المؤلف:: محمد بن عبد الوهاب
الناشر:: جمعة الإمام محمد بن سعود
سنة النشر::
الصفحات:: 393
الغلاف::
الصيغة:: PDF
الرابط::
ISBN::
الحالة:: مكتمل
التسميات::
المعرفة:: ,
التدريب:: ,
تاريخ القراءة:: 2024-11-30
معالج:: 1
تقييم الفائدة المستقبلية::
مطبوع ضمن تفسير آيات من القرآن الكريم
﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
وقد ذكر عن السلف من أهل العلم فيها أنواع مما يفعل الناس اليوم ولا يعرفون معناه.
-
النوع الأول: من ذلك العمل الصالح الذي يفعل كثير من الناس ابتغاء وجه الله من صدقة وصلاة وإحسان إلى الناس ونحو ذلك، وكذلك ترك ظلم أو كلام في عرض، ونحو ذلك مما يفعله الإنسان أو يتركه خالصا لله، لكنه لا يريد ثوابه في الآخرة، إنما يريد أن الله يجازيه بحفظ ماله وتنميته، وحفظ أهله وعياله وإدامة النعمة عليهم ونحو ذلك، ولا همة له في طلب الجنة ولا الهرب من النار، فهذا يعطى ثواب عمله في الدنيا، وليس له في الآخرة نصيب ; وهذا النوع ذكر عن ابن عباس في تفسير الآية. وقد غلط بعض مشايخنا بسبب عبارة في شرح الإقناع في أول باب النية، لما قسم الإخلاص مراتب، وذكر هذا منها ظن أنه يسميه إخلاصا مدحا له وليس كذلك، وإنما أراد أنه لا يسمى رياء، وإلا فهو عمل حابط في الآخرة.
-
والنوع الثاني: وهو أكبر من الأول وأخوف، وهو الذي ذكر مجاهد أن الآية نزلت فيه، وهو أن يعمل أعمالا صالحة ونيته رئاء الناس، لا طلب ثواب الآخرة; وهو يظهر أنه أراد وجه الله وإنما صلى أو صام أو تصدق أو طلب العلم لأجل أن الناس يمدحونه ويجل في أعينهم، فإن الجاه من أعظم أنواع الدنيا. ولما ذكر لمعاوية حديث أبي هريرة في الثلاثة الذين هم أول من تسعر ١ بهم النار وهم: الذي تعلم العلم ليقال عالم حتى قيل، وتصدق ليقال جواد، وجاهد ليقال شجاع، بكى معاويه بكاء شديدا، ثم قرأ هذه الآية.
-
النوع الثالث: أن يعمل الأعمال الصالحة ومقصده بها مالا، مثل أن يحج لمال يأخذه لا لله، أو مهاجر لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، أو يجاهد لأجل المغنم، فقد ذكر هذا النوع أيضا في تفسير هذه الآية كما في الصحيح أن النبي ﷺ قال: «تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة ٢») إلخ. وكما يتعلم العلم لأجل مدرسة أهله أو مكسبهم أو رياستهم، أو يقرأ القرآن ويواظب على الصلاة لأجل وظيفة المسجد كما هو واقع كثيرا. وهؤلاء أعقل من الذين قبلهم، لأنهم عملوا لمصلحة يحصلونها، والذين قبلهم عملوا لأجل المدح والجلالة في أعين الناس ولا يحصل لهم طائل. والنوع الأول أعقل من هؤلاء كلهم، لأنهم عملوا لله وحده لا شريك له، لكن لم يطلبوا منه الخير العظيم وهو الجنة، ولم يهربوا من الشر العظيم وهو العذاب في الآخرة.
-
النوع الرابع: أن يعمل الإنسان بطاعة الله مخلصا في ذلك لله وحده لا شريك له، لكنه على عمل يكفره كفرا يخرجه عن الإسلام، مثل اليهود والنصارى إذا عبدوا الله، وتصدقوا أو صاموا ابتغاء وجه الله والدار الآخرة، ومثل كثير من هذه الأمة الذين فيهم شرك أكبر أو كفر أكبر يخرجهم عن الإسلام بالكلية إذا أطاعوا الله طاعة خالصة يريدون بها ثواب الله في الدار الآخرة، لكنهم على أعمال تخرجهم من الإسلام وتمنع قبول أعمالهم؛ فهذا النوع أيضا قد ذكر في الآية عن أنس بن مالك وغيره. وكان السلف يخافون منه كما قال بعضهم: لو أعلم أن الله تقبل مني سجدة واحدة لتمنيت الموت لأن الله يقول: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ ١. فهذا قصد وجه الله والدار الآخرة، لكن فيه من حب الدنيا والرياسة والمال ما حمله على ترك كثير من أمر الله ورسوله أو أكثره، فصارت الدنيا أكبر قصده; فلذلك قيل قصد الدنيا، وصار ذلك القليل كأنه لم يكن كقوله ﷺ «صل فإنك لم تصل ٢»، والأول أطاع الله ابتغاء وجهه لكن أراد من الله الثواب في الدنيا; وخاف على الحظ والعيال مثل ما يقول الفسقة، فصح أن يقال: قصد الدنيا. والثاني والثالث واضح
-
لكن بقي أن يقال: إذا عمل الرجل الصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج ابتغاء وجه الله طالبا ثواب الآخرة، ثم بعد ذلك عمل أعمالا كثيرة أو قليلة قاصدا بها الدنيا، مثل أن يحج فرضه لله، ثم يحج بعده لأجل الدنيا كما هو الواقع كثيرا، فالجواب أن هذا عمل للدنيا والآخرة ولا ندري ما يفعل الله في خلقه، والظاهر أن الحسنات والسيئات تدافعا وهو لما غلب عليه منهما. وقد قال بعضهم: أن القرآن كثيرا ما يذكر أهل الجنة الخلص وأهل النار الخلص، ويسكت عن صاحب الشائبتين، وهو هذا وأمثاله; ولهذا خاف السلف من حبوط الأعمال، وأما الفرق بين الحبوط والبطلان فلا أعلم بينهما فرقا بينا، والله أعلم.
ص ١٢٠ - ١٢٣
﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في قوله عز وجل لما ذكر قصة نوح: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ ١ إذا تأمل الإنسان حاله أولا وما تعلم من العلوم من أهله، ثم تفكر في هذه القصة هل علم منها زيادة على ما عنده أو لا، عرف مسائل:
- الأولى: عظمة الشرك عند الله ولو قصد صاحبه التقرب إلى الله، وذلك مما فعل الله بأهل الأرض لما عبدوا ودا، وسواعا، ويغوث، ويعوق، ونسرا.
- الثانية: شدة بطش الله وعقوبته حيث أرسل الطوفان فأهلك الطيور والدواب وغير ذلك.
- الثالثة: معرفة آيات رسول الله ﷺ حيث وافق ما قصه مع كونه لم يعلم ولم يأخذ عمن يعلم ما عند أهل الكتاب، فلم يستطيعوا أن يردوا عليه مع شدة العداوة.
- الرابعة: التحقيق بكون المخلوق ليس له من الأمر شيء ولو كان نبيا مرسلا، بسبب ما فيها من قصة ابن نوح.
- الخامسة: تبيين الله الحجج الباطلة والتحذير منها، مع أنها عندنا أوهام، وعند أكثر الناس حجج صحيحة.
- السادسة: تبرؤ الرسل من دعوى أن عندهم خزائن الله وعلم الغيب، مع أن الطواغيت في زمننا ادعوا ذلك; وصدقوا وعبدوا لأجل ذلك.
- السابعة: التحذير من استحقار الفقراء والضعفاء لقوله: ﴿وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ ١ مع أنه سائغ ممن يدعي العلم ويستحسنه الناس منهم.
- الثامنة: وهي من أعظم الفوائد: التحذير من الشبهة التي أدخلت أكثر الناس النار وهي السواد الأعظم والنفرة من القليل لقوله: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ ٢.
- التاسعة: معرفة شيء من عظمة الله في تأديبه الرسل لما قال لنوح: ﴿إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ ٣ ٤.
- العاشرة: وهي من أهمها أن فيها شاهدا لقول الحسن: نضحك ولعل الله اطلع على بعض أعمالنا فقال: لا أغفر لكم، وذلك من قوله: ﴿أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ ٥ مع سخريتهم منه.
- الحادية عشرة: التحذير من اتباع رؤساء الدنيا وقبول حججهم لقوله: ﴿قَالَ الْمَلَأُ﴾ وهم الأشراف والرؤساء.
- الثانية عشرة: بيان الله تعالى لتلك الحجج فقولهم: ﴿مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا﴾ ١ فيه القياس الفاسد وقولهم: ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا﴾ ٢ احتجاج بما ليس حجة، وقولهم: ﴿بَادِيَ الرَّأْيِ﴾ أي: ليسوا بأهل دقة نظر في أمور الدنيا، احتجاج بما ليس بحجة. وقولهم: ﴿وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ﴾ ٣ احتجاج برؤيتهم، وهو من أفسد الحجج، وقولهم: ﴿بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ ٤ احتجاج بالظن.
- الثالثة عشرة: أنهم لم يصرحوا بأن هذا الذي عليه نوح وأتباعه أمر الله، ثم جاهروا بعصيانه، قالوا: ﴿بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ ٥، وقالوا: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً﴾ ٦ وغير ذلك، وأنت ترى الذين يكونون من أهل العلم والعبادة كيف يقرون ويجاهرون بالكفر، ﴿وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ ٧.
ص ١٢٤ - ١٢٦