فيما حكى الله عنه-: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا﴾ [الإسراء: ١٠٢]. ولذا كان المشركون يُقرّون بربوبية الله تعالى، مع إشراكهم به في الألوهية: قال الله تعالى: ﴿قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٨٤﴾ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴿٨٥﴾ قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴿٨٦﴾ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴿٨٧﴾ قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٨٨﴾ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ ﴿٨٩﴾﴾ [المؤمنون: ٨٤-٨٩]. وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ [الزخرف: ٩]. وَقَالَ: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ﴾ [الزخرف: ٨٧]. وَأَمْرُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ شَامِلٌ لِلْأَمْرِ الْكَوْنِيِّ وَالشَّرْعِيِّ، فَكَمَا أَنَّهُ مُدَبِّرُ الْكَوْنِ الْقَاضِي فِيهِ بِمَا يُرِيدُ حَسَبَ مَا تَقْتَضِيهِ حِكْمَتُهُ، فَهُوَ كَذَلِكَ الْحَاكِمُ فِيهِ بِشَرْعِ الْعِبَادَاتِ، وَأَحْكَامِ الْمُعَامَلَاتِ، حَسْبَ مَا تَقْتَضِيهِ حِكْمَتُهُ، فَمَنِ اتَّخَذَ مَعَ اللهِ تَعَالَى مُشَرِّعًا فِي الْعِبَادَاتِ أَوْ حَاكِمًا فِي الْمُعَامَلَاتِ فَقَدْ أَشْرَكَ بِهِ وَلَمْ يُحَقِّقِ الْإِيمَانَ. ص ٨٢ - ٨٣

٣. الإيمان بألوهيته

العثيمين - معنى الإيمان بالربوبية

أَيْ: بِأَنَّهُ وَحْدَهُ الْإِلَهُ الْحَقُّ لَا شَرِيكَ لَهُ (وَالْإِلَهُ) بِمَعْنَى الْمَأْلُوهِ، أَيْ: (الْمَعْبُودِ) حُبًّا وَتَعْظِيمًا: قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: ١٦٣]. وَقَالَ تَعَالَىٰ: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: ١٨]. ص ٨٣

العثيمين - أدلة بطلان ألوهية غير الله تعالى

وَكُلُّ مَا اتُّخِذَ إِلَهًا مَعَ اللَّهِ يُعْبَدُ مِن دُونِهِ فَأُلُوهِيَّتُهُ بَاطِلَةٌ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [الحج: ٦٢]. … وقد أبطل الله تعالى اتخاذ المشركين هذه الآلهة ببرهانين عقليين:

  • الأول: أنه ليس في هذه الآلهة التي اتخذوها شيء من خصائص الألوهية، فهي مخلوقة لا تخلق، ولا تجلب نفعًا لعابديها، ولا تدفع عنهم ضررًا، ولا تملك لهم حياة ولا موتًا، ولا يملكون شيئًا من السماوات، ولا يشاركون فيه. قال الله تعالى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا﴾ [الفرقان: ٣] … وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ حَالَ تِلْكَ الآلِهَةِ، فَإِنَّ اتِّخَاذَهَا آلِهَةً مِنْ أَسْفَهِ السَّفَهِ، وَأَبْطَلِ البَاطِلِ.
  • الثَّانِي: أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَحْدَهُ الرَّبُّ الخَالِقُ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يُوَحِّدُوهُ بِالْأُلُوهِيَّةِ، كَمَا وَحَّدُوهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢١- ٢٢]. وَقَالَ: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [الزخرف: ٨٧]. ص ٨٣ - ٨٥
٤. الإيمان بأسماءه وصفاته

العثيمين - معنى الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته

إِثْبَاتُ مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ، أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ ﷺ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ بِهِ، مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ، وَلَا تَعْطِيلٍ، وَلَا تَكْيِيفٍ، وَلَا تَمْثِيلٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٠]. وَقَالَ: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الروم: ٢٧]. وَقَالَ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١]. ص ٨٥

العثيمين - بيان ضلال المعطلة

وَقَدْ ضَلَّ فِي هَذَا الْأَمْرِ طَائِفَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: (الْمُعَطِّلَةُ) الَّذِينَ أَنْكَرُوا الْأَسْمَاءَ وَالصِّفَاتِ، أَوْ بَعْضَهَا، زَاعِمِينَ أَنَّ إِثْبَاتَهَا يَسْتَلْزِمُ التَّشْبِيهَ، أَيْ: تَشْبِيهَ اللَّهِ تَعَالَى بِخَلْقِهِ. وَهَذَا الزَّعْمُ بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ، مِنْهَا:

  • الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ لَوَازِمَ بَاطِلَةً كَالتَّنَاقُضِ فِي كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ الْأَسْمَاءَ وَالصِّفَاتِ، وَنَفَى أَنْ يَكُونَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ إِثْبَاتُهَا يَسْتَلْزِمُ التَّشْبِيهَ لَلَزِمَ التَّنَاقُضُ فِي كَلَامِ اللَّهِ، وَتَكْذِيبُ بَعْضِهِ بَعْضًا.
  • الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنِ اتِّفَاقِ الشَّيْئَيْنِ فِي اسْمٍ أَوْ صِفَةٍ أَنْ يَكُونَا مُتَمَاثِلَيْنِ، فَأَنْتَ تَرَى الشَّخْصَيْنِ يَتَّفِقَانِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إِنْسَانٌ سَمِيعٌ، بَصِيرٌ، مُتَكَلِّمٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَتَمَاثَلَا فِي الْمَعَانِي الْإِنْسَانِيَّةِ، وَالسَّمْعِ، وَالْبَصَرِ، وَالْكَلَامِ، وَتَرَى الْحَيَوَانَاتِ لَهَا أَيْدٍ، وَأَرْجُلٌ، وَأَعْيُنٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنِ اتِّفَاقِهَا هَذَا أَنْ تَكُونَ أَيْدِيهَا، وَأَرْجُلُهَا، وَأَعْيُنُهَا مُتَمَاثِلَةً. فَإِذَا ظَهَرَ التَّبَايُنُ بَيْنَ الْمَخْلُوقَاتِ فِيمَا تَتَّفِقُ فِيهِ مِنْ أَسْمَاءٍ، أَوْ صِفَاتٍ، فَالتَّبَايُنُ بَيْنَ الْخَالِقِ، وَالْمَخْلُوقِ أَبْيَنُ وَأَعْظَمُ. ص ٨٦

العثيمين - بيان ضلال المشبهة

الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ: (الْمُشَبِّهَةُ) الَّذِينَ أَثْبَتُوا الْأَسْمَاءَ وَالصِّفَاتِ مَعَ تَشْبِيهِ اللَّهِ تَعَالَى بِخَلْقِهِ، زَاعِمِينَ أَنَّ هَذَا مُقْتَضَى دَلَالَةِ النُّصُوصِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَاطِبُ الْعِبَادَ بِمَا يَفْهَمُونَ. وَهَذَا الزَّعْمُ بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ، مِنْهَا:

  • الْأَوَّلُ: أَنَّ مُشَابَهَةَ اللَّهِ تَعَالَى لِخَلْقِهِ أَمْرٌ بَاطِلٌ، يُبْطِلُهُ الْعَقْلُ، وَالشَّرْعُ، وَلَا يُمْكِنُ أن يكون مُقتضى نصوص الكتاب والسُّنة أمرًا باطلًا.
  • الثاني: أن الله تعالى خاطب العباد بما يفهمون من حيث أصل المعنى، أما الحقيقة والكنه الذي عليه ذلك المعنى فهو مما استأثر الله تعالى بعلمه فيها يتعلق بذاته وصفاته. فإذا أثبت الله لنفسه أنه سميع، فإن السمع معلوم من حيث أصل المعنى وهو إدراك الأصوات) لكن حقيقة ذلك بالنسبة إلى سمع الله تعالى غير معلومة؛ لأن حقيقة السمع تتباين حتى في المخلوقات، فالتباين فيها بين الخالق والمخلوق أبين وأعظم. وإذا أخبر الله تعالى عن نفسه أنه استوى على عرشه فإن الاستواء من حيث أصل المعنى معلوم، لكن حقيقة الاستواء التي هو عليه غير معلومة بالنسبة إلى استواء الله على عرشه؛ لأن حقيقة الاستواء تتباين في حق المخلوق، فليس الاستواء على كرسي مُستقر كالاستواء على رحل بعير صعب نفور، فإذا تباينت في حق المخلوق، فالتباين فيها بين الخالق والمخلوق أبين وأعظم. ص ٨٦ - ٨٧

العثيمين - ثمرات الإيمان بالأسماء وَالصَّفَاتِ

والإيمان بالله تعالى على ما وصفنا يُثمر للمؤمنين ثمارًا جليلة، منها:

  • الأولى: تحقيق توحيد الله تعالى، بحيث لا يتعلق بغيره رجاءً ولا خوفًا، ولا يعبد غيره.
  • الثانية: كمال محبة الله تعالى، وتعظيمه بمقتضى أسمائه الحسنى وصفاته العليا.
  • الثالثة: تحقيق عبادته بفعل ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه. ص ٨٧
٢. الإيمان بالملائكة

العثيمين - معنى الملائكة

عَالَمٌ غَيْبِيٌّ، خَلْقٌ عَابِدُونَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ لَهُم مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ شَيْءٌ، خَلَقَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ نُورٍ، وَمَنَحَهُمُ الْإِنْقِيَادَ التَّامَّ لِأَمْرِهِ، وَالْقُوَّةَ عَلَى تَنْفِيذِهِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ١٩ - ٢٠]. وَهُمْ عَدَدٌ كَثِيرٌ لَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ الْمِعْرَاجِ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رُفِعَ لَهُ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فِي السَّمَاءِ، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ». ص ٨٨

العثيمين - ما يتضمنه الإيمان بالملائكة

  • الْأَوَّلُ: الْإِيمَانُ بِوُجُودِهِمْ.
  • الثَّانِي: الْإِيمَانُ بِمَنْ عَلِمْنَا اسْمَهُ مِنْهُمْ بِاسْمِهِ (كَجِبْرِيلَ) وَمَنْ لَمْ نَعْلَمِ اسْمَهُ نُؤْمِنُ بِهِمْ إِجْمَالًا.
  • الثَّالِثُ: الْإِيمَانُ بِمَا عَلِمْنَا مِنْ صِفَاتِهِمْ كَصِفَةِ (جِبْرِيلَ) « فَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّهُ رَآهُ عَلَى صِفَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا وَلَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ قَدْ سَدَّ الْأُفْقَ»، وَقَدْ يَتَحَوَّلُ الْمَلَكُ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى هَيْئَةِ رَجُلٍ، كَمَا حَصَلَ لِجِبْرِيلَ حِينَ أَرْسَلَهُ تَعَالَى إِلَى مَرْيَمَ.
  • الرَّابِعُ: الْإِيمَانُ بِمَا عَلِمْنَا مِنْ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي يَقُومُونَ بِهَا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، كَتَسْبِيحِهِ، وَالتَّعَبُّدِ لَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا بِدُونِ مَلَلٍ وَلَا فُتُورٍ. وَقَدْ يَكُونُ لِبَعْضِهِمْ أَعْمَالٌ خَاصَّةٌ:
    • مِثْلُ: جِبْرِيلَ الْأَمِينِ عَلَى وَحْيِ اللَّهِ تَعَالَى، يُرْسِلُهُ اللَّهُ بِهِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ.
    • وَمِثْلُ: مِيكَائِيلَ الْمُوَكَّلِ بِالْقَطْرِ، أَيْ بِالْمَطَرِ وَالنَّبَاتِ.
    • وَمِثْلُ: إِسْرَافِيلَ الْمُوَكَّلِ بِالنَّفْخِ فِي الصُّورِ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ وَبَعْثِ الْخَلْقِ.
    • وَمِثْلُ: مَلَكِ الْمَوْتِ الْمُوَكَّلِ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ عِنْدَ الْمَوْتِ.
    • وَمِثْلُ: مَالِكِ الْمُوَكَّلِ بِالنَّارِ، وَهُوَ خَازِنُ النَّارِ.
    • وَمِثْلُ: الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِالْأَجِنَّةِ فِي الْأَرْحَامِ، إِذَا تَمَّ لِلْإِنْسَانِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا وَأَمَرَهُ بِكِتَابَةِ: رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ.
    • وَمِثْلُ: الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِحِفْظِ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ وَكِتَابَتِهَا، لِكُلِّ شَخْصٍ مَلَكَانِ، أَحَدُهُمَا عَنِ الْيَمِينِ، وَالثَّانِي عَنِ الشِّمَالِ.
    • وَمِثْلُ: الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِسُؤَالِ الْمَيِّتِ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، يَأْتِيهِ مَلَكَانِ يَسْأَلَانِهِ عَنْ رَبِّهِ، وَدِينِهِ، وَنَبِيِّهِ.

ص ٨٨ - ٩٠

العثيمين - ثمرات الإيمان بالملائكة

  • الْأُولَى: الْعِلْمُ بِعَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقُوَّتِهِ، وَسُلْطَانِهِ، فَإِنَّ عَظَمَةَ الْمَخْلُوقِ مِنْ عَظَمَةِ الْخَالِقِ.
  • الثَّانِيَةُ: شُكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِنَايَتِهِ بِبَنِي آدَمَ، حَيْثُ وَكَّلَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةِ مَنْ يَقُومُ بِحِفْظِهِمْ، وَكِتَابَةِ أَعْمَالِهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِهِمْ.
  • الثَّالِثَةُ: مَحَبَّةُ الْمَلَائِكَةِ عَلَى مَا قَامُوا بِهِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى.

العثيمين - الملائكة أجسام لا قوى معنوية

وَقَدْ أَنْكَرَ قَوْمٌ مِنَ الزَّائِغِينَ كَوْنَ الْمَلَائِكَةِ أَجْسَامًا، وَقَالُوا: إِنَّهُمْ عِبَارَةٌ عَنْ قُوَى الْخَيْرِ الْكَامِنَةِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ، وَهَذَا تَكْذِيبٌ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ﷺ، وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ [فاطر: ١]. وقال: ﴿وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا۟ الْمَلَٰٓئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾ [الأنفال: ٥٠]، وقال: ﴿وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّٰلِمُونَ فِى غَمَرَٰتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَٰٓئِكَةُ بَاسِطُوٓا۟ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوٓا۟ أَنفُسَكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٣]، وقال: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا۟ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ۖ قَالُوا۟ الْحَقَّ ۖ وَهُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ﴾ [سبأ: ٢٣]. وقال في أهل الجنة: ﴿وَالْمَلَٰٓئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ٥ سَلَٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ [الرعد: ٢٣-٢٤]. وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، روايته عنه أن النبي ﷺ قال: «إذا أحب الله العبد نادى جبريل: إن الله يحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض». وفيه أيضًا عنه قال: قال النبي ﷺ: «إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد الملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر». وهذه النصوص صريحة في أن الملائكة أجسام لا قوى معنوية، كما قال الزائغون، وعلى مُقتضى هذه النصوص أجمع المسلمون. ص ٩٠ - ٩١

٣. الإيمان بالكتب

العثيمين - المراد بالكتب

الكُتُبُ الَّتِي أَنْزَلَهَا تَعَالَى عَلَى رُسُلِهِ رَحْمَةً لِلْخَلْقِ، وَهِدَايَةً لَهُمْ؛ لِيَصِلُوا بِهَا إِلَى سَعَادَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. ص ٩٢

العثيمين - ما يتضمنه الإيمان بالكتب

  • الْأَوَّلُ: الْإِيمَانُ بِأَنَّ نُزُولَهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ حَقًّا.
  • الثَّانِي: الْإِيمَانُ بِمَا عَلِمْنَا اسْمَهُ مِنْهَا بِاسْمِهِ، كَالْقُرْآنِ الَّذِي نَزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ، وَالتَّوْرَاةِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَىٰ عليه السلام، وَالْإِنْجِيلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى عِيسَىٰ عليه السلام، وَالزَّبُورِ الَّذِي أُوتِيَهُ دَاوُدَ عليه السلام، وَأَمَّا مَا لَمْ نَعْلَمِ اسْمَهُ فَنُؤْمِنُ بِهِ إِجْمَالًا.
  • الثَّالِثُ: تَصْدِيقُ مَا صَحَّ مِنْ أَخْبَارِهَا، كَأَخْبَارِ الْقُرْآنِ، وَأَخْبَارِ مَا لَمْ يُبَدَّلْ أَوْ يُحَرَّفْ مِنَ الْكُتُبِ السَّابِقَةِ.
  • الرَّابِعُ: الْعَمَلُ بِأَحْكَامِ مَا لَمْ يُنْسَخْ مِنْهَا، وَالرِّضَا وَالتَّسْلِيمُ بِهِ، سَوَاءٌ فَهِمْنَا حِكْمَتَهُ أَمْ لَمْ نَفْهَمْهَا، وَجَمِيعُ الْكُتُبِ السَّابِقَةِ مَنْسُوخَةٌ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨] أَيْ: (حَاكِمًا عَلَيْهِ)، وَعَلَىٰ هَذَا فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِأَيِّ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الْكُتُبِ السَّابِقَةِ إِلَّا مَا صَحَّ مِنْهَا وَأَقَرَّهُ الْقُرْآنُ. ص ٩٢

العثيمين - ثمرات الإيمان بالكتب

  • الْأُولَىٰ: الْعِلْمُ بِعِنَايَةِ اللَّهِ تَعَالَىٰ بِعِبَادِهِ؛ حَيْثُ أَنْزَلَ لِكُلِّ قَوْمٍ كِتَابًا يَهْدِيهِمْ بِهِ.
  • الثَّانِيَةُ: العِلْمُ بِحِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي شَرْعِهِ؛ حَيْثُ شَرَعَ لِكُلِّ قَوْمٍ مَا يُنَاسِبُ أَحْوَالَهُمْ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨]. ص ٩٢ - ٩٣
٤. الإيمان بالرسل

العثيمين - المراد بالرسل

الرُّسُلُ: جَمْعُ (رَسُولٍ) بِمَعْنَى (مُرْسَلٍ) أَي (مَبْعُوثٍ) بِإِبْلَاغِ شَيْءٍ. وَالْمُرَادُ هُنَا: مَنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنَ الْبَشَرِ بِشَرْعٍ وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ. وَأَوَّلُ الرُّسُلِ نُوحٌ، وَآخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ ﷺ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [النساء: ١٦٣]. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ذَكَرَ أَنَّ النَّاسَ يَأْتُونَ إِلَى آدَمَ لِيَشْفَعَ لَهُمْ، فَيَعْتَذِرُ إِلَيْهِمْ، وَيَقُولُ: ائْتُوا نُوحًا، أَوَّلَ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ، وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ (١). وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَٰكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب: ٤٠]. وَلَمْ تَخْلُ أُمَّةٌ مِنْ رَسُولٍ يَبْعَثُهُ اللَّهُ تَعَالَى بِشَرِيعَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ إِلَى قَوْمِهِ، أَوْ نَبِيٍّ يُوحَى إِلَيْهِ بِشَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَهُ لِيُجَدِّدَهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ [فاطر: ٢٤]. وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا﴾ [المائدة: ٤٤]. ص ٩٣ - ٩٤

العثيمين - الرسل بشر مخلوقونَ

والرُّسُلُ بَشَرٌ مَخْلُوقُونَ، لَيْسَ لَهُمْ مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ شَيْءٌ، قَالَ اللهُ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ ﷺ وَهُوَ سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ وَأَعْظَمُهُمْ جَاهًا عِنْدَ اللهِ: ﴿قُلْ لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٨]. وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ۝ قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ [الجن: ٢١-٢٢]. وَتَلْحَقُهُمْ خَصَائِصُ الْبَشَرِيَّةِ مِنَ الْمَرَضِ، وَالْمَوْتِ، وَالْحَاجَةِ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي وَصْفِهِ لِرَبِّهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ۝ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ۝ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ﴾ [الشعراء: ٧٩-٨١]. وقال النبي ﷺ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي». وَقَدْ وَصَفَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِالْعُبُودِيَّةِ لَهُ فِي أَعْلَى مَقَامَاتِهِمْ، وَفِي سِيَاقِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ: ﴿فَقَالَ تَعَالَى فِي نُوحٍ: إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾ [الإسراء:٣]. وقال في محمدٍ ﷺ: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان: ١]. وقال في إبراهيم وإسحاق ويعقوب صلى الله عليهم وسلم: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ١٥ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ١٦ وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾ [ص: ٤٧-٤٥]. وقال في عيسى بن مريم ﷺ: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الزخرف: ٥٩]. ص ٩٤ - ٩٥

العثيمين - ما يتضمنه الإيمان بالرسل

  • الأول: الإيمان بأن رسالتهم حق من الله تعالى، فمن كفر برسالة واحد منهم فقد كفر بالجميع. كما قال الله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء: ١٠٥] فجعلهم الله مكذبين لجميع الرسل، مع أنه لم يكن رسول غيره حين كذبوه، وعلى هذا فالنصارى الذين كذبوا محمدًا ﷺ ولم يتبعوه هم مكذبون للمسيح ابن مريم، غير متبعين له أيضًا، لا سيما وأنه قد بشرهم بمحمد ﷺ، ولا معنى لبشارتهم به إلا أنه رسول إليهم، ينقذهم الله به من الضلالة، ويهديهم إلى صراط مستقيم.
  • الثاني: الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه، مثل: محمد، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ونوح عليهم الصلاة والسلام، وهؤلاء الخمسة هم أولو العزم من الرسل. وقد ذكرهم الله تعالى في موضعين من القرآن في سورة الأحزاب في قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ [الأحزاب: ٧]. وفي سورة الشورى في قوله: ﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ [الشورى: ١٣]. وأما من لم نعلم اسمه منهم فنؤمن به إجمالًا، قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ﴾ [غافر: ٧٨].
  • الثالث: تصديق ما صح عنهم من أخبارهم.
  • الرابع: العمل بشريعة من أُرسل إلينا منهم، وهو خاتمهم محمد ﷺ، المرسل إلى جميع الناس، قال الله تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: ٦٥]. ص ٩٥ - ٩٦

العثيمين - ثمرات الإيمان بالرسل

  • الأولى: العلم برحمة الله تعالى وعنايته بعباده؛ حيث أرسل إليهم الرسل؛ ليهدوهم إلى صراط الله تعالى، ويبينوا لهم كيف يعبدون الله؛ لأن العقل البشري لا يستقل بمعرفة ذلك.
  • الثانية: شكره تعالى على هذه النعمة الكبرى.
  • الثالثة: محبة الرسل عليهم الصلاة والسلام وتعظيمهم، والثناء عليهم بما يليق بهم؛ لأنهم رسل الله تعالى، ولأنهم قاموا بعبادته، وتبليغ رسالته، والنصح لعباده. ص ٩٦

العثيمين - الرسول لا يكون إلا بشرًا

وقد كذب المعاندون رسلهم، زاعمين أن رسل الله تعالى لا يكونون من البشر، وقد ذكر الله تعالى هذا الزعم وأبطله بقوله: ﴿ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا ﴿قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: ٩٤-٩٥]. فَأَبْطَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الزَّعْمَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ بَشَرًا؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، وَهُمْ بَشَرٌ، وَلَوْ كَانَ أَهْلُ الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ لَنَزَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا؛ لِيَكُونَ مِثْلَهُمْ، وَهَكَذَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ أَنَّهُمْ قَالُوا: ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: ١٠-١١]. ص ٩٦ - ٩٧

٥. الإيمان باليوم الآخر

العثيمين - المراد باليوم الآخر

يَوْمُ الْقِيَامَةِ الَّذِي يُبْعَثُ النَّاسُ فِيهِ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَوْمَ بَعْدَهُ؛ حَيْثُ يَسْتَقِرُّ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَأَهْلُ النَّارِ فِي مَنَازِلِهِمْ. ص ٩٧

العثيمين - ما يتضمنه الإيمان باليوم الآخر

  • الْأَوَّلُ: الْإِيمَانُ بِالْبَعْثِ، وَهُوَ إِحْيَاءُ الْمَوْتَى حِينَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ النَّفْخَةَ الثَّانِيَةَ، فَيَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، حُفَاةً غَيْرَ مُنْتَعِلِينَ، عُرَاةً غَيْرَ مُسْتَتِرِينَ، غُرْلًا غَيْرَ مُخْتَتِنِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٤].
    • وَالْبَعْثُ: حَقٌّ ثَابِتٌ، دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٥-١٦].
    • وقال النبي ﷺ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً غُرْلًا» (١) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
    • وأجمع المسلمون على ثبوته، وهو مُقتضى الحكمة؛ حيثُ تقتضي أن يجعل الله تعالى لهذه الخليقة معادًا، يُجازيهم فيه على ما كلَّفهم به على ألسنة رُسُله، قال الله تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٥] وقال لنبيه ﷺ: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص: ٨٥].
  • الثاني: الإيمان بالحساب والجزاء: يُحاسَبُ العبد على عمله، ويُجْزَى عليه، وقد دلَّ على ذلك الكتاب والسنة وإجماع المسلمين.
    • قال الله تعالى: ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ [الغاشية: ٢٥-٢٦].
    • وقال: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ١٦٠].
    • وقال: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء: ٤٧].
    • وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إِثْبَاتِ الْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ الْكُتُبَ، وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ، وَفَرَضَ عَلَى الْعِبَادِ قَبُولَ مَا جَاءُوا بِهِ، وَالْعَمَلَ بِمَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ مِنْهُ، وَأَوْجَبَ قِتَالَ الْمُعَارِضِينَ لَهُ وَأَحَلَّ دِمَاءَهُمْ، وَذُرِّيَّاتِهِمْ، وَنِسَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ.
    • فَلَوْ لَمْ يَكُنْ حِسَابٌ وَلَا جَزَاءٌ لَكَانَ هَذَا مِنَ الْعَبَثِ الَّذِي يُنَزَّهُ الرَّبُّ الْحَكِيمُ عَنْهُ، وَقَدْ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقْصُصَنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ ﴾ [الأعراف: ٦ - ٧].
  • الثَّالِثُ: الْإِيمَانُ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَأَنَّهُمَا الْمَأْوَى الْأَبَدِيُّ لِلْخَلْقِ، فَالْجَنَّةُ دَارُ النَّعِيمِ الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ آمَنُوا بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْإِيمَانَ بِهِ، وَقَامُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، مُخْلِصِينَ لِلَّهِ، مُتَّبِعِينَ لِرَسُولِهِ، فِيهَا مِنْ أَنْوَاعِ النَّعِيمِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ.
    • قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ۝ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾ [البينة: ٧-٨].
    • وقال تعالى: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٧].
    • وأما النار فهي دار العذاب التي أعدها الله تعالى للكافرين الظالمين، الذين كفروا به وعصوا رسله، فيها من أنواع العذاب والنكال ما لا يخطر على البال.
    • قال الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٣١].
    • وقال: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۖ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: ٢٩].
    • وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا ١١ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ١٢ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا﴾ [الأحزاب: ٦٤-٦٦]. ص ٩٧ - ١٠٠

العثيمين - ما يلحق بِالإِيمَانِ باليوم الآخر

ويلتحق بالإيمان باليوم الآخر: الإيمان بكل ما يكون بعد الموت، مثل:

  1. فتنة القبر: وهي سؤال الميت بعد دفنه عن ربه، ودينه، ونبيه، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت، فيقول: «ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم». ويضل الله الظالمين، فيقول الكافر: هاه، هاه، لا أدري. ويقول المنافق أو المرتاب: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته.
  2. عذاب القبر ونعيمه: فيكون العذاب للظالمين من المنافقين والكافرين.
  • قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُوٓا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوٓا أَنفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ ءَايَٰتِهِۦ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأنعام: ٩٣].
  • وقال تعالى في آل فرعون: ﴿ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّاۖ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُوٓاْ ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ﴾ [غافر: ٤٦].
  • وأما نعيم القبر فللمؤمنين الصادقين.
  • قال الله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت: ٣٠].
  • وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ فِي الْمُؤْمِنِ إِذَا أَجَابَ الْمَلَكَيْنِ فِي قَبْرِهِ: «يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَافْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ». قَالَ: «فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ.

ص ١٠٠ - ١٠٢

العثيمين - ثمرات الإيمان باليوم الآخر

  • الْأُولَى: الرَّغْبَةُ فِي فِعْلِ الطَّاعَةِ، وَالْحِرْصُ عَلَيْهَا رَجَاءً لِثَوَابِ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
  • الثَّانِيَةُ: الرَّهْبَةُ عِنْدَ فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ، وَالرِّضَا عَنْهَا خَوْفًا مِنْ عِقَابِ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
  • الثَّالِثَةُ: تَسْلِيَةُ الْمُؤْمِنِ عَمَّا يَفُوتُهُ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا يَرْجُوهُ مِنْ نَعِيمِ الْآخِرَةِ وَثَوَابِهَا. ص ١٠٢

العثيمين - إثبات إمكان البعث

وَقَدْ أَنْكَرَ الْكَافِرُونَ الْبَعْثَ بَعْدَ الْمَوْتِ، زَاعِمِينَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ. وَهَذَا الزَّعْمُ بَاطِلٌ، دَلَّ عَلَى بُطْلَانِهِ الشَّرْعُ وَالْحِسُّ وَالْعَقْلُ.

  • أَمَّا الشَّرْعُ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [التغابن: ٧]، وَقَدِ اتَّفَقَتْ جَمِيعُ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ عَلَيْهِ.
  • وَأَمَّا الْحِسُّ: فَقَدْ أَرَى اللَّهُ عِبَادَهُ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، وَفِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ خَمْسَةُ أَمْثِلَةٍ عَلَى ذَلِكَ، وَهِيَ:
    • المِثَالُ الأَوَّلُ :قَوْمُ مُوسَى حِينَ قَالُوا لَهُ : لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة: ٥٥] فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ تَعَالَىٰ، ثُمَّ أَحْيَاهُمْ. وَفِي ذٰلِكَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَىٰ مُخَاطِبًا بَنِي إِسْرَائِيلَ : ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ﴿٦٥﴾ ثُمَّ بَعَثْنَٰكُم مِّنۢ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿٥٦﴾ [البقرة: ٥٥-٥٦].
    • المِثَالُ الثَّانِي فِي قِصَّةِ القَتِيلِ الَّذِي اخْتَصَمَ فِيهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَىٰ أَنْ يَذْبَحُوا بَقَرَةً، فَيَضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا؛ لِيُخْبِرَهُمْ بِمَنْ قَتَلَهُ. وَفِي ذٰلِكَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَىٰ : ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَأَذَارَهْ تُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ﴿٧٢﴾ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿٧٣﴾ [البقرة: ٧٢-٧٣].
    • المِثَالُ الثَّالِثُ : فِي قِصَّةِ القَوْمِ الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ فِرَارًا مِنَ الْمَوْتِ، وَهُمْ أُلُوفٌ، فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ تَعَالَىٰ، ثُمَّ أَحْيَاهُمْ. وَفِي ذٰلِكَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَىٰ : ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَٰهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: ٢٤٣].
    • المِثَالُ الرَّابِعُ : فِي قِصَّةِ الَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ مَيْتَةٍ، فَاسْتَبْعَدَ أَنْ يُحْيِيَهَا اللَّهُ تَعَالَىٰ، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ مِئَةَ سَنَةٍ، ثُمَّ أَحْيَاهُ. وَفِي ذٰلِكَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَىٰ : ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿ [البقرة: ٢٥٩].
    • المثال الخامس: في قصة إبراهيم الخليل حين سأل الله تعالى أن يُريه كيف يُحيي الموتى، فأمره الله تعالى أن يذبح أربعةً من الطير، ويُفرِّقَهُنَّ أجزاءً على الجبال التي حوله، ثم يُناديهنَّ، فَتَلْتَئِمُ الأجزاء بعضُها إلى بعض، ويأتين إلى إبراهيم سعيًا. وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيَا ۖ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: ٢٦٠].
  • وأما دلالة العقل فمن وجهين:
    • أحدهما: أن الله تعالى فاطر السماوات والأرض وما فيهما، خالقهما ابتداءً، والقادر على ابتداء الخلق لا يعجز عن إعادته. قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ [الروم: ٢٧]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَعِلِينَ﴾ [الأنبياء: 104]. وقَالَ آمِرًا بِالرَّدْ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ إِحْيَاءَ العِظَامِ وَهِيَ رَمِيمٌ: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [يس: 79].
    • الثَّانِي: أَنَّ الأَرْضَ تَكُونُ مَيْتَةٌ هَامِدَةً، لَيْسَ فِيهَا شَجَرَةٌ خَضْرَاءُ، فَيَنْزِلُ عَلَيْهَا المَطَرُ، فَتَهْتَزُّ خَضْرَاءَ حَيَّةٌ فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ، وَالْقَادِرُ عَلَى إِحْيَائِهَا بَعْدَ مَوْتِهَا قَادِرٌ عَلَى إِحْيَاءِ الْأَمْوَاتِ. قالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ عَايَنَيْهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَشِعَةُ فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِى أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرُ﴾ [فصلت: 39]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَرَكَا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَتٍ لَّمَا طَلَعُ نَضِيدُ رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مِّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ [ق: 9-11].

ص ١٠٢ - ١٠٥

العثيمين - إثبات إمكان عذاب القبر ونعيمه

وَقَدْ ضَلَّ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الزَّيْغِ فَأَنْكَرُوا عَذَابَ الْقَبْرِ وَنَعِيمَهُ، زَاعِمِينَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ مُخَالَفَةً لِلْوَاقِعِ، قَالُوا: فَإِنَّهُ لَوْ كُشِفَ عَنِ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ لَوُجِدَ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ، وَالْقَبْرُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِسِعَةٍ وَلَا ضِيقٍ. وَهَذَا الزَّعْمُ بَاطِلٌ بِالشَّرْعِ وَالْحِسِّ وَالْعَقْلِ:

  • أَمَّا الشَّرْعُ: فَقَدْ سَبَقَتِ النُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى ثُبُوتِ عَذَابِ الْقَبْرِ وَنَعِيمِهِ فِي فَقْرَةِ (ب) مِمَّا يَلْتَحِقُ بِالْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ. وفي صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «خرج النبي ﷺ من بعض حيطان المدينة، فسمع صوت إنسانين يُعذَّبان في قبورِهما» وذكر الحديث، وفيه: «أن أحدهما كان لا يستتر من البول ـ وفي رواية من بوله ـ وأن الآخر كان يمشي بالنَّميمة».
  • وأما الحس: فإن النائم يرى في منامه أنه كان في مكان فسيح بهيج يتنعم فيه، أو أنه كان في مكان ضيق مُوحش يتألم منه، وربما يستيقظ أحيانًا مما رأى، ومع ذلك فهو على فراشه في حجرته على ما هو عليه، والنوم أخو الموت؛ وهذا سماه الله تعالى «وفاةً»، قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الزمر: ٤٢].
  • وأما العقل: فإن النائم في منامه يرى الرؤيا الحق المطابقة للواقع، وربما رأى النبي ﷺ على صفته ـ ومن رآه على صفته فقد رآه حقًا ـ ومع ذلك فـالنائم في حجرته على فراشه بعيدًا عمَّا رأى. فإن كان هذا ممكنًا في أحوال الدنيا، أفلا يكون ممكنًا في أحوال الآخرة؟!!
  • وأما اعتمادهم فيما زعموه على أنه لو كُشِف عن الميت في قبره لوُجِد كما كان عليه، والقبر لم يتغير بسعة ولا ضيق، فجوابه من وجوه، منها:
    • الأول: أنه لا تجوز معارضة ما جاء به الشرع بمثل هذه الشبهات الداحضة التي لو تأمل المعارض بها ما جاء به الشرع حق التأمل لعلم بطلان هذه الشبهات.
    • الثَّانِي: أَنَّ أَحْوَالَ الْبَرْزَخِ مِنْ أُمُورِ الْغَيْبِ، الَّتِي لَا يُدْرِكُهَا الْحِسُّ، وَلَوْ كَانَتْ تُدْرَكُ بِالْحِسِّ، لَفَاتَتْ فَائِدَةُ الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ، وَلَتَسَاوَى الْمُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَالْجَاحِدُونَ فِي التَّصْدِيقِ بِهَا.
    • الثَّالِثُ: أَنَّ الْعَذَابَ وَالنَّعِيمَ وَسَعَةَ الْقَبْرِ وَضِيقَهُ إِنَّمَا يُدْرِكُهَا الْمَيِّتُ دُونَ غَيْرِهِ، وَهَذَا كَمَا يَرَى النَّائِمُ فِي مَنَامِهِ أَنَّهُ فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ مُوحِشٍ، أَوْ فِي مَكَانٍ وَاسِعٍ بَهِيجٍ، وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ مَنَامُهُ، هُوَ فِي حُجْرَتِهِ، وَبَيْنَ فِرَاشِهِ وَغِطَائِهِ، وَلَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَيَسْمَعُ الْوَحْيَ، وَلَا يَسْمَعُهُ الصَّحَابَةُ، وَرُبَّمَا يَتَمَثَّلُ لَهُ الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُهُ (٢) ، وَالصَّحَابَةُ لَا يَرَوْنَ الْمَلَكَ وَلَا يَسْمَعُونَهُ.
    • الرَّابِعُ: أَنَّ إِدْرَاكَ الْخَلْقِ مَحْدُودٌ بِمَا مَكَّنَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ إِدْرَاكِهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُدْرِكُوا كُلَّ مَوْجُودٍ، فَالسَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَكُلُّ شَيْءٍ يُسَبِّحُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَسْبِيحًا حَقِيقِيًّا، يُسْمِعُهُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ أَحْيَانًا، وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ مَحْجُوبٌ عَنَّا. وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۖ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٤٤]. وَهَكَذَا الشَّيَاطِينُ وَالْجِنُّ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ ذَهَابًا وَإِيَابًا، وَقَدْ حَضَرَتِ الْجِنُّ إِلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَاسْتَمَعُوا لِقِرَاءَتِهِ وَأَنْصَتُوا، وَوَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ، وَمَعَ هَٰذَا فَهُمْ مَحْجُوبُونَ عَنَّا. ص ١٠٥ - ١٠٨
٦. الإيمان بالقدر

العثيمين - المراد بالقدر

تَقْدِيرُ اللَّهِ تَعَالَىٰ لِلْكَائِنَاتِ، حَسْبَمَا سَبَقَ عِلْمُهُ، وَاقْتَضَتْهُ حِكْمَتُهُ. ص ١٠٨

العثيمين - مراتب الإيمان بالقدر

  • الْأَوَّلُ: الْإِيمَانُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَىٰ عَلِمَ بِكُلِّ شَيْءٍ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، أَزَلًا وَأَبَدًا، سَوَاءٌ كَانَ ذَٰلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِهِ أَوْ بِأَفْعَالِ عِبَادِهِ.
  • الثَّانِي: الْإِيمَانُ بِأَنَّ اللَّهَ كَتَبَ ذَٰلِكَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وَفِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَىٰ: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحج: ٧٠].
  • الثالث: الإيمان بأن جميع الكائنات لا تكون إلا بمشيئة الله تعالى، سواء كانت مما يتعلق بفعله أم مما يتعلق بفعل المخلوقين. قال الله تعالى فيما يتعلق بفعله: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾ [القصص: ٨٦]. وقال: ﴿وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [إبراهيم: ٢٧]. وقال: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ [آل عمران: ٦]. وقال تعالى فيما يتعلق بفعل المخلوقين: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَتَلُوكُمْ﴾ [النساء: ٩٠]. وقال: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: ١١٢].
  • الرابع: الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله تعالى بذواتها، وصفاتها، وحركاتها. قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الزمر: ٦٢]. وقال: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان: ٢]. وقال عن نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: ٩٦]. ص ١٠٨ - ١٠٩

العثيمين - مشيئة العبدِ

س

العثيمين - الاحتجاج على القدر بالمعاصي

وَالإِيمَانُ بِالقَدَرِ عَلَى مَا وَصَفْنَا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ لِلْعَبْدِ مَشِيئَةٌ فِي أَفْعَالِهِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَقُدْرَةٌ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَالوَاقِعَ دَالَّانِ عَلَى إِثْبَاتِ ذَلِكَ لَهُ.

  • أمَّا الشَّرْعُ : فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَىٰ فِي المَشِيئَةِ : ﴿فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَتَابًا﴾ [النبأ: ٣٩]، وَقَالَ: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣]. وَقَالَ فِي القُدْرَةِ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا﴾ [التغابن: ١٦] وَقَالَ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦].
  • وَأَمَّا الوَاقِعُ : فَإِنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ مَشِيئَةً وَقُدْرَةٌ بِهِمَا يَفْعَلُ وَبِهِمَا يَتْرُكُ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ مَا يَقَعُ بِإِرَادَتِهِ كَالْمَشْيِ وَمَا يَقَعُ بِغَيْرِ إِرَادَتِهِ كَالِارْتِعَاشِ، لَكِنْ مَشِيئَةُ العَبْدِ وَقُدْرَتُهُ وَاقِعَتَانِ بِمَشِيئَةِ اللهِ تَعَالَىٰ وَقُدْرَتِهِ؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَىٰ: ﴿لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [التكوير: ٢٨-٢٩] وَلِأَنَّ الكَوْنَ كُلَّهُ مِلْكُ اللَّهِ تَعَالَىٰ، فَلَا يَكُونُ فِي مُلْكِهِ شَيْءٌ بِدُونِ عِلْمِهِ وَمَشِيئَتِهِ. ص ١١٠

العثيمين - ثمرات الإيمان بالقدر

وَالإِيمَانُ بِالقَدَرِ عَلَىٰ مَا وَصَفْنَا لَا يَمْنَحُ العَبْدَ حُجَّةً عَلَىٰ مَا تَرَكَ مِنَ الوَاجِبَاتِ أَوْ فَعَلَ مِنَ المَعَاصِي، وَعَلَىٰ هَذَا فَاحْتِجَاجُهُ بِهِ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ:

  • الأَوَّلُ : قَوْلُهُ تَعَالَىٰ: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا ءَابَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: ١٤٨] وَلَوْ كَانَ لَهُمْ حُجَّةٌ بِالقَدَرِ مَا أَذَاقَهُمُ اللَّهُ بَأْسَهُ.
  • الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَىٰ: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء : ١٦٥]. وَلَوْ كَانَ القَدَرُ حُجَّةً لِلمُخَالِفِينَ لَمْ تَنْتَفِعْ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ بَعْدَ إِرْسَالِهِمْ وَاقِعَةٌ بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى.
  • الثَّالِثُ: مَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ - وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ - عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا قَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ أَوْ مِنَ الْجَنَّةِ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَلَا نَتَّكِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَا، اعْمَلُوا؛ فَكُلُّ مُيَسَّرٌ». ثُمَّ قَرَأَ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ﴾ الْآيَةَ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «فَكُلُّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ». فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْعَمَلِ، وَنَهَى عَنِ الْإِنْكَالِ عَلَى الْقَدَرِ.
  • الرَّابِعُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ الْعَبْدَ وَنَهَاهُ، وَلَمْ يُكَلِّفْهُ إِلَّا مَا يَسْتَطِيعُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦]، وَقَالَ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]. وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ مُجْبَرًا عَلَى الْفِعْلِ لَكَانَ مُكَلَّفًا بِمَا لَا يَسْتَطِيعُ الْخَلَاصَ مِنْهُ، وَهَذَا بَاطِلٌ؛ وَلِذَلِكَ إِذَا وَقَعَتْ مِنْهُ الْمَعْصِيَةُ بِجَهْلٍ، أَوْ نِسْيَانٍ، أَوْ إِكْرَاهٍ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ.
  • الْخَامِسُ: أَنَّ قَدَرَ اللَّهِ تَعَالَى سِرٌّ مَكْتُومٌ، لَا يُعْلَمُ بِهِ إِلَّا بَعْدَ وُقُوعِ الْمَقْدُورِ، وَإِرَادَةُ الْعَبْدِ لِمَا يَفْعَلُهُ سَابِقَةٌ عَلَى فِعْلِهِ، فَتَكُونُ إِرَادَتُهُ الْفِعْلَ غَيْرَ مَبْنِيَّةٍ عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ بِقَدَرِ اللَّهِ، وَحِينَئِذٍ تَنْتَفِي حُجَّتُهُ بِالْقَدَرِ، إِذْ لَا حُجَّةَ لِلْمَرْءِ فِيمَا لَا يَعْلَمُهُ.
  • السَّادِسُ: أَننَا نَرَى الإِنْسَانَ يَحْرِصُ عَلَى مَا يُلَائِمُهُ مِنْ أُمُورِ دُنْيَاهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ، وَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ إِلَى مَا لَا يُلَائِمُهُ، ثُمَّ يَحْتَجُ عَلَى عُدُولِهِ بِالقَدَرِ، فَلِمَاذَا يَعْدِلُ عَمَّا يَنْفَعُهُ فِي أُمُورِ دِينِهِ إِلَى مَا يَضُرُّهُ ثُمَّ يَحْتَجُ بِالقَدَرِ؟! أَفَلَيْسَ شَأْنُ الْأَمْرَيْنِ وَاحِدًا؟!
  • السَّابِعُ: أَنَّ الْمُحْتَجَّ بِالقَدَرِ عَلَى مَا تَرَكَهُ مِنَ الوَاجِبَاتِ أَوْ فَعَلَهُ مِنَ الْمَعَاصِي، لَوِ اعْتَدَى عَلَيْهِ شَخْصٌ فَأَخَذَ مَالَهُ أَوِ انْتَهَكَ حُرْمَتَهُ، ثُمَّ احْتَجَّ بِالقَدَرِ، وَقَالَ: لَا تَلُمْنِي فَإِنَّ اعْتِدَائِي كَانَ بِقَدَرِ اللهِ، لَمْ يَقْبَلْ حُجَّتَهُ. فَكَيْفَ لَا يَقْبَلُ الاحْتِجَاجَ بِالقَدَرِ فِي اعْتِدَاءِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَيَحْتَجُ بِهِ لِنَفْسِهِ فِي اعْتِدَائِهِ عَلَى حَقٌّ اللَّهِ تَعَالَى؟!! وَيُذْكَرُ أَنَّ أميرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه رُفِعَ إِلَيْهِ سَارِقٌ اسْتَحَقَّ القَطْعَ، فَأَمَرَ بِقَطْعِ يَدِهِ فَقَالَ: مَهْلًا يَا أميرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّمَا سَرَقْتُ بِقَدَرِ اللَّهِ. فَقَالَ: وَنَحْنُ إِنَّمَا نَقْطَعُ بِقَدَرِ اللَّهِ. ص ١١٠ - ١١٢

العثيمين - ثمرات الإيمان بالقدر

  • الأُولَى: الاعْتِمَادُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ فِعْلِ الْأَسْبَابِ، بِحَيْثُ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى السَّبَبِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى.
  • الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يُعْجَبَ الْمَرْءُ بِنَفْسِهِ عِنْدَ حُصُولِ مُرَادِهِ؛ لِأَنَّ حُصُولَهُ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، بِمَا قَدَّرَهُ مِنْ أَسْبَابِ الْخَيْرِ وَالنَّجَاحِ، وَإِعْجَابُهُ بِنَفْسِهِ يُنْسِيهِ شُكْرَ هَذِهِ النِّعْمَةِ.
  • الثَّالِثَةُ: الطُّمَأْنِينَةُ، وَالرَّاحَةُ النَّفْسِيَّةُ بِمَا يَجْرِي عَلَيْهِ مِنْ أَقْدَارِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَقْلَقُ بِفَوَاتِ مَحْبُوبٍ، أَوْ حُصُولِ مَكْرُوهٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِقَدَرِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَهُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ.
    • وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [الحديد: ٢٢ - ٢٣].
    • وَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»(١) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. ص ١١٣

العثيمين - بيان ضلال الجبرية

وَقَدْ ضَلَّ فِي القَدَرِ طَائِفَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: الجَيْرِيَّةُ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ العَبْدَ مُجُبَرٌ عَلَى عَمَلِهِ، وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ إِرَادَةٌ وَلَا قُدْرَةٌ. وَالرَّدُّ عَلَى الطَّائِفَةِ الأُولَى (الجَيْرِيَّةِ) بِالشَّرْعِ وَالْوَاقِعِ:

  • أَمَّا الشَّرْعُ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْبَتَ لِلعَبْدِ إِرَادَةً وَمَشِيئَةٌ، وَأَضَافَ العَمَلَ إِلَيْهِ.
    • قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ [آل عمران: 152].
    • قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ [الكهف: 29] الآية.
    • وَقَالَ تَعَالَى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَلِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46].
  • وَأَمَّا الوَاقِعُ فَإِنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ يَعْلَمُ الفَرْقَ بَيْنَ أَفْعَالِهِ الْاِخْتِيَارِيَّةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا بِإِرَادَتِهِ كَالأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَالبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَبَيْنَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِرَادَتِهِ كَالِارْتِعَاشِ مِنَ الحُمَّى وَالسُّقُوطِ مِنَ السَّطْحِ، فَهُوَ فِي الأَوَّلِ فَاعِلٌ مُخْتَارٌ بِإِرَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ جَيْرِ، وَفِي الثَّانِي غَيْرُ مُخْتَارٍ وَلَا مُرِيدٍ لِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ. ص ١١٤

العثيمين - بيان ضلال القدرية

وقَدْ ضَلَّ فِي القَدَرِ طَائِفَتَانِ: … الثَّانِيَةُ: القَدَرِيَّةُ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ العَبْدَ مُسْتَقِلْ بِعَمَلِهِ فِي الإِرَادَةِ وَالْقُدْرَةِ، وَلَيْسَ لِمَشِيئَةِ اللهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ فِيهِ أَثَرُ. وَالرَّدُّ عَلَى الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ (القَدَرِيَّةِ) بِالشَّرْعِ وَالعَقْلِ:

  • أَمَّا الشَّرْعُ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ كَائِنٌ بِمَشِيئتِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ أَنَّ أَفْعَالَ العِبَادِ تَقَعُ بِمَشِيئَتِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ ءَامَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ [البقرة:253] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لآتيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [السجدة: 13].
  • وَأَمَّا العَقْلُ: فَإِنَّ الكَوْنَ كُلَّهُ عَمَلُوكُ للهِ تَعَالَى، وَالإِنْسَانُ مِنْ هَذَا الكَوْنِ، فَهُوَ تَمَلُوكُ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُمْكِنُ لِلْمَمْلُوكِ أَنْ يَتَصَرَفَ فِي مُلْكِ الْمَالِكِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَمَشِيئَتِهِ. ص ١١٥

الإحسان

المرتبةُ الثالثةُ: الإحسانُ ركنٌ واحدٌ، وهو أنْ تعبدَ اللهَ وحده كأنَّك تَراهُ فإنْ لم تكنْ تَراهُ فإنَّه يَراكَ. والدليلُ قوله تعالى: ﴿ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى﴾، وقولُهُ تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذينَ اتَّقَوا وَالَّذينَ هُم مُحسِنونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ وقولُهُ تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾، وقولُهُ: ﴿وَما تَكونُ في شَأنٍ وَما تَتلو مِنهُ مِن قُرآنٍ وَلا تَعمَلونَ مِن عَمَلٍ إِلّا كُنّا عَلَيكُم شُهودًا إِذ تُفيضونَ فيهِ﴾. والدليلُ مِنَ السُّنَّة: حديثُ جبرائيل عليه السلام المشهور عن عمر رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجلٌ شديدٌ بياضِ الثياب، شديد سوادِ الشَّعر، لا يُرى عليه أثَرُ السَّفر، ولا يعرفه مِنَّا أحد، فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند رُكبَتَيْه إلى رُكبَتَيْه، ووضع كَفَّيْه على فخذيه، فقال: يا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإسلام؟ فقال: «أن تَشْهَدَ أَلا إلَهَ إلاَّ الله، وَأَنَّ مُحَمَدًا رَسُولُ الله، وَتُقِيمَ الصَلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اِسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا» فقال: صَدَقْتَ. فعجبنا له يسأله ويُصَدِّقُه. قال: أخبرني عن الإيمان؟ قال: «أنْ تُؤْمِنَ بِالله وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرَّهِ» قال: صدقت. قال: أخبرني عن الإحسان؟ قال: «أَنْ تَعْبُدَ الله كَأَنَّك تَرَاهُ، فَإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهْ فَإِنَّهُ يَرَاكْ». قال: صدقت. قال: فَأَخْبِرْني عَنْ السَّاعة؟ قال: «مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ». قال: أَخْبِرْني عَنْ أَمَارَاتِهَا؟ قال: «أَنْ تَلِدَ الأمةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاَةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ». قال: فمضى فَلَبِثنا مَلِيًّا. فقال صلى الله عليه وسلم: «يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟» قلنا: الله ورسوله أعلَم. قال: «هذا جِبْرِيلُ، أَتَاكُم يُعَلِمُكُمْ أمر دِينِكُمْ».

العصيمي - معنى الإحسان شرعًا

وَالإِحْسَانُ مِنْهُ مَا يَكُونُ مَعَ الخَالِقِ، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ مَعَ الخَلْقِ، وَالمُرَادُ مِنْهُما عِنْدَ المُصَنِّف مَا كَانَ مَعَ الخَالِقِ، وَمُتَعَلَّقُهُ: إِتقَانُ الشَّيْءِ وَإِجَادَتْهُ، وَلَهُ إِطْلَاقَانِ فِي الشَّرْعِ:

  • أَحَدُهُمَا: عَامٌ؛ وَهُوَ: الدِّينُ الَّذِي بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّهُ يُسَمَّى إِحْسَانًا. وَحَقِيقَتُهُ شَرْعًا إِثْقَانُ البَاطِن وَالظَّاهِرِ اللهِ؛ تَعَبدَا لَهُ بِالشَّرْع المنزلِ عَلَى مُحَمَّدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى مَقَامَ المُشَاهَدَةِ أَوِ الْمُرَاقَبَةِ.
  • وَالثَّانِي: خَاصٌ؛ وَهُوَ: إِثْقَانُ الاعْتِقَادَاتِ البَاطِنَةِ وَالأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ؛ فَإِنَّهُ يُسَمَّى إِحْسَانًا، وَهَذَا المعنى هُوَ المَقْصُودُ إذَا قُرِنَ الإِحْسَانُ بِالإِسْلَام وَالإِيمَانِ. ص ٦٣

العثيمين - معنى الإحسان

الإِحْسَانُ ضِدُّ الإِسَاءَةِ، وَهُوَ أَنْ يَبْدُلَ الإِنْسَانُ المَعْرُوفَ وَيَكُفَّ الأَذَى، فَيَبْدُلُ المَعْرُوفَ لِعِبَادِ اللهِ فِي مَالِهِ، وَجَاهِهِ، وَعِلْمِهِ، وَبَدَنِهِ.

  • فَأَمَّا المَالُ فَأَنْ يُنْفِقَ وَيَتَصَدَّقَ وَيُزَكِّيَ، وَأَفْضَلُ أَنْوَاعِ الإِحْسَانِ بِالْمَالِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ أَحَدُ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ وَمَبَانِيهِ العِظَامِ، وَلَا يَتِمُّ إِسْلَامُ المَرْءِ إِلَّا بِهَا، وَهِيَ أَحَبُّ النَّفَقَاتِ إِلَى اللهِ عَزَ وَجَلَّ، وَيَلِي ذَلِكَ مَا يَجِبُ عَلَى الإِنْسَانِ مِنْ نَفَقَةٍ لِزَوْجَتِهِ، وَأُمِّهِ، وَأَبِيهِ، وَذُرِّيَّتِهِ، وَإِخْوَانِهِ، وَبَنِي إِخْوَتِهِ، وَأَخَوَاتِهِ، وَأَعْمَامِهِ، وَعَماتِهِ، وَخَالَاتِهِ، إِلَى آخِرِ هَذَا، ثُمَّ الصَّدَقَةُ عَلَى المَسَاكِينِ وَغَيْرِهِمْ، مَنْ هُمْ أَهْلُ لِلصَّدَقَةِ، لطلَّابِ العِلْمِ مَثَلًا.
  • وَأَمَّا بَذْلُ المَعْرُوفِ فِي الجَاهِ فَهُوَ أَنَّ النَّاسَ مَرَاتِبُ، مِنْهُمْ مَنْ لَهُ جَاهُ عِنْدَ ذَوِي السُّلْطَانِ، فَيَبْذُلُ الإِنْسَانُ جَاهَهُ، يَأْتِيهِ رَجُلٌ فَيَطْلُبُ مِنْهُ الشَّفَاعَةَ إِلَى ذِي السُّلْطَانِ يَشْفَعُ لَهُ عِنْدَهُ؛ إِمَّا بِدْفَعِ ضَرَرٍ عَنْهُ، أَوْ بِجَلْبٍ خَيْرٍ لَهُ.
  • وَأَمَّا بِعِلْمِهِ فَأَنْ يَبْذلَ عِلْمَهُ لِعِبَادِ اللهِ، تَعْلِيما فِي الحَلْقَاتِ وَالْمَجَالِسِ العَامَّةِ وَالخَاصَّةِ، حَتَّى لَوْ كُنْتَ فِي مَجْلِسِ قَهْوَةٍ، فَإِنَّ مِنَ الخَيْرِ وَالإِحْسَانِ أَنْ تُعَلَّمَ النَّاسَ، وَلَوْ كُنْتَ فِي مَجْلِسٍ عَامٌ فَمِنَ الخَيْرِ أَنْ تُعَلَّمَ النَّاسَ، وَلَكِنِ اسْتَعْمِلِ الحِكْمَةَ فِي هَذَا البَابِ، فَلَا تُنْقِل عَلَى النَّاسِ حَيْثُ كُلَّمَا جَلَسْتَ فِي مَجْلِسٍ جَعَلْتَ تَعِظُهُمْ وَتَتَحَدَّثُ إِلَيْهِمْ، لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَخَوَّلُهُمْ بِالْمَوْعِظَةِ) وَلَا يُكْثِرُ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ تَسْأَمُ وَتَعَملُ، فَإِذَا مَلَّتْ كَلَّتْ وَضَعُفَتْ، وَرُبَّمَا تَكْرَهُ الخَيْرَ؛ لِكَثْرَةِ مَنْ يَقُومُ وَيَتَكَلَّمُ.
  • وَأَمَّا الإِحْسَانُ إِلَى النَّاسِ بِالبَدَنِ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ» (2) فَهَذَا رَجُلٌ تُعِينُهُ تَحْمِلُ مَتَاعَهُ مَعَهُ، أَوْ تَدُلُّهُ عَلَى طَرِيقِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْإِحْسَانِ.

هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلإِحْسَانِ إِلَى عِبَادِ اللهِ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلإِحْسَانِ فِي عِبَادَةِ اللهِ:

  • فَأَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ وَهَذِهِ العِبَادَةُ - أَيْ عِبَادَةُ الإِنْسَانِ رَبَّهُ كَأَنَّهُ يَرَاهُ - عِبَادَةُ طَلَبٍ وَشَوْقٍ، وَعِبَادَةٌ الطَّلَبِ وَالشَّوْقِ يَجِدُ الإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ حَاثًا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ هَذَا الَّذِي يُحِبُّهُ، فَهُوَ يَعْبُدُهُ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، فَيَقْصِدُهُ، وَيُنيبُ إِلَيْهِ، وَيَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
  • «فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ وَهَذِهِ عِبَادَةُ الهَرَبِ وَالخَوْفِ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ هَذِهِ المَرْتَبَةُ ثَانِيَةً فِي الإِحْسَانِ، إِذَا لَمْ تَكُنْ تَعْبُدُ اللَّهَ عَزَ وَجَلَّ كَأَنَّكَ تَرَاهُ وَتَطْلُبُهُ، وَتَحْثُ النَّفْسَ لِلوُصُولِ إِلَيْهِ فَاعْبُدْهُ كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَرَاكَ، فَتَعْبُدُهُ عِبَادَةَ خَائِفٍ مِنْهُ، هَارِبٍ مِنْ عَذَابِهِ وَعِقَابِهِ، وَهَذِهِ الدَّرَجَةُ عِنْدَ أَرْبَابِ السُّلُوكِ أَدْنَى مِنَ الدَّرَجَةِ الأُولَى.
  • وَعِبَادَةُ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هِيَ كَمَا قَالَ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ): وَعِبَادَةُ الرَّحْمَنِ غَايَةُ حُبِّهِ … مَعَ كُل عَابِدِهِ هُمَا قُطْبَانِ
  • فَالعِبَادَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ: غَايَةِ الحَبِّ، وَغَايَةِ الذُّلُّ؛ فَفِي الحَبِّ الطَّلَبُ، وَفِي الذُّلِّ الخَوْفُ وَالهَرَبُ، فَهَذَا هُوَ الْإِحْسَانُ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
  • وَإِذَا كَانَ الإِنْسَانُ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى هَذَا الوَجْهِ، فَإِنَّهُ سَوْفَ يَكُونُ مُخْلِصًا لِلَّهِ عَزَ وَجَلَّ يُرِيدُ بِعِبَادَتِهِ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةٌ، وَلَا مَدْحًا عِنْدَ النَّاسِ، وَسَوَاءٌ اطَّلَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ أَمْ لَمْ يَطَّلِعُوا، الكُلُّ عِنْدَهُ سَوَاءٌ، وَهُوَ مُحْسِنُ العِبَادَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
  • بَلْ إِنَّ مِنْ تَمَامِ الإِخْلَاصِ أَنْ يَجْرِصَ الإِنْسَانُ عَلَى أَلَّا يَرَاهُ النَّاسُ فِي عِبَادَتِهِ، وَأَنْ تَكُونَ عِبَادَتُهُ مَعَ رَبِّهِ سِرًّا، إِلَّا إِذَا كَانَ فِي إِعْلَانِ ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ لِلإِسْلَامِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا مَتْبُوعًا يُقْتَدَى بِهِ، وَأَحَبَّ أَنْ يُبَيِّنَ عِبَادَتَهُ لِلنَّاسِ؛ لِيَأْخُذُوا مِنْ ذَلِكَ نِبْرَاسًا يَسِيرُونَ عَلَيْهِ، أَوْ كَانَ هُوَ يُحِبُّ أَنْ يُظْهِرَ العِبَادَةَ؛ لِيَقْتَدِيَ بِهَا زُمَلَاؤُهُ وَقُرَنَاؤُهُ وَأَصْحَابُهُ، فَفِي هَذَا خَيْرٌ.
  • وهَذِهِ المَصْلَحَةُ الَّتِي يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا قَدْ تَكُونُ أَفْضَلَ وَأَعْلَى مِنْ مَصْلَحَةِ الإِخْفَاءِ؛ هذَا يُثْنِي اللهُ عَزَ وَجَلَّ عَلَى الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً، فَإِذَا كَانَ السِّرُّ أَصْلَحَ وَأَنْفَعَ لِلقَلْبِ وَأَخْشَعَ وَأَشَدَّ إِنَابَةٌ إِلَى اللَّهِ أَسَرُّوا، وَإِذَا كَانَ فِي الْإِعْلَانِ مَصْلَحَةٌ لِلْإِسْلَامِ بِظُهُورِ شَرَائِعِهِ، وَلِلْمُسْلِمِينَ يَقْتَدُونَ بِهَذَا الفَاعِلِ وَهَذَا العَامِلِ أَعْلَنُوهُ. وَالمُؤْمِنُ يَنْظُرُ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ كُلَّمَا كَانَ أَصْلَحَ وَأَنْفَعَ فِي العِبَادَةِ فَهُوَ أَكْمَلُ وَأَفْضَلُ. ص ١١٥ - ١١٨

العصيمي - اقتران الإسلام والإيمانِ والإحسانِ

وَيَتَلَخَصُ مِمَّا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي حَقِيقَةِ الإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ وَالإِحْسَانِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الأَلْفاظِ الثَّلَاثَةِ، إِذَا أُطلِق بمُفْرَدِهِ دَلَّ عَلَى الأَخَرَيْنِ فَإِذَا ذُكِرَ الإِيمَانُ انْدَرَجَ فِيهِ الإِسْلَامُ وَالإِحْسَانُ، وَإِذَا ذُكِرَ الإِسْلَامُ انْدَرَجَ فِيهِ الإِيمَانُ والإِحْسَانُ، وَإِذَا ذُكِرَ الإِحْسَانُ أَنْدَرَجَ فِيهِ الإسلام والإيمان. وإِذَا ذُكِرَتْ هَذِهِ الأَلْفَاظُ نَسَقًا فَقِيلَ: الإِسْلَامُ وَالإِيمَانُ وَالإِحْسَانُ، أَوْ ذُكِرَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَعَ غَيْرِهِ فَقِيلَ: الإِسْلَامُ والإِيمَانُ، أَوْ: الإِسْلَامُ وَالإِحْسَانُ، أَوْ: الإِيمَانُ والإِحْسَانُ = أَسْتَقَلَّ كُلُّ لَفْظُ بِمَعْنَاهُ؛ فَمَعَ الانْفِرَادِ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا دَالَّا عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَمَعَ الْاقْتِرَانِ يَكُونُ الإِيمَانُ لِلاعْتِقَادَاتِ البَاطِنَةِ، وَالإِسْلَامُ لِلْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ، وَالإِحْسَانُ لِإِتقَانِهِمَا. ص ٦٣

العصيمي - القَدْرُ الوَاجِبُ المُجْزِئُ مِنَ الإِحْسَانِ مَعَ الخَالِقِ

وَالقَدْرُ الوَاجِبُ المُجْزِئُ مِنَ الإِحْسَانِ مَعَ الخَالِقِ يَرْجِعُ إِلَى أَصْلَيْنِ:

  • أَحَدُهُمَا: إِحْسَانٌ مَعَهُ فِي حُكْمِهِ القَدَرِيِّ؛ بِالصَّبْرِ عَلَى الْأَقْدَارِ [المؤلمة والشكر على الموائمة].
  • وَالآخَرُ: إِحْسَانُ مَعَهُ فِي حُكْمِهِ الشَّرْعِيَّ؛ بِامْتِثَالِ خَبَرِهِ بِالتَّصْدِيقِ إِثْبَاتًا وَنَفْيًا، وَأَمْتِثَالِ طَلَبِهِ بِفِعْلِ الفَرَائِضِ، وَاجْتِنَابِ المُحَرَّمَاتِ، وَاعْتِقَادِ حِلَّ الحَلَالِ. ص ٦٣ - ٦٤

العصيمي - أركانٌ الإحسان

  • أَحَدُهُمَا: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ.
  • وَالآخَرُ: أَنْ يَكُونَ إِيقَاعُ تِلْكَ العِبَادَةِ - يَعْنِي فِعْلَهَا – عَلَى مَقَامِ المُشَاهَدَةِ أَوِ الْمُرَاقَبَةِ. ص ٦٤

٣. معرفة النبي (ما تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟)

الأصلُ الثالثُ: معرفةُ نبيكُمْ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وهو محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المطلبِ بنِ هاشمٍ، وهاشمٌ مِنْ قريشٍ، وقريشٌ مِنَ العربِ والعربُ مِنْ ذرّيّةِ إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ الخليلِ، عليْهِ وعلى نبيّنا أفضلُ الصَّلاةِ والسّلامِ. وله مِنَ العُمْرِ: ثلاثٌ وسِتُّونَ سنةً، منها أربعون قبل النُّبُوَّةِ، وثلاثٌ وعشرون نبيّا رسولا. نُبِّئَ بِ(اقرأ) وأُرْسِلَ ب(المدّثر)، وبلدُهُ مكّةَ.

العثيمين - معرفة النبي ﷺ تتضمن خمسة أمور

  • الأول: معرفته نسبًا، فهو أشرف الناس نسبًا، فهو هاشمي قرشي عربي، فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، إلى آخر ما قاله الشيخ رحمه الله.
  • الثاني: معرفة سنه، ومكان ولادته، وهجرته، وقد بينها الشيخ بقوله: «وله من العمر ثلاث وستون سنة»، «وبلده مكة، وهاجر إلى المدينة» فقد وُلِدَ بمكة وبقي فيها ثلاثًا وخمسين سنة، ثم هاجر إلى المدينة فبقي فيها عشر سنين، ثم تُوُفِّيَ فيها في ربيع الأول سنة إحدى عشرة بعد الهجرة.
  • الثالث: معرفة حياته النبوية، وهي ثلاث وعشرون سنة، فقد أُوحِيَ إليه وله أَرْبَعُونَ سَنَةً، كَمَا قَالَ أَحَدُ شُعَرَائِهِ(¹): وَأَتَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ فَأَشْرَقَتْ … شَمْسُ النُّبُوَّةِ مِنْهُ فِي رَمَضَانَ.
  • الرَّابِعُ: بِمَاذَا كَانَ نَبِيًّا وَرَسُولًا؟ فَقَدْ كَانَ نَبِيًّا حِينَ نَزَلَ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَىٰ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ () خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ () اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ () الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ () عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: ١-٥]، ثُمَّ كَانَ رَسُولًا حِينَ نَزَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَىٰ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ () قُمْ فَأَنْذِرْ () وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ () وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ () وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ () وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ () وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾ [المدثر: ١-٧]. فَقَامَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَأَنْذَرَ وَقَامَ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
  • الْخَامِسُ: بِمَاذَا أُرْسِلَ وَلِمَاذَا؟ فَقَدْ أُرْسِلَ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَىٰ وَشَرِيعَتِهِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِفِعْلِ الْمَأْمُورِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورِ، وَأُرْسِلَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ؛ لِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ ظُلْمَةِ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ وَالْجَهْلِ إِلَىٰ نُورِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ؛ حَتَّىٰ يَنَالُوا بِذَلِكَ مَغْفِرَةَ اللَّهِ وَرِضْوَانَهُ، وَيَنْجُوا مِنْ عِقَابِهِ وَسُخْطِهِ. ص ١٢٠ - ١٢١

العصيمي - الوَاجِبُ فِي مَعْرِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَالوَاجِبُ فِي مَعْرِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الأَعْيَانِ يَرْجِعُ إِلَى أَرْبَعَةِ أُصُولٍ:

  • الأَصْلُ الأَوَّلُ: مَعْرِفَةُ أسْمِهِ الأَوَّلِ مُحَمَّدِ، دُونَ بَقِيَّةِ نَسَبِهِ، فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ مَعْرِفَةُ أَنَّ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْنَا أَسْمُهُ (مُحَمَّدٌ)؛ لِأَنَّ الجَهْلَ بِاسْمِهِ مُؤْذِن بِالجَهْل بِشَخْصِهِ وَوَصْفِهِ وَمَا بُعِثَ بِهِ إِلَيْنَا، فَمَنْ لَمْ يَعْرِفِ أَسْمَهُ كَيْفَ يَعْرِفُ أَنَّهُ رَسُولٌ أَرْسَلَهُ اللهُ عزوجل إِلَيْنَا؟!
    • وَذَكَرَ المُصَنِّفُ هُنَا نَسَبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَلْسَلًا بِالْآبَاءِ إِلَى جَدٌ أَبِيهِ هَاشِمٍ، ثُمَّ أَقْتَصَرَ عَلَى جَوَامِعِهِ، وَقَالَ: (وَهَاشِمٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقُرَيْش مِنَ العَرَبِ).
  • والثَّانِي: مَعْرِفَةُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَخْتَارَهُ اللهُ وَاصْطَفَاهُ مِنَ البَشَرِ، وَفَضَّلَهُ بِالرِّسَالَةِ، وَهُوَ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ.
  • وَالثَّالِثُ: مَعْرِفَةُ أَنَّهُ جَاءَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَالهْدَى وَدِينِ الحَقِّ.
  • والرابع: مَعْرِفَةُ أَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَى صِدْقِهِ وَثَبَتَتْ بِهِ رَسَالَتُهُ هُوَ القُرْآنُ كَلَامُ الله. ص ٦٧

عثمان الخميس - عبد المطلب وهاشم ألقاب

فعبد المطلب اسمه شيبة الحمد وهاشم اسمه عمرو.

العثيمين - الفرق بين النبي والرسول

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرَّسُولِ وَالنَّبِيِّ كَمَا يَقُولُ أَهْلُ الْعِلْمِ: أَنَّ النَّبِيَّ هُوَ مَنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِشَرْعٍ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ، وَالرَّسُولَ مَنْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ بِشَرْعٍ وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ، فَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ، وَلَيْسَ كُلُّ نَبِيٍّ رَسُولًا. ص ١٢١

الخليفي - الفرق بين النبي والرسول

رجح ابن تيمية في “النبوات” أن النبي هو من لم يُرسل إلى قوم مكذبين، والرسول الذي أُرسل إلى قوم مكذبين. ولعل المجدد يميل إلى هذا ولهذا آدم نبي ونوح هو أول الرسل.

بعثَهُ اللهُ بالنَّذَارَةِ عنِ الشِّركِ، ويدعُو إلى التَّوحيدِ. والدليلُ قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾. ومعنى ‏﴿‏قُمْ فَأَنذِرْ‏﴾‏ يُنْذِرُ عنِ الشِّركِ ويدعُو إلى التَّوحيدِ. ﴿‏وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ‏﴾‏ أي: عَظِّمْهُ بالتَّوحيدِ. ‏‏﴿‏وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ‏﴾‏ أي: طَهِّرْ أعمالَكَ عنَ الشِّركِ. ‏﴿‏وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ‏﴾‏ الرُّجْزُ: الأصنامُ، وهجرُها: تَرْكُها وأهلِها والبراءَة منها وأهلِها وعداوتها وأهلها وفراقها وأهلها. أخذَ على هٰذا عشْرَ سِنينَ يدعُو إلى التوحيدِ وبعدَ العشْرِ عُرِجَ به إلى السماءِ وفُرِضَتْ عليه الصلواتُ الخمسُ، وصلَّى في مكّةَ ثلاثَ سنينَ

العصيمي - معنى {وثيابك فطهر}

ثُمَّ فَسَّرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهرٌ ﴾ [المُدَّثرَ: ٤] بِقَوْلِهِ : أَيْ طَهِّرْ أَعْمَالَكَ عَنِ الشِّرْكِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ السَّلَفِ؛ حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرِ الطَّبَرِيُّ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ المُخْتَارَ هُوَ تَفْسِيرُ (الثيَابِ) فِي الآيَةِ بِالأَعْمَالِ المُلَابَسَاتِ، لَا بِالأَكْسِيَةِ المَلْبُوسَاتِ؛ مُلَاحَظَةٌ لِلسَّيَاقِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي شَرْحِ كِتَابِ «تَعْظِيمِ العِلْمِ». ص ٧١

العصيمي - أُصُولَ هَجْرِ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ

  • الْأَوَّلُ: تَرْكُهَا وَتَرْكُ أَهْلِهَا.
  • وَالثَّانِي: فِرَاقهَا وَفِرَاقُ أَهْلِهَا، وَهَذَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى التَّرْكِ؛ لأَنَّ المُفَارِقَ مُبَاعِدٌ.
  • وَالثَّالِثُ: البَرَاءَةُ مِنْهَا وَمِنْ أَهْلِهَا.
  • وَالرَّابِعُ: عَدَاوَتُهَا وَعَدَاوَةُ أَهْلِهَا؛ وَفِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى سَابِقِهِ بِإِظْهَارِ العَدَاوَةِ؛ لِأَنَّ المُتَبَرِّئَ قَدْ يُظْهِرُ الْمُعَادَاةَ وَقَدْ لَا يُظْهِرُهَا. وَهَذِهِ الأُصُولُ الأَرْبَعَةُ لَا تَختَصُّ بِعِبَادَةِ الأَصْنَامِ، بَلْ تَعُمُ كُلِّ مَا يُتَّخَذُ مِنَ الآلهةِ دُونَ اللَّهِ، فَمَا اتَّخِذَ إِلَهَا مِنْ دُونِ اللهِ يَتَحَقَّقُ هَجْرُهُ بِاعْمَالِ هَذِهِ الأُصُولِ الأَرْبَعَةِ. ص ٧١ - ٧٢

العثيمين - كانت الصلاة الرباعية ركعتين ثم زيدت

وَكَانَ يُصَلِّي الرُّبَاعِيَّةَ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ. ص ١٢٥

وبعدَها أُمِرَ بالهجرةِ إلى المدينةِ. والهجرةُ: فَرِيضةٌ على هٰذه الأمّةِ مِنْ بَلَدِ الشِّركِ إلى بلدِ الإسلامِ وهي باقيةٌ إلى أنْ تقومَ الساعةُ. والدليلُ قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾، وقوله تعالى: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾. قالَ البَغَوِيُّ-رحمهُ اللهُ تعالى-: «سببُ نزولِ هٰذه الآيةِ: في المسلمين الذين بمكَّةَ لم يهاجِرُوا؛ ناداهُم اللهُ باسمِ الإيمانِ». والدليلُ على الهجرةِ من السُّنَّةِ قولُهُ صلى الله عليه وسلم: «لا تَنْقَطِعُ الهجرَةُ حتَّى تَنْقَطعَ التَّوبةُ ولا تنقطعُ التّوبةُ حتّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا». فلمَّا استقرَّ بالمدينةِ أُمِرَ ببقيَّةِ شرائعِ الإسلامِ مثلُ الزكاةِ، والصّومِ، والحجِّ، والأذانِ، والجهادِ، والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ، وغير ذلك من شرائع الإسلام.

العثيمين - معنى الهجرة

فِي اللُّغَةِ: «مَأْخُوذَةٌ مِنَ الهَجْرِ وَهُوَ التَّرْكُ». وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَهِيَ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ: «الانتقالُ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلَىٰ بَلَدِ الإِسْلَامِ». وَبَلَدُ الشِّرْكِ هُوَ الَّذِي تُقَامُ فِيهَا شَعَائِرُ الكُفْرِ وَلَا تُقَامُ فِيهِ شَعَائِرُ الإِسْلَامِ كَالْأَذَانِ، وَالصَّلَاةِ جَمَاعَةً، وَالْأَعْيَادِ، وَالْجُمُعَةِ عَلَىٰ وَجْهِ عَامٍّ شَامِلٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: عَلَىٰ وَجْهِ عَامٍّ شَامِلٍ لِيَخْرُجَ مَا تُقَامُ فِيهِ هَذِهِ الشَّعَائِرُ عَلَىٰ وَجْهِ مَحْصُورٍ كَبِلَادِ الكُفَّارِ الَّتِي فِيهَا أَقَلِّيَّاتٌ مُسْلِمَةٌ؛ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ بِلَادَ إِسْلَامٍ بِمَا تُقِيمُهُ الْأَقَلِّيَّاتُ الْمُسْلِمَةُ فِيهَا مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ، أَمَّا بِلَادُ الإِسْلَامِ فَهِيَ الْبِلَادُ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا هَذِهِ الشَّعَائِرُ عَلَىٰ وَجْهِ عَامٍّ شَامِلٍ. ص ١٢٩

العصيمي - معنى الهجرة شرعًا

وَالهِجْرَةُ شَرْعًا: تَرْكُ مَا يَكْرَهُ اللهُ وَيَأْبَاهُ إِلَى مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعِ:

  • أَحَدُهَا: هِجْرَةُ عَمَلِ السُّوءِ؛ بِتَرْكِ الكُفْرِ وَالفُسُوقِ وَالعِصْيَانِ.
  • وَالثَّانِي: هِجْرَةُ بَلَدِ السُّوءِ؛ بِمُفَارَقَتِهِ وَالتَّحَوُّلِ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ.
  • وَالثَّالِثُ: هِجْرَةُ أَصْحَابِ السُّوءِ؛ بِمُجَانَبَةِ مَنْ يُؤْمَرُ بِهَجْرِهِ مِنَ الكَفَرَةِ وَالْمُبْتَدِعَةِ وَالفُسَّاقِ. ص ٧٤

العثيمين - حكم الهجرة

الهِجْرَةُ وَاجِبَةٌ عَلَىٰ كُلِّ مُؤْمِنٍ لَا يَسْتَطِيعُ إِظْهَارَ دِينِهِ فِي بَلَدِ الْكُفْرِ، فَلَا يَتِمُّ إِسْلَامُهُ إِذَا كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ إِظْهَارَهُ إِلَّا بِالْهِجْرَةِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَىٰ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا مَعَ قُدْرَتِهِمْ عَلَىٰ الْهِجْرَةِ - أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَوَفَّاهُمْ وَتُوَبِّخُهُمْ، وَتَقُولُ لَهُمْ: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّـهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا. أما العاجزون عن الهجرة من المستضعفين فقد عفا الله عنهم؛ لعجزهم عن الهجرة، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها. ص ١٢٩

العصيمي - متى تجب الهجرة؟

وَمِنْ هِجْرَةِ البَلَدِ المَأْمُورِ بِهَا: الهِجْرَةُ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلَى بَلَدِ الإِسْلَامِ، وَهِيَ فَرِيضَةٌ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ في حَقٌّ مَنْ كَانَ فَادِرًا عَلَيْهَا، غَيْرَ مُتَمَكِّن مِنْ إِظْهَارِ دِينِهِ، فَالهِجْرَةُ وَاجِبَةٌ إِذَا اجْتَمَعَ شَرْطَانِ:

  • أَوَّلهُمَا: عَدَمُ القُدْرَةِ عَلَى إِظْهَارِ الدِّينِ؛ وَمَنْ كَانَ مُتَمَكِّنَّا مِنْ إِظْهَارِ دِينِهِ فَالهِجْرَةُ فِي حَقِّهِ مُسْتَحَبَّةٌ.
  • وَالثَّانِي: القُدْرَةُ عَلَى الخُرُوجِ مِنْ بِلَادِ الكُفْرِ؛ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا عُذِرَ لِعَجْزِهِ. ص ٧٤

العصيمي - معنى إظهار الدين وبم يتحقق

وَإِظْهَارُ الدِّينِ هُوَ: إِعْلَانُ شَعَائِرِهِ وَإِبْطَالُ دِينِ المُشْرِكِينَ، نَصَّ عَلَى هَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ المُحَقِّقِينَ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّطِيفِ وَإِسْحَاقُ أَبْنَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنٍ، وَحَمَدُ بْنُ عَتِيقٍ، وَمُحَمَّدُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ آلُ الشَّيْخِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ أَبْنُ سِعْدِيٌّ فِي آخَرِينَ. فَإِظْهَارُ الدِّينِ شَرْعًا يَتَحَقَّقُ بِشَيْئيْنِ:

  • أَحَدُهُمَا: إِعْلَانُ شَعَائِرِهِ؛ وَهُوَ الْجَهْرُ بِشَرَائِعِهِ الظَّاهِرَةِ؛ كَالأَذَانِ، وَالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ.
  • وَالآخَرُ: إِبْطَالُ دِينِ المُشْرِكِينَ بِبَيَانِ ضَلَالِهِ وَالتَّصْرِيحٍ بِعَدَاوَتِهِ وَالبَرَاءَةِ مِنْهُ، وَآكَدُهُ مَا كَانَ سَبَبَ كُفْرِهِمْ؛ فَالَّذِي يَكُونُ فِي بِلادٍ وَثَنِيَّةٍ لَا يَكْفِيهِ أَنْ يَعِيبَ دِينَ النَّصَارَى المُعَظْمِينَ المَسِيحَ حَتَّى أَلَّهُوهُ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ دِينَ القَوْمِ الَّذِينَ أَقَامَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، لَكِنْ يَعِيبُ عِبَادَتَهُمُ الأَوْثَانَ. ص ٧٤ - ٧٥

العثيمين - حكم السفر إلى بلاد الْكُفْرِ

السفر إلى بلاد الكفار لا يجوز إلا بثلاثة شروط:

  1. الشرط الأول: أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات.
  2. الشرط الثاني: أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات.
  3. الشرط الثالث: أن يكون محتاجًا إلى ذلك. فإن لم تتم هذه الشروط فإنه لا يجوز السفر إلى بلاد الكفار؛ لما في ذلك من الفتنة أو خوف الفتنة، وفيه إضاعة المال؛ لأن الإنسان ينفق أموالًا كثيرة في هذه الأسفار. أما إذا دعت الحاجة إلى ذلك لعلاج أو طلب علم لا يوجد في بلده، وكان عنده علم ودين على ما وصفنا، فهذا لا بأس به. وأما السفر للسياحة في بلاد الكفار فهذا ليس بحاجة، وبإمكانه أن يذهب إلى بلاد إسلامية، يحافظ أهلها على شعائر الإسلام، وبلادنا الآن - والحمد لله - أصبحت بلادًا سياحية في بعض المناطق، فبإمكانه أن يذهب إليها، ويقضي زمن إجازته فيها. ص ١٣٠ - ١٣١

العثيمين - حكم الإقامة في بلاد الْكُفْرِ

وأما الإقامة في بلاد الكفار فإن خطرها عظيم على دين المسلم، وأخلاقه، وسلوكه، وآدابه، وقد شاهدنا وغيرنا انحراف كثير ممن أقاموا هناك، فرجعوا بغير ما ذهبوا به، رجعوا فساقًا، وبعضهم رجع مرتدًا عن دينه وكافرًا به وسائر الأديان -والعياذ بالله- حتى صاروا إلى الجحود المطلق، والاستهزاء بالدين وأهله، السابقين منهم واللاحقين؛ ولهذا كان ينبغي بل يتعين - التحفظ من ذلك، ووضع الشروط التي تمنع من الهوى في تلك المهالك. فالإقامة في بلاد الكفر لا بد فيها من شرطين أساسيين:

  • الشرط الأول: أمن المقيم على دينه؛ بحيث يكون عنده من العلم والإيمان، وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه، والحذر من الانحراف والزين، وأن يكون مضمرًا لعداوة الكافرين وبغضهم، مبتعدًا عن موالاتهم ومحبتهم؛ فإن موالاتهم ومحبتهم مما ينافي الإيمان بالله.
    • قال تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ [المجادلة: ٢٢] الآية.
    • وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ (٥٢)﴾ [المائدة: ٥١-٥٢].
    • وثبت في الصحيح عن النبي ﷺ: «أن من أحب قومًا فهو منهم»، وأن المرء مع من أحب (١).
    • ومحبة أعداء الله من أعظم ما يكون خطرًا على المسلم؛ لأن محبتهم تستلزم موافقتهم واتباعهم، أو على الأقل عدم الإنكار عليهم؛ ولذلك قال النبي ﷺ: «من أحب قومًا فهو منهم».
  • الشرط الثاني: أن يتمكن من إظهار دينه بحيث يقوم بشعائر الإسلام بدون ممانع، فلا يمنع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات إن كان معه من يصلي جماعة ومن يقيم الجمعة، ولا يمنع من الزكاة والصيام والحج وغيرها من شعائر الدين، فإن كان لا يتمكن من ذلك لم تجز الإقامة، لوجوب الهجرة حينئذ.
    • قال في المُغني (ص ٤٥٧ جـ ٨) في الكلام على أقسام الناس في الهجرة: أحدها من تجب عليه وهو من يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه، ولا تمكنه من إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار، فهذا تجب عليه الهجرة؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: ٩٧].
    • وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب، ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه، والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. اهـ ص ١٣١ -١٣٢

العثيمين - أقسام الإقامة في دار الكفار

  1. القسم الأول: أن يقيم للدعوة إلى الإسلام، والترغيب فيه، فهذا نوع من الجهاد، فهي فرض كفاية على من قدر عليها، بشرط أن تتحقق الدعوة، وأن لا يوجد من يمنع منها، أو من الاستجابة إليها؛ لأن الدعوة إلى الإسلام من واجبات الدين، وهي طريقة المرسلين، وقد أمر النبي ﷺ بالتبليغ عنه في كل زمان ومكان، فقال: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً» (١).
  2. القسم الثاني: أن يقيم لدراسة أحوال الكافرين والتعرف على ما هم عليه من فساد العقيدة، وبطلان التعبد، وانحلال الأخلاق، وفوضوية السلوك؛ ليحذر الناس مِنَ الاِغْتِرَارِ بِهِمْ، وَيُبَيِّنَ لِلْمُعْجَبِينَ بِهِمْ حَقِيقَةَ حَالِهِمْ، وَهَذِهِ الإِقَامَةُ نَوْعٌ مِنَ الْجِهَادِ أَيْضًا؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ التَّحْذِيرِ مِنَ الْكُفْرِ وَأَهْلِهِ، الْمُتَضَمِّنِ لِلتَّرْغِيبِ فِي الْإِسْلَامِ وَهَدْيِهِ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْكُفْرِ دَلِيلٌ عَلَى صَلَاحِ الْإِسْلَامِ، كَمَا قِيلَ: وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ.
  • لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ شَرْطٍ: أَنْ يَتَحَقَّقَ مُرَادُهُ بِدُونِ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مُرَادُهُ بِأَنْ مُنِعَ مِنْ نَشْرِ مَا هُمْ عَلَيْهِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْهُ فَلَا فَائِدَةَ مِنْ إِقَامَتِهِ.
  • وَإِنْ تَحَقَّقَ مُرَادُهُ مَعَ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِثْلَ أَنْ يُقَابِلُوا فِعْلَهُ بِسَبِّ الْإِسْلَامِ، وَرَسُولِ الْإِسْلَامِ، وَأَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَجَبَ الْكَفُّ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَىٰ: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٨].
  • وَيُشْبِهُ هَذَا أَنْ يُقِيمَ فِي بِلَادِ الْكُفْرِ؛ لِيَكُونَ عَيْنًا لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِيَعْرِفَ مَا يُدَبِّرُوهُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمَكَايِدِ فَيُحَذِّرَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، كَمَا أَرْسَلَ النَّبِيُّ ﷺ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ لِيَعْرِفَ خَبَرَهُمْ (١).
  1. الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقِيمَ لِحَاجَةِ الدَّوْلَةِ الْمُسْلِمَةِ، وَتَنْظِيمِ عِلَاقَاتِهَا مَعَ دُوَلِ الْكُفْرِ، كَمُوَظَّفِي السِّفَارَاتِ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَا أَقَامَ مِنْ أَجْلِهِ. فَالْمُلْحَقُ الثَّقَافِيُّ مَثَلًا يُقِيمُ لِيَرْعَى شُؤُونَ الطَّلَبَةِ، وَيُرَاقِبَهُمْ، وَيَحْمِلَهُمْ عَلَى الْتِزَامِ دِينِ الْإِسْلَامِ وَأَخْلَاقِهِ وَآدَابِهِ، فَيَحْصُلُ بِإِقَامَتِهِ مَصْلَحَةٌ كَبِيرَةٌ، وَيَنْدَرِئُ بِهَا شَرٌّ كَبِيرٌ.
  2. القِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقِيمَ لِحَاجَةٍ خَاصَّةٍ مُبَاحَةٍ كَالتِّجَارَةِ وَالعِلَاجِ، فَتُبَاحُ الإِقَامَةُ بِقَدْرِ الحَاجَةِ، وَقَدْ نَصَّ أَهْلُ العِلْمِ رَحِمَهُمُ اللهُ عَلَى جَوَازِ دُخُولِ بِلَادِ الكُفْرِ لِلتِّجَارَةِ، وَأَثَرُوا ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
  3. القِسْمُ الْخَامِسُ: أَنْ يُقِيمَ لِلدِّرَاسَةِ وَهِيَ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهَا إِقَامَةٌ لِحَاجَةٍ، لَكِنَّهَا أَخْطَرُ مِنْهَا، وَأَشَدُّ فَتْكًا بِدِينِ الْمُقِيمِ وَأَخْلَاقِهِ، فَإِنَّ الطَّالِبَ يَشْعُرُ بِدُنُوِّ مَرْتَبَتِهِ وَعُلُوِّ مَرْتَبَةِ مُعَلِّمِيهِ، فَيَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ تَعْظِيمُهُمْ، وَالِاقْتِنَاعُ بِآرَائِهِمْ وَأَفْكَارِهِمْ وَسُلُوكِهِمْ، فَيُقَلِّدُهُمْ، إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ عِصْمَتَهُ، وَهُمْ قَلِيلٌ.
  • ثُمَّ إِنَّ الطَّالِبَ يَشْعُرُ بِحَاجَتِهِ إِلَى مُعَلِّمِهِ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى التَّوَدُّدِ إِلَيْهِ، وَمُدَاهَنَتِهِ فِيمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِنْحِرَافِ وَالضَّلَالِ.
  • وَالطَّالِبُ فِي مَقَرِّ تَعَلُّمِهِ لَهُ زُمَلَاءُ يَتَّخِذُ مِنْهُمْ أَصْدِقَاءَ يُحِبُّهُمْ وَيَتَوَلَّاهُمْ، وَيَكْتَسِبُ مِنْهُمْ، وَمِنْ أَجْلِ خَطَرِ هَذَا الْقِسْمِ، وَجَبَ التَّحَفُّظُ فِيهِ أَكْثَرَ مِمَّا قَبْلَهُ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الشَّرْطَيْنِ الْأَسَاسِيَّيْنِ شُرُوطٌ:
    • الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ عَلَى مُسْتَوَى كَبِيرٍ مِنَ النُّضُوجِ الْعَقْلِيِّ الَّذِي يُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ النَّافِعِ وَالضَّارِّ، وَيَنْظُرُ بِهِ إِلَى الْمُسْتَقْبَلِ الْبَعِيدِ. فَأَمَّا بَعْثُ الْأَحْدَاثِ (صِغَارِ السِّنِّ) وَذَوِي الْعُقُولِ الصَّغِيرَةِ فَهُوَ خَطَرٌ عَظِيمٌ عَلَى دِينِهِمْ، وَخُلُقِهِمْ، وَسُلُوكِهِمْ، ثُمَّ هُوَ خَطَرٌ عَلَى أُمَّتِهِمُ الَّتِي سَيَرْجِعُونَ إِلَيْهَا، وَيَنْفُثُونَ فِيهَا مِنَ السُّمُومِ الَّتِي تَعَلَّمُوهَا مِنْ أُولَئِكَ الْكُفَّارِ، كَمَا شَهِدَ وَيَشْهَدُ بِهِ الْوَاقِعُ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ أُولَئِكَ الْمَبْعُوثِينَ رَجَعُوا بِغَيْرِ مَا ذَهَبُوا بِهِ، رَجَعُوا مُنْحَرِفِينَ فِي دِيَانَاتِهِمْ، وَأَخْلَاقِهِمْ، وَسُلُوكِهِمْ، وَحَصَلَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى مُجْتَمَعِهِمْ مِنَ الضَّرَرِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مُشَاهَدٌ، وَمَا مَثَلُ بَعْثِ هَؤُلَاءِ إِلَّا كَمَثَلِ تَقْدِيمِ النِّعَاجِ لِلْكِلَابِ الضَّارِيَةِ.
    • الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الطَّالِبِ مِنْ عِلْمِ الشَّرِيعَةِ مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنَ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَمُقَارَعَةِ الْبَاطِلِ بِالْحَقِّ؛ لِئَلَّا يَنْخَدِعَ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْبَاطِلِ، فَيَظُنَّهُ حَقًّا، أَوْ يَلْتَبِسَ عَلَيْهِ، أَوْ يَعْجِزَ عَنْ دَفْعِهِ فَيَبْقَى حَيْرَانَ، أَوْ يَتْبَعَ الْبَاطِلَ. وَفِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ: «اللَّهُمَّ أَرِنِي الْحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْنِي اتِّبَاعَهُ، وَأَرِنِي الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَارْزُقْنِي اجْتِنَابَهُ، وَلَا تَجْعَلْهُ مُلْتَبِسًا عَلَيَّ فَأَضِلَّ».
    • الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الطَّالِبِ دِينٌ يَحْمِيهِ وَيَتَحَصَّنُ بِهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ، فَضَعِيفُ الدِّينِ لَا يَسْلَمُ مَعَ الْإِقَامَةِ هُنَاكَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ؛ وَذَلِكَ لِقُوَّةِ الْمُهَاجِمِ، وَضَعْفِ الْمُقَاوِمِ، فَأَسْبَابُ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ هُنَاكَ قَوِيَّةٌ وَكَثِيرَةٌ مُتَنَوِّعَةٌ، فَإِذَا صَادَفَتْ مَحَلًّا ضَعِيفَ الْمُقَاوَمَةِ عَمِلَتْ عَمَلَهَا.
    • الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إِلَى الْعِلْمِ الَّذِي أَقَامَ مِنْ أَجْلِهِ، بِأَنْ يَكُونَ فِي تَعَلُّمِهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُوجَدَ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْمَدَارِسِ فِي بِلَادِهِمْ، فَإِنْ كَانَ مِنْ فُضُولِ الْعِلْمِ الَّذِي لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْ كَانَ فِي الْبِلَادِ الْإِسْلَامِيَّةِ مِنَ الْمَدَارِسِ نَظِيرُهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقِيمَ فِي بِلَادِ الْكُفْرِ مِنْ أَجْلِهِ؛ لِمَا فِي الْإِقَامَةِ مِنَ الْخَطَرِ عَلَى الدِّينِ وَالْأَخْلَاقِ، وَإِضَاعَةِ الْأَمْوَالِ الْكَثِيرَةِ بِدُونِ فَائِدَةٍ.
  1. القِسْمُ السَّادِسُ: أَنْ يُقِيمَ لِلسَّكَنِ، وَهَذَا أَخْطَرُ مِمَّا قَبْلَهُ وَأَعْظَمُ؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَفَاسِدِ بِالاخْتِلَاطِ التَّامِّ بِأَهْلِ الكُفْرِ، وَشُعُورِهِ بِأَنَّهُ مُوَاطِنٌ مُلْتَزِمٌ بِمَا تَقْتَضِيهِ الوَطَنِيَّةُ مِنْ مَوَدَّةٍ وَمُوَالَاةٍ، وَتَكْثِيرٍ لِسَوَادِ الكُفَّارِ، وَيَتَرَبَّى أَهْلُهُ بَيْنَ أَهْلِ الكُفْرِ، فَيَأْخُذُونَ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ وَعَادَاتِهِمْ، وَرُبَّمَا قَلَّدُوهُمْ فِي العَقِيدَةِ وَالتَّعَبُّدِ؛ وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي الحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «مَنْ جَامَعَ المُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ». وَهَذَا الحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفَ السَّنَدِ، لَكِنْ لَهُ وِجْهَةٌ مِنَ النَّظَرِ؛ فَإِنَّ المُسَاكَنَةَ تَدْعُو إِلَى المُشَاكَلَةِ.
  • وَعَنْ قَيْسِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ المُشْرِكِينَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلِمَ؟ قَالَ: «لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا»(¹). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ رَوَوْهُ مُرْسَلًا عَنْ قَيْسِ بْنِ حَازِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا -يَعْنِي البُخَارِيَّ- يَقُولُ: الصَّحِيحُ حَدِيثُ قَيْسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، مُرْسَلٌ. اهـ.
  • وَكَيْفَ تَطِيبُ نَفْسُ مُؤْمِنٍ أَنْ يَسْكُنَ فِي بِلَادِ كُفَّارٍ، تُعْلَنُ فِيهَا شَعَائِرُ الكُفْرِ، وَيَكُونُ الحُكْمُ فِيهَا لِغَيْرِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَهُوَ يُشَاهِدُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ، وَيَسْمَعُهُ بِأُذُنَيْهِ، وَيَرْضَى بِهِ؟! بَلْ يَنتَسِبُ إِلَى تِلْكَ البِلَادِ، وَيَسْكُنُ فِيهَا بِأَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ، وَيَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا كَمَا يَطْمَئِنُّ إِلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الخَطَرِ العَظِيمِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ فِي دِينِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ. هَذَا مَا تَوَصَّلْنَا إِلَيْهِ فِي حُكْمِ الإِقَامَةِ فِي بِلَادِ الكُفْرِ، نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِلْحَقِّ وَالصَّوَابِ. ص ١٣٣ - ١٣٨

أخذَ على هٰذا عشرَ سنينَ، وبعدها تُوُفِّيَ -صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ-

العثيمين - متى فرضت الزكاة والجماعة والصيام والحج؟

يَقُولُ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لما اسْتَقَرَّ أَيِ النَّبِيُّ ﷺ فِي الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ أُمِرَ بِبَقِيَّةِ شَرَائِعِ الإِسْلَامِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ فِي مَكَّةَ دَعَا إِلَى التَّوْحِيدِ نَحْوَ عَشْرِ سِنِينَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ فِي مَكَّةَ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ تُفْرَضْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَا الصِّيَامُ وَلَا الحَجُّ وَلَا غَيْرُهَا مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ المُؤَلِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الزَّكَاةَ فُرِضَتْ أَصْلًا وَتَفْصِيلًا فِي الْمَدِينَةِ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى أَنَّ الزَّكَاةَ فُرِضَتْ أَوَّلًا فِي مَكَّةَ، لَكِنَّهَا لَمْ تُقَدَّرْ أَنْصَابُهَا وَلَمْ يُقَدَّرِ الوَاجِبُ فِيهَا، وَفِي المَدِينَةِ قُدِّرَتِ الأَنْصِبَاءُ، وَقُدِّرَ الوَاجِبُ، وَاسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُ جَاءَتْ آيَاتٌ تُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي سُورَةٍ مَكِّيَّةٍ، مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الأَنْعَامِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] وَمِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ [المعارج: ٢٤-٢٥]. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ: فَاسْتِقْرَارُ الزَّكَاةِ، وَتَقْدِيرُ أَنْصَابِهَا، وَمَا يَجِبُ فِيهَا، وَبَيَانُ مُسْتَحِقِّيهَا كَانَ فِي المَدِينَةِ، وَكَذَلِكَ الأَذَانُ وَالجُمُعَةُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الجَمَاعَةَ كَذَلِكَ لَمْ تُفْرَضْ إِلَّا فِي المَدِينَةِ؛ لِأَنَّ الأَذَانَ الَّذِي فِيهِ الدَّعْوَةُ لِلْجَمَاعَةِ فُرِضَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ. أَخَذَ عَلَى هَذَا عَشْرَ سِنِينَ، وَبَعْدَهَا تُوُفِّيَ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ. أَمَّا الزَّكَاةُ وَالصِّيَامُ فَقَدْ فُرِضَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الهِجْرَةِ، وَأَمَّا الحَجُّ فَلَمْ يُفْرَضْ إِلَّا فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ عَلَى القَوْلِ الرَّاجِحِ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ العِلْمِ، وَذَلِكَ حِينَ كَانَتْ مَكَّةُ بَلَدَ إِسْلَامٍ بَعْدَ فَتْحِهَا فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنَ الهِجْرَةِ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَغَيْرُهُمَا مِنَ الشَّعَائِرِ الظَّاهِرَةِ، كُلُّهَا فُرِضَتْ فِي الْمَدِينَةِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ النَّبِيِّ ﷺ فِيهَا، وَإِقَامَةِ الدَّوْلَةِ الإِسْلَامِيَّةِ فِيهَا. ص ١٣٨ - ١٣٩

ودينُهُ باقٍ. وهٰذا دينُه، لا خيرَ إلاَّ دَلَّ الأمَّةَ عليهِ، ولا شَرَّ إلاَّ حَذَّرَهَا عنْه. والخيُر الذي دلَّ عليْه: التَّوحيدُ وجميعُ ما يُحِبُّهُ اللهُ ويرضاهُ. والشَّرُّ الذي حَذَّرَهَا عنه: الشِّركُ وجميعُ ما يكرَهُهُ اللهُ ويأباهُ. بعثَهُ اللهُ إلى الناسِ كافَّة، وافترضَ طاعَتَه على جميعِ الثّقلينِ الجنِّ والإنسِ، والدليلُ قولُهُ تعالى: ﴿قُل يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّي رَسولُ اللَّهِ إِلَيكُم جَميعًا﴾. وأَكْمَلَ اللهُ له الدينَ والدليلُ قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾.

العثيمين - النبي ﷺ قد بين كل الدين

فَالنَّبِيُّ ﷺ بَيَّنَ كُلَّ الدِّينِ إِمَّا بِقَوْلِهِ، وَإِمَّا بِفِعْلِهِ، وَإِمَّا بِإِقْرَارِهِ ابْتِدَاءً أَوْ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ، وَأَعْظَمُ مَا بَيَّنَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ التَّوْحِيدُ. وَكُلُّ مَا أَمَرَ بِهِ فَهُوَ خَيْرٌ لِلْأُمَّةِ فِي مَعَادِهَا وَمَعَاشِهَا، وَكُلُّ مَا نَهَىٰ عَنْهُ فَهُوَ شَرٌّ لِلْأُمَّةِ فِي مَعَاشِهَا وَمَعَادِهَا، وَمَا يَجْهَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ وَيَدَّعِيهِ مِنْ ضِيقٍ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ خَلَلُ الْبَصِيرَةِ، وَقِلَّةُ الصَّبْرِ، وَضَعْفُ الدِّينِ، وَإِلَّا فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ الْعَامَّةَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ عَلَيْنَا فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، وَأَنَّ الدِّينَ كُلَّهُ يُسْرٌ وَسُهُولَةٌ. ص ١٤٢

والدليلُ على موتِهِ صلى الله عليه وسلم قولُهُ تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾. والناسُ إذَا ماتُوا يُبْعَثُونَ. والدليلُ قولُهُ تعالى: ﴿مِنها خَلَقناكُم وَفيها نُعيدُكُم وَمِنها نُخرِجُكُم تارَةً أُخرى﴾، وقولُهُ تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا﴾. وبعدَ البَعْثِ محاسبُونَ ومَجزيُّونَ بأعْمالِهمْ. والدليلُ قولُهُ تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾.

العثيمين - الإيمان بالبعثِ

بَيَّنَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي هَٰذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ النَّاسَ إِذَا مَاتُوا يُبْعَثُونَ، يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَحْيَاءً بَعْدَ مَوْتِهِمْ لِلْجَزَاءِ، وَهَٰذَا هُوَ النَّتِيجَةُ مِنْ إِرْسَالِ الرُّسُلِ: أَنْ يَعْمَلَ الْإِنْسَانُ لِهَٰذَا الْيَوْمِ يَوْمِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، الْيَوْمِ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ مِنْ أَحْوَالِهِ وَأَهْوَالِهِ مَا يَجْعَلُ الْقَلْبَ يُنِيبُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَخْشَىٰ هَٰذَا الْيَوْمَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ: ﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا ﴿١٧﴾ السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ ﴿١٨﴾ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا﴾ [المزمل: ١٧- ١٨]. وَفِي هَٰذِهِ الْجُمْلَةِ إِشَارَةٌ إِلَى الْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ، وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ لَهُ بِآيَتَيْنِ. منها أَيْ: مِنَ الْأَرْضِ خَلَقْنَاكُمْ حِينَ خَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ تُرَابٍ. نُعيدُكُم أَيْ: بِالدَّفْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ. نُخرِجُكُم تارَةً أُخْرَىٰ أَيْ: بِالْبَعْثِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. … النَّاسَ بَعْدَ الْبَعْثِ يُجَازَوْنَ وَيُحَاسَبُونَ عَلَىٰ أَعْمَالِهِمْ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ. وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، قَالَ ٱللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُۥ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُۥ﴾ [الزلزلة: ٧-٨]. وَقَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَنَضَعُ ٱلْمَوَٰزِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْـًٔا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ﴾ [الأنبياء: ٤٧]. وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰٓ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ١٦٠]. فَٱلْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَآ إِلَىٰ سَبْعِ مِا۟ئَةِ ضِعْفٍ إِلَىٰٓ أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، فَضْلًا مِّنَ ٱللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَٱمْتِنَانًا مِّنْهُ سُبْحَٰنَهُۥ وَتَعَالَىٰ، فَهُوَ جَلَّ وَعَلَا قَدْ تَفَضَّلَ بِٱلْعَمَلِ ٱلصَّٰلِحِ، ثُمَّ تَفَضَّلَ مَرَّةً أُخْرَىٰ بِٱلْجَزَآءِ عَلَيْهِ هَٰذَا ٱلْجَزَآءَ ٱلْوَاسِعَ ٱلْكَثِيرَ، أَمَّا ٱلْعَمَلُ ٱلسَّيِّئُ فَإِنَّ ٱلسَّيِّئَةَ بِمِثْلِهَا، لَا يُجْزَى ٱلْإِنسَانُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰٓ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ١٦٠] وَهَٰذَا مِن كَمَالِ فَضْلِ ٱللَّهِ وَإِحْسَانِهِ. ص ١٤٣ - ١٤٤

ومَنْ كَذَّبَ بالبعثِ كَفَرَ. والدليلُ قولُهُ تعالى: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾.

العثيمين - التكذيب بالبعثِ كفر

مَنْ كَذَّبَ بِٱلْبَعْثِ فَهُوَ كَافِرٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَىٰ: ﴿وَقَالُوٓا۟ إِنْ هِىَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ وَلَوْ تَرَىٰٓ إِذْ وُقِفُوا۟ عَلَىٰ رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَٰذَا بِٱلْحَقِّ قَالُوا۟ بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا۟ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ [الأنعام: ٢٩-٣٠]. وَقَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِۦٓ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٦) كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ (١٧) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ (١٨) ثُمَّ يُقَالُ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٩) [المطففين: ١٠ - ١٧]. وقال تعالىٰ: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا﴾ [الفرقان: ١١]. وقال تعالىٰ: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَٰئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [العنكبوت: ٢٣]. واستدل الشيخ - رحمه الله تعالىٰ - بقوله تعالىٰ: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الآية. وأما إقناع هؤلاء المنكرين فبما يأتي:

  • أولًا: أن أمر البعث تواتر به النقل عن الأنبياء والمرسلين في الكتب الإلهية، والشرائع السماوية، وتلقته أممهم بالقبول، فكيف تنكرونه وأنتم تصدقون بما ينقل إليكم عن فيلسوف أو صاحب مبدأ أو فكرة، وإن لم يبلغ ما بلغه الخبر عن البعث لا في وسيلة النقل، ولا في شهادة الواقع؟!!
  • ثانيًا: أن أمر البعث قد شهد العقل بإمكانه، وذلك من وجوه:
    1. كل أحد لا ينكر أن يكون مخلوقًا بعد العدم، وأنه حادث بعد أن لم يكن، فالذي خلقه وأحدثه بعد أن لم يكن قادر على إعادته بالأولى، كما قال الله تعالىٰ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧] وقال تعالىٰ: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٤].
    2. كُلُّ أَحَدٍ لَا يُنْكِرُ عَظَمَةَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ؛ لِكِبَرِهِمَا وَبَدِيعِ صَنْعَتِهِمَا، فَالَّذِي خَلَقَهُمَا قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ النَّاسِ وَإِعَادَتِهِمْ بِالْأَوْلَى. قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾ [غافر: ٥٧]. وَقَالَ تَعَالَىٰ: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ۚ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأحقاف: ٣٣]. وَقَالَ تَعَالَىٰ: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ۚ بَلَىٰ وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴿٨١﴾ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: ٨١-٨٢].
    3. كُلُّ ذِي بَصَرٍ يُشَاهِدُ الْأَرْضَ مُجْدِبَةً مَيِّتَةَ النَّبَاتِ، فَإِذَا نَزَلَ الْمَطَرُ عَلَيْهَا أَخْصَبَتْ وَحَيِيَ نَبَاتُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْقَادِرُ عَلَىٰ إِحْيَاءِ الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا قَادِرٌ عَلَىٰ إِحْيَاءِ الْمَوْتَىٰ وَبَعْثِهِمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ: ﴿وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ۖ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۚ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فصلت: ٣٩].
  • ثَالِثًا: أَنَّ أَمْرَ الْبَعْثِ قَدْ شَهِدَ الْحِسُّ وَالْوَاقِعُ بِإِمْكَانِهِ فِيمَا أَخْبَرَنَا اللَّهُ تَعَالَىٰ بِهِ مِنْ وَقَائِعِ إِحْيَاءِ الْمَوْتَىٰ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَىٰ مِنْ ذَٰلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ خَمْسَ حَوَادِثَ، مِنْهَا قَوْلُهُ: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ ۖ فَانْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِلنَّاسِ ۖ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۖ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٥٩]. وَأَرْسَلَ اللهُ جَمِيعَ الرُّسُلِ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَىٰ: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: ١٦٥].
  • رَابِعًا: أَنَّ الحِكْمَةَ تَقْتَضِي البَعْثَ بَعْدَ المَوْتِ؛ لِتُجَازَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ، وَلَوْلَا ذَٰلِكَ لَكَانَ خَلْقُ النَّاسِ عَبَثًا لَا قِيمَةَ لَهُ، وَلَا حِكْمَةَ مِنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَبَيْنَ الْبَهَائِمِ فَرْقٌ فِي هَٰذِهِ الْحَيَاةِ. قَالَ اللهُ تَعَالَىٰ: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَٰكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ١١٥ فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ١١٦﴾ [المؤمنون: ١١٥-١١٦]، وَقَالَ اللهُ تَعَالَىٰ: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ﴾ [طه: ١٥]. وَقَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ ۚ بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ٣٩ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَٰذِبِينَ ٤٠ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ [النحل: ٣٨-٤٠]. وَقَالَ تَعَالَىٰ: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ ۚ وَذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [التغابن: ٧]. فَإِذَا بُيِّنَتْ هَٰذِهِ الْبَرَاهِينُ لِمُنْكِرِي الْبَعْثِ، وَأَصَرُّوا عَلَىٰ إِنْكَارِهِمْ، فَهُمْ مُكَابِرُونَ مُعَانِدُونَ، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ. ص ١٤٤ - ١٤٧

وأرسلَ اللهُ جميعَ الرُّسلِ مبشِّرينَ ومُنذرينَ. والدليلُ قولُهُ تعالى: ﴿رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾. وأولُهُمْ نوحٌ، وآخِرُهُم محمدٌ –عليهم الصلاة والسلام- وهو خاتمُ النَّبيينَ، لا نبيَّ بعده. والدليل قوله تعالى ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ والدليلُ على أنَّ نوحًا أول الرسل قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ﴾.

العثيمين - إِرْسَالُ الرُّسُلِ لَهُ حِكَمٌ عَظِيمَةٌ

وَإِرْسَالُ الرُّسُلِ لَهُ حِكَمٌ عَظِيمَةٌ مِنْ أَهَمِّهَا - بَلْ هُوَ أَهَمُّهَا - أَنْ تَقُومَ الحُجَّةُ عَلَى النَّاسِ؛ حَتَّىٰ لَا يَكُونَ لَهُمْ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ إِرْسَالِ الرُّسُلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾. وَمِنْهَا أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَىٰ عِبَادِهِ؛ فَإِنَّ العَقْلَ البَشَرِيَّ - مَهْمَا كَانَ - لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُدْرِكَ تَفَاصِيلَ مَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَىٰ مِنَ الحُقُوقِ الخَاصَّةِ بِهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَىٰ مَا لِلَّهِ تَعَالَىٰ مِنَ الصِّفَاتِ الكَامِلَةِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَىٰ مَا لَهُ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَىٰ؛ وَلِذَا أَرْسَلَ اللَّهُ الرُّسُلَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ؛ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ. ص ١٤٨

العثيمين - مَنِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ كَاذِبٌ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ عَنِ الْإِسْلَامِ

وَآخِرُ الأَنْبِيَاءِ وَخَاتَمُهُمْ مُحَمَّدٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٤٠]، فَلَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَمَنِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ بَعْدَهُ فَهُوَ كَاذِبٌ، كَافِرٌ، مُرْتَدٌّ عَنِ الْإِسْلَامِ. ص ١٤٩

وكلُّ أمَّةٍ بعثَ اللهُ إليها رسولاً مِنْ نوحٍ إلى محمدٍ –عليهما الصلاة والسلام- يأمُرُهُمْ بعبادةِ اللهِ وحدَهُ ويَنْهَاهُمْ عنْ عبادَةِ الطاغوتِ. والدّليلُ قولُهُ تعالى: ﴿وَلَقَد بَعَثنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسولًا أَنِ اعبُدُوا اللَّهَ وَاجتَنِبُوا الطّاغوتَ﴾. وافترضَ اللهُ على جميعِ العبادِ الكفرَ بالطاغوتِ والإيمانَ باللهِ. قال ابنُ القيِّمِ -رحمهُ اللهُ تعالى-: «ومعنى الطاغوت: ما تجاوزَ بِهِ العبدُ حدَّهُ مِنْ معبودٍ، أو متبوعٍ، أو مطاع».

العثيمين - معنى الطَّاغُوتِ

التَّوْحِيدَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَاجْتِنَابِ الطَّاغُوتِ. وقد فرض الله ذلك على عباده، والطاغوت مستقى من الطغيان، والطغيان مجاوزة الحد، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾ [الحاقة: ١١] يعني: لما زاد الماء عن الحد المعتاد حملناكم في الجارية، يعني السفينة. واصطلاحًا: أحسن ما قيل في تعريفه ما ذكره ابن القيم رحمه الله أنه - أي الطاغوت -: كل ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع، ومراده بالمعبود والمتبوع والمطاع غير الصالحين، أما الصالحون فليسوا طواغيت وإن عبدوا، أو اتبعوا، أو أطيعوا.

  • فالأصنام التي تعبد من دون الله طواغيت.
  • وعلماء السوء الذين يدعون إلى الضلال والكفر، أو يدعون إلى البدع، أو إلى تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله طواغيت.
  • والذين يزينون لولاة الأمر الخروج عن شريعة الإسلام بنظم يستوردونها مخالفة لنظام الدين الإسلامي طواغيت؛ لأن هؤلاء تجاوزوا حدهم، فإن حد العالم أن يكون متبعًا لما جاء به النبي ﷺ؛ لأن العلماء حقيقة ورثة الأنبياء، يرثونهم في أمتهم علمًا، وعملاً، وأخلاقًا، ودعوة، وتعليمًا. فإذا تجاوزوا هذا الحد، وصاروا يزينون للحكام الخروج عن شريعة الإسلام بمثل هذه النظم فهم طواغيت؛ لأنهم تجاوزوا ما كان يجب عليهم أن يكونوا عليه من متابعة الشريعة. ص ١٥٠ - ١٥١

العصيمي - بم يتحقق اجتناب الطاغوت؟

يتحقق بالكفر به، وصفته أن تعتقد:

  • بطلان عبادة غير الله
  • ترك عبادة غير الله
  • بعض عبادة غير الله
  • تكفر أهله
  • تبعض أهله

العثيمين - طاعة الأُمَرَاءِ

وأما قوله رحمه الله: «أو مطاعٍ» فيريد به الأمراء الذين يطاعون شرعًا أو قدرًا.

  • فَالأُمَرَاءُ يُطَاعُونَ شَرْعًا إِذَا أَمَرُوا بِمَا لَا يُخَالِفُ أَمْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَفِي هَذِهِ الحَالِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ طَوَاغِيتُ، وَالوَاجِبُ لَهُمْ عَلَى الرَّعِيَّةِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ، وَطَاعَتُهُمْ لِوُلَاةِ الأَمْرِ فِي هَذَا الحَالِ بِهَذَا القَيْدِ طَاعَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ نُلَاحِظَهُ حِينَ نُنَفِّذُ مَا أَمَرَ بِهِ وَلِيُّ الْأَمْرِ مِمَّا تَجِبُ طَاعَتُهُ فِيهِ أَنَّنَا فِي ذَلِكَ نَتَعَبَّدُ اللَّهَ تَعَالَى وَنَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ؛ حَتَّى يَكُونَ تَنْفِيذُنَا هَذَا الْأَمْرِ قُرْبَةً إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُلَاحِظَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩].
  • وَأَمَّا طَاعَةُ الأُمَرَاءِ قَدَرًا: فَإِنَّ الأُمَرَاءَ إِذَا كَانُوا أَقْوِيَاءَ فِي سُلْطَانِهِمْ فَإِنَّ النَّاسَ يُطِيعُونَهُمْ بِقُوَّةِ السُّلْطَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِوَازِعِ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ طَاعَةَ وَلِيِّ الْأَمْرِ تَكُونُ بِوَازِعِ الْإِيمَانِ، وَهَذِهِ هِيَ الطَّاعَةُ النَّافِعَةُ لِوُلَاةِ الْأَمْرِ، وَالنَّافِعَةُ لِلنَّاسِ أَيْضًا، وَقَدْ تَكُونُ الطَّاعَةُ بِوَازِعِ السُّلْطَانِ، بِحَيْثُ يَكُونُ قَوِيًّا يَخْشَى النَّاسُ مِنْهُ وَيَهَابُونَهُ؛ لِأَنَّهُ يُنَزِّلُ بِمَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ.

وَلِهَذَا نَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ مَعَ حُكَّامِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَهُمْ أَحْوَالٌ:

  • الحَالُ الْأُولَى: أَنْ يَقْوَى الْوَازِعُ الْإِيمَانِيُّ وَالرَّادِعُ السُّلْطَانِيُّ، وَهَذِهِ أَكْمَلُ الْأَحْوَالِ وَأَعْلَاهَا.
  • الحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَضْعُفَ الْوَازِعُ الْإِيمَانِيُّ وَالرَّادِعُ السُّلْطَانِيُّ، وَهَذِهِ أَدْنَى الْأَحْوَالِ وَأَخْطَرُهَا عَلَى الْمُجْتَمَعِ، عَلَى حُكَّامِهِ وَمَحْكُومِيهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا ضَعُفَ الْوَازِعُ الْإِيمَانِيُّ وَالرَّادِعُ السُّلْطَانِيُّ حَصَلَتِ الْفَوْضَى الْفِكْرِيَّةُ وَالْخُلُقِيَّةُ وَالْعَمَلِيَّةُ.
  • الحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَضْعُفَ الوَازِعُ الإِيمَانِيُّ وَيَقْوَى الرَّادِعُ السُّلْطَانِيُّ، وَهَذِهِ مَرْتَبَةٌ وُسْطَى؛ لِأَنَّهُ إِذَا قَوِيَ الرَّادِعُ السُّلْطَانِيُّ صَارَ أَصْلَحَ لِلأُمَّةِ فِي الْمَظْهَرِ، فَإِذَا اخْتَفَتْ قُوَّةُ السُّلْطَانِ فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حَالِ الأُمَّةِ وَسُوءِ عَمَلِهَا.
  • الحَالُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَقْوَى الوَازِعُ الإِيمَانِيُّ وَيَضْعُفَ الرَّادِعُ السُّلْطَانِيُّ، فَيَكُونُ الْمَظْهَرُ أَدْنَى مِنْهُ فِي الحَالِ الثَّالِثَةِ، لَكِنَّهُ فِيمَا بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَرَبِّهِ أَكْمَلُ وَأَعْلَى. ص ١٥١ - ١٥٢

والطواغيتُ كثيرة ورؤوسُهُمْ خمَسةٌ: إبليسُ -لعنَهُ اللهُ-، ومَنْ عُبِدَ وهو راضٍ، ومَنِ ادَّعى شيئًا مِنْ عِلمِ الغيْبِ ومَنْ دعا الناسَ إلى عبادَةِ نفسِهِ، ومَنْ حكمَ بغيِر مَا أنزلَ اللهُ. والدليلُ قولُهُ تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾. وهٰذا هو معنى لا إلٰه إلا الله،

العثيمين - كَانَ إِبْلِيسُ مَعَ المَلَائِكَةِ

إِبْلِيسُ: هُوَ الشَّيْطَانُ الرَّجِيمُ اللَّعِينُ الَّذِي قَالَ اللهُ لَهُ: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾ [ص: ٧٨]، وَكَانَ إِبْلِيسُ مَعَ المَلَائِكَةِ فِي صُحْبَتِهِمْ، يَعْمَلُ بِعَمَلِهِمْ، وَلَا أُمِرَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ ظَهَرَ مَا فِيهِ مِنَ الخُبْثِ وَالإِبَاءِ وَالاسْتِكْبَارِ، فَأَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ، فَطْرِدَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٣٤]. ص ١٥٢

العثيمين - معنى الغيْبِ

الْغَيْبُ مَا غَابَ عَنِ الْإِنْسَانِ، وَهُوَ نَوْعَانِ: وَاقِعٌ، وَمُسْتَقْبَلٌ، فَغَيْبُ الْوَاقِعِ نِسْبِيٌّ، يَكُونُ لِشَخْصٍ مَعْلُومًا وَلِآخَرَ مَجْهُولًا، وَغَيْبُ الْمُسْتَقْبَلِ حَقِيقِيٌّ، لَا يَكُونُ مَعْلُومًا لِأَحَدٍ إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ، أَوْ مَنْ أَطْلَعَهُ عَلَيْهِ مِنَ الرُّسُلِ، فَمَنِ ادَّعَى عِلْمَهُ فَهُوَ كَافِرٌ؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ: ﴿قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ [النمل: ٦٥]. وَإِذَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَأْمُرُ نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يُعْلِنَ لِلْمَلَإِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِنَّ مَنِ ادَّعَىٰ عِلْمَ الْغَيْبِ فَقَدْ كَذَّبَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولَهُ فِي هَٰذَا الْخَبَرِ. وَنَقُولُ لِهَؤُلَاءِ: كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ تَعْلَمُوا الْغَيْبَ وَالنَّبِيُّ ﷺ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ؟! هَلْ أَنْتُمْ أَشْرَفُ أَمِ الرَّسُولُ ﷺ؟! فَإِنْ قَالُوا: نَحْنُ أَشْرَفُ مِنَ الرَّسُولِ، كَفَرُوا بِهَذَا الْقَوْلِ، وَإِنْ قَالُوا: هُوَ أَشْرَفُ، فَنَقُولُ: لِمَاذَا يُحْجَبُ عَنْهُ الْغَيْبُ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَهُ؟! وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ نَفْسِهِ: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾ [الجن: ٢٦ - ٢٧] وَهَذِهِ آيَةٌ ثَانِيَةٌ تَدُلُّ عَلَىٰ كُفْرِ مَنِ ادَّعَىٰ عِلْمَ الْغَيْبِ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَىٰ نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يُعْلِنَ لِلْمَلَإِ بِقَوْلِهِ: ﴿قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ﴾ [الأنعام: ٥٠]. ص ١٥٣

الخليفي - حكم الكهانة وتصديق العراف

عندنا روايات ثابتة في مسند أحمد وغيره: “من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً”. وبوب ابن بطة باباً في كفر الساحر والكاهن والعراف. فالكاهن والعراف نفسه كافر خلاص، طاغوت. لكن الذي جاءه هذا التفصيل فيه. ولهذا في الجمع بين الحديثين، القول بأنه غير مخرج من الملة وذكر هذا الأمر ابن تيمية. وهذا تفسير الإمام أحمد. وعلى هذا، من أتى كاهناً أو عرافاً نقول له أنت في خطر. طيب إن صدقه في غيب لا يعلمه إلا الله، غيب كلي، مثل الخمسة اللي في آخر لقمان، هذه كفر مخرج من الملة. أما إذا صدقه في شيء جزئي، شيء ضاع، الأمور اللي القرين يُعلم بها، فإن هذا هو الذي يكون كفره كفراً أصغر، ولا تقبل له صلاة أربعين يوماً.

العثيمين - الْحُكْمِ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ

الْحُكْمُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَىٰ مِنْ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ تَنْفِيذٌ لِحُكْمِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَىٰ رُبُوبِيَّتِهِ، وَكَمَالُ مُلْكِهِ وَتَصَرُّفِهِ؛ وَلِهَٰذَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْمَتَّبُوعِينَ فِي غَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ تعالَى أَرْبَابًا لمتبعيهم، فقال سبحانه: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: ٣١]. فسَمَّى اللهُ تَعَالَى الْمَتْبُوعِينَ أَرْبَابًا؛ حَيْثُ جُعِلُوا مُشَرِّعِينَ مَعَ اللهِ تَعَالَى، وَسَمَّى الْمُتَّبِعِينَ عِبَادًا؛ حَيْثُ إِنَّهُمْ ذَلُّوا لَهُمْ وَأَطَاعُوهُمْ فِي مُخَالَفَةِ حُكْمِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَقَدْ قَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ: إِنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «بَلْ إِنَّهُمْ حَرَّمُوا عَلَيْهِمُ الْحَلَالَ، وَأَحَلُّوا لَهُمُ الْحَرَامَ، فَاتَّبَعُوهُمْ، فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهُمْ»(١). إِذَا فَهِمْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ، وَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ التَّحَاكُمُ إِلَى غَيْرِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَرَدَتْ فِيهِ آيَاتٌ بِنَفْيِ الْإِيمَانِ عَنْهُ، وَآيَاتٌ بِكُفْرِهِ، وَظُلْمِهِ، وَفِسْقِهِ.

  1. فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فَمِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا، فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا، أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا، وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ﴿١٦﴾ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: ٦٠-٦٥]. فَوَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى هَؤُلَاءِ الْمُدَّعِينَ لِلْإِيمَانِ وَهُمْ مُنَافِقُونَ بِصِفَاتٍ:
  2. الأُولَى: أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونَ التَّحَاكُمُ إِلَى الطَّاغُوتِ، وَهُوَ كُلُّ مَا خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ ﷺ؛ لِأَنَّ مَا خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ طُغْيَانٌ وَاعْتِدَاءٌ عَلَى حُكْمِ مَنْ لَهُ الْحُكْمُ، وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ وَهُوَ اللَّهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: ٥٤].
  3. الثَّانِيَةُ: أَنَّهُمْ إِذَا دُعُوا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ صَدُّوا وَأَعْرَضُوا.
  4. الثَّالِثَةُ: أَنَّهُمْ إِذَا أُصِيبُوا بِمُصِيبَةٍ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ - وَمِنْهَا أَنْ يُعْثَرَ عَلَى صَنِيعِهِمْ - جَاءُوا يَحْلِفُونَ أَنَّهُمْ مَا أَرَادُوا إِلَّا الْإِحْسَانَ وَالتَّوْفِيقَ، كَحَالِ مَنْ يَرْفُضُ الْيَوْمَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ، وَيَحْكُمُ بِالْقَوَانِينِ الْمُخَالِفَةِ لَهَا؛ زَعْمًا مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْإِحْسَانُ الْمُوَافِقُ لِأَحْوَالِ الْعَصْرِ.
  • ثُمَّ حَذَرَ - سُبْحَانَهُ - هَؤُلَاءِ الْمُدَّعِينَ لِلْإِيمَانِ الْمُتَّصِفِينَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ بِأَنَّهُ - سُبْحَانَهُ - يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ وَمَا يُكِنُّونَهُ مِنْ أُمُورٍ تُخَالِفُ مَا يَقُولُونَ، وَأَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يَعِظُهُمْ، وَيَقُولَ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا.
  • ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْحِكْمَةَ مِنْ إِرْسَالِ الرَّسُولِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُطَاعَ الْمَتَّبُوعَ لَا غَيْرُهُ مِنَ النَّاسِ، مَهْمَا قَوِيَتْ أَفْكَارُهُمْ، وَاتَّسَعَتْ مَدَارِكُهُمْ، ثُمَّ أَقْسَمَ تَعَالَى بِرُبُوبِيَّتِهِ لِرَسُولِهِ ﷺ الَّتِي هي أخص أنواع الربوبية، والتي تتضمن الإشارة إلى صحة رسالته، أقسم بها قسمًا مؤكدًا أنه لا يصح الإيمان إلا بثلاثة أمور:
    • الأول: أن يكون التحاكم في كل نزاع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    • الثاني: أن تنشرح الصدور بحكمه، ولا يكون في النفوس حرج وضيق منه.
    • الثالث: أن يحصل التسليم بقبول ما حكم به، وتنفيذه بدون توانٍ أو انحراف.
  1. وأما القسم الثاني: فمثل قوله تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤]. وقوله: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: ٤٥]. وقوله: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: ٤٧].
  • هل هذه الأوصاف الثلاثة تتنزل على موصوف واحد؟ بمعنى أن كل من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر ظالم فاسق؛ لأن الله تعالى وصف الكافرين بالظلم والفسق، فقال تعالى: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: ٢٥٤] وقال تعالى: ﴿وَإِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [التوبة: ٨٤]. فكل كافر ظالم فاسق، أو هذه الأوصاف تتنزل على موصوفين بحسب الحامل لهم على عدم الحكم بما أنزل الله؟ هذا هو الأقرب عندي. والله أعلم.
    1. فنقول: من لم يحكم بما أنزل الله استخفافًا به، أو احتقارًا، أو اعتقادًا أن غيره أصلح منه وأنفع للخلق، أو مثله - فهو كافر كفرًا مخرجًا عن الملة، ومن هؤلاء من يضَعُونَ لِلنَّاسِ تَشْرِيعَاتٍ تُخَالِفُ التَّشْرِيعَاتِ الْإِسْلَامِيَّةَ؛ لِتَكُونَ مِنْهَاجًا يَسِيرُ النَّاسُ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَضَعُوا تِلْكَ التَّشْرِيعَاتِ الْمُخَالِفَةَ لِلشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ إِلَّا وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا أَصْلَحُ وَأَنْفَعُ لِلْخَلْقِ؛ إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَالْجِبِلَّةِ الْفِطْرِيَّةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَعْدِلُ عَنْ مِنْهَاجٍ إِلَى مِنْهَاجٍ يُخَالِفُهُ إِلَّا وَهُوَ يَعْتَقِدُ فَضْلَ مَا عَدَلَ إِلَيْهِ وَنَقْصَ مَا عَدَلَ عَنْهُ.
    2. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَهُوَ لَمْ يَسْتَخِفَّ بِهِ، وَلَمْ يَحْتَقِرْهُ، وَلَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّ غَيْرَهُ أَصْلَحُ مِنْهُ لِنَفْسِهِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ - فَهَذَا ظَالِمٌ وَلَيْسَ بِكَافِرٍ. وَتَخْتَلِفُ مَرَاتِبُ ظُلْمِهِ بِحَسَبِ الْمَحْكُومِ بِهِ وَوَسَائِلِ الْحُكْمِ.
    3. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ لَا اسْتِخْفَافًا بِحُكْمِ اللَّهِ، وَلَا احْتِقَارًا، وَلَا اعْتِقَادًا أَنَّ غَيْرَهُ أَصْلَحُ، وَأَنْفَعُ لِلْخَلْقِ، أَوْ مِثْلُهُ، وَإِنَّمَا حَكَمَ بِغَيْرِهِ مُحَابَاةً لِلْمَحْكُومِ لَهُ، أَوْ مُرَاعَاةً لِرِشْوَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا، فَهَذَا فَاسِقٌ، وَلَيْسَ بِكَافِرٍ، وَتَخْتَلِفُ مَرَاتِبُ فِسْقِهِ بِحَسَبِ الْمَحْكُومِ بِهِ وَوَسَائِلِ الْحُكْمِ.
  • قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- فِيمَنِ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ: إِنَّهُمْ عَلَى وَجْهَيْنِ:
    1. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّهُمْ بَدَّلُوا دِينَ اللَّهِ، فَيَتَّبِعُونَهُمْ عَلَى التَّبْدِيلِ، وَيَعْتَقِدُونَ تَحْلِيلَ مَا حَرَّمَ، وَتَحْرِيمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ اتِّبَاعًا لِرُؤَسَائِهِمْ، مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ خَالَفُوا دِينَ الرُّسُلِ - فَهَذَا كُفْرٌ، وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ شِرْكًا.
    2. الثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحليل الحرام وتحريم الحلال - كذا العبارة المنقولة عنه - ثابتًا، لكنهم أطاعوهم في معصية الله، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاصي، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب.

وهناك فرق بين المسائل التي تُعتبر تشريعًا عامًا والمسألة المعينة التي يحكم فيها القاضي بغير ما أنزل الله؛ لأن المسائل التي تُعتبر تشريعًا عامًا لا يتأتى فيها التقسيم السابق، وإنما هي من القسم الأول فقط؛ لأن هذا المُشرّع تشريعًا يُخالف الإسلام إنما شرّعه لاعتقاده أنه أصلح من الإسلام وأنفع للعباد، كما سبقت الإشارة إليه.

وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ - أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْحُكْمِ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ - مِنَ الْمَسَائِلِ الكُبْرَى، الَّتِي ابْتُلِيَ بِهَا حُكَّامُ هَذَا الزَّمَانِ، فَعَلَى الْمَرْءِ أَنْ لَا يَتَسَرَّعَ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ بِمَا لَا يَسْتَحِقُّونَهُ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ خَطِيرَةٌ - نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُصْلِحَ لِلْمُسْلِمِينَ وُلَاةَ أُمُورِهِمْ وَبِطَانَتَهُمْ - كَمَا أَنَّ عَلَى الْمَرْءِ الَّذِي آتَاهُ اللَّهُ الْعِلْمَ أَنْ يُبَيِّنَهُ لِهَؤُلَاءِ الْحُكَّامِ؛ لِتَقُومَ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ، وَتَتَبَيَّنَ الْمَحَجَّةُ فَيَهْلَكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَلَا يَحْقِرَنَّ نَفْسَهُ عَنْ بَيَانِهِ، وَلَا يَهَابَنَّ أَحَدًا فِيهِ؛ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ.

ص ١٥٣ - ١٥٨

العثيمين - الْكُفْرِ بِالطَّاغُوتِ قَبْلَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ

بَدَأَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْكُفْرِ بِالطَّاغُوتِ قَبْلَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ؛ لِأَنَّ مِنْ كَمَالِ الشَّيْءِ إِزَالَةَ الْمَوَانِعِ قَبْلَ وُجُودِ الثَّوَابِتِ؛ وَلِذَا يُقَالُ: التَّخْلِيَةُ قَبْلَ التَّحْلِيَةِ. ص ١٥٩

وفي الحديثِ: «رأسُ الأمْرِ الإسلامُ وعمودُهُ الصَّلاةُ وذروةُ سَنَامِهِ الجهادُ في سبيلِ اللهِ». واللهُ أعلمُ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

العثيمين - كُفْرَ تَارِكِ الصَّلَاةِ

لِأَنَّهُ لَا يَقُومُ إِلَّا بِهَا؛ وَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ كُفْرَ تَارِكِ الصَّلَاةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْإِسْلَامُ. ص ١٥٩

العثيمين - أكمل الدين الجهادُ في سبيل اللهِ

أَعْلَاهُ وَأَكْمَلُهُ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَصْلَحَ نَفْسَهُ، حَاوَلَ إِصْلَاحَ غَيْرِهِ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ؛ لِيَقُومَ الْإِسْلَامُ، وَلِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَمَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ. وَصَارَ ذِرْوَةَ السَّنَامِ؛ لِأَنَّ بِهِ عُلُوَّ الْإِسْلَامِ عَلَى غَيْرِهِ. ص ١٥٩