المؤلف:: ابن أبي الدنيا
الناشر:: دار أطلس الخضراء
سنة النشر:: 2012
الصفحات:: 14
الغلاف:: https://images-na.ssl-images-amazon.com/images/S/compressed.photo.goodreads.com/books/1348982980i/16054253.jpg
الصيغة:: PDF
الرابط:: https://www.goodreads.com/book/show/16054253
ISBN::
الحالة:: مكتمل
التسميات:: تقريب_تراث_السلف
المعرفة:: التزكية,
التدريب:: ,
تاريخ القراءة:: 2025-01-21
معالج:: 1
تقييم الفائدة المستقبلية::
التنبيهات والتعليقات من تطريز الإخلاص والنية للعصيمي
تنبيهات
مِمَّا يُنَبَّهُ إليهِ: أَنَّ الآثارَ والقصصَ المنقولةَ في أخبارِ الزُّهدِ والرقائقِ وأحوالِ القلوبِ ومعاملاتها، لا يُتَشَدَّدُ في نَقْدِها؛ إِلَّا إذا كانَ في الخَبَرِ شيءٌ مُنكَرٌ، فإِنَّهُ يُتَشَدَّدُ في نَقْدِهِ.
كما أَنَّهُ إذا ضُعِفَ فَإِنَّهُ لا يَعني اطراحَه بالكُلِّيَّةِ؛ بَلْ يُحَدَّثُ بهِ في هذهِ الأبوابِ، كما عليهِ عَمَلُ السَّلَفِ رَحِمَهُمُ اللهُ تعالى.
ومَنْ وَجَدَ شيئًا مِنَ الآثارِ والقصصِ في هذهِ الأبوابِ لا يَلْزَمُهُ أَنْ يَطلُبَ أسانيدَها؛ فَإِنَّ أسانيدَ الحكاياتِ والقصصِ والآثارِ الموقوفةِ والمقطوعةِ في أبوابِ الزُّهْدِ والرَّقائقِ والوقائعِ التاريخيةِ إِنَّما هُوَ زينةٌ لها، كما ذَكَرَهُ الخَطيبُ البَغداديُّ في «الجامعِ».
فينبغي لطالبِ العِلْمِ أَنْ يُفَرِّقَ بينَ هذا المقامِ وبينَ غيرِهِ مِنَ المقاماتِ؛ لِأَنَّهُ مَقامٌ جَرى فيهِ السَّلَفُ على الحالِ الَّتي أَشرنا إليها.
لْيَحْرِصْ طَالِبُ الْعِلْمِ عَلَى أَنْ يَكُونَ فِي مَقْرُوءَاتِهِ عَلَى شُيُوخِهِ وَمُطَالَعَاتِهِ بِنَفْسِهِ: النَّظَرُ فِي كُتُبِ السَّلَفِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ الْمُصَنَّفَةِ فِي الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ؛ فَإِنَّ انْتِفَاعَهُ بِهَا عَظِيمٌ. وَإِذَا قَطَعَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ عَنْ هَذِهِ الْكُتُبِ: فَإِنَّهُ يَضُرُّ بِقَلْبِهِ؛ فَإِنَّ الْعِلْمَ بِنَفْسِهِ إِذَا سُلِبَ الْخَشْيَةَ: رَجَعَ عَلَى قَلْبِ صَاحِبِهِ بِالْقَسْوَةِ، بِخِلَافِ الْعِلْمِ الْمُقْتَرِنِ بِخَشْيَةِ اللَّهِ عَزَّوَجَلَّ وَخَوْفِهِ وَتَعْظِيمِهِ.
وَكَانَ دَأْبُ عُلَمَاءِ الدَّعْوَةِ الْإِصْلَاحِيَّةِ فِي نَجْدٍ: إِقْرَاءُ كُتُبِ الزُّهْدِ، وَلَا سِيَّمَا كِتَابُ «الزُّهْدُ» لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ ابْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَلَوْ عُرِضَتْ هَذِهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ الْيَوْمَ لَرَأَوْا أَنَّ فِي هَذَا اشْتِغَالًا بِأُمُورٍ وَاضِحَةِ بَيِّنَةٍ! وَكُلُّ هَذَا مِنَ الْغَفْلَةِ عَنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ، كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ مُطَوَّلًا فِي دَرْسِ «التُّحْفَةِ الْعِرَاقِيَّةِ فِي الْأَعْمَالِ الْقَلْبِيَّةِ».
نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنَا جَمِيعًا الْإِخْلَاصَ فِي الْبَوَاطِنِ وَالظَّوَاهِرِ، وَأَنْ يُكْمِلَ لَنَا السَّرَائِرَ وَالْعَلَانِيَةَ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الْمُخْلِصِينَ، وَأَنْ يَتَوَلَّانَا فِي الصَّالِحِينَ.
فوائد
- أهلَ الإخلاصِ أَقْرَبُ النَّاسِ إلى النَّجاةِ مِنَ الفِتَنِ حَقٌّ صريحٌ؛ لأنَّ الخلاصَ على قَدْرِ الإخلاصِ؛ فَمَنْ أَخْلَصَ لِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، هَدَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا. فَمَنْ أَخْلَصَ خَلَصَ، وَمَنْ لَطَّخ قَلْبَهُ بِنِيَّاتٍ فَاسِدَةٍ أَظْلَمَتْ عليه الطَّريقَ؛ فَلَمْ يَهْتَدِ إلى الحَقِّ فِي الفِتَنِ المُدْلَهِمَّةِ المُظْلِمَةِ. ص ٩
- حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ النَّبَّاجِيِّ يَقُولُ: “خَمْسُ خِصَالٍ بِهَا تَمَامُ الْعَمَلِ: الْإِيمَانُ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ وَمَعْرِفَةُ الْحَقِّ وَإِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَالْعَمَلُ عَلَى السُّنَّةِ وَأَكْلُ الْحَلَالِ، فَإِنْ فُقِدَتْ وَاحِدَةٌ لَمْ يَرْتَفِعِ الْعَمَلُ، وَذَلِكَ أَنَّكَ إِذَا عَرَفْتَ اللَّهَ وَلَمْ تَعْرِفِ الْحَقَّ لَمْ تَنْتَفِعْ، وَإِذَا عَرَفْتَ الْحَقَّ وَلَمْ تَعْرِفِ اللَّهَ لَمْ تَنْتَفِعْ، وَإِنْ عَرَفْتَ اللَّهَ وَعَرَفْتَ الْحَقَّ وَلَمْ تُخْلِصِ الْعَمَلَ لَمْ تَنْتَفِعْ، وَإِنْ عَرَفْتَ اللَّهَ وَعَرَفْتَ الْحَقَّ وَأَخْلَصْتَ الْعَمَلَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى السُّنَّةِ لَمْ تَنْتَفِعْ، وَإِنْ تَمَّتِ الْأَرْبَعُ وَلَمْ يَكُنِ الْأَكْلُ مِنْ حَلَالٍ لَمْ تَنْتَفِعْ.”
-
لا يَكْمُلُ عَمَلُ العبدِ إِلَّا بتحصيلِ هذه الأمورِ الخمسةِ؛ فإنَّ العبدَ:
-
مُحتاجٌ أَوَّلًا: إلى مَعرفةِ ربِّهِ؛ وهذهِ المَعرفةُ تكونُ بالإيمانِ بهِ.
-
ومُحتاجٌ ثانيًا: إلى مَعرفةِ أَمْرِهِ؛ ولا يُمكنُهُ مَعرفةُ أَمْرِهِ إِلَّا بمَعرفةِ الحقِّ.
-
ومُحتاجٌ ثالثًا: أَنْ يكونَ في كُلِّ عَمَلٍ يُؤدِّيهِ مُخلِصًا للهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
-
ومُحتاجٌ رابعًا: إلى أَنْ يكونَ عَمَلُهُ الذي يَعمَلُهُ مُوافِقًا لِسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
-
ثُمَّ يَحتاجُ خامسًا ليُقامَ على هذا الطريقِ: إلى أَنْ يُخَلِّصَ مَطْعَمَهُ منَ الحرامِ؛ فَإِنَّ للحرامِ أَثَرًا في النُّفوسِ؛ يَجُرُّها إلى مَهَاوِي الرَّدَى في الدُّنيا والآخرةِ.
ص ١٠
-
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: “عَلَامَةُ الدِّينِ الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ، وَعَلَامَةُ الْعِلْمِ خَشْيَةُ اللَّهِ.”
-
حَقِيقَةُ الْإِخْلَاصِ: تَصْفِيَةُ الْقَلْبِ مِنْ إِرَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى. ص ١١
-
(وعلامةُ العلمِ: خشيةُ اللهِ)؛ يعني أنَّ العلمَ ليس بكثرةِ المروياتِ، ولا ازدحامِ المعلوماتِ، وإنما بشيءٍ يكونُ في القلبِ يُوجِبُ للعبدِ تعظيمَ الرَّبِّ سبحانه وتعالى، والانقيادَ لأمره، والانزجارَ عن نهيهِ. فمن وجدَ هذا فقد وجدَ العلمَ، ومن لم يجدْ هذا فلم يجدِ العلمَ. ص ١١
-
حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ: الَّذِي لَا تُرِيدُ أَنْ يَحْمَدَكَ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ.
-
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ غَزِيَّةَ، عَنْ حَمْزَةَ مِنْ بَعْضِ وَلَدِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: طُوبَى لِمَنْ أَخْلَصَ عِبَادَتَهُ وَدُعَاءَهُ لِلَّهِ وَلَمْ يَشْغَلْ قَلْبَهُ مَا تَرَاهُ عَيْنَاهُ وَلَمْ يُنْسِهِ ذِكْرُهُ مَا تَسْمَعُ أُذُنَاهُ وَلَمْ يَحْزَنْ نَفْسَهُ مَا أُعْطِيَ غَيْرُهُ.
-
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي عَمَّارُ بْنُ عُثْمَانَ الْحَلَبِيُّ، حَدَّثَنَا سِرَارٌ الْعَنَزِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ: الْإِجَابَةُ مَقْرُونَةٌ بِالْإِخْلَاصِ لَا فُرْقَةَ بَيْنَهُمَا.
-
حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي وَاقِدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُونُوا لِقَبُولِ الْعَمَلِ أَشَدَّ هَمًّا مِنْكُمْ بِالْعَمَلِ أَلَمْ تَسْمَعُوا اللَّهَ يَقُولُ: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.
-
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ حَزْمٍ الْقَطْعِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَتَّابٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ عَامِرَ بْنَ عَبْدِ قَيْسٍ فِي النَّوْمِ فَقُلْتُ: أَيَّ الْأَعْمَالِ وَجَدْتَ أَفْضَلَ؟ قَالَ: مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ.
-
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشِيرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ يَقُولُ: عِنْدَ تَصْحِيحِ الضَّمَائِرِ تُغْفَرُ الْكَبَائِرُ وَإِذَا عَزَمَ الْعَبْدُ عَلَى تَرْكِ الْآثَامِ أَتَتْهُ الْفُتُوحُ.
-
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ شُرَاحِيلَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّهُ سَمِعَ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ: لَأَنْ أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ تَقَبَّلَ مِنِّي مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.
-
حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ بَحْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَمَّارَةَ: عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ كَثِيرٍ السَّلِيمِيِّ قَالَ: قِيلَ لِعَطَاءِ السَّلِيمِيِّ: مَا الْحَذَرُ؟ قَالَ: الِاتِّقَاءُ عَلَى الْعَمَلِ أَلَّا يَكُونَ لِلَّهِ.
-
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَقِيقٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ: عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} قَالَ: أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ قَالَ: إِنَّ الْعَمَلَ إِذَا كَانَ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُقْبَلْ وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا وَالْخَالِصُ: إِذَا كَانَ لِلَّهِ وَالصَّوَابُ: إِذَا كَانَ عَلَى السُّنَّةِ.
-
وقد أفاضَ في شرحِ هذا الأثرِ: أبو العبَّاسِ ابنُ تيميةَ الحفيدُ في مواضعَ من كُتُبِه، ثمَّ تلميذُه ابنُ القيِّمِ، ثمَّ حفيدُه بالتلمذةِ أبو الفرجِ ابنُ رجبٍ رحمه الله تعالى في «جامعِ العلومِ والحِكَمِ» وغيرِهِ. وهو أثرٌ عظيمٌ؛ إذْ بيَّنَ فيه الفُضَيلُ بنُ عياضٍ حقيقةَ إحسانِ العملِ؛ وهو أنْ يُبنى على رُكنَينِ اثنينِ:
-
أحدهما: أنْ يكونَ العملُ خالصًا؛ بأنْ يكونَ مصروفًا للهِ وحدَه لا شريكَ له.
-
والثاني: أنْ يكونَ صوابًا على سُنَّةِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا بدعةَ فيهِ. ص ٢١
-
-
بَيَّنَ زُبَيْدُ اليَامِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَرَحِمَهُ- حالَ المَرْءِ مَعَ سَرِيرَتِهِ وَعَلانِيَتِهِ؛ فَذَكَرَ أَنَّ حَظَّ المَرْءِ مِنْهُما عَلَى مَراتِبَ ثَلاثٍ:
-
المَرتَبَةُ الأولى: مَرتَبَةُ الفَضْلِ؛ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ سَرِيرَتُكَ أَفْضَلَ مِنْ عَلانِيَتِكَ؛ فَإِذا كانت داخِلَةُ المَرْءِ فِي خَفائِهِ أَكْمَلَ وَأَتَمَّ كانَ ذلِكَ الفَضْلَ المَحْضَ.
-
والمَرتَبَةُ الثانية: مَرتَبَةُ النِّصْفِ -وَهُوَ العَدْلُ-؛ وَهُوَ أَنْ تَستَوِيَ السَّرِيرَةُ وَالعَلانِيَةُ.
-
والمَرتَبَةُ الثالثة: مَرتَبَةُ الجَوْرِ وَالظُّلْمِ؛ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ السَّرِيرَةُ دُونَ العَلانِيَةِ؛ وَهَذا هُوَ خُشُوعُ النِّفاقِ، الَّذِي كانَ السَّلَفُ -رَحِمَهُمُ اللهُ تَعالى- يَستَعِيذُونَ باللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنْهُ؛ فَيَقُولُونَ: (اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ خُشُوعِ النِّفاقِ؛ يُرى الجَسَدُ خاشِعًا، والقَلْبُ لاه ساه). ص ٢٢
-
- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْجَزَرِيِّ قَالَ: كَانَتِ الْعُلَمَاءُ إِذَا الْتَقَوْا تَوَاصَوْا بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَإِذَا غَابُوا كَتَبَ بِهَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ أَنَّهُ: مَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اللَّهُ عَلَانِيَتَهُ وَمَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ كَفَاهُ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ وَمَنِ اهْتَمَّ بِأَمْرِ آخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ.
-
وهو أَثَرٌ عظيمٌ، فيه فائدتانِ اثنتانِ:
-
أُولاهُما: أَنَّ مَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اللهُ عَلانِيَتَهُ، وَمَنْ أَصْلَحَ ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ كَفَاهُ اللهُ ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنِ اهْتَمَّ بِأَمْرِ آخِرَتِهِ كَفَاهُ اللهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ.
-
وثانِيهِما: عظيمُ عنايةِ العُلماءِ بِتَلَقِّي هذه الكلماتِ، والوَصِيَّةُ بها، وكتابةِ بعضِهم إلى بعضٍ بها؛ قيامًا بما أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ به من التَّواصي بالحقِّ؛ فَإِنَّ من صِفاتِ المُؤمِنينَ: أَنَّهُم يَتَواصَوْنَ بَيْنَهُم بالحَقِّ؛ كما ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ذلكَ عنهم في سورةِ العَصْرِ.
-
-
وأَحَظُّ النّاسِ بالتَّشَبُّهِ بالعُلماءِ: هُم طَلَبَةُ العِلمِ. فمِنَ الأدبِ اللازِمِ بَينَ طَلَبَةِ العِلمِ: أَنْ يَتَناصَحُوا، وأَنْ يَتَواصَوْا بالخَيرِ، وأَنْ يَحُثَّ بعضُهُم بعضًا عليه، وإذا رأى أَحَدُهُم مِن أَخيهِ هَنَّةً أَو زَلَّةً بادَرَ إلى إصلاحِها مَعَ سِترِها. وإذا رأيتَ طُلّابَ العِلمِ يَتَناقَرُونَ تَناقُرَ الدِّيكَةِ، وإذا رأى أَحَدُهُم مِن أَخيهِ زَلَّةً أَشاعَها وأذاعَها = فَاعلَمْ أَنَّهُم لا يُفلِحُونَ. وإِنَّما حُرِمَ أَكثَرُ النّاسِ في هذه الأَزمانِ العُلُومَ الشَّرعِيَّةَ، والطَّريقةَ السُّنِّيَّةَ المَرْضِيَّةَ؛ لأَنَّ نُفُوسَهُم بِمَعْزِلٍ عن هذه الأخلاقِ الشَّريفةِ التي كانَ عليها السَّلَفُ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعالى. فينبغي لطالبِ العِلْمِ أَنْ يُجَاهِدَ نَفْسَهُ في هذا؛ فإنَّ الأَمْرَ شَدِيدٌ، و إِنَّ الحسد قد بِيْعَ في الأسواقِ؛ فَاشْتَرَاهُ العلماءُ»، كما قال بعضُ الظُّرَفَاءِ. والمعنى: أَنَّ جَرَيَانَ التَّحَاسُدِ والتَّقَاطُعِ والتَّنَافُرِ يكونُ كثيرًا بين المُنْتَسِبِينَ إلى العِلْمِ، لكنَّ هؤلاءِ لَيْسُوا هُمْ طَلَبَةَ العِلْمِ والعلماءِ على الحقيقةِ، وإِنَّمَا هُمُ الواقِفُونَ معَ صورةِ العِلْمِ لا حقيقَتِه؛ كما ذَكَرَ ذلك أبو الفرج ابن الجوزي رَحِمَهُ اللهُ تعالى في «صيدِ الخاطرِ». ص ٢٣ - ٢٤
- حَدَّثَنِي سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ بِلَالِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: لَا تَكُنْ وَلِيًّا لِلَّهِ فِي الْعَلَانِيَةِ وَعَدُوَّهُ فِي السَّرِيرَةِ.
- ومعنى قوله رحمه اللهُ تعالى: (لَا تَكُنْ وَلِيًّا للهِ فِي العَلَانِيَةِ وَعَدُوَّهُ فِي السَّرِيرَةِ)؛ يعني تُظْهِرُ مُوَالَاةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بإقامة الطَّاعَاتِ والاستكثارِ من الحسناتِ، فإذا خَلَوْتَ في سَرِيرَتِكَ بَارَزْتَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بالمحاربة؛ بمواقعةِ المعاصي والاستكثارِ من السَّيِّئاتِ. ولا يكون الوليُّ وَلِيًّا حَتَّى تكون علانيته وسره لله جميعًا.
- حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ عَنْ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْتَتِرِينَ اعْلَمُوا أَنَّ عِنْدَ اللَّهِ مَسْأَلَةً فَاضِحَةً قَالَ تَعَالَى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
-
وهَذَا أَعْظَمُ وَاعِظٍ يَنْبَغِي أَنْ يَعِظَ المَرْءُ بِهِ نَفْسَهُ؛ فَإِنَّهُ إِنْ سَتَرَ خَلَّتَهُ عَنِ المَخَالِيقِ، فَإِنَّهَا لَا تُسْتَرُ يَوْمَ يُكْشَفُ الحِسَابُ، وَيُوضَعُ المِيزَانُ، وَتَظْهَرُ الخَفِيَّاتُ، وَتَنْجَلِي الأُمُورُ الغَبِيَّاتُ؛ فَيَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ الْتِفَاتُهُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَعْظَمَ مِنْ غَيْرِهِ.
-
وفيه فضيلة إخفاء العمل؛ لأجل أمرين اثنين:
-
أَوَّلهما: أَنَّ في ذلك مَنَعَةً من الشَّيْطان؛ فإِنَّ الشَّيْطانَ لا يَتَسَلَّط على الإنسان في الأعمال الخَفِيَّة، وإِنَّما يَتَسَلَّط عليه في أعمال العَلَن.
-
وثانيهما: أَنَّه أَبْعَدُ عن الرِّيَاء؛ فإِنَّ أَصْلَ طَلَبِ الرِّيَاءِ: طَلَبُ رؤيةِ النَّاسِ أَنْ يَرَوْهُ فيحمدوه، وأَمَّا إذا كان المرء خالِيًا بنفسه فإِنَّه لا يَتَطَلَّع إلى نَظَر النَّاس. ص ٢٦
-
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ:، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ: عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَعَبَّدُ عِشْرِينَ سَنَةً مَا يَعْلَمُ بِهِ جَارُهُ قَالَ حَمَّادٌ: وَلَعَلَّ أَحَدَكُمْ يُصَلِّي لَيْلَةً أَوْ بَعْضَ لَيْلَةٍ فَيُصْبِحُ وَقَدْ طَالَ عَلَى جَارِهِ.
- إذا وَقَعَ في كلامِ إبراهيمَ النَّخَعيِّ: «كانوا يَكرَهون»: فهو يريدُ أصحابَ ابنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ كَعَلْقَمَةَ بنِ قَيْسٍ، ومَسْرُوقِ بنِ الأَجْدَعِ، والأَسْوَدِ بنِ يَزِيدَ؛ نَصَّ على هذا جماعةٌ؛ منهم: العِراقيُّ رَحِمَهُ اللهُ، وإمامُ الدَّعوةِ في «كِتابِ التَّوْحِيدِ»، والشيخُ سُلَيْمانُ ابنُ عبدِ اللهِ في «تَيسيرِ العزيزِ الحَميدِ» (بابُ ما جاءَ في الرُّقى والتَّمائمِ). ص ٣٢
Generated at: 2025-01-21-23-39-34