المؤلف:: الآجري
الناشر:: دار اللؤلؤة
سنة النشر:: 2020
الصفحات:: 126
الغلاف:: https://images-na.ssl-images-amazon.com/images/S/compressed.photo.goodreads.com/books/1697800884i/200310285.jpg
الصيغة:: PDF
الرابط:: https://www.goodreads.com/book/show/200310285
ISBN:: 9786422621719
الحالة:: مكتمل
التسميات:: تقريب_تراث_السلف
المعرفة:: ,
التدريب:: ,
تاريخ القراءة:: 2025-01-05
معالج:: 1
تقييم الفائدة المستقبلية::
الحديث الأول في طلب العلم
١٠ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآجُرِّيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِمٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكَشِّيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الشَّاذَكُونِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ».
١١ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي دِينِهِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ.
١٢ - فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ صِفَةُ مَنْ فَقَّهَهُ اللَّهُ عزَّ وجَلَّ فِي دِينِهِ حَتَّى يَكُونَ مِمَّنْ قَدْ أَرَادَهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِخَيْرٍ؟ قِيلَ لَهُ: هُوَ الرَّجُلُ، الْمُسْلِمُ، الْعَاقِلُ الَّذِي قَدْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ عزَّ وجَلَّ قَدْ تَعَبَّدَهُ بِعِبَادَاتٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْبُدَهُ فِيهَا كَمَا أَمَرَهُ لَا كَمَا يُرِيدُ هُوَ؛ وَلَكِنْ بِمَا أَوْجَبَ الْعِلْمُ عَلَيْهِ، فَطَلَبُ الْعِلْمِ لِيَفْقَهَ مَا تَعَبَّدَهُ اللَّهُ عزَّ وجَلَّ بِهِ مِنْ أَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَاجْتِنَابِ مَحَارِمِهِ، لَا يَسَعُهُ جَهْلُهُ، وَلَا يَعْذُرُهُ بِهِ الْعُلَمَاءُ الْعُقَلَاءُ [فِي تَرْكِهِ].
ص ٥٥٠
رواه أحمد (7194)، وابن ماجه (220)
الحديث الثاني في فضل العلم
١٣ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، ثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاتِكَةِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ، وَقَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ»، ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ، ثُمَّ قَالَ: «الْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ شَرِيكَانِ فِي الْأَجْرِ، وَلَا خَيْرَ فِي سَائِرِ النَّاسِ بَعْدَ».
قال محمد بن الحسين:
١٤ - اعْقِلْ - رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ - مَا خَاطَبَكَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ، فَإِنَّهُ يَحُثُّكَ عَلَى طَلَبِ عِلْمٍ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ قَبْلَ فَنَاءِ الْعُلَمَاءِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فَنَاءَ الْعِلْمِ: بِقَبْضِ أَهْلِهِ(٢)
ثُمَّ أُعْلِمُكَ أَنَّ الْخَيْرَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ يَطْلُبُ الْعِلْمَ، وَفِيمَنْ يُعَلِّمُ الْعِلْمَ(٣)، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ؛ فَلَا خَيْرَ فِيهِ.
اعْقِلْ هَذَا الْخِطَابَ، وَاطْلُبْ مِنَ الْعِلْمِ مَا يَنْفِي عَنْكَ بِهِ الْجَهْلَ، وَتَعَبَّدِ اللَّهَ تَعَالَى بِهِ، وَتُرِيدُ اللَّهَ الْعَظِيمَ بِهِ، فَإِنَّهُ عَلَيْكَ فَرِيضَةٌ…
ص ٥٥٢
رواه ابن ماجه (۲۲۸) والمصنف في «الأربعين» (٢). وفي إسناده: عثمان بن أبي عاتكة، قال ابن معين: ليس بشيء.
وروى هذا الحديث ابن عدي في «الكامل في الضعفاء» (٢٨٠/٦)، وضعفه.
الحديث الثالث في النية
١٥ - حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحَلْوَانِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، ثَنَا زُهَيْرٌ - يَعْنِي: ابْنَ مُعَاوِيَةَ -، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا؛ فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ».
ص ٥٥٤
رَوَاهُ أَحْمَدُ (١٦٨)، وَالْبُخَارِيُّ (۱)، وَمُسْلِمٌ (١٩٠٧)
قال ابْن رجب رحمه الله فِي «جَامِعِ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ» (٦١/١): اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى صِحَّتِهِ وَتَلَقِّيهِ بِالْقَبُولِ، وَبِهِ صَدَّرَ الْبُخَارِيُّ كِتَابَهُ «الصَّحِيحَ»، وَأَقَامَهُ مَقَامَ الْخُطْبَةِ لَهُ، إِشَارَةً مِنْهُ إِلَى أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ لَا يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ لَا ثَمَرَةَ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، وَلِهَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: لَوْ صَنَّفْتُ كِتَابًا فِي الْأَبْوَابِ، لَجَعَلْتُ حَدِيثَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ فِي كُلِّ بَابٍ.. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَدُورُ الدِّينُ عَلَيْهَا، فَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ ثُلُثُ الْعِلْمِ، وَيَدْخُلُ فِي سَبْعِينَ بَابًا مِنَ الْفِقْهِ.
وَعَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ: أُصُولُ الْإِسْلَامِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ:
- حَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»،
- وَحَدِيثُ عَائِشَةَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»،
- وَحَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ»…
وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ قَالَ: أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ هِيَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ:
- حَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ».
- وَحَدِيثُ: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ».
- وحديث: «إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه».
- وحديث: «من صنع في أمرنا شيئًا ليس منه فهو رد».
وروى عثمان بن سعيد، عن أبي عبيد، قال: جمع النبي ﷺ جميع أمر الآخرة في كلمة: «من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد». وجمع أمر الدنيا كله في كلمة: «إنما الأعمال بالنيات»، يدخلان في كل باب. اهـ.
١٦ - قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: اعْلَمْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ، لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُؤَدِّيَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عز وجل عَلَيْهِ مِنْ فَرِيضَةٍ وَلَا يَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِنَافِلَةٍ إِلَّا بِنِيَّةٍ خَالِصَةٍ صَادِقَةٍ لَا رِيَاءَ فِيهَا وَلَا سُمْعَةَ، وَلَا يُرِيدُ بِهَا إِلَّا اللَّهَ عز وجل، وَلَا يُشْرِكُ فِيهَا مَعَ اللَّهِ عز وجل غَيْرَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا أُخْلِصَ لَهُ وَأُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ، لَا يَخْتَلِفُ فِي هَذَا الْعُلَمَاءُ.
ص ٥٥٥
قال ابن رجب رحمه الله في «جامع العلوم والحكم» (١ / ٧٤): وقد روى وكيع في كتابه عن الأعمش، عن شقيق - هو أبو وائل - قال: خطب أعرابي من الحي امرأة يقال لها: أم قيس، فأبت أن تزوجه حتى يهاجر، فهاجر، فتزوجته، فكنا نسميه: (مهاجر أم قيس). قال: فقال عبد الله - يعني: ابن مسعود -: من هاجر يبتغي شيئًا فهو له.
وهذا السياق يقتضي أن هذا لم يكن في عهد النبي، إنما كان في عهد ابن مسعود؛ ولكن روي من طريق سفيان الثوري، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، قال: كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها: أم قيس، فأبت أن تزوجه حتى يهاجر، فهاجر، فتزوجها، فكنا نسميه مهاجر أم قيس. قال ابن مسعود: من هاجر لشيء فهو له.
وقد اشتهر أن قصة مهاجر أم قيس هي كانت سبب قول النبي ﷺ: «من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها»، وذكر ذلك كثير من المتأخرين في كتبهم، ولم نر لذلك أصلا بإسناد يصح، والله أعلم. اهـ.
الحديث الرابع في الإسلام
١٨ - أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَد هَارُون بْن يُوسُف التَّاجِر، ثَنَا ابْن أَبِي عُمَر - يَعْنِي: مُحَمَّدًا الْعَدَنِي -، ثَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة، عَن سُعَيْر بْن الْخِمْس، عَن حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت، عَن ابْن عُمَر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله ﷺ: «بُنِيَ الْإِسْلَام عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه، وَإِقَام الصَّلَاة، وَإِيتَاء الزَّكَاة، وَصَوْم رَمَضَانَ، وَحَجُّ الْبَيْت».
ص ٥٥٧
رواه أحمد (4798)، والبخاري (8)، ومسلم (16)، من طرق أخرى.
٢٠ - فَمَنْ تَرَكَ فَرِيضَةً مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِ وَكَفَرَ بِهَا وَجَحَدَ بِهَا لَمْ يَنْفَعْهُ التَّوْحِيدُ وَلَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا…
٢٢ - وَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ ﷺ ارْتَدَّ أَهْلُ الْيَمَامَةِ عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَقَالُوا: نُصَلِّي وَنَصُومُ وَلَا نُزَكِّي أَمْوَالَنَا، فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه مَعَ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ حَتَّى قَتَلَهُمْ وَسَبَاهُمْ وَقَالَ: «تَشْهَدُونَ أَنَّ قَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ وَقَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ؟» كُلُّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ خَمْسٌ لَا يُقْبَلُ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ.
ص ٥٥٨
قال ابن رجب رحمه الله في «جامع العلوم والحكم» (ص 232): فأبو بكر رضي الله عنه أخذ قتالهم من قوله: إلَّا بحقه»، فدل على أن قتال من أتى بالشهادتين بحقه جائز، ومن حقه أداء حق المال الواجب، وعمر الظن أن مجرد الإتيان بالشهادتين يَعصِمُ الدم في الدنيا تمسكًا بعموم أول الحديث، كما ظنَّ طائفة من الناس أن من أتى بالشهادتين امتنع من دخول النار في الآخرة تمسكًا ألفاظ بعموم وردت، وليس الأمر على ذلك، ثم إن عمر رضي الله عنه رجع إلى موافقة أبي بكر رضي الله عنه.
الحديث الخامس في الإيمان
٢٣ -… حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنَّا حَتَّى جَلَسَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ، وَمَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: «أَنْ تَشَهَّدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» قَالَ: صَدَقْتَ قَالَ فَعَجِبْنَا أَنَّهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» قَالَ: صَدَقْتَ قَالَ: فَعَجِبْنَا أَنَّهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» قَالَ: صَدَقْتَ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ قَالَ: «مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ» قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: فَلَبِثْتُ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا عُمَرُ هَلْ تَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟» فَقُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: «فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ، أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمَرَ دِينِكُمْ».
ص ٥٦١
رواه أحمد (184)، ومسلم (1)، بنحوه.
٢٥ - وَأَمَّا الْإِيمَانُ فَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُؤْمِنَ بِاللَّهِ عز وجل، وَبِجَمِيعِ مَلَائِكَتِهِ، وَبِجَمِيعِ كُتُبِهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَى رُسُلِهِ، وَبِجَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ، وَبِالْمَوْتِ، وَبِالْبَعْثِ، مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ، وَبِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَبِمَا جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ، مِثْلِ أَنْ يُؤْمِنَ بِالصِّرَاطِ، وَالْمِيزَانِ، وَبِالْحَوْضِ، وَالشَّفَاعَةِ، وَبِعَذَابِ الْقَبْرِ، وَبِقَوْمٍ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَبِالسَّاعَةِ، وَأَشْبَاهٍ لِهَذَا مِمَّا يُؤْمِنُ بِهِ أَهْلُ الْحَقِّ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَيَجْحَدُ بِهَا أَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَالضَّلَالَةِ مِمَّنْ حَذَّرَنَاهُمُ النَّبِيُّ ﷺ، وَحَذَّرَنَاهُمُ الصَّحَابَةُ، وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَعُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ، وَيُؤْمَنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَيَبْرَأَ مِمَّنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ كَمَا تَبَرَّأَ ابْنُ عُمَرَ مِنْهُ.
ص ٥٦٣
٢٦ - وَقَوْلُهُ: «وَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ» قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» فَاعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ عز وجل فَيَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عز وجل مُطَّلِعٌ عَلَى عَمَلِهِ، يَعْلَمُ سَرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ، وَيَعْلَمُ مَا تُخْفِي مِنْ عَمَلِكَ وَمَا تُبْدِيهِ، وَمَا تُرِيدُ بِعِلْمِكَ أَللَّهَ تُرِيدُ أَمْ غَيْرَهُ؟، ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه: ٧]، ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر: ١٩]، ﴿يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ﴾ [النور: ٦٤] فَاحْذَرُوهُ، فَمَنْ رَاعَى هَذِهِ بِقَلْبِهِ وَبِعِلْمِهِ خَشِيَ مِنَ اللَّهِ عز وجل وَخَافَهُ وَعَبْدَهُ كَمَا أَمَرَهُ، فَإِنْ كُنْتَ عَنْ هَذِهِ الْمُرَاعَاةِ فِي غَفْلَةٍ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكَ فَيُنَبِّئُكَ بِمَا كُنْتَ تَعْمَلُهُ، فَاحْذَرِ الْغَفْلَةَ فِي عِبَادَتِكَ إِيَّاهُ، وَاعْبُدْهُ كَمَا أَمَرَكَ لَا كَمَا تُرِيدُ، وَاسْتَعِنْ بِهِ، وَاعْتَصِمْ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ مَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ وَقَدْ ضَمِنَ لِمَنِ اعْتَصَمَ بِهِ أَنْ يَهْدِيَهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
ص ٥٦٤
الحديث السادس في الخاتمة
٢٧ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الدُّولَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمُصَدَّقُ: «إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ عز وجل إِلَيْهِ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: فَيَكْتُبُ عَمَلَهُ وَأَجَلَهُ وَرِزْقَهُ وَشَقِيُّ أَمْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلَ النَّارِ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلَهَا».
ص ٥٦٥
رواه البخاري (3332)، ومسلم (2643).
۲۸ - فَيَنْبَغِي لَكَ أَيُّهَا السَّائِلُ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ فَرَغَ مِنْ أَرْزَاقِ الْعِبَادِ، وَأَنَّ كُلَّ عَبْدٍ مُسْتَوْفٍ رِزْقَهَ لَا يَزِيدُ فِيهِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ.
وَكَذَا قَدْ فَرَغَ مِنَ الْآجَالِ، لَا يَزْدَادُ أَحَدٌ عَلَى أَجَلِهِ وَلَا يُنْتَقَصُ مِنْهُ حَتَّى يَأْتِيَهُ آخِرُ أَجَلِهِ،
وَكَذَا كَتَبَ اللَّهُ عز وجل عَمَلَهُ الَّذِي يَعْمَلُ خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا، وَكَتَبَهُ شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا،
فَكُلُّ الْعِبَادِ يَسْعَوْنَ فِي أَمَرٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ،
وَالْإِيمَانُ بِهَذَا وَاجِبٌ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ كَفَرَ
ص ٥٦٦
الحديث السابع في الإيمان بالقدر
٢٩ - حَدَّثَنَا الْآجُرِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِي، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: “كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ قَالَ: فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ، وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ، فَنَكَسَ رَأْسَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلَّا وَقَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ، فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمِلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمِلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ؟ فَقَالَ: «اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِعَمَلِهِ، أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ» ثُمَّ قَرَأَ ﴿«فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى»﴾ [الليل: ٦]
ص ٥٦٧
رواه الفريابي في «القدر» (٤٠). ورواه أحمد (٦۲۱ و ۱۰٦۷)، والبخاري (١٣٦٢)، ومسلم (٢٦٤٧)، ولفظهم: «ما منكم من نفس منفوسة إلا وقد كُتِبَ مقعدها».
ورواه المصنف في «الشريعة» مع اختلاف في ألفاظه، وبوب عليه بقوله: (باب ذكر السنن والآثار المبينة بأن الله تعالى خلق خلقه؛ من شاء خلقه للجنة، ومن شاء خلقه للنار، في علم قد سبق).
٣٠ - فَاعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّ الْإِيمَانَ بِهَذَا وَاجِبٌ، قَدْ أُمِرَ الْعِبَادُ أَنْ يَعْمَلُوا بِمَا أُمِرُوا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَيَنْتَهُوا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، وَاللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ مُوَفِّقٌ مَنْ أَحَبَّ لِطَاعَتِهِ وَمُقَدِّرٌ مَعْصِيَتَهُ عَلَى مَنْ أَرَادَ غَيْرَ ظَالِمٍ لَهُمْ، ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [النحل: ٩٣]، ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣]، أَحَبَّ مِنْ عِبَادِهِ الطَّاعَةَ وَأَمَرَ بِهَا، فَكَانَتْ بِتَوْفِيقِهِ، وَزَجَرَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَأَرَادَ كَوْنَهُ غَيْرَ مُحِبٍّ لَهَا وَلَا آمِرًا بِهَا، تَعَالَى عز وجل عَنْ أَنْ يَأْمُرَ بِالْفَحْشَاءِ، وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يُرِيدُ.
هَذَا، رَحِمَكَ اللَّهُ، طَرِيقُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «الْقَدَرُ نِظَامُ التَّوْحِيدِ، فَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَصَدَّقَ بِالْقَدَرِ فَهِيَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى الَّتِي لَا انْفِصَامَ لَهَا، وَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَكَذَّبَ بِالْقَدَرِ كَانَ تَكْذِيبُهُ لِلْقَدَرِ نَقْصًا مِنْهُ لِتَوحِيدِهِ».
٩١
ص ٥٦٨
الحديث الثامن في لزوم السنة
٣٢ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الْجَوْزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ، وَحُجْرٍ الْكَلَاعِيِّ قَالَا: «دَخَلْنَا عَلَى الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ وَهُوَ مِنَ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِمْ ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ [التوبة: ٩٢] الْآيَةُ، دَخَلُوا عَلَيْهِ وَهُوَ مَرِيضٌ قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّا جِئْنَاكَ زَائِرِينَ وَعَائِدِينَ وَمُقْتَبِسِينَ، فَقَالَ عِرْبَاضٌ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى بِنَا صَلَاةَ الْغَدَاةِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا بِمَوْعِظَةِ بَلِيغَةٍ ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي سَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عُضْوًا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ».
ص ٥٧٠
رواه أبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وقال: حديث حسن صحيح.
٣٣ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ عُلُومٌ كَثِيرَةٌ يَحْتَاجُ إِلَى عِلْمِهَا جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَسَعُهُمْ جَهْلُهُ، مِنْهَا أَنَّهُ أَمَرَهُمْ ﷺ بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ عز وجل بِتَقْوَاهُ، وَلَا يَعْلَمُونَ بِتَقْوَاهُ إِلَّا بِالْعِلْمِ قَالَ بَعْضُ الْحُكَّامِ: كَيْفَ يَكُونُ مُتَّقِيًا مَنْ لَا يَدْرِي مَا يَتَّقِي، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: «لَا يَتَّجِرُ فِي أَسْوَاقِنَا إِلَّا مَنْ قَدْ فَقِهَ فِي دِينِهِ، وَإِلَّا أَكَلَ الرِّبَا».
ص ٥٧١
٣٦ - وَمِنْهَا أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِكُلِّ مَنْ وُلِّيَ عَلَيْهِمْ مِنْ عَبْدٍ أَسْوَدَ وَغَيْرِ أَسْوَدَ، وَلَا تَكُونُ الطَّاعَةُ إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ، لِأَنَّهُ أَعْلَمُهُمْ أَنَّهُ سَيَكُونُ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ بَيْنَ النَّاسِ، فَأَمَرَهُمْ بِلُزُومِ سُنَّتِهِ وَسُنَّةِ أَصْحَابِهِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَحَثَّهُمْ عَلَى أَنْ يَتَمَسَّكُوا بِهَا التَّمَسُكَ الشَّدِيدَ، مِثْلَ مَا يَعَضُّ الْإِنْسَانُ بِأَضْرَاسِهِ عَلَى الشَّيْءِ يُرِيدُ أَنْ لَا يَفْلِتَ مِنْهُ، فَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَّبِعَ سُنَنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَا يَعْمَلُوا أَشْيَاءَ إِلَّا بِسُنَّتِهِ وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ رضي الله عنه أَجْمَعِينَ، وَكَذَا لَا يَخْرُجُ عَنْ قَوْلِ صَحَابَتِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ يَرْشُدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
ص ٥٧٢
وذكره المصنف في (الشريعة) في باب (في السمع والطاعة لمن ولي أمر المسلمين، والصبر عليهم وإن جاروا، وترك الخروج عليهم ما أقاموا الصلاة) وقال (۳۸۰/۱): مَنْ أُمِّرَ عَلَيْكَ مِنْ عَرَبِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ أَسْوَدَ أَوْ أَبْيَضَ أَوْ عَجَمِيٍّ فَأَطِعْهُ فِيمَا لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ مَعْصِيَةٌ، وَإِنْ حَرَمَكَ حَقًّا لَكَ، أَوْ ضَرَبَكَ ظُلْمًا لَكَ، أَوِ انْتَهَكَ عِرْضَكَ، أَوْ أَخَذَ مَالَكَ، فَلَا يَحْمِلُكَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ تَخْرُجَ عَلَيْهِ بِسَيْفِكَ حَتَّى تُقَاتِلَهُ، وَلَا تَخْرُجْ مَعَ خَارِجِيٍّ يُقَاتِلُهُ، وَلَا تُحَرِّضْ غَيْرَكَ عَلَى الْخُرُوجِ عَلَيْهِ، وَلَكِنِ اصْبِرْ عَلَيْهِ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَدْعُوَكَ إِلَى مَنْقَصَةٍ فِي دِينِكَ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَأْمُرَكَ بِقَتْلِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ، أَوْ بِقَطْعِ عُضْوِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، أَوْ بِضَرْبِ مَنْ لَا يَحِلُّ ضَرْبُهُ، أَوْ بِأَخْذِ مَالِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ تَأْخُذَ مَالَهُ، أَوْ بِظُلْمِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَلَا لَكَ ظُلْمُهُ، فَلَا يَسَعُكَ أَنْ تُطِيعَهُ، فَإِنْ قَالَ لَكَ: لَئِنْ لَمْ تَفْعَلْ مَا آمُرُكَ بِهِ وَإِلَّا قَتَلْتُكَ أَوْ ضَرَبْتُكَ، فَقُلْ: دَمِي دُونَ دِينِي؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ عز وجل» وَلِقَوْلِهِ ﷺ «إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» اهـ.
وقال ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم (۱۱۷/۲): وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين، ففيها سعادة الدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معايشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن الناس لا يصلحهم إلا إمام بر أو فاجر، إن كان فاجرًا عبد المؤمن فيه ربه، وحمل الفاجر فيها إلى أجله.
وقال الحسن في الأمراء: هم يلون من أمورنا خمسًا: الجمعة، والجماعة، والعيد، والثغور، والحدود، والله ما يستقيم الدين إلا بهم، وإن جاروا وظلموا، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يُفسدون، مع أن ـ والله ـ إن طاعتهم لغيظ، وإن فرقتهم لكفر. اهـ.
قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين (٤/٦٠٩): فقرن سُنَّة خلفائه بسُنَّته، وأمر باتباعها كما أمر باتباع سنته، وبالغ في الأمر بها حتى أمر بأن يُعَضَّ عليها بالنواجذ، وهذا يتناول ما أفتوا به وسنوه للأمة وإن لم يتقدم من نبيهم فيه شيء، وإلا كان ذلك سُنَّته، ويتناول ما أفتى به جميعهم أو أكثرهم أو بعضهم؛ لأنه علق ذلك بما سَنَّه الخلفاء الراشدون، ومعلوم أنهم لم يسنوا ذلك وهم خلفاء في آن واحد، فعُلِمَ أن ما سنه كل واحد منهم في وقته فهو من سُنَّة الخلفاء الراشدين. اهـ.
وفي ذم الكلام (٩٢٥) قال الأوزاعي: وما رأي امرئ في أمر بلغه عن رسول الله ﷺ إلا اتباعه ولو لم يكن فيه عن رسول الله ﷺ وقال فيه أصحابه من بعده؛ كانوا أولى فيه بالحق منا؛ لأن الله تعالى أثنى على من بعدهم باتباعهم إياهم، فقال: ﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ﴾ [التوبة: ١٠٠]، وقلتم أنتم: لا ! بل نعرضي الله عنها على رأينا في الكتاب؛ فما وافقه منها صدقناه، وما خالفه تركناه، وتلك غاية كل محدث في الإسلام رد ما خالف رأيه من السنة.
وفي جامع بيان العلم وفضله (١٤٢٣) عن الأوزاعي، عن ابن المسيب: أنه سُئِلَ عن شيءٍ، فقال: اختلف فيه أصحاب رسول الله ﷺ، ولا أرى لي معهم قولا. قال ابن وضاح: هذا هو الحق. قال ابن عبد البر: معناه: أنه ليس له أن يأتي بقول يخالفهم جميعا به. اهـ.
وفي «العدة في أصول الفقه للقاضي أبي يعلى (٤/١٠٥٩) قال أحمد في رواية عبد الله وأبي الحارث في الصحابة إذا اختلفوا لم يخرج من أقاويلهم، أرأيت إن أجمعوا هل له أن يخرج من أقاويلهم؟ [قال]: هذا قول خبيث، قول أهل البدع، لا ينبغي أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا. اهـ.
وفي بدائع الفوائد (١٤٢٨/٥) قال أحمد: إنما على الناس اتباع الآثار عن رسول الله ﷺ، ومعرفة صحيحها من سقيمها، ثم بعد ذلك قول أصحاب رسول الله ﷺ، إذا لم يكن قول بعضهم لبعض مخالفًا، فإن اختلف نظر في الكتاب فأي قولهم كان أشبه بالكتاب أخذ به، أو بقول رسول الله ﷺ أخذ به، فإذا لم يأت عن النبي ﷺ، ولا عن أحدٍ من أصحاب النبي ﷺ نظر في قول التابعين، فأي قولهم كان أشبه بالكتاب والسنة أخذ به، وترك ما أحدث الناس بعدهم.
٣٨ - وَمِنْهَا أَنَّهُ حَذَّرَهُمُ الْبِدَعَ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهَا ضَلَالَةٌ، فَكُلُّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَوْ تَكَلَّمُ بِكَلَامٍ لَا يُوَافِقُ كِتَابَ اللَّهِ عز وجل، وَلَا سَنَةَ رَسُولِهِ ﷺ، وَسُنَّةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَقَوْلَ صَحَابَتِهِ رضي الله عنهم فَهُوَ بِدْعَةٌ، وَهُوَ ضَلَالَةٌ، وَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى قَائِلِهِ أَوْ فَاعِلِهِ.
ص ٥٧٤
قال ابن رجب رحمه الله في «جامع العلوم والحكم» (٢/ ١١٧): وقوله ﷺ: «فمن يعش منكم بعدي، فسيرى اختلافا كثيرًا، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ». هذا إخبار منه ﷺ بما وقع في أمته بعده من كثرة الاختلاف في أصول الدين وفروعه، وفي الأقوال والأعمال والاعتقادات، وهذا موافق لما روي عنه من افتراق أُمته على بضع وسبعين فرقة، وأنها كلها في النار إلا فرقة واحدة، وهي من كان على ما هو عليه وأصحابه.
وكذلك في هذا الحديث أمر عند الافتراق والاختلاف بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده، والسُّنة: هي الطريقة المسلوكة، فيشمل ذلك: التمسك بما كان عليه هو وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال
والأقوال، وهذه هي السُّنة الكاملة.
وقال: قوله: «وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة»، تحذير للأمة من اتباع الأمور المحدثة المبتدعة، وأكد ذلك بقوله: «كل بدعة ضلالة»، والمراد بالبدعة: ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، فأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه، فليس ببدعة شرعًا…
وقال: فقوله ﷺ: «كل بدعة ضلالة» من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء، وهو أصل عظيم من أصول الدين، وهو شبيه بقوله: «من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد»، فكل من أحدث شيئًا، ونسبه إلى الدين، ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه، فهو ضلالة، والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات، أو الأعمال، أو الأقوال الظاهرة والباطنة.
وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع، فإنما ذلك في البدع اللغوية، لا الشرعية.. إلخ.
٣٩ - وَمِنْهَا أَنْ عِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ قَالَ: «وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ».
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: فَمَيِّزُوا هَذَا الْكَلَامَ، لَمْ يَقُلْ: صَرَخْنَا مِنْ مَوْعِظَةٍ، وَلَا زَعَقْنَا، وَلَا طَرَقْنَا عَلَى رُءُوسِنَا، وَلَا ضَرَبْنَا عَلَى صُدُورِنَا، وَلَا زَفَنَّا، وَلَا رَقَصْنَا كَمَا فَعَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْجُهَّالِ، يَصْرُخُونَ عِنْدَ الْمَوَاعِظِ وَيَزْعَقُونَ، وَيَنْغَاشُونَ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ يَلْعَبُ بِهِمْ، وَهَذَا كُلُّهُ بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ.
ص ٥٧٥
روی عبد الرزاق في «تفسيره» (٢٦٢٦) عن معمر، قال: تلا قتادة: ﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٢٣] قال: هذا نعت أولياء الله نعتهم الله: أن تقشعر جلودهم، وتبكي أعينهم، وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم، والغشيان عليهم، وإنما هذا في أهل البدع وهذا من الشيطان. اهـ.
فَتَمَسَّكُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ بِسُنَّتِهِ، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِهِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ.
ص ٥٧٦
قال ابن رجب رحمه الله في «جامع العلوم والحكم» (١٢٦/٢): وإنما وصف الخلفاء بالراشدين، لأنهم عرفوا الحقِّ، وقضوا به، فالراشد ضد الغاوي، والغاوي من عرف الحق وعمل بخلافه.
وفي رواية: «المهديين» يعني: أن الله يهديهم للحق، ولا يضلهم عنه، فالأقسام ثلاثة: راشد، وغاو، وضال، فـ (الراشد): عرف الحق واتبعه، و(الغاوي): عرفه ولم يتبعه، و(الضال): لم يعرفه بالكلية، فكل راشد فهو مهتد، وكل مهتد هداية تامة فهو راشد؛ لأن الهداية إنما تتم بمعرفة الحق والعمل به أيضًا. اهـ.
الحديث التاسع في فضل القرآن
٤٠ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْمِصْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «كَانَ الْكِتَابُ الْأَوَّلُ نَزَلَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ، وَعَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ، عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ: زَاجِرٍ، وَآمِرٍ، وَحَلَالٍ، وَحَرَامٍ، وَمُحْكَمٍ، وَمُتَشَابِهٍ، وَأَمْثَالٍ، فَأَحِلُّوا حَلَالَهُ، وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ، وَافْعَلُوا مَا أُمِرْتُمْ، وَانْتَهُوا عَمَّا نُهِيتُمْ، وَاعْتَبِرُوا بِأَمْثَالِهِ، وَاعْمَلُوا بِمُحْكَمِهِ، وَآمِنُوا بِمُتَشَابِهِهِ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا».
ص ٥٧٧
رواه المُصنّف في فرض العلم (82)، وإسناده منقطع.
وَمَعْنَى عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ يَعْنِي عَلَى سَبْعِ لُغَاتٍ.
وبهذا التفسير فسره أبو عبيد القاسم بن سلام رَحِمَهُ اللهُ في «غريب الحديث» (۲/ ٦٤٢)، فقال: قوله: «سبعة أحرف»، يعني: سبع لغات من لغات العرب، وليس معناه: أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه، هذا لم يسمع به قط؛
ولكن يقول: هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن: فبعضه نزل بلغة قريش، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة أهل اليمن. وكذلك سائر اللغات، ومعانيها في هذا كله واحدة.
ومما يبين لك ذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه: إني قد سمعت القراءة، فوجدتهم متقاربين، فاقرؤوا كما علمتم، إنما هو كقول أحدكم: هلم، وتعال. وكذلك قال ابن سيرين: إنما هو كقولك: هلم، وتعال، وأقبل. ثم فسره ابن سيرين، فقال: في قراءة ابن مسعود: (إن كانت إلا زقيةً واحدةً) وفي قراءتنا: (إن كانت إلا صيحةً واحدةً). والمعنى فيهما واحد. وعلى هذا سائر اللغات.
أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤] فَقَدْ بَيَّنَ ﷺ لِأُمَّتِهِ مَا أَحَلَّهُ لَهُمْ، وَمَا حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ، وَمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ الْحَلَالَ مِنَ الْحَرَامِ لَزِمَ السُّنَنَ، وَذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ عز وجل لَهُ وَبِطَاعَةِ رَسُولِهِ ﷺ وَالِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى، وَحَذَّرَ مَنْ خَالَفَهُ بِقَوْلِهِ عز وجل ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: ٦٣].
ثُمَّ يُؤْمِنُ بِمُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ، وَلَا يُمَارِي فِيهِ، وَلَا يُجَادِلُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ حَذَّرَكَ عَنْ ذَلِكَ، وَتَعْتَبِرَ بِأَمْثَالِهِ، وَتَعْمَلَ بِمُحْكَمِهِ، وَتُؤْمِنَ بِجَمِيعِ مَا فِيهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِيَ الْقُرْآنِ نَاسِخًا وَمَنْسُوخًا، فَاسْأَلْ عَنْهُ الْعُلَمَاءَ عَلَى وَجْهِ التَّعَلُّمِ لَا عَلَى وَجْهِ الْجَدَلِ وَالْمِرَاءِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ، وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٧]
وَاعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّ الْآيَاتِ الْمُحْكَمَاتِ:
٤٢ - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «نَاسِخُهُ وَمُنْسُوخُهُ، وَحَلَالُهُ وَحَرَامُهُ، وَفَرَائِضُهُ وَحُدُودُهُ، وَمَا يُؤْمَرُ بِهِ، وَمَا يُعْمَلُ بِهِ وَيُدَانُ بِهِ» (١)، وَهَذَا طَرِيقُ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَوْلُهُ عز وجل: ﴿هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٧] قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: «هُنَّ أَصْلُ الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُنَّ اللَّهُ عز وجل» أُمُّ الْكِتَابِ «لَأَنَّهُنَّ مَكْتُوبَاتٌ فِي جَمِيعِ الْكِتَابِ»، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ» قَالَ: يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا”
ص ٥٧٩ - ٥٨٠
(۱) ذكره ابن جرير في «تفسيره» (١٩٣/٥)، وزاد فيه: ﴿وَأُخَرُ مُتَشَابِهَات﴾ و (المتشابهات) منسوخه، ومقدمه، ومؤخره، وأمثاله، وأقسامه، وما يؤمن به، ولا يعمل به.
وذكر عن ابن عباس: فـ(المحكمات) التي هي أم الكتاب: الناسخ الذي يدان به ويعمل به، و(المتشابهات): هن المنسوخات التي لا يدان بهن. وقد أطال ابن جرير في ذكر خلاف السلف في معنى المحكم والمتشابه.
الحديث العاشر في الصحابة
٤٥ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: ثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ.
(ح) قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ] عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ.
(ح) قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْمُطَرِّزُ، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعْدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ] فِي الْجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ» [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ].
ص ٥٨١
رَوَاهُ الْبَكْرِيُّ فِي كِتَابِ «الْأَرْبَعِينَ» (۷) مِنْ طَرِيقِ الْمُصَنِّفِ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَحْمَدُ (٣٧٤٧)، وَالتِّرْمِذِيُّ (٣٧٤٧)
٤٦ - قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: فَوَاجِبٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَشْهَدُوا لِمَنْ شَهِدَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَإِذَا شَهِدَ لَهُمْ فَقَدْ أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَحَبَّ هَؤُلَاءِ وَشَهِدَ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ سَلِمَ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ مِنْهُ.
ص ٥٨٢
قال المُصنِّف في «الشريعة»:
فَلَنْ يُحِبَّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، قَدْ وَفَّقَهُ اللَّهُ عز وجل لِلْحَقِّ، وَلَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ مَحَبَّتِهِمْ، أَوْ عَنْ مَحَبَّةِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَّا شَقِيٌّ قَدْ خُطِيَ بِهِ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ، وَمَذْهَبُنَا فِيهِمْ أَنَّا نَقُولُ فِي الْخِلَافَةِ وَالتَّفْضِيلِ: أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عَلِيٌّ رضي الله عنهم.
وَيُقَالُ رَحِمَكُمُ اللَّهُ: أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ حُبُّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ إِلَّا فِي قُلُوبِ أَتْقِيَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رحمه الله: لَا يَجْتَمِعُ حُبُّ عُثْمَانَ وَعَلِيٌّ رضي الله عنهما إِلَّا فِي قُلُوبِ نُبَلَاءِ الرِّجَالِ.
وفيه (۱۲۲۸) عن الزهري قال: لا يجتمع حبُّ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي إلّا في قلوب أتقياء هذه الأمة.
وفي «أصول السُّنة» لابن أبي زَمَنِين (۱۸۹) قال أيوب السختياني: مَن أحب أبا بكر فقد أقام الدين. ومن أحبَّ عُمر فقد أوضح السبيل. ومن أحب عثمان استنار بنور الله عز وجل. ومن أحب عليًّا فقد أخذ بالعُروة الوثقى. ومن أحسن الثناء على أصحاب رسول الله ﷺ فقد برئ من النفاق. ومن ينتقص أحدًا منهم أو أبغضه لشيء كان منه فهو مبتدع مخالف للسنة والسلف الصالح، والخوف عليه أن لا يرفع له عمل إلى السماء حتى يحبهم جميعا ويكون قلبه لهم سليما. اهـ.
الحديث الحادي عشر في ذم سب الصحابة
٤٨ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ قال أَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ عَمْرٍو الْعُكْبَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ التَّيْمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل اخْتَارَنِي وَاخْتَارَ لِي أَصْحَابًا، فَجَعَلَ لِي مِنْهُمْ وُزَرَاءَ وَأَنْصَارًا وَأَصْهَارًا، فَمَنَ سَبَّهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا صَرْفًا وَلَا عَدْلًا».
٤٩ - قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: فَمَنْ سَمِعَ فَنَفَعَهَ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِالْعِلْمِ أَحَبَّهُمْ أَجْمَعِينَ: الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ وَأَصْهَارَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: مَنْ تَزَوَّجَ إِلَيْهِمْ، وَمَنْ زَوَّجَهُمْ، وَجَمِيعَ أَهْلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ، وَجَمِيعَ أَزْوَاجِهِ، وَاتَّقَى اللَّهَ الْكَرِيمَ فِيهِمْ، وَلَمْ يَسُبَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، وَإِذَا سَمِعَ أَحَدًا يَسُبُّ أَحَدًا مِنْهُمْ نَهَاهُ وَزَجَرَهُ وَنَصَحَهُ، فَإِنْ أَبَى هَجَرَهُ وَلَمْ يُجَالِسْهُ. فَمَنْ كَانَ عَلَى هَذَا مَذْهَبُهُ رَجَوْتُ لَهُ مِنَ اللَّهِ الْكَرِيمِ كُلَّ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
ص ٥٨٤
رواه حرب الكرماني في «المسائل» (١٤٢٢ / بتحقيقي)، وابن أبي عاصم في «السنة» (١٠٣٤)، واللالكائي (٢٣٤١).
قال ابن تيمية رحمه الله في «الصارم المسلول» (۳/ ۱۰۸۰): وهذا محفوظ بهذا الإسناد، وقد روى ابن ماجه بهذا الإسناد حديثًا، وقال أبو حاتم في محمد هذا محله الصدق، يكتب حديثه، ولا يحتج به على انفراده. ومعنى هذا الكلام: أنه يصلح للاعتبار بحديثه والاستشهاد به فإذا عضده آخر مثله جاز أن يحتج به، ولا يحتج به على انفراده. اهـ.
قلت: الحديث ضعفه البخاري في «التاريخ الكبير» (٥/ ٥٢٢).
عقد المُصنِّف رحمه الله في «الشريعة» أبوابًا في النهي عن سب الصحابة والتعرض بعيبهم والوقيعة فيهم، ومنها: (باب ذكر اللعنة على من سب أصحاب رسول الله ﷺ).
قال الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (٢/ ١٦٣): (إِمْلَاءُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ وَمَنَاقِبِهِمْ وَالنَّشْرُ لِمَحَاسِنِ أَعْمَالِهِمْ وَسَوَابِقِهِمْ): “إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اخْتَارَ لِنَبِيِّهِ أَعْوَانًا جَعَلَهُمْ أَفْضَلَ الْخَلْقِ وَأَقْوَاهُمْ إِيمانًا وَشَدَّ بِهِمْ أَزْرَ الدِّينِ وَأَظْهَرَ بِهِمْ كَلِمَةَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوْجَبَ لَهُمُ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ وَأَلْزَمَ أَهْلَ الْمِلَّةِ ذِكْرَهُمْ بِالْجَمِيلِ. فَخَالَفَتِ الرَّافِضَةُ أَمْرَ اللَّهِ فِيهِمْ وَعَمَدَتْ لِمَحْوِ مَآثِرِهِمْ وَمَسَاعِيهِمْ وَأَظْهَرَتِ الْبَرَاءَةَ مِنْهُمْ وَتَدَيَّنَتْ بِالسَّبِّ لَهُمْ ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ كَمَا رَامَ ذَلِكَ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَشْبَاهِهِمْ ﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [الصف: ٨] ﴿وَسَيَعْلَمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ [الشعراء: ٢٢٧] فَلَزِمَ النَاقِلِينَ لِلْأَخْبَارِ وَالْمُشَخْصَصِينَ بِحَمْلِ الْآثَارِ نَشْرَ مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ وَإِظْهَارِ مَنْزِلَتِهِمْ وَمَحَلِّهِمْ مِنَ الْإِسْلَامِ عِنْدَ ظُهُورِ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ وَالْخَطْبِ الْجَسِيمِ وَاسْتِعْلَاءِ الْحَائِدِينَ عَنْ سُلُوكِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال: ٤٢]” اهـ
الحديث الثاني عشر في الإيمان يزيد وينقص
٥٠ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنُ سُكَيْنٍ الْبَلْدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الْمَوْصِلِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ صَالِحٍ الْخُرَاسَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الرِّضَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى عَنْ أَبِيه مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الْإِيمَانُ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ، وَيَقِينٌ بِالْقَلْبِ».
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ:
٥١ - هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي الْإِيمَانِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل، لَا يُخَالِفُ هَذَا الْأَمْرَ إِلَّا مُرْجِئٌ خَبِيثٌ مَهْجُورٌ مَطْعُونٌ عَلَيْهِ فِي دِينِهِ.
ص ٥٨٦
رواه المُصنّف في «الشريعة» (٢٥٦). ورواه ابن ماجه (٦٥)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (١٠٧٥). وقد حكم على هذا الحديث بالوضع غير واحد من أهل العلم كالدارقطني، وابن تيمية، وابن القيم رحمهم الله وغيرهم.
قال ابن القيم الله في «تهذيب السنن» (٣/ ١٨٥): فهذا حديث موضوع ليس من كلام رسول الله ﷺ.. وفي الحق ما يُغني عن الباطل، ولو كنا ممن يحتج بالباطل ويستحله لروجنا هذا الحديث… ولكن نعوذ بالله من هذه الطريقة، كما نعوذ به من طريقة تضعيف الحديث الثابت وتعليله إذا خالف قول إمام معين، وبالله التوفيق. اهـ.
وفي الباب عن أنس، وأبي هريرة، وعائشة، ومعاذ، وابن عمر وغيرهم من الصحابة، ولا يصح منها شيء عن النبي ﷺ.
وهذا الحديث وإن لم يصح عن النبي ﷺ إلا أن إجماع أهل السنة انعقد عليه، فلا يقبل إيمان عبد إلا أن يؤمن بقلبه، وينطق بلسانه، ويعمل بجوارحه، فإن تخلّف من ذلك ركن من هذه الأركان الثلاثة رُدَّ إيمانه ولم يقبل.
اعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّهُ لَا تُجْزِئُ الْمَعْرِفَةُ بِالْقَلْبِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ إِيمَانٌ بِاللِّسَانِ، وَحَتَّى يَكُونَ مَعَهُ نُطْقٌ، وَلَا تُجْزِئُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَالنُّطْقِ بِاللِّسَانِ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ عَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ، فَإِذَا كَمُلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ الثَّلَاثَةُ كَانَ مُؤْمِنًا.
ص ٥٨٧
…
فَالْأَعْمَالُ بِالْجَوَارِحِ تَصْدِيقٌ عَن الْإِيمَانِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ فَمَنْ لَمْ يُصَدِّقِ الْإِيمَانَ بِعَمَلِهِ بِجَوَارِحِهِ مِثْلِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَأَشْبَاهٍ لِهَذِهِ، وَمَنْ رَضِيَ لِنَفْسِهِ بِالْمَعْرِفَةِ وَالْقَوْلِ دُونَ الْعَمَلِ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا، وَلَمْ تَنْفَعْهُ الْمَعْرِفَةُ وَالْقَوْلُ، وَكَانَ لِلْعَمَلِ تَكْذِيبًا مِنْهُ لِإِيمَانِهِ، وَكَانَ الْعِلْمُ بِمَا ذَكَرْنَا تَصْدِيقًا مِنْهُ لِإِيمَانِهِ، فَاعْلَمْ ذَلِكَ هَذَا مَذْهَبُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، فَمَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا فَهُوَ مُرْجِئٌ خَبِيثٌ، فاحْذَرْهُ عَلَى دِينِكَ.
ص ٥٨٩
وهذا الكلام من المُصنَّف رحمه الله صريح في نقل إجماع السلف الصالح على أن للإيمان ثلاثة أركان لا يصح إيمان عبد إلا باجتماعها فيه، وأنه متى ترك العبد واحدا منها فقد كفر وخرج من الدين ولم ينتفع بإيمانه البتة.
وقد عقد المصنف في «الشريعة» أبوابًا في تقرير رُكنية العمل في الإيمان والرد على المرجئة الذين يُصحّحون إيمان العبد دونه، ويرون العمل شرط کمال فيه. ومنها: (بَابُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِيمَانَ تَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ، وَإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا، إِلَّا أَنْ تَجْتَمِعَ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ الثَّلَاثُ)، وقال: اعْلمَوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّ الَّذِيَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْإِيمَانَ وَاجِبٌ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ، وَهُوَ تَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ، وَإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ، ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَا تُجْزِئُ الْمَعْرِفَةُ بِالْقَلْبِ وَالتَّصْدِيقٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ الْإِيمَانُ بِاللِّسَانِ نُطْقًا، وَلَا تُجْزِيءُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ، وَنُطْقٌ بِاللِّسَانِ، حَتَّى يَكُونَ عَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ، فَإِذَا كَمُلَتْ فِيهِ هَذِهِ الثَّلَاثُ الْخِصَالِ: كَانَ مُؤْمِنًا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْقُرْآنُ، وَالسُّنَّةُ، وَقَوْلُ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ. اهـ.
وعلى ذلك سار تلميذه ابن بطه رحمة الله في «الإبانة الكبرى» (۱۳۱۱)، فقال: (بَابُ بَيَانِ الْإِيمَانِ وَفَرْضِهِ وَأَنَّهُ تَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ وَإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ وَالْحَرَكَاتِ، لَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُؤْمِنًا إِلَّا بِهَذِهِ الثَّلَاثِ)، وقال:.. لَا تُجْزِئُ وَاحِدَةٌ مِنْ هَذِهِ إِلَّا بِصَاحِبَتِهَا، وَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُؤْمِنًا إِلَّا بِأَنْ يَجْمَعَهَا كُلَّهَا.. وقال: وَمَنْ قَالَ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ دِينِ الْحَقِّ وَلَا مُؤْمِنٌ وَلَا مُهْتَدٍ، وَلَا عَامِلٌ بِدِينٍ الْحَقِّ، وَلَا قَابِلٌ لَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ أَعْلَمَنَا أَنَّ كَمَالَ الدِّينِ بِإِكْمَالِ الْفَرَائِضِ.. إلخ.
وقال اللالكائي رحمة الله في «السُّنَّة» (١٥٩٣): قال الشافعي في كتاب «الأم» في (باب النية في الصلاة): كان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم أن الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر.
وقد توسعت في نقل كلام أهل السنة في تقرير هذه المسألة الكبيرة في كتاب «المدخل إلى الجامع في كتب الإيمان والرد على المرجئة». وبينت كذلك أن القائلين بأن العمل شرط كمال في الإيمان، وأنه يصح بدونه؛ إنما هو قول المرجئة ومن وافقهم وتأثر بهم من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين! وقد ذكرتهم بطبقاتهم وأسمائهم حتى يكون السُّنِّي منهم ومن أمثالهم على حذر، فاحذر! ولا تكن من الغافلين.
الحديث الثالث عشر في الفرق
٥٢ - حَدَّثَنَا الْآجُرِّيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْدَلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْر بْنُ زَنْجُويَهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ.
قَالَ الْآجُرِّيُّ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؛ تَفَرَّقَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، تَزِيدُ عَلَيْهِمْ وَاحِدَةٌ، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً» قَالُوا: مَنْ هَذِهِ الْمِلَّةُ الْوَاحِدَةُ؟ قَالَ: «مَا أَنَا عَلَيْهُ وَأَصْحَابِي».
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ:
٥٣ - فَالْمُؤْمِنُ الْعَاقِلُ يَجْتَهِدُ أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذِهِ الْمِلَّةِ النَّاجِيَةِ بِاتِّبَاعِهِ لِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل، وَسُنَنِ رَسُولِهِ ﷺ، وَسُنَنِ أَصْحَابِهِ رَحْمَةُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَسُنَنِ التَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَقَوْلِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمينَ مِمَّنْ لَا يُسْتَوْحَشُ مِنْ ذِكْرِهِمْ، مِثْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِي، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ، وَمَنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِهِمْ مِنَ الشِّيُوخِ، فَمَا أَنْكَرُوهُ أَنْكَرْنَاهُ، وَمَا قَبِلُوهُ وَقَالُوا بِهِ قَبِلْنَاهُ وَقُلْنَا بِهِ، وَنَبَذْنَا مَا سِوَى ذَلِكَ.
ص ٥٩١ - ٥٩٢
والحديث رواه الترمذي (٢٦٤١) من طريق سفيان الثوري، عن عبد الرحمن بن زياد الأفريقي، عن عبد الله بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وقال: هذا حديث مُفَسَّرٌ غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه. اهـ.
قال الإمام محمد بن أسلم الطوسي رَحِمَهُ اللهُ: حديث عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللهُ عنه خط لنا رسول الله ﷺ خطًا… وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي ﷺ: «إن بني إسرائيل افترقوا على اثنتين وسبعين ملة..»، فرجع الحديث إلى واحد، والسبيل الذي قال في حديث ابن مسعود، والذي قال: «ما أنا عليه وأصحابي»، فدين الله في سبيل واحد، فكل عمل أعمله أعرضي الله عنه على هذين الحديثين، فما وافقهما عملته، وما خالفهما تركته، ولو أن أهل العلم فعلوا لكانوا على أثر النبي ﷺ؛ ولكنهم فتَنَّهم حب الدنيا وشهوة المال، ولو كان في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما الذي قال: «كلها في النار إلا واحدة»، قال: (كلها في الجنة إلا واحدة)، لكان ينبغي أن يكون قد تبين علينا في
خشوعنا وهمومنا وجميع أمورنا خوفًا أن نكون من تلك الواحدة، فكيف وقد قال: «كلها في النار إلا واحدة». «الحلية» (٢٤٣/٩).
وهذا هو التقليد للسلف الصالح ولأئمة السنة الذي عناه غير واحد من علماء أهل السنة.
-
قال إسحاق بن راهويه رحمه الله: إنما نحن أصحاب اتباع وتقليد لأئمتنا وأسلافنا الماضين رحمهم الله، لا نحدث حدثًا ليس في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله، ولا قاله إمام. «السُّنة» للخلال (٢١٣٥/ بتحقيقي).
-
وقال البربهاري رحمه الله في (شرح السنة) (۹۳): واعلم أن الدين إنما هو بالتقليد، والتقليد لأصحاب محمد. وقال (١٤٤): فالله الله في نفسك، وعليك بالأثر، وأصحاب الأثر، والتقليد، فإن الدين إنما هو التقليد - يعني: للنبي، وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، ومن قبلنا لم يدعونا في لبس، فقلدهم واسترح، ولا تجاوز الأثر وأهل الأثر. اهـ.
-
وقال الدارمي رحمه الله في «النقض» (ص ٢٩٨): وَقَالَ شُرَيْحٌ وَابْنُ سِيرِينَ: «لَنْ نَضِلَّ مَا تَمَسَّكْنَا بِالأَثَرِ». وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «مَا الأَمْرُ إِلَّا الأَمْرُ الأَوَّلُ، لَوْ بَلَغَنَا أَنَّهُمْ لم يَغْسِلُوا إِلَّا الظُفُرَ مَا جَاوَزْنَاهُ، كَفَى إِزْراءً عَلَى قَوْمٍ أَنْ تَتَخَالَفَ أَعْمَالُهُمْ». فالِاقْتِدَاءُ بِالآثَارِ تَقْلِيدٌ! فَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ فِي دَعْوَى المَرِيسِيِّ أَنْ يَقْتَدِيَ الرَّجُلُ بِمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الفُقَهَاءِ، فَمَا مَوْضِعُ الِاتِّبَاعِ الَّذِي قَالَه الله تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ﴾ [التوبة: ١٠٠]؟ وَمَا يَصْنَعُ بِآثَارِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ، بَعْدَ أَنْ لَا يَسَعَ الرَّجُلُ اسْتِعْمَالَ شَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا مَا اسْتَنْبَطَهُ بِعَقْلِهِ فِي خِلَافِ الأَثَرِ؟ إِذًا بَطَلَتِ الآثَارُ وَذَهَبَتِ الأَخْبَارُ، وَحُرِّمَ طَلَبُ العِلْمِ عَلَى أَهْلِهِ، وَلَزِمَ النَّاسُ المَعْقُولَ، مِنْ كُفْرِ المَرِيسِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَالمُسْتَحِيلَاتِ مِنْ تَفَاسِيرِهِم… اهـ.
ومن أنكر التقليد بهذا المعنى فقد أراد إبطال اتباع السلف والاقتداء بهم، والاعتماد على الرأي والهوى، ولهذا اشتد إنكار أئمة السنة على أمثال هؤلاء، فقال حرب الكرماني رحمه الله في عقيدته التي نقل فيه إجماع العلماء (۸۹): ومن زعم أنه لا يرى التقليد، ولا يقلّد دينه أحدًا؛ فهو قول فاسق مبتدع، عدو الله ولرسوله، ولدينه، ولكتابه، ولسنة نبيه عليه الصلاة والسلام. إنما يريد بذلك إبطال الأثر، وتعطيل العلم، وإطفاء السنة، والتفرد بالرأي، والكلام، والبدعة، والخلافِ، فعلى قائل هذا القول لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين. اهـ.
وعقد ابن بطة رحمه الله في الإبانة الكبرى بابًا في حديث الافتراق، فقال: (۷) - بَابُ ذِكْرِ افْتِرَاقِ الْأُمَمِ فِي دِينِهِمْ وَعَلَى كَمْ تَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ وَإِخْبَارُ النَّبِيِّ ﷺ لَنَا بِذَلِكَ). وقد ذكر أثرًا فيه تسمية بعض الفرق والمذاهب التي ستفترق عليها هذه
الأمة، ثم بين أن حصرهم لا يمكن، ولكن ذكر ضابطا حسنًا مهما في معرفة فرق الضلالة، فقال: الْإِحَاطَةَ بِهِمْ لَا يُقْدَرُ عَلَيْهَا، وَالتَّقَصِّي لِلْعِلْمِ بِهِمْ لَا يُدْرَكُ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ خَالَفَ الْجَادَّةَ، وَعَدَلَ عَنِ الْمَحَجَّةِ، وَاعْتَمَدَ مِنْ دِينِهِ عَلَى مَا يَسْتَحْسِنُهُ فَيَرَاهُ، وَمِنْ مَذْهَبِهِ عَلَى مَا يَخْتَارُهُ وَيَهْوَاهُ عُدِمَ الِاتِّفَاقَ وَالِائْتِلَافَ، وَكَثُرَ عَلَيْهِ أَهْلُهَا لِمُبَايَنَةِ الِاخْتِلَافِ، لِأَنَّ الَّذِي خَالَفَ بَيْنَ النَّاسِ فِي مَنَاظِرِهِمْ، وَهَيْئَاتِهِمْ، وَأَجْسَامِهِمْ، وَأَلْوَانِهِمْ، وَلُغَاتِهِمْ، وَأَصْوَاتِهِمْ، وَحُظُوظِهِمْ، كَذَلِكَ خَالَفَ بَيْنَهُمْ فِي عُقُولِهِمْ، وَآرَائِهِمْ، وَأَهْوَائِهِمْ، وَإِرَادَاتِهِمْ، وَاخْتِيَارَاتِهِمْ، وَشَهْوَاتِهِمْ، فَإِنَّكَ لَا تَكَادُ تَرَى رَجُلَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ اجْتَمَعَا جَمِيعًا فِي الِاخْتِيَارِ وَالْإِرَادَةِ، حَتَّى يَخْتَارَ أَحَدُهُمَا مَا يَخْتَارُهُ الْآخَرُ، وَيُرْذِلَ مَا يُرْذِلُهُ إِلَّا مَنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الِاتِّبَاعِ - وَاقْتَفَى الْأَثَرَ - وَالِانْقِيَادِ لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالطَّاعَةِ الدِّيَانِيَّةِ، فَإِنَّ أُولَئِكَ مِنْ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ شَرِبُوا، فَعَلَيْهَا يَرِدُونَ، وَعَنْهَا يَصْدُرُونَ قَدْ وَافَقَ الْخَلَفُ الْغَابِرُ لِلسَّلَفِ الصَّادِرِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ:
فَقَدْ بَيَّنْتُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ حَدِيثًا مِنْ عُلُومِ الدِّينِ مَا يَنْبَغِي لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ وَلَا يَجْهَلَ عَنْ أَمْرِ دِينِهِ فَيَزِيغَ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ إِذْ كَانَ دَيْنُ الْإِنْسَانِ هُوَ رَأْسُ مَالِهِ.
٥٥ - قَالَ الْحَسَنُ رحمه الله: رَأْسُ مَالِ الْمُسْلِمِ دِينُهُ، حَيْثُ مَا زَالَ زَالَ مَعَهُ، لَا يُخَلِّفُهُ فِي الرِّحَالِ، وَلَا يَأْتَمِنُ عَلَيْهِ الرِّجَالَ.
ص ٥٩٥
الحديث الرابع عشر في الوضوء
٥٦ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْمِصْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْغَزِّي قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَرَابةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ حَوَارِيٍّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً فَقَالَ: «هَذَا وَظِيفَةُ الْوُضُوءِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عز وجل صَلَاةَ إِلَّا بِهِ»، ثُمَّ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ: «هَذَا وُضُوءُ مَنْ تَوَضَّأَهُ أَعْطَاهُ اللَّهُ عز وجل كِفْلَيْنِ مِنَ الْأَجْرِ»، ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا وُضُوئِي، وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي».
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ (٤٢٠)، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي «الضُّعَفَاءِ» (٢/ ٢٨٨) فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَرَادَةَ، وَقَالَ: يُخَالِفُ فِي حَدِيثِهِ، وَيُهِمُ كَثِيرًا، ثُمَّ سَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ بِسَنَدِهِ، وَقَالَ: فِيهِ نَظَرٌ. اهـ. وَفِي «الْفَتْحِ» (٢٣٣/١): حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلَهُ طُرُقٌ
أُخْرَى كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ. اهـ. وَانْظُرْ: «الْعِلَلَ» لِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ (١٠٠).
وقال الترمذي بإثر حديث علي برقم (٤٤): والعمل على هذا عند عامة أهل العلم أن الوضوء يجزئ مرَّةً مرَّةً، ومرتين أفضل، وأفضله ثلاث، وليس بعده شيء.
وقال ابن المبارك: لا آمن إذا زاد في الوضوء على الثلاث أن يأثم.
وقال أحمد وإسحاق: لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلي. اهـ.
قال ابن المنذر في «الأوسط» (٥٧/٢): أكره الزيادة على الثلاث لحديث رويناه عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ. اهـ.
الحديث الخامس عشر في كيفية الوضوء
٥٨ - حَدَّثَنَا الْآجُرِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ قَالَ: “أَتَيْنَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَقَدْ صَلَّى فَدَعَا بِالطَّهُورِ، فَقُلْنَا: مَا يَصْنَعُ بِهِ وَقَدْ صَلَّى، مَا يُرِيدُ إِلَّا لِيُعَلِّمَنَا.
قَالَ: «فَأتي بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وطِسْتٍ»، فَأَفْرَغَ مِنَ الْإِنَاءِ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثًا، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا مِنَ الْكَفِّ الَّذِي يَأْخُذُ بِهِ الْمَاءَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى ثَلَاثًا، يَعْنِي إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا، وَرِجْلَهُ الْيُسْرَى ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَهُوَ هَذَا».
ص ٥٩٨
رواه أحمد (۱۱۳۳)، وأبو داود (۱۱۱) و(۱۱۲). ورواه الترمذي (٤٤) مختصرًا، وقال: وفي الباب عن عثمان، وعائشة، والربيع، وابن عمر، وأبي أمامة، وأبي رافع، وعبد الله بن عمرو، ومعاوية، وأبي هريرة، وجابر، وعبد الله بن زيد، وأبي ﷺ. حديث علي ﷺ أحسن شيء في هذا الباب وأصح. اهـ.
الحديث السادس عشر في غسل الجنابة
٥٩ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ قال حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الدُّولَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنْ خَالَتُهُ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: وَضَعَتُ لِلنَّبِيِّ ﷺ غُسْلًا فَاغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَأكَفَأَ الْإِنَاءَ بِشِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى فَرْجِهِ فَغَسَلَهُ، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ عَلَى الْحَائِطِ، أَوْ عَلَى الْأَرْضِ فَدَلَكَهَا، ثُمَّ مَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ، وَذِرَاعَيْهِ، وَأَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ الْمَاءَ، ثُمَّ تَنَحَّى ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ قَالَتْ: فَأَتَيْتُهُ بِثَوْبٍ فَقَالَ هَكَذَا، فَنَفَضَ وَكِيعٌ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا.
ص ٥٩٩
رواه أحمد (٢٦٧٩٨ و ٢٦٨٥٦)، والبخاري (٢٥٩ و ٢٦٥ و ٢٦٦ و ٢٨١)، ومسلم (۳۱۷).
الحديث السابع عشر في الصلاة
٦٠ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الْجَوْزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَوَّامِ الْقَطَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، وَأَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ، كِلَاهُمَا عَنْ خُلَيْدٍ الْعَصَرِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ إِيمَانٍ دَخَلَ الْجَنَّةِ: مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ: عَلَى وُضُوئِهِنَّ، وَرُكُوعِهِنَّ، وسجودهِنَّ، وَمَوَاقِيتِهِنَّ، وَأَعْطَى الزَّكَاةَ مَعَ طِيبِ النَّفْسِ بِهَا» قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ: «وَايْمُ اللَّهِ، لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَصَامَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ»، قَالُوا: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، مَا أَدَاءُ الْأَمَانَةِ؟ قَالَ: الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل لَمْ يَأْمَنِ ابْنَ آدَمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمَرِ دِينِهِ غَيْرَهَا.
ص ٦٠٠
رواه أبو داود (٤٢٩)، والعقيلي في «الضعفاء» (۱۲۳/۳) في ترجمة: عبيد الله بن عبد المجيد أبو علي الحنفي. قال ابن معين: ليس بشيء. وأسند له العقيلي هذا الحديث، وقال: لا يتابع عليه. اهـ.
الحديث الثامن عشر في كيفية الصلاة
٦٢ - أَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْعَامِرِيِّ قَالَ: “كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَتَذَاكَرُوا صَلَاتَهُ، فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ: «أَنَا أُعَلِّمُكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَكَانَتْ مِنْ هِمَّتِي. رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ ثُمَّ قَرَأَ، فَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ كَفَّيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، غَيْرَ مُقْنِعٍ رَأْسَهُ وَلَا صَافِحٍ».
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: يَعْنِي غَيْرَ مُقْنِعٍ: لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ فِي رُكُوعِهِ عَلَى ظَهْرِهِ، فَلَا صَافَّةً لَا يُصَوِّبُهُ، وَلَكِنْ يَمُدُّ ظَهْرَهُ وَرَأْسَهُ فَيَكُونَ مُسْتَوِيًا كُلَّهُ، ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى الْحَدِيثِ:
قَالَ: «فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اعْتَدَلَ قَائِمًا حَتَّى يَعُودَ كُلُّ عُضْو مِنْهُ مَكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ أَمْكَنَ الْأَرْضَ مِنْ جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ وَكَفَّيْهِ وَمَنْ رُكْبَتَيْهِ وَصُدُورِ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ اطْمَأَنَّ سَاجِدًا، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اطْمَأَنَّ جَالِسًا، فَإِذَا قَعَدَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَعَدَ عَلَى بَطْنِ قَدَمِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى، فَإِذَا كَانَتِ الرَّابِعَةُ أَفْضَى بِوَرِكِهِ الْيُسْرَى إِلَى الْأَرْضِ، وَأَخْرَجَ قَدَمَيْهِ مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ».
ص ٦٠٢
رواه أحمد (23599)، والبخاري (828)، وأبو داود (731)، والترمذي(304)، بألفاظ قريبة منه.
الحديث الثامن عشر في كيفية الصلاة
٦٣ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ قال حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ وَكَانَ بَدْرِيًّا قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ، فَقَامَ نَاحِيَةَ الْمَسْجِدِ فَصَلَّى، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَرْمُقُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ عليه السلام ثُمَّ قَالَ لَهُ: ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» قَالَ: لَا أَدْرِي فِي الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ: وَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابِ لَقَدِ جَهِدْتُ وَحَرَصْتُ، فَعَلِّمْنِي وَأَرِنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِذَا أَرَدْتَ الصَّلَاةَ فَتَوَضَّأْ فَأَحْسِنِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قُمْ فَاسْتَقْبَلِ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ كَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ قَاعِدًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، فَإِذَا صَنَعْتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ، وَمَا انْتَقَصَتْ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا نَقَصْتَهُ مِنْ صَلَاتِكِ».
رواه أحمد (١٨٩٩٧)، وأبو داود (٨٥٨)، والترمذي (٣٠٢)، وقال: حديث رفاعة بن رافع حديث حسن، وقد روي عن رفاعة هذا الحديث من غير وجه. اهـ.
قلت: قد وقع في إسناد هذا الحديث اختلاف كثير، ولكن يشهد لصحته حديث أبي هريرة في الصحيحين، وهو المشهور بحديث المسيء لصلاته.
الحديث العشرون في إسباغ الوضوء
٦٤ - حَدَّثَنَا الْآجُرِّيُّ قال حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَةُ بْنُ الْأَحْنَفِ الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَّامٍ الْأَسْوَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِأَصْحَابِهِ ثُمَّ جَلَسَ فِي عِصَابَةٍ مِنْهُمْ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَقَامَ يُصَلِّي، فَجَعَلَ لَا يَرْكَعُ وَيَنْقُرُ فِي سُجُودِهِ، وَالنَّبِيُّ ﷺ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: «تَرَوْنَ هَذَا لَوْ مَاتَ عَلَى هَذَا لَمَاتَ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ؟ نَقَرَ صَلَاتَهُ كَمَا يَنْقُرُ الْغُرَابُ الدَّمَ. مَثَلُ الَّذِي يُصَلَّى وَلَا يَرْكَعُ، وَيَنْقُرُ فِي سُجُودِهِ كَالْجَائِعِ لَا يَأْكُلُ إِلَّا تَمْرَةً أَوْ تَمْرَتَيْنِ فَمَا تُغَنِّيَانِ عَنْهُ، فَأَسْبِغُوا الْوُضُوءَ، وَوَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، وَأَتَمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ» قَالَ أَبُو صَالِحٍ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيِّ: مَنْ حَدَّثَكَ هَذَا الْحَدِيثَ؟ فَقَالَ: أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَشُرَحْبِيلُ ابْنُ حَسَنَةَ، كُلُّ هَؤُلَاءِ سَمِعُوا النَّبِيَّ ﷺ.
ص ٦٠٦
رواه أبو يعلى (٧١٨٤) و (۷۳٥۰)، وابن خزيمة في «صحيحه» (٦٦٥).وفي إسناده: شيبة بن الأحنف، ترجم له البخاري في «تاريخه الكبير» (٢٦٦٧)، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (١٤٧٩) ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلا.
وألفاظ الحديث له شواهد تدلُّ على صحته، ومنها: حديث المسيء لصلاته.
وما رواه البخاري (۷۹۱) عن أبي وائل عن حذيفة أنه رأى رجلاً لا يتم ركوعه ولا سجوده، فلما قضى صلاته، قال له حذيفة: ما صليت.
الحديث الحادي والعشرون في فضل الصلاة
٦٥ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآجُرِّيُّ قال حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، أَنَّهُ لَقِيَ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ حِينَ حَدَّثَ شُرَحْبِيلَ بْنَ السِّمْطِ، وَأَصْحَابَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ رَمَى سَهْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَلَغَ أَخْطَأَ أَوْ أَصَابَ كَانَ سَهْمُهُ ذَلِكَ لُّهُ كَعَدْلِ رَقَبَةٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَمَنْ خَرَجْتْ بِهِ شَيْبَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ عَتَقَ رَقَبَةً مَسْلَمَةً كَانَتْ لَهُ فِكَاكُهُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، وَمَنْ قَامَ إِلَى الْوُضُوءِ يَرَاهُ حَقًّا عَلَيْهِ، فَمَضْمَضَ فَاهُ غَفَرْتُ لَهُ ذُنُوبَهُ مَعَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ طَهُورِهِ، فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ فَمِثْلُ ذَلِكَ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ فَمِثْلُ ذَلِكَ، فَإِذَا مَسَحَ رَأْسَهُ فَمِثْلُ ذَلِكَ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ فَمِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ جَلَسَ جَلَسَ سَالِمًا، وَإِنْ صَلَّى تُقُبِّلَ مِنْهُ».
قَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: فَحَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ كَمَا سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ:
٦٦ - قَدْ ذَكَرْتُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ عِلْمِ الطَّهَارَةِ وَعِلْمِ الصَّلَاةِ وَفَضْلِ الطَّهَارَةِ، مِمَّا فِيهِ عِلْمٌ كَثِيرٌ وَيَبْعَثُ الْعُقَلَاءَ عَلَى طَلَبِ عَلِمِ الزِّيَادَةِ مِنْ عِلْمِ مَا ذَكَرْتُ مِمَّا لَابُدَّ مِنْ عِلْمِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ، وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَنْبِيهٌ لِقُلُوبِ الْعُقَلَاءِ لِيَزْدَادُوا بَصِيرَةً فِي دِينِهِمْ وَحُسْنَ عِبَادَةٍ لِرَبِّهِمْ لِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَحَارِمِهِ كَمَا أُمِرُوا، لَا كَمَا يُرِيدُونَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَاعْلَمْ ذَلِكَ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِذَلِكَ.
ص ٦٠٧
رواه ابن بشران في «أماليه (۱۹) من طريق المصنف. ورواه أحمد (۱۷۰۲۰ - ۱۷۰۲۷ و ۱۷۰۲۱)، وأبو داود (٣٩٦٦)، والنسائي
في «الكبرى» (٤٣٣٥)، وعبد الرزاق (١٥٤ و ٩٥٤٤)، وعبد بن حميد (۳۰۲). وروي هذا الحديث من طرق كثيرة، وله شواهد تدل على صحته، ومنها:
- ما رواه الترمذي (١٦٣٨) مختصرًا من هذا الحديث بلفظ: «من رمى بسهم في سبيل الله فهو له عدل محرر»، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
- وما رواه البخاري (٦٧١٥) عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: «من أعتق رقبة مسلمة، أعتق الله بكل عضو منه عضوًا من النار، حتى فرجه بفرجه».
- و ما رواه ابن حبان في «صحيحه» (۲۹۳۸) عن عمر رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ: «من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورًا يوم القيامة».
- وما رواه مسلم (٢٤٤) عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: «إذا توضأ العبد المسلم - أو المؤمن - فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء - أو مع آخر قطر الماء،…..».
الحديث الثاني والعشرون في الإيمان يزيد وينقص
٦٧ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَرْوَزِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ تَوَضَّأَ كَمَا أُمِرَ، وَصَلَّى كَمَا أُمِرَ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَمَلٍ»، أَكَذَلِكَ يَا عُقْبَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
ص ٦٠٩
رواه أبو محمد البرزالي في «مشيخة أبي بكر ابن عبد الدائم» (۷۱) من طريق المصنف. ورواه أحمد (٢٣٥٩٥)، والنسائي في «الكبرى» (۱۳۹)، وابن ماجه (١٣٩٦)، وابن حبان في «صحيحه» (١٠٤٢).
وفي «صحيح مسلم» (۲۳۲) عن حمران مولى عثمان، قال: توضأ عثمان بن عفان رضي الله عنه، يوما وضوءًا حسنًا، ثم قال: رأيت رسول الله ﷺ توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: «من توضأ هكذا، ثم خرج إلى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة، غفر له ما خلا من ذنبه».
وفي لفظ: «من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة، فصلاها مع الناس، أو مع الجماعة، أو في المسجد؛ غفر الله له ذنوبه».
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ:
٦٨ - فَمَنَ تَوَضَّأَ بِعِلْمٍ، وَاغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ بِعِلْمٍ، وَصَلَّى الصَّلَوَاتِ بِعِلْمٍ كَانَ فَضْلُهُ عَظِيمًا. وَمَنْ تَهَاوَنَ بِذَلِكَ وَتَوَضَّأَ كَمَا يُرِيدُ وَصَلَّى كَمَا يُرِيدُ بِغَيْرِ عِلْمٍ تَقَدَّمَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، مُصِيبَةٌ فِيهِ عَظِيمَةٌ.
ص ٦٠٩
الحديث الثالث والعشرون في الزكاة
٦٩ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ لَهُ مَالٌ لَمْ يُعْطِ حَقَّ اللَّهِ تبارك وتعالى مِنْهُ إِلَّا جَعَلَهُ اللَّهُ عز وجل شُجَاعًا أقَرْعً عَلَى صَاحِبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَهُ زَبِيبَتَانِ، ثُمَّ يَنْهَشُهُ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ، فَيَقُولُ: مَا لِي وَلَكَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ الَّذِي جَمَعْتَ لِهَذَا الْيَوْمِ قَالَ: فَيَضَعُ يَدَهُ فِي فِيهِ فَيَقْضِمُهَا» (١).
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ:
٧٠ - هَذَا رَحِمَكُمُ اللَّهُ إِنَّمَا هُوَ مَالٌ لَا يُؤَدَّى زَكَاتُهُ،
فَأَمَّا مَالٌ يُؤَدَّى مِنْهُ الزَّكَاةُ، طَيِّبُ الْمَكْسَبِ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ إِنْ أَنْفَقَ صَاحِبُهُ مِنْهُ أَنْفَقَ طَيِّبًا وَإِنْ خَلَّفَهُ بَعْدَهُ خَلَّفَ مَالًا طَيِّبًا مُبَارَكًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ» (٢).
ص ٦١١ - ٦١٢
(١) رواه أحمد (٨٦٦١ و ١٠٣٤٤)، والبخاري (١٤٠٣)، ومسلم (٩٨٨).
(٢) رواه أحمد (۱۷۷٦۳)، والبخاري في الأدب المفرد» (۲۹۹) من حديث عمرو بن العاص به، وهو حديث صحيح.
الحديث الرابع والعشرون في الصدقة
٧١ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ لِي: «هُمُ الْأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ».
قَالَ: فَجِئْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَيْهِ فَلَمْ أَتَقَارَّ أَنْ قُمْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، مَنْ هُمْ؟
قَالَ: «هُمُ الْأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا، إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا، مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَمَنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ»،
ثُمَّ قَالَ: «مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ، وَلَا بَقَرٍ، وَلَا غَنْمٍ، لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا، إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا كَانَتْ وَأَسْمَنَهُ، حَتَّى تَنْطَحَهُ بِقُرُونِهَا، وَتَطَأَهُ بِأَخْفَافِهَا، كُلَّمَا نَفِدَتْ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا عَادَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنَ الْخَلَائِقِ أَوِ النَّاسِ».
رواه أحمد (۲۱۳٥۱) و (۲۱٤۹۱)، والبخاري (٦٦۳۸)، ومسلم (۹۹۰).
الحديث الخامس والعشرون في صدقة الثمار
٧٢ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ الْمِصْرِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى الْمَازِنِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ».
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ:
٧٣ - مَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ»: يَعْنِي لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ صَدَقَةٌ، وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَهَذَا إِجْمَاعٌ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِذَا تَمَّتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ وَقْتِ تَمَّتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَجَبَ فِيهَا رُبْعُ الْعُشْرِ وَهُوَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ.
ص ٦١٤
رواه أحمد (۱۱۰۳۰)، والبخاري (١٤٠٥)، ومسلم (٩٨٠).
الحديث السادس والعشرون في زكاة الماشية
٧٤ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَتَبَ كِتَابَ الصَّدَقَةِ فَلَمْ يُخْرِجْهُ إِلَى عُمَّالِهِ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ، فَلَمَّا قُبِضَ عَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه حَتَّى قُبِضَ، ثُمَّ عَمِلَ بِهِ عُمَرُ رضي الله عنه حَتَّى قُبِضَ، فَكَانَ فِيهِ: «فِي خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ شَاةٌ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، فَإِذَا زَادَتْ فَفِيهَا ابْنَةُ لَبُونٍ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ فَفِيهَا حِقَّةٌ إِلَى سِتِّينَ، فَإِذَا زَادَتْ فَجَذَعَةٌ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ فِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ إِلَى تِسْعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ فَفِيهَا حِقَّتَانِ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، وَفِي الشَّاءِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ فَشَاتَانِ إِلَى مِائَتَيْنِ، فَإِذَا زَادَتْ شَاةً فَثَلَاثُ شِيَاهٍ إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ، وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ الْمِائَةَ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ مَخَافَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنَ الْبَطْنَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَيْبٍ». وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: «إِذَا جَاءَ الْمُصَدِّقُ قُسِمَتِ الشَّاءُ أَثْلَاثًا: ثُلُثٌ خِيَارٌ، وَثُلُثٌ أَوْسَاطٌ، وَثُلُثٌ شِرَارٌ، فَيَأْخُذَ الْمُصَدِّقُ مِنَ الْوَسَطِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الزُّهْرِيُّ الْبَقَرَ».
ص ٦١٦
رواه أحمد (٤٦٣٢ - ٤٦٣٤)، وأبو داود (١٥٦٨)، والترمذي (٦٢١)، وقال: وفي الباب عن أبي بكر الصديق، وبهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده وأبي ذر، وأنس.
حديث ابن عمر حديث حسن، والعمل على هذا الحديث عند عامة الفقهاء. اهـ..
ورواه أبو داود (١٥٧٠) عن ابن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: هذه نسخة كتاب رسول الله ﷺ الذي كتبه في الصدقة، وهي عند آل عمر بن الخطاب .
قال ابن شهاب: أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر، فوعيتها على وجهها، وهي التي انتسخ عُمَرُ بن عبد العزيز من عبد الله بن عبد الله بن عمر وسالم بن عبد الله بن عمر، فذكر الحديث. اهـ.
والحديث مروي من طرق كثيرة، وهو حديث صحيح.
الحديث السابع والعشرون في فضل رمضان
٧٧ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
رواه أحمد (٩٤٤٥)، والبخاري (١٩٠١ و ٢٠١٤)، ومسلم (٧٦٠).
الحديث الثامن والعشرون في الصوم
٧٩ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ،: حَدَّثَنِي عَمِّي الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: ١٨٤]
قَالَ: «كَانَ الصَّوْمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ،
وَهَذَا الصَّوْمُ الْأَوَّلُ مِنَ الْعَتَمَةِ، فَمَنْ صَلَّى الْعَتَمَةَ حُرِّمَ عَلَيْهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالْجِمَاعُ إِلَى الْقَائِلَةِ، وَجَعَلَ اللَّهُ فِي هَذَا الصَّوْمِ الْأَوَّلِ فِدْيَةً طَعَامَ مِسْكِينٍ، فَمَنْ شَاءَ مِنْ مُسَافِرٍ أَوْ مُقِيمٍ أَنْ يُطْعِمَ مِسْكِينًا وَيُفْطِرَ، كَانَ ذَلِكَ رُخْصَةً لَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِي الصَّوْمِ الْآخَرِ إِحْلَالَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَإِحْلَالَ النِّكَاحِ بِاللَّيْلِ إِلَى الصَّبَاحِ الَّذِي كَانَ اللَّهُ عز وجل حَرَّمَ مِنَ الصَّوْمِ الْأَوَّلِ وَأَنْزَلَ فِي الصَّوْمِ الْأَخِيرِ: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٤]، فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ عز وجل فِي الصَّوْمِ الْآخَرِ فِدْيَةً طَعَامَ مِسْكِينٍ، فَنُسِخَتِ الْفِدْيَةُ، وَبَيَّنَهَا فِي الصَّوْمِ الْآخَرِ بِقَوْلِهِ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] وَهُوَ الْإِفْطَارُ فِي السَّفَرِ، وَجَعَلَهُ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ،
وَقَوْلُهُ عز وجل: ﴿» عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] كَانَ النَّاسُ أَوَّلَ مَا أَسْلَمُوا إِذَا صَامَ أَحَدُهُمْ يَصُومُ يَوْمَهُ حَتَّى إِذَا أَمْسَى طَعِمَ مِنَ الطَّعَامِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَتَمَةِ حَتَّى إِذَا صُلَّيَتِ الْعَتَمَةُ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الطَّعَامَ حَتَّى يُمْسِيَ مِنَ اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ، وَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بَيْنَا هُوَ قَائِمٌ إِذْ سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ فَأَتَى أَهْلَهُ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، فَلَمَّا اغْتَسَلَ أَخَذَ يَبْكِي وَيَلُومُ نَفْسَهُ كَأَشَدِّ مَا رَأَيْتُ مِنَ الْمَلَامَةِ، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَى اللَّهِ عز وجل ثُمَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِي هَذِهِ الْخَاطِئَةِ، فَإِنَّهَا زَيَّنَتْ لِي مُوَاقَعَةَ أَهْلِي، فَهَلْ تَجِدُ لِي مِنْ رُخْصَةٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «لَمْ تَكُنْ حَقِيقًا بِذَلِكَ يَا عُمَرُ»،
فَلَمَّا بَلَغَ عُمَرُ بَيْتَهُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأَتَاهُ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل عَذَرَهُ فِي آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَأَمَرَ اللَّهُ عز وجل رَسُولَهُ ﷺ أَنْ يَضَعَهَا فِي الْمِائَةِ الْوُسْطَى مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ، هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ، وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ، عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] يَعْنِي بِذَلِكَ الَّذِي فَعَلَ عُمَرُ.
ص ٦٢٢
رواه الطبري في «تفسيره» (٣/ ١٥٧) مختصرا.
قال ابن القيم رحمه الله كما في «مختصر الصواعق» (ص ٤٨٨): وهذا إسناد معروف يروي به ابن جرير وابن أبي حاتم، وعبد بن حميد، وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنه، وهو إسناد متداول بين أهل العلم، وهم ثقات. اهـ.
الحديث التاسع والعشرون في رؤية الهلال
٨١ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ»
قَالَ نَافِعٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِذَا مَضَى مِنْ شَعْبَانَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ بَعَثَ مَنْ يَنْظُرُ الْهِلَالَ، فَإِنْ رُؤِيَ فَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُرَ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلَا قَتَرٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرٌ أَصْبَحَ صَائِمًا.
وَحَدَّثَنَا الْآجُرِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْدَلَانِي قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الْمَرْوَزِيُّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: «الْهِلَالُ إِذَا حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ غَيْمٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَقِدَ مِنَ اللَّيْلِ أَنَّهُ يُصْبِحُ صَائِمًا، لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مِنْ رَمَضَانَ هُوَ أَوْ مِنْ شَعْبَانَ؟
قَالَ: وَكَذَا رُوِيَ أَنَّهُ لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَجْمَعِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَعْتَقِدَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ، ذَهَبَ إِلَى تَقْلِيدِ ابْنِ عُمَرَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْمَرْوَزِيُّ: فَقُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: أَلَيْسَ قَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الشَّكِّ؟ قَالَ: هَذَا إِذَا كَانَ صَحْوًا، وَأَمَّا إِذَا كَانَ فِي السَّمَاءِ قَتَرٌ أَوْ قَالَ: غَيْمٌ، يُصَامُ عَلَى فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ».
ص ٦٢٥ - ٦٢٦
رَوَاهُ أَحْمَدُ (٤٤٨٨)، وَأَبُو دَاوُدَ (٢٣٢٠). وَرَوَى الْحَدِيثَ الْبُخَارِيُّ (١٩٠٦)، وَمُسْلِمٌ (١٠٨٠)، وَلَمْ يَذْكُرَا فِعْلَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
اختلف أهل العلم في حكم صيام آخر يوم من شهر شعبان إذا صادف يوم غيم، وهذا الاختلاف وقع بسبب اختلافهم في هذا اليوم هل هو يوم الشك أم لا؟
فمذهب الحنابلة على وجوب صيام هذا اليوم من باب الاحتياط لصيام الفرض، ولا يدخل هذا اليوم عندهم في يوم الشك الذي نهى النبي ﷺ عن صيامه؛ فإن يوم الشك الذي نهى النبي ﷺ عن صيامه هو يوم الصحو الذي لا غيم فيه.
وقد طال الكلام في هذه المسألة، وصنفوا فيها المصنفات الكثيرة، ومنها: «درء اللوم والضيم في صوم يوم الغيم» لابن الجوزي. وتحقيق الرجحان بصوم يوم الشك من رمضان لمرعي الكرمي المقدسي.
قال ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» (٢/ ٣٧): وكان إذا حال ليلة الثلاثين دون منظره غيم أو سحاب أكمل عدة شعبان ثلاثين يوما ثم صامه. ولم يكن يصوم يوم الإغمام ولا أمر به، بل أمر بأن تكمل عدة شعبان ثلاثين إذا غُمَّ، وكان يفعل كذلك، فهذا فعله وهذا أمره، ولا يناقض هذا قوله: «فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له»، فإن القدر هو الحساب المقدر، والمراد به: الإكمال كما قال: «فأكملوا العدة»، والمراد بالإكمال إكمال عدة الشهر الذي غُمَّ، كما قال في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري: «فأكملوا عدة شعبان»…
والدليل على أن يوم الإغمام داخل في هذا النهي حديث ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه: «لا تصوموا قبل رمضان، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حالت دونه غمامة فأكملوا ثلاثين». ذكره ابن حبان في صحيحه.
فهذا صريح في أن صوم يوم الإغمام من غير رؤية ولا إكمال ثلاثين صوم قبل رمضان.
وقال: «لا تقدموا الشهر إلا أن تروا الهلال أو تكملوا العدة، ولا تفطروا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة… وقال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدة ثلاثين، ولا تستقبلوا الشهر استقبالا». قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وكل هذه الأحاديث صحيحة، فبعضها في الصحيحين، وبعضها في صحيح ابن حبان والحاكم وغيرهما، وإن كان قد أعل بعضها بما لا يقدح في صحة الاستدلال بمجموعها، وتفسير بعضها ببعض، واعتبار بعضها ببعض، وكلها يصدق بعضها بعضًا، والمراد منها متفق عليه. اهـ.
الحديث الثلاثون في تعجيل الحج
٨٤ - حَدَّثَنَا الْآجُرِّيُّ قَالَ: حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْأَشَجُّ قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْرَائِيلَ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ، أَوْ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيُعَجِّلْ، فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ، وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ».
رواه أحمد (۱۸۳٤ و ٣٣٤٠)، وابن ماجه (۲۸۸۳)، من طريق وكيع. ورواه أحمد (۲۸٦۷) من طريق الثوري. وللحديث طرق لا يصح منها شيء.
الحديث الحادي الثلاثون في الحث على الحج
٨٦ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْجَوَارِبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنِ ابْنِ سَابِطٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ الْحَجِّ حَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَلَا مَرَضٌ حَابِسٌ، وَلَا سُلْطَانٌ جَائِرٌ، فَمَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ، فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا، وَإِنْ شَاءَ نَصْرَانِيًّا».
…
٨٨ - وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ وَهُوَ يَجِدُ سَعَةً فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا، وَإِنْ شَاءَ نَصْرَانِيًّا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبْعَثَ رِجَالًا إِلَى الْأَمْصَارِ فَيَنْظُرُونَ مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يَحُجَّ أَنْ يَضْرِبُوا عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ، وَاللَّهِ مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ، وَاللَّهِ مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ».
ص ٦٣٠
رواه الدارمي (١٩١٣)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٤/ ٣٣٤)، وقال: وهذا وإن كان إسناده غير قوي، فله شاهد من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه. اهـ.
ورواه ابن أبي شيبة (١٤٦٦٥)، وأحمد في «الإيمان» (٤١٦)، والعدني في «الإيمان» (۳۷) كلاهما بتحقيقي، عن ابن سابط عن النبي ﷺ، وإسناده مرسل.
وروى أحمد في «الإيمان» (٤١٦)، وابن أبي شيبة (١٤٦٧٠) نحوه عن عمر رضي الله عنه، وهو أثر صحيح عنه.
الحديث الثاني الثلاثون في فرض الحج
٩٢ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ الْقَرَاطِيسِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧] قَالَ: «وَالسَّبِيلُ أَنْ يَصِحَّ بَدَنُ الْعَبْدِ، وَيَكُونَ لَهُ ثَمَنُ زَادٍ وَرَاحِلَةٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجْحَفَ بِهِ (١)، ثُمَّ قَالَ: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيُّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: ٩٧] يَقُولُ: وَمَنْ كَفَرَ بِالْحَجِّ فَلَمْ يَرَ حَجَّهُ بِرًّا، وَلَا تَرْكَهُ إِثْمًا [فَقَدْ كَفَرَ]» (٢).
ص ٦٣٢
رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ فِي «تَفْسِيرِهِ» (٥ / ٦١٠)، وَابْنُ الْمُنْذِرِ فِي «تَفْسِيرِهِ» (٧٤٧). قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي «تَفْسِيرِهِ» (٣٨٦٠): وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسٍ، وَالْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَقَتَادَةَ نَحْوَ ذَلِكَ. اهـ.
وَرُوِيَ مَرْفُوعًا فِي مَعْنَى السَّبِيلِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ: (الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ).
(٢) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (٨١٣)، وَابْنُ مَاجَهْ (٢٨٩٧)، وَالطَّبَرِيُّ (٥/ ٦١١) مِنْ طُرُقٍ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ. قَالَ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَأَمَّا الْأَخْبَارُ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ، فَإِنَّهَا أَخْبَارٌ فِي أَسَانِيدِهَا نَظَرٌ، لَا
يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِمِثْلِهَا فِي الدِّينِ. اهـ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي (بَابِ مَا جَاءَ فِي إِيجَابِ الْحَجِّ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ): وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ. اهـ.
الحديث الثالث الثلاثون في الرباط
٩٣ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ حُبَابٍ الْمُقْرِئُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْعَثَ أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ بُرْدٍ يَعْنِي ابْنَ سِنَانٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ، أَنَّهُ كَانَ نَازِلًا عَلَى حِصْنٍ مِنْ حُصُونِ فَارِسَ مُرَابِطًا قَدْ أَصَابَتْهُمْ خَصَاصَةُ، فَمَرَّ بِهِمْ سَلْمَانُ الْفَارِسِي فَقَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَكُونُ عَوْنًا لَكُمْ عَلَى مَنْزِلِكُمْ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَى يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ حَدِّثْنَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ شَهْرٍ وَصِيَامِهِ، وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَ لَهُ أَجْرُ مُجَاهِدٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
ص ٦٣٣
رواه أحمد (۲۳۷۲۸)، والترمذي (١٦٦٥)، وابن أبي شيبة (١٩٨٤٢)، وابن حبان (٤٦٢٣) عن سلمان بألفاظ مختلفة وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ (١٩١٣) عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ، عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ».
الحديث الرابع الثلاثون في الجهاد
٩٤ - حَدَّثَنَا الْآجُرِّيُّ قَال حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ السَّقَطِي قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَزَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «جَاهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ، فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّهُ يُنَجِّي صَاحِبَهُ مِنَ الْهَمِّ وَالْغَمِّ».
ص ٦٣٤
رَوَاهُ أَحْمَدُ (٢٢٦٩٩)، وَابْنُ مَاجَهْ (٢٥٤٠)، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِهِ عَلَى الْمُسْنَدِ (٢٢٧٧٦ وَ ٢٢٧٩٥).
الحديث الخامس الثلاثون في الاحتساب
٩٦ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، وَعَلَيُّ بْنُ نَصْرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هَانِئٍ الْبَهْرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَبُوهُ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ فِيَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَ: «إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ تبارك وتعالى الْمُصَلُّونَ» وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ يُقِمِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ اللَّاتِي كُتِبْنَ عَلَيْهِ، وَيَصُومُ رَمَضَانَ يَحْتَسِبُ صَوْمَهُ، وَيَرَى أَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ وَاجِبٌ، وَيُعْطِي زَكَاةَ مَالِهِ يَحْتَسِبُهَا، وَيَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عز وجل عَنْهَا» ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ سَأَلَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: «هُنَّ تِسْعٌ، أَعْظَمُهُنَّ إِشْرَاكٌ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ نَفْسِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَفِرَارٌ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَالسِّحْرُ، وَأَكَلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكَلُ الرِّبَا، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ، وَاسْتِحْلَالُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ قِبْلَتِكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا» ثُمَّ قَالَ: «لَا يَمُوتُ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ هَذِهِ الْكَبَائِرَ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ إِلَّا رَافَقَ مُحَمَّدًا ﷺ فِي دَارِ بُحْبُوحَةٍ، أَبْوَابُهَا مَصَارِعُ مِنْ ذَهَبٍ».
ص ٦٣٥
رواه ابن بشران في «أماليه» (۸) من طريق المصنف.
رواه أبو داود (٢٨٧٥)، والنسائي في «الكبرى» (٣٤٦١)، والعقيلي في «الضعفاء» (٤٥/٣) في ترجمة: عبد الحميد بن سنان، قال البخاري: عبد الحميد بن سنان، عن عبيد بن عمير، في حديثه نظر. ثم أسند العقيلي هذا الحديث، وقال: وفي الكبائر أحاديث من غير هذا الوجه صالحة الأسانيد. اهـ.
وفي حديث البخاري (٢٧٦٦)، ومسلم (٨٩) عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: «اجتنبوا السبع الموبقات». قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسِّحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات».
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ:
٩٧ - قَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْكَبَائِرِ مَا هُنَّ؟
فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما رِوَايَاتٌ مِنْهَا أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ [النساء: ٣١] قَالَ: «الْكَبَائِرُ كُلُّ ذَنْبٍ خَتْمَهُ اللَّهُ عز وجل بِنَارٍ أَوْ غَضِبٍ أَوْ لَعْنَةٍ أَوْ عَذَابٍ».
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «الْكَبَائِرُ إِلَى سَبْعِينَ أَدْنَاهُنَّ إِلَى سَبْعٍ»،
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ عُصِيَ اللَّهُ عز وجل بِهِ فَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ»
ص ٦٣٦
قال ابن القيم رحمه الله في «المدارج» (۳۲۷/۱): وأما الكبائر فاختلف السلف فيها اختلافا لا يرجع إلى تباين وتضاد، وأقوالهم متقاربة. ثم أطال في ذكرها ومناقشتها.
الحديث السادس الثلاثون الصبر على المصيبة
٩٩ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ، أَخْبَرَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَالَ: أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَانْطَلَقَ بي إِلَى النَّخْلِ الَّذِي فِيهِ ابْنُهُ إِبْرَاهِيمَ، فَوَجَدَهُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَأَخَذَهُ فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: «يَا إِبْرَاهِيمُ مَا نَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا» وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَقُلْتُ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ أَتَبْكِي؟ أَوَ لَمْ تَنْهَ عَنِ الْبُكَاءِ؟
قَالَ: مَا نَهَيْتُ عَنْهُ، وَلَكِنْ نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ: صَوْتٍ عِنْدَ نَعمَةِ لَهْوٍ وَلَعِبٍ وَمَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ، وَصَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ، وَخَمْشِ وُجُوهٍ، وَشَقِّ جُيُوبٍ، وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ، وَهَذِهِ رَحْمَةٌ، وَمِنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ، يَا إِبْرَاهِيمُ لَوْلَا أَنَّهُ أَمْرُ حَقٍّ، وَوَعَدُ صِدْقٍ، وَأَنَّهَا سَبِيلٌ مَأْتِيَّةٌ، وَأَنَّ آخِرَنَا سَيَلْحَقُ بِأَوَّلِنَا لَحَزِنَّا عَلَيْكَ حُزْنًا هُوَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا، وَإِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ، تَدْمَعُ الْعَيْنُ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ عز وجل.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ:
١٠٠ - هَذَا يَدُلُّ الْعُقَلَاءَ عَلَى أَنْ يَكُونُوا إِذَا أَنْعَمَ اللَّهُ الْكَرِيمُ عَلَيْهِمْ بِنِعْمَةٍ مِمَّا يُسَرُّونَ بِهَا وَيَفْرَحُونَ بِهَا فَحُكْمُهُمْ أَنْ يَشْكُرُوا اللَّهَ عز وجل عَلَيْهَا وَيُكْثِرُوا ذِكْرَهُ وَيُطِيعُوا اللَّهَ عز وجل وَيَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى طَاعَتِهِ، وَذَلِكَ مِثْلُ تَزْوِيجٍ وَزِفَافٍ وَخِتَانِ أَوْلَادِهِمْ وَوَلَائِمِهِمْ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَفْرَاحِ.
وَيُوَاسُوا مِنْ هَذِهِ النَّعَمِ الْقَرَابَةَ وَالْجِيرَانَ وَالضُّعَفَاءَ وَغَيْرَهُمْ، وَيَغْتَنِمُوا دُعَاءَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ حَتَّى يَكُونُوا قَدِ اسْتَعَانُوا بِنِعْمَةِ اللَّهِ عز وجل عَلَى طَاعَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ وَأَشِرُوا وَبَطَرُوا وَأَحْضَرُوا هَذِهِ الْأَفْرَاحَ الْمَعَاصِيَ: اللَّهْوَ بِالطَّبْلِ وَالْمِزْمَارِ وَالْمَعَازِفِ وَالْعُودِ وَالطَّنْبُورِ وَالْمُغَنِّي وَالْمُغَنِّيَاتِ فَقَدْ عَصَوُا اللَّهَ عز وجل، إِذَا اسْتَعَانُوا بِنِعْمَهِ عَلَى مَعَاصِيهِ، فَآذَوْا بِهَذَا الْفِعْلِ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَزِمَهُمُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ، وَتَأَذَّوْا بِجِوَارِهِمْ، وَكَثُرَ الدَّاعِي عَلَيْهِمْ بِقَبِيحِ مَا ظَهَرَ مِمَّا نُهُوا عَنْهُ،
وَهَكَذَا إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ أَوْ أُصِيبُوا بِالْمَصَائِبِ الْمُوجِعَةِ لِلْقُلُوبِ فَالْعُقَلَاءُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَسْتَعْمَلُونَ فِي مَصَائِبِهِمْ مَا قَالَ اللَّهُ عز وجل مِنَ الصَّبْرِ، وَالِاسْتِرْجَاعِ، وَالْحَمْدِ لِمَوْلَاهُمُ الْكَرِيمِ، وَالصَّلَاةِ، فَأَثَابَهُمْ مَوْلَاهُمُ الْكَرِيمُ عَلَى ذَلِكَ وَرَضِيَ فِعْلَهُمْ وَحَمَدَهُمُ الْعُقَلَاءُ مِنَ النَّاسِ،
وَإِنْ بَكَوْا وَحَزِنُوا فَلَا عَيْبَ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ رَقِيقُ الْقَلْبِ فَبُكَاؤُهُ رَحْمَةٌ فَمُبَاحٌ ذَلِكَ لَهُ،
وَأَمَّا الْجُهَّالُ مِنَ النَّاسِ، وَهُمْ كَثِيرٌ، فَإِنَّهُمْ إِذَا أُصِيبُوا بِمَا ذَكَرْنَا سَخِطُوا مَا حَلَّ بِهِمْ، وَدَعَوْا بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ، وَالْحُرُوبِ، وَالسَّلْبِ، وَلَطَمُوا الْخُدُودَ، وَنَشَرُوا الشُّعُورَ وَجَزُّوهَا، وَخَمَشُوا وُجُوهَهُمْ، وَشَقُّوا جُيُوبَهُمْ، وَنَاحُوا، وَاسْتَعْمَلُوا النَّوْحَ وَعَصُوا اللَّه عز وجل فِي مَصَائِبِهِم بِمَعَاصٍ كَثِيْرَةٍ وَاسْتَعْمَلُوا أَخْلَاقَ الْجَاهِلِيَّةِ فِي طَعَامٍ يَعْمَلُونَهُ وَيَدْعُونَ إِلَيْهِ، وَالْبَيْتُوتَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ، وَكَثْرَةِ زِيَارَةِ نِسَائِهِمُ إِلَى الْقُبُورِ، وَتَضْيِيعِهِمْ لِلصَّلَوَاتِ، وَأَشْبَاهٌ لِهَذِهِ الْمَعَاصِي فَاللَّهُ عز وجل يَمْقُتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ،
وَالْمُؤْمِنُونَ يَتَأَذَّوْنَ بِمَا ظَهْرَ مِنَ الْمَنَاكِيرِ الَّتِي أَظْهَرُوهَا، وَيَتَعَاوَنُونَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ بِنِعَمٍ، وَيَجِدُونَ عَلَى ذَلِكَ أَعْوَانًا لِظُهُورِ الْجَهْلِ وَدُرُوسِ الْعِلْمِ.
ص ٦٣٨ - ٦٤١
رواه ابن أبي شيبة (١٢٢٥١)، والترمذي (١٠٠٥)، وعبد بن حميد (١٠٠٧). قال الترمذي: هذا حديث حسن.
وقد وقع في هذا الحديث اضطراب من ابن أبي ليلى، بينه الدارقطني في «علله» (۲۸۸۷).
وفي «البدر المنير» (٥/ ٣٦١): وقد عرفت أنه من رواية ابن أبي ليلى، وهو ضعيف. اهـ.
وأصل الحديث عن البخاري (۱۳۰۳)، ومسلم (٢٣١٥)، ولفظه: عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: دخلنا مع رسول الله ﷺ على أبي سيف القين، وكان ظئرًا لإبراهيم، فأخذ رسول الله ﷺ إبراهيم، فقبله، وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله ﷺ تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله؟ فقال: «يا ابن عوف إنها رحمة»، ثم أتبعها بأخرى، فقال ﷺ: «إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون».
وانظر: التعليق عليه في كتاب «تحريم النرد والشطرنج» (۷۲)، فقد نقلت هناك بعض الآثار وكلام أهل العلم في بيان معناه.
وعن أبي البختري قال: بيتوثة الناس عند أهل الميت ليست إلا من أمر الجاهلية. اهـ.
وروى أحمد (٦٩٠٥)، وابن ماجه (١٦١٢) عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة. وهو صحيح عنه.
وروى عبد الرزاق (٦٦٨٩)، وابن أبي شيبة (١١٤٦٤) عن أبي البختري قال: الطعام على الميت من أمر الجاهلية، وبيتوتة المرأة عند أهل الميت من أمر الجاهلية، والنياحة من أمر الجاهلية.
الحديث السابع الثلاثون في النصيحة
١٠١ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَيْشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» قَالَ: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ» قَالَ سُهَيْلٌ: قَالَ لِي أَبِي: يَا بُنَيَّ، احْفَظْ هَذَا الْحَدِيثَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ:
١٠٢ - قَدْ سَأَلَنَا سَائِلٌ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: تُخْبِرُنِي كَيْفَ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ عز وجل؟ وَكَيْفَ النَّصِيحَةُ لِكِتَابِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ؟، وَكَيْفَ النَّصِيحَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟، وَكَيْفَ النَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ؟ وَكَيْفَ النَّصِيحَةُ لِعَامَّتِهِمْ؟ فَأَجَبْنَاهُ فِيهِ كَيْفَ النَّصِيحَةُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ الَّذِي سَأَلَ عَنْهُ يُجْزِئُ، فَيَنْبَغِي لِكُلِّ مُؤْمِنٍ عَاقِلٍ أَرِيبٍ يَطْلُبُهُ وَيَتَعَلَّمُهُ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِذَلِكَ.
ص ٦٤٢ - ٦٤٣
رواه أحمد (١٦٩٤٠، ١٦٩٤١)، ومسلم (٥٥). وزادا: «.. ولأئمة المسلمين، وعامتهم».
وبوب به البخاري رحمه الله في «صحيحه» فقال: (باب قول النبي ﷺ: «الدين النصيحة لله و…)، ولم يخرجه لأنه ليس على شرطه.
وقد وقفت على نقل عزيز من هذا الجزء في «شرح البخاري» لابن بطال (۱/ ۱۳۰) عند شرحه لهذا الحديث، فقال:
قال الآجري: لا يكون ناصحًا لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم إلا من بدأ بالنصيحة لنفسه، واجتهد في طلب العلم والفقه، ليعرف به ما يجب عليه، ويعلم عداوة الشيطان له، وكيف الحذر منه، ويعلم قبيح ما تميل إليه النفس حتى يخالفها بعلم.
وروى الثوري، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي ثمامة - وكان يقرأ الكتب -، قال: قال الحواريون لعيسى ابن مريم: من الناصح الله تعالى؟ قال: الذي يبدأ بحق الله قبل حق الناس، فإذا عُرض له أمران: أمر دنيا وآخرة، بدأ بعمل الآخرة، فإذا فرغ من أمر الآخرة تفرغ لأمر الدنيا.
وقال الحسن البصري: ما زال لله ناس ينصحون الله في عباده، وينصحون لعباد الله في حق الله عليهم، ويعملون له في الأرض بالنصيحة، أولئك خلفاء الله في الأرض.
قال الآجري رَحِمَهُ اللَّهُ: والنصيحة لرسول الله على وجهين:
۱ - فنصيحة من صاحبه وشاهده.
۲ - ونصيحة من لم يره.
فأما صحابته؛ فإن الله شرط عليهم أن يعزوه ويوقروه، وينصروه، ويعادوا فيه القريب والبعيد، وأن يسمعوا له ويطيعوا، وينصحوا كل مسلم، فَوَفُّوا بذلك، وأثنى الله عليهم به.
وأما نصيحة من لم يره؛ فأن يحفظوا سُنَّته على أمته، وينقلوها، ويُعلموا الناس شريعته ودينه، ويأمروهم بالمعروف وينهوهم عن المنكر، فإذا فعلوا ذلك فهم ورثة الأنبياء.
وأما النصيحة لأئمة المسلمين؛ فهي على قدر الجاه والمنزلة عندهم:
- فإذا أمن من ضرهم؛ فعليه أن ينصحهم.
- فإذا خشي على نفسه؛ فحسبه أن يغير بقلبه.
وإن علم أنه لا يقدر على نصحهم فلا يدخل عليهم، فإنه يغشهم، ويزيدهم فتنة، ويذهب دينه معهم.
وقد قال الفضيل بن عياض: ربما دخل العالم على الملك ومعه شيء من دينه فيخرج وليس معه شيء! قيل له: وكيف ذلك؟
قال: يصدقه في كذبه، ويمدحه في وجهه.
وقد روى الثوري، عن أبي حصين، عن الشعبي، عن عاصم العدوي، عن كعب بن عجرة رضي الله عنه، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه سيكون بعدي أمراء فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم؛ فليس مني، ولست منه، ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم؛ فهو مني، وأنا منه، وسيرد عليّ الحوض».
وأما نصيحة العامة بعضهم لبعض؛ فواجب على البائع أن ينصح للمشتري فيما يبيعه. وعلى الوكيل والشريك والخازن أن ينصح لأخيه، ولا يحب له إلا ما يحب لنفسه.
وروى ابن عجلان، عن عون بن عبد الله، قال: كان جرير إذا أقام السلعة بَصَّرَه عيوبها، ثم خيَّره، فقال: إن شئت فاشتر، وإن شئت فاترك. فقيل له: إذا فعلت هذا لم ينفذ لك بيع. فقال: إنا بايعنا رسول الله لا على النصح لكل مسلم. انتهى.
قال محمد بن نصر رحمه الله في تعظيم قدر الصلاة (٢/ ٦٩٢):
قال بعض أهل العلم: جماع تفسير النصيحة هو عناية القلب للمنصوح له من كان، وهي على وجهين: أحدهما: فرض، والآخر: نافلة، فالنصيحة المفترضة لله هي شدة العناية من الناصح باتباع محبة الله في أداء ما افترض، ومجانبة ما حرم. وأما النصيحة التي هي نافلة فهي إيثار محبته على محبة نفسه، وذلك أن يعرض أمران أحدهما لنفسه، والآخر لربه، فيبدأ بما كان لربه، ويؤخر ما كان لنفسه، فهذه جملة تفسير النصيحة له الفرض منه والنافلة.
وأما النصيحة لكتاب الله؛ فشدة حبه، وتعظيم قدره إذ هو كلام الخالق، وشدة الرغبة في فهمه، ثم شدة العناية في تدبره، والوقوف عند تلاوته لطلب معاني ما أحب مولاه أن يفهمه عنه، ويقوم له به بعد ما يفهمه، وكذلك الناصح من القلب يتفهم وصية من ينصحه، وإن ورد عليه كتاب منه عني بفهمه. ليقوم عليه بما كتب به فيه إليه، فكذلك الناصح لكتاب الله، يعني: يفهمه ليقوم الله بما أمر به كما يحب ويرضى، ثم ينشر ما فَهِم مِنَ العباد، ويديم دراسته بالمحبة له، والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه.
وأما النصيحة للرسول ﷺ في حياته؛ فبذل المجهود في طاعته، ونصرته، ومعاونته، وبذل المال إذا أراده، والمسارعة إلى محبته. وأما بعد وفاته؛ فالعناية بطلب سنته، والبحث عن أخلاقه وآدابه، وتعظيم أمره ولزوم القيام به، وشدة الغضب والإعراض عن من يدين بخلاف سنته، والغضب على من ضيعها لأثرة دنيا، وإن كان متدينا بها، وحب من كان منه بسبيل من قرابة أو صهر أو هجرة أو نصرة أو صحبة ساعة من ليل أو نهار على الإسلام والتشبه به في زيه ولباسه.
وأما النصيحة لأئمة المسلمين؛ فحب طاعتهم، ورشدهم، وعدلهم، حب اجتماع الأمة كلهم، وكراهية افتراق الأمة عليهم، والتدين بطاعتهم في طاعة الله، والبغض لمن رأى الخروج عليهم، وحب إعزازهم في طاعة الله.
وأما النصيحة للمسلمين؛ فأن يُحِبَّ لهم ما يُحبّ لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، ويشفق عليهم، ويرحم صغيرهم، ويوقر كبيرهم، ويحزن لحزنهم، ويفرح لفرحهم، وإن ضره ذلك في دنياه، كرخص أسعارهم وإن كان في ذلك ربح ما يبيع من تجارته، وكذلك جميع ما يضرهم عامة ويحب صلاحهم، وألفتهم، ودوام النعم عليهم، ونصرهم على عدوهم، ودفع كل أذى ومكروه عنهم. اهـ.
وانظر شرح هذا الحديث في «جامع العلوم والحكم» (١/ ٢١٥) (الحديث السابع)، فقد أجاد وأفاد ابن رجب رحمه الله - كعادته - في شرح هذا الحديث، وذكر آثار السلف في هذا الباب.
الحديث الثامن الثلاثون في الحلال والحرام
١٠٣ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْبَلْخِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَهْوَى بِأُصْبُعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «الْحَلَالُ بَيْنٌ، وَالْحَرَامُ بَيْنٌ، وَبَيْنَهُمَا شُبُهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ فَقَدْ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ عز وجل مَحَارِمُهُ».
ص ٦٤٦
رواه أحمد (١٨٣٧٣)، والبخاري (٥٢)، ومسلم (١٥٩٩).
وقد خرج الترمذي وابن ماجه من حديث عبد الله بن يزيد، عن النبي ﷺ قال: «لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس».
وقال الحسن: ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرًا من الحلال مخافة الحرام.
وقال ميمون بن مهران: لا يسلم للرجل الحلال حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزا من الحلال.
وقوله ﷺ: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب»، فيه إشارة إلى أن صلاح حركات العبد بجوارحه، واجتنابه المحرمات واتقاءه للشبهات بحسب صلاح حركة قلبه. فإذا كان قلبه سليماً، ليس فيه إلا محبة الله ومحبة ما يحبه الله، وخشية الله وخشية الوقوع فيما يكرهه، صلحت حركات الجوارح كلها، ونشأ
عن ذلك اجتناب المحرمات كلها، وتوقي للشبهات حذرا من الوقوع في المحرمات. وإن كان القلب فاسدًا، قد استولى عليه اتباع هواه، وطلب ما يحبه، ولو كرهه الله؛ فسدت حركات الجوارح كلها، وانبعثت إلى كل المعاصي والمشتبهات بحسب اتباع هوى القلب.
ولهذا يقال: القلب ملك الأعضاء، وبقية الأعضاء جنوده، وهم مع هذا جنود طائعون له، منبعثون في طاعته، وتنفيذ أوامره، لا يخالفونه في شيء من ذلك، فإن كان الملك صالحاً كانت هذه الجنود صالحة، وإن كان فاسداً كانت جنوده بهذه المثابة فاسدة، ولا ينفع عند الله إلا القلب السليم، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء].
وكان النبي ﷺ يقول في دعائه: «أسألك قلباً سليماً»، فالقلب السليم: هو السالم من الآفات والمكروهات كلها، وهو القلب الذي ليس فيه سوى محبة الله وما يحبه الله، وخشية الله، وخشية ما يباعد منه.
فلا صلاح للقلوب حتى يستقر فيها معرفة الله، وعظمته، ومحبته، وخشيته، ومهابته ورجاؤه، والتوكل عليه، وتمتلئ من ذلك، وهذا هو حقيقة التوحيد، وهو معنى قول: (لا إله إلا الله).
الحديث التاسع الثلاثون في ظل الله ﷺ يوم القيامة
١٠٥ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَدِّي حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «سَبْعَةٌ فِي ظِلِّ اللَّهِ عز وجل يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ مُقْتَصِدٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ عز وجل وَطَاعَتِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ عَلَى ذَلِكَ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ عز وجل خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ عز وجل، وَرَجُلٌ لَقِيَ آخِرَ فَقَالَ لَهُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ فِي اللَّهِ عز وجل، وَقَالَ الْآخَرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ فِي اللَّهِ عز وجل، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلِّقٌا بِحُبِّ الْمَسَاجِدِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهَا، وَرَجُلٌ إِذَا تَصَدَّقَ أَخْفَى صَدَقَةَ يَمِينِهِ عَنْ شِمَالِهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ جَمَالٍ وَمَنْصِبٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ».
ص ٦٥١
رواه أحمد (٩٦٦٥)، والبخاري (١٤٢٣)، ومسلم (۱۰۳۱)، كلهم من طرق عن عبيد الله، قال: حدثني حبيب، عن حفص، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال النبي ﷺ: «سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عدل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه مُعلَّق في المساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا، ففاضت عيناه».
الحديث الأربعون في صفة الأعمال
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي خَتَمْتُ بِهِ هَذِهِ الْأَرْبَعِينَ حَدِيثًا وَهُوَ حَدِيثٌ كَبِيرٌ جَامِعٌ لِكُلِّ خَيْرٍ، يَدْخُلُ فِي أَبْوَابِ كَثِيرٍ مِنَ الْعِلْمِ يَصْلُحُ لِكُلِّ عَاقِلٍ أَرِيبٍ.
١٠٧ - قَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ إِمْلَاءً فِي شَهْرِ رَجَبٍ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِئَتَيْنِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: «دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَالِسٌ وَحْدَهُ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فقال «يا أبا ذر، إن للمسجد تحية، وإن تحيته ركعتان، فقم فاركعهما».
قال: فلما ركعتهما جلست إليه فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ أَمَرْتَنِي بِالصَّلَاةِ، فَمَا الصَّلَاةُ؟
قَالَ: «خَيْرُ مَوْضُوعٍ، فَاسْتَكْثِرْ [من الله] أَوِ اسْتَقِلَّ»
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ»
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا»
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَسلم؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَنْ هَجَرَ السَّيِّئَاتِ»
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «طُولُ الْقُنُوتِ»
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ صِيَامٍ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «فَرْضٌ مُجْزِئٌ، وَعِنْدَ اللَّهِ أَضْعَافٌ كَثِيرَةٌ»
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَنْ عُقِرَ جَوَادُهُ، وَأُهْرِيقَ دَمُهُ»
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَغْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا»
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «جَهْدٌ مِنْ مُقِلِّ وَسِرٌّ إِلَى فَقِيرٍ»
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّمَا آيَةٍ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ أَعْظَمُ؟ قَالَ: «آيَةُ الْكُرْسِيُّ»
ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ مَعَ الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلَقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، وَفَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الْفَلَاةِ عَلَى الْحَلْقَةِ»
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمِ الْأَنْبِيَاءُ؟ قَالَ: «مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا»
قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَمِ الرُّسُلُ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: «ثَلَاثُ مِئَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ جَمٌّ غَفِيرٌ»
قُلْتُ: كَثِيرٌ طَيِّبٌ، قُلْتُ: مَنْ كَانَ أَوَّلَهُمْ؟ قَالَ: «آدَمُ عليه السلام»
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَبِيُّ مُرْسَلٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَسَوَّاهُ قِبَلًا»
ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ أَرْبَعَةٌ سِرْيَانِيُّونَ: آدَمُ، وَشِيثُ، وَخَنُوخُ وَهُوَ إِدْرِيسُ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ خَطَّ بِقَلَمٍ، وَنُوحٌ، وَأَرْبَعَةٌ مِنَ الْعَرَبِ: هُودٌ، وَشُعَيْبٌ، وَصَالِحٌ، وَنَبِيُّكَ يَا أَبَا ذَرٍّ، وَأَوَّلُ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُوسَى، وَآخِرُهُمْ عِيسَى، وَأَوَّلُ الرُّسُلِ آدَمُ وَآخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ»
قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ كِتَابًا أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل؟ قَالَ: «مِائَةَ كِتَابٍ وَأَرْبَعَةَ كُتُبٍ، أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل عَلَى شِيثَ خَمْسِينَ صَحِيفَةً، وَعَلَى خَنُوخَ ثَلَاثِينَ صَحِيفَةً، وَعَلَى إِبْرَاهِيمَ عَشْرَ صَحَائِفَ، وَأُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى مِنْ قَبْلِ التَّوْرَاةُ عَشْرَ صَحَائِفَ، وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ وَالْفُرْقَانُ»
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام؟ قَالَ: «كَانَتْ أَمْثَالًا كُلُّهَا: أَيُّهَا الْمَلِكُ الْمُسَلَّطُ الْمُبْتَلَى الْمَغْرُورُ إِنِّي لَمْ أَبْعَثْكَ لِتَجْمَعَ الدُّنْيَا بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَكِنِّي بَعَثْتُكَ لِتَرُدَّ عَنِّي دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنِّي لَا أَرُدَّهَا وَلَوْ كَانَتْ مِنْ كَافِرٍ وَكَانَ فِيهَا أَمْثَالٌ: وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَرْبَعُ سَاعَاتٍ: سَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ عز وجل، وَسَاعَةٌ يُحَاسَبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةٌ يُفَكِّرُ فِي صُنْعِ اللَّهِ عز وجل، وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا لِحَاجَتِهِ مِنَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لَا يَكُونَ ظَاعِنًا إِلَّا لِثَلَاثٍ: تَزَوُّدًا لِمَعَادٍ، أَوْ مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ، أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ، وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا بِزَمَانِهِ، مُقْبِلًا عَلَى شَأْنِهِ، حَافِظًا لِلِسَانِهِ، وَمَنْ حَسِبَ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ»
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا كَانَتْ صُحُفُ مُوسَى عليه السلام؟ قَالَ: «كَانَتْ عِبَرًا كُلُّهَا: عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ ثُمَّ هُوَ يَفْرَحُ، عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ ثُمَّ هُو يَنْصَبُ، وَعَجِبْتُ لِمَنْ رَأَى الدُّنْيَا وَتَقَلُّبَهَا بِأَهْلِهَا ثُمَّ اطْمَأَنَّ إِلَيْهَا، وَعَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ غَدًا ثُمَّ هُوَ لَا يَعْمَلُ»
قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَهَلْ بِأَيْدِينَا شَيْءٌ مِمَّا كَانَ فِي يَدَيْ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى عليهما السلام مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل عَلَيْكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، اقْرَأْ يَا أَبَا ذَرٍّ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى، بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [الأعلى: ١٥] إِلَى آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ، يَعْنِي أَنَّ ذِكْرَ هَذِهِ الْآيَاتِ لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى، صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي قَالَ: «أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ رَأْسُ أَمْرِكَ»
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي قَالَ: «عَلَيْكَ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَذِكْرِ اللَّهِ عز وجل، فَإِنَّهُ ذِكْرٌ لَكَ فِي السَّمَاءِ، وَنُوُرٌ لَكَ فِي الْأَرْضِ»
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي قَالَ: «إِيَّاكَ وَكَثْرَةَ الضَّحِكِ، فَإِنَّهُ يُمِيتُ الْقَلْبَ، وَيَذْهَبُ بِنُورِ الْوَجْهِ»
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي قَالَ: «عَلَيْكَ بِالْجِهَادِ، فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ أُمَّتِي»
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْ قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّمْتِ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ، فَإِنَّهُ مَطْرَدَةٌ لِلشَّيْطَانِ، وَعَوْنٌ لَكَ عَلَى أَمْرِ دِينِكَ»
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي قَالَ: انْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ تَحْتَكَ، وَلَا تَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكَ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ لَكَ أَنْ لَا تَزْدَرِيَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكَ»
قُلْتُ: زِدْنِي قَالَ: «أَحْبِبِ الْمَسَاكِينَ وَجَالِسْهُمْ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرِيَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكَ»
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي قَالَ: «صِلْ قَرَابَتَكَ وَإِنْ قَطَعُوكَ»
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي قَالَ: «قُلِ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا»
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي قَالَ: «لَا تَخَفْ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ»
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي قَالَ: «يَرُدُّكَ عَنِ النَّاسِ مَا تَعْرِفُ مِنْ نَفْسِكَ، وَلَا تَجِدْ عَلَيْهِمْ فِيمَا تَجِدُ فِيمَا تُحِبُّ، وَكَفَى بِكَ عَيْبًا أَنْ تَعْرِفَ مِنَ النَّاسِ مَا تَجْهَلُ مِنْ نَفْسِكَ أَوْ تَجِدَ عَلَيْهِمْ فِيمَا تُحِبُّ»
ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِي وَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ لَا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ، وَلَا وَرَعَ كَالْكَفِّ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، وَلَا حَسَبَ كَخُلُقِ الْحَسَنِ».
ص ٦٥٣ - ٦٥٨
رواه الطبراني (١٦٥١)، وابن حبان (صحیحه» (٣٦١)، وأبو نعيم «الحلية» (١٦٦/١).
وفي إسناده إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني الدمشقي، كذبه أبو حاتم وأبو زرعة كما في الجرح والتعديل (٢ / ١٤٢ - ١٤٣)، و«ميزان الاعتدال» (۷۳/۱)، و (٣٧٨/٤).
ورواه ابن عدي في الكامل» (۱۰۷/۹) من طريق يحيى بن سعيد الكوفي السعدي، حدثنا ابن جريج عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن أبي ذر. وقال: وقولهما يحيى بن سعد هو الصواب، وهذا حديث منكر من هذا الطريق، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن أبي ذر، وهذا الحديث ليس له من الطرق إلا من رواية أبي إدريس الخولاني، والقاسم بن
محمد، عن أبي ذر والثالث حديث ابن جريج وهذا أنكر الروايات. اهـ.
وهذا الحديث له طرق كثيرة مطولاً ومختصرًا ولا تخلو من الضعف الشديد مما لا يمكن تصحيحه بمجموع طرقه، ولبعض ألفاظه شواهد.
- روى البخاري (٢٥١٨) عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: سألت النبي ﷺ أي العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله، وجهاد في سبيله»،
- روى أحمد (٧٤٠٢ و ١٠١٠٦ و ١٠٨١٧)، والترمذي (١١٦٢)، عن أبي هريرة، قال: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلُقًا». قال الترمذي: وفي الباب عن عائشة، وابن عباس. وقال: حديث أبي هريرة هذا حديث حسن صحيح.اهـ.
- روى البخاري (١١)، ومسلم (٤٢) عن أبي موسى، قال: قالوا يا رسول الله، أي الإسلام أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده».
- روى البخاري (١٠) عن عبد الله بن عمرو، عن النبي ﷺ قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه».
- روى مسلم (٧٥٦) عن جابر، قال: قال رسول الله ﷺ: «أفضل الصلاة طول القنوت».
- روى البخاري (١٨٩٤) عن أبي هريرة، قال: قال النبي ﷺ: «… الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها».
- روى أحمد (١٤٢١٠) عن جابر رضي الله عنه، قال: قالوا: يا رسول الله، أي الجهاد أفضل؟ قال: «من عقر جواده، وأهريق دمه». وهو حديث صحيح.
- روى البخاري (٢٥١٨) عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم.. قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: «أغلاها ثمنًا، وأنفسها عند أهلها».
- روى مسلم (٨١٠) عن أبي بن كعب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا المنذر، أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟». قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «يا أبا المنذر، أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟». قال: قلت: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: ٢٥٥]. قال: فضرب في صدري، وقال: «والله ليهنك العلم أبا المنذر».
- روى عبد الله بن أحمد في «السنة» (٤٣٨) عن مجاهد، قال: ما السموات والأرض في الكرسي إلا كحلقة في أرض فلاة. وهو صحيح عنه.
- روى البخاري في «الأدب المفرد» (٢٥٣) عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: «لا تكثروا الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب».
- روى سعيد بن منصور في «سننه» (٢٣٠٩) عن معاوية بن قرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «إن لكل أمة رهبانية، وإن رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله».
- روى مسلم (٢٩٦٣) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله».
- روى البخاري (٥٩٩١) عن عبد الله بن عمرو، عن النبي ﷺ قال: «ليس الواصل بالمكافئ؛ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها».
- روى أحمد (٢١٤١٥) عن أبي ذر، قال: أمرني خليلي ﷺ بسبع: «أمرني بحب المساكين، والدنو منهم، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني، ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت، وأمرني أن لا أسأل أحدا شيئًا، وأمرني أن أقول بالحق وإن كان مُرًا، وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم، وأمرني أن أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنهن من كنز تحت العرش».
Generated at: 2025-01-09-09-50-52