المؤلف:: محمد خليل هراس الناشر:: دار الإمام أحمد سنة النشر:: 2010 الصفحات:: 105 الغلاف:: https://images-na.ssl-images-amazon.com/images/S/compressed.photo.goodreads.com/books/1608879082i/56406195.jpg الصيغة:: PDF الرابط:: https://www.goodreads.com/book/show/56406195 ISBN:: الحالة:: مكتمل التسميات:: مهمات_العلم المعرفة:: العقيدة, التدريب:: , تاريخ القراءة:: 2025-04-15 معالج:: 1 تقييم الفائدة المستقبلية::
فتح باب التأويل للنصوص الصريحة الواضحة أعظم أسباب فرقة الأمة
الوحي بقسميه من كتاب وسنة قد نزل بلسان عربي مبين، لا مجال فيه لتعمية أو إلغاز، ولا عمل لاستعارة أو مجاز. فيجب أن تصان نصوصه عن العبث، وأن تفسر ألفاظها بمعانيها التي تدل عليها بحسب الوضع اللغوي لها، فلا نحرف كلمها عن مواضعه، ولا نستكره ألفاظها للدلالة على معنى بعيد لم توضع في الأصل لها، لا نتكلف تأويلها بما يصرفها عن معانيها المقصودة منها. وإلا كان ذلك تلاعباً بالنصوص، وتحكيماً للهوى في دين الله، وفتحا لباب فتنة كبرى تأتي على الدين من قواعده، حيث يعمد كل مبتدع وملحد إلى كل آية أو حديث لا يوافق مذهبه وهواه فيصرفها بالتأويل إلى ما يعتقده هو. وهذا في نظرنا أمر جوهري؛ فإنه ما فرق الأمة في الماضي بل والحاضر وجعلها شيعاً حتى بلغت نيفاً وسبعين فرقة، إلا فتح باب التأويل للنصوص الصريحة الواضحة، وتفسيرها بالميول الزائفة والنحل الفاسدة. وهو في نظرنا - أيضًا - محل الخلاف بين أهل السنة وأهل البدعة؛ فإن الأولين وقفوا عند حدود الوحي المنزل وفهموه كما ينبغي أن يفهم، فلم يسموه تأويلاً، ولا أوسعوه تحريفاً وإبطالاً. وأما الآخرون؛ فجعلوه على ما استقر في عقولهم من معتقدات فاسدة، لما وجدوا ظواهره لا توافق هذه المعتقدات، بل زعموا - وبئس ما زعموا - أن ظواهر هذه النصوص محال، وحكموا بأن ظاهر القرآن والسنة ضلال.
ص ٢٠ - ٢١
القواعد التي يقوم عليها الدين
إن الدين الإسلامي الذي بعث الله به عبده ورسوله محمداً ﷺ على فترة من الرسل ليهدي به البشرية ويخرجها من الظلمات إلى النور بإذن ربها، يقوم أساسًا على هذه القواعد الآتية:
١. التوحيد المطلق الكامل لله
الذي يشمل:
- توحيد الربوبية: وهو اعتقاد أنه سبحانه هو رب كل شيء، وخالقه ومليكه، فالملك كله بيده، وهو المتصرف في خلقه كما يشاء، يدبر أمورهم بحكمته، وكلهم مقهورون في قبضته. فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، بيده الخلق والأمر، وبيده الضر والنفع، ويحكم لا معقب لحكمه، ويقضي لا راد لقضائه، وأن كل ما يجري في الكون من شئون وأحداث قد سبق به الكتاب، وجرى القلم، فما أصاب أحدًا لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
- ويشمل توحيد الإلهية وهو أن العبادة كلها لا تنبغي إلا لله، فهي حقه الواجب له على العباد. فلا يجوز أن يُجعل له ندٌّ من خلقه يكون مستحقاً للعبادة معه، بل يجب أن تخلص له العبادات كلها: عبادة القلب: من المحبة والتعظيم، والخوف والرجاء، والذل، والخضوع، والرغبة والرهبة، والتقوى والخشية، والتوكل والاستعانة، والتوبة والإنابة، والصبر، والشكر، والتسليم، والرضا. وعبادة اللسان: من الذكر بكل أنواعه تسبيحاً، وتحميداً، وتهليلاً، وتكبيراً، وتلاوة قرآن، ومن التسمية والاستعاذة، والدعاء، والنداء والاستغاثة، والحلف. وعبادة الأبدان: من الصلاة، والصيام، والحج، والجهاد وغيرها. وعبادة الأموال: من الصدقات والنذور والكفارات الذبح والنذر، وأنواع البر المختلفة التي ندب إليها الشرع. فهذه كلها وغيرها عبادات لا يجوز لأحد أن يتقرب بها إلا إلى المعبود الحق، وهو الله ﷺ. فمن فعل شيئاً منها لأحد من الخلق أياً كان؛ فقد وقع في الشرك الأكبر الذي لا يغفر، وقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار.
- ويشمل كذلك توحيد الأسماء والصفات الذي يقوم على إثبات كل ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسول الله ﷺ من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل. ٢٣ فنثبت له سبحانه ما أثبت من الأسماء والصفات، وننفي عنه مشابهة المخلوقات. فله سبحانه الأسماء الحسنى والصفات العلا التي لا تنبغي إلا له، والتي لا يشبهه فيها أحد من خلقه؛ إذ ليس كمثله شيء. ولا ينبغي أن يعول في هذا الباب إلا على الكتاب والسنة وحدهما، فلا نتحاشى إثبات كل صفة ورد بها النص الصريح من الكتاب والسنة مع تنزيهه سبحانه عن مماثلة المخلوقين؛ فنثبت له الوجه، والعين، واليد، والاستواء، والنزول، والمجيء، والإتيان، والنداء، والتكلم، والسمع، والبصر، والرحمة، والغضب، والرضا، والسخط، والمحبة، والكراهية. ولا ننفي عنه إلا ما نفاه هو عن نفسه من العجز، والسفه، والجهل، والظلم، والجور، والضلال، والنسيان، والبخل، والفقر، والسِّنَة، والنوم، والموت، والفناء.
٢. الرسول ﷺ
-
أن محمداً ﷺ هو رسول الله لهذه الأمة، المبلغ عنه أمره ونهيه، وأنه خاتم النبيين لا نبي بعده، وأن كل من ادعى النبوة بعده قد ظهر كذبه وافتضح أمره، وأنه هو وحده المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ولا يكذب على الله ﷺ ولا يكتم شيئًا مما أمر بتبليغه؛ ومن سواه يجوز أن يخطئ ويصيب ويجوز عليه الكذب والكتمان. فليس لأحد أن يعدل عن قول رسول الله ﷺ إلى قول أي أحد، ولا أن يعارض قوله بقول أحد، ولا أن يخالف عن أمره أو يقدم بين يديه برأي أو حكم. بل يجب على كل مسلم أن يتبعه ظاهرًا وباطنًا، وأن يأخذ عنه دينه كله، عقيدته وعمله؛ فيصدقه في كل ما أخبر عنه من شئون الغيب التي لا سبيل إلى العلم بها إلا من جهته، ويطيعه في كل ما أمر به معتقداً أن الرشد كله والهدى والفلاح في امتثال أمره، ويجتنب كل ما نهى عنه من الفواحش والمنكرات وسوء الأعمال ورذائل الأخلاق.
-
والطرق كلها إلى الله مسدودة على الخلق إلا طريق من اقتفى أثره واتبع هواه، فهي وحدها الطريق الموصلة إلى الله. وينبغي أن يعلم مع ذلك: أن محمداً ﷺ بشر من الناس ليس إلها ولا ابن إله، وأنه كان يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، وينكح النساء، وتصيبه الأمراض والجراحات، وتنزل به الهموم والأحزان. وأنه لا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله، ولا يملك لنفسه ولا لغيره ضرًا ولا نفعًا إلا ما شاء الله
-
وأنه لا يجوز لأحد أن يطلب منه شيئًا بعد موته، أو أن يستقبل قبره الشريف في صلاة أو دعاء بل للتسليم فقط، وأن الصحابة ﷺ - وهم أعرف الناس بقدره وأشدهم له تعظيمًا ومحبة - لم يكونوا يجيئون عند قبره فيشكون إليه أحوالهم، أو يسألون أن يدعو الله لهم ليكشف ما نزل بهم،
-
وأما شفاعته ﷺ في الآخرة؛ فهي حق ثابت بالأحاديث الصحيحة، وله شفاعات متعددة؛ فهو يشفع في عموم الخلق أن يصرفهم الله من هول الموقف، وهذه الشفاعة هي المقام المحمود الذي وعده الله ﷺ، ويشفع في أهل الكبائر من أمته، وأسعد الناس بشفاعته يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه.
٣. محاربة الإسلام للشر والوثنية
-
إن الإسلام وهو دين الحنيفية السمحة والتوحيد الخالص، قد حارب الوثنية في جميع صورها، وعمل على اجتثاث جذورها وسد ذرائع الشرك كلها. فقد نهى عن: الغلو في تعظيم المخلوقين ومدحهم بغير حق وإحاطتهم بجو من التأليه والقداسة يخرجهم عن دائرة البشر. ونهى عن رفع القبور وتشييدها وإقامة القباب عليها والطواف بها والصلاة والدعاء عندها وتقديم النذور للمقبورين فيها. ونهى عن الاستغاثة بهم ودعائهم لقضاء الحاجات وتفريج الكربات، وأخبر أنهم لا يسمعون من دعاهم، ولا يجيبون من ناداهم.
-
ونهى الإسلام عن شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة الكبار التي هي: المسجد الحرام بمكة المكرمة، والمسجد الأقصى الذي بالشام؛ ومسجد الرسول ﷺ بالمدينة. وإذا كانت المساجد وهي بيوت الله التي أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه، لا يجوز شد الرحال إليها للصلاة فيها، فكيف يجوز شد الرحال إلى المشاهد لزيارتها أو إلى الموالد التي تشبه أعياد الجاهلية لإحيائها وإقامتها؟!
-
ونهى الإسلام أن يعتقد أن في بعض الأمكنة أو الأشخاص أو الآثار سرًا وبركة به تشفى الأمراض أو تقضى الحاجات أو تخصب العقيم أو تتزوج العرانس، هذه كلها أوهام لا يقرها دين الإسلام.
-
ونهى الإسلام كذلك عن السحر والطلاسم، وعن الرقى والتمائم، وعن التطير والتشاؤم، وعن الكهانة والعرافة، وعن محاولة النفوذ إلى ضمير الغيب بواسطة قراءة الكف أو ضرب الرمل أو زجر الطير أو قراءة الفنجان أو تسخير الجان أو غير ذلك مما أولع به النسوان في هذا الزمان.
-
ونهى عن اتخاذ الصور والتماثيل لإنسان أو حيوان. وهكذا احتاط الإسلام للتوحيد أشد الحيطة.
٤. يسر الإسلام وسماحته
إن الدين الإسلامي دين سماحة ويسر، لا مشقة فيه ولا عسر، فقد وضع الله عن أهله الآصار والأغلال التي كانت على من قبلهم، ولم يجعل عليهم في الدين من حرج، فشرع لهم من الطهارات الحسية والمعنوية ما فيه تنظيف لثيابهم وأبدانهم وأرواحهم، من غير أن يكلفهم في ذلك ما يشق عليهم. فرخص لهم في استعمال التراب بدلاً من الماء عند فقده أو تعذر استعماله في الحدث الأكبر والأصغر جميعاً. ووضع عنهم شطر الصلاة في السفر، ورخص لهم الفطر فيه، وأذن لهم في المسح على الجبائر والخفين والعمائم والجوارب. وشرع لهم ضروبًا من العبادات السهلة لتكون تعبيراً عمليّاً عن خضوع المسلم لربه، ولتكون رمز الولاء والحب والعرفان والشكر لنعمه، ولتكون كذلك كمالاً للتوحيد وعنواناً على الإخلاص. وهي كذلك تجدد ذكر الله في القلب حتى يظل العبد موصولاً به يتمثل عظمته وجبروته ويسارع في مرضاته.
٥. شمول الإسلام وكماله
-
إن الدين الإسلامي نظام إلهي كامل أنزله الله وافيًا بحاجات البشرية كلها في العقيدة والعبادة والسلوك والأخلاق، وأحكام البيوع والمعاملات، وأنواع الحدود والجنايات، وشئون القضاء والخصومات، ونظام الأسر وآداب المجتمعات، وأحكام الحرب والسلم وعقود الصلح والذمة إلى غير ذلك مما حفل به الفقه الإسلامي المستمد من الكتاب والسنة. فليس الدين الإسلامي - كما يزعم المغرضون - دين عبادة وزهد فحسب، ولا صلوات تؤدى في المساجد وأعمال تقصد بها الآخرة، ولكنه دين ينظم شئون الحياتين، ويتغلغل إلى كل مظاهر الوجود. فهو دين في طبيعته أن يقود ويهيمن، لا أن يتوارى ويختفي؛ وهو يفرض على أتباعه أن يأخذوا به كله، وأن يدخلوا فيه كافة، فليس لأحد أن يأخذ بشيء من الدين ويدع شيئًا، بل إما أن يؤخذ كله أو يترك كله. وليس في القرآن سورة تؤثر وأخرى تهدر، ولا حكم يتبع وآخر يهجر، بل الدين كل لا يتجزأ.
-
وليس لأحد كذلك أن يزعم أن هذا الدين ناقص يحتاج إلى تكميل أو تحسين، فيضيف إليه من البدع ما شاء له هواه، ويفتري على الله الكذب، بل الواجب هو الوقوف عند ما حده الله ورسوله بلا زيادة أو نقصان، فإن النقص تفريط وجفاء والزيادة ظلم واعتداء، ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه.
-
ومن الجرم الفظيع والجناية الكبرى أن يزعم أحد أن دين الله منقسم إلى حقيقة وشريعة، وأن لكل منهما أهلها، فالحقيقة للخواص والشريعة للعوام!! ويجوز لأرباب الحقيقة مخالفة الشريعة لأنهم ليسوا مكلفين بها!! فإن هذا القول كفر بالشريعة وبالدين كله.
٦. الإسلام حرر الإنسان من القيود البشرية
-
إن الإسلام حرر العقل الإنساني من سلطان الخرافة والوهم، ومن كل ما يشل حركته ويعطل موهبته، ورفع الحجر الذي كان مضروباً عليه ورد إليه اعتباره المهدد. فدعاه إلى النظر في ملكوت السموات والأرض ليستنتج ويعتبر، ووضع له المعايير الصحيحة للتفكير السليم. فنهاه أن يقفو ما ليس له به علم، أو أن يصدق بما لم يقم عليه الدليل، أو أن يجري وراء سخافات وضلالات قد أسماها أصحابها: «فلسفات ورثتها الإنسانية عن قرونها الأولى من غير أن يمتحن صدقها؛ ليعرف ما فيها من حق فيأخذه، وما فيها من باطل فيرفضه.
-
وحرر الإسلام كذلك الإرادة الإنسانية من التبعية الذليلة والانقياد الأعمى لشهوات السادة والرؤساء، ودعا الإنسان إلى أن يعيش حراً كريماً في ظل من أداء الواجب ويقظة الضمير والرعاية لحدود الله.
-
وحرر إرادته كذلك من أسر الشهوات وعبادة اللذات، وأن يكون سيد نفسه يملكها ولا تملكه، ويسمو بها عن حضيض الحيوانية الوضيعة إلى أوج الإنسانية ٣٤ الرفيعة، ويزكيها بالأعمال الصالحة والأخلاق الكريمة.
-
وحذر الإسلام من التقليد الأعمى، والتعصب للدين والعادات الموروثة عن الآباء والأجداد والشيوخ، وأمر بتمحيص ذلك كله وتقليب النظر فيه؛ ليؤخذ ما فيه من حق وخير، ويجتنب ما فيه من باطل وشر.
-
ودعا إلى وحدة الأمة واعتصامها جميعاً بحبل الله وانضوائها تحت راية القرآن. ونهى عن التفرق في الدين والاختلاف فيه، وحارب العصبية بكل أنواعها
٧. الإسلام دين عمل
وأخيرًا؛ دعا الإسلام إلى العمل وحث عليه كل قادر، وجعله موضع نظر الله من العبد؛ فإن الله لا ينظر إلى الصور والأجساد ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال. وأخبر أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، وأن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وأن من أمسى كالاًّ من عمل يده أمسى مغفوراً له، وأن الرجل حين يأخذ حبله ويخرج إلى الجبل فيجمع حزمة من الحطب يحملها على ظهره ويبيعها خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه، وأن اليد العليا خير من اليد السفلى،
الروافد الآسنة التي عَكَّرت صفو الإسلام
هذا هو الإسلام في إطاره الحقيقي، وفي تياره النقي قبل أن تُصَبَّ فيه تلك الروافد الآسنة التي عَكَّرت صفوه، وأخرجته عن بساطته ونقائه، وغيرت في وجه سنائه. فماذا حدث لهذا الإسلام من أحداث وماذا أصابه من محن وأرزاء؟ هنا يطول الكلام جداً، فقد استهدف الإسلام في مدى أربعة عشر قرنا لحملات جائرة وغارات متلاحقة بعضها مستعلن وبعضها مستتر. بل إن الإسلام قد أوذي من بعض أهله الغيورين بأكثر مما أوذي من الأعداء الشانئين.
سنكتفي بعرض سريع لأهم العوامل التي أثرت في مجراه، والتي كادت لولا لطف الله وحفظه لدينه وكتابه أن تقضي على هداه:
الخوارج
كانت هؤلاء الخوارج أول فرقة من أهل البدع التي ظهرت في الإسلام وكانت حركتهم أول تمرد سافر ضد المبادئ الدينية والجماعة الإسلامية، فقد كفروا مرتكب الكبيرة، وحكموا بخلوده في النار؛ مخالفين بذلك إجماع المسلمين على أن ٣٨ مرتكب الكبيرة لا يخرج عن الإيمان بكبيرته، وأنه يسمى مؤمنًا عاصيًا، وأنه إذا مات ولم يتب من ذنبه فأمره مفوض إلى ربه إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه. وذهبوا أيضًا إلى أنه لا يشترط في الخليفة أن يكون قرشيًّا، رغم الأحاديث الكثيرة الواردة في ذلك. وقد حاربهم علي رضي الله عنه بعدما ثبت له أنهم هم المعنيون في الأحاديث الصحيحة التي ذكرت سيماهم وعلامتهم، وكسرهم شر كسرة في موقعة النهروان هنا وهناك.
الشيعة
وإلى جانب هؤلاء الخوارج ظهرت فرقة تشيعت لعلي وأهل بيته وغلبت فيهم إلى حد التأليه واعتقاد العصمة، وزعموا أن النبي ﷺ كان قد نص على إمامة علي وأوصى له بالأمر من بعده، ولكن أبا بكر وعمر ومن معهما من الصحابة قد تآمروا على تنحيته واغتصاب حقه من الخلافة!!! فأظهر هؤلاء الشيعة سبَّ أبي بكر وعمر وعائشة وكثير من الصحابة وصرحوا بلعنهم، وأحدثوا من البدع في العقائد والعبادات شيئًا كثيرًا كالقول بالتقية، والرجعة، وعصمة الأئمة، وألفوا لهم كتباً خاصة في الحديث والفقه خالفوا فيها جماعة المسلمين.
القدرية
ثم ظهرت فرقة يقال لها: القدرية، زعموا أن لا قدر، وأن الأمر أُنُف، وأن الله لم يكتب على العباد شيئًا، وغلا بعضهم حتى زعم أن الله لا يعلم أعمال العباد قبل وقوعها. وقد ظهرت هذه البدعة في أواخر عهد الصحابة فأنكروها؛ وأظهروا البراءة من أصحابها، وردوا عليها بما عندهم من أحاديث القدر.
المرجئة
ثم ظهرت المرجئة كطرف مقابل للخوارج، بتكفير مرتكب الكبيرة والحكم بخلوده في النار، فرط هؤلاء المرجئة وزعموا أنه لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا تنفع مع الكفر طاعة، وأن مرتكب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان، وأخروا الأعمال عن الإيمان، وزعموا أنه مجرد المعرفة.
الجهمية
ثم ظهر الجهم بن صفوان الترمذي فغلا في التعطيل ونفي جميع الأسماء والصفات الإلهية، وقال: لا أصف الله بصفة توجد في المخلوق، ولا أسميه باسم يطلق على المخلوق. فلم يُسمِّه إلا قادراً فاعلاً؛ لأن المخلوق عنده لا قدرة له ولا فعل، بل هو مجبور على أفعاله، وهي تصدر عنه بلا اختيار منه، كما تصدر أفعال الجمادات. وزعم أن الله يعذب العبد على ما ليس من فعله، وأحدث القول بخلق القرآن، إلى غير ذلك مما ابتدعه هذا المارق الأثيم من بدع وضلالات ورثها من بعده ومن أشياعه في الضلال.
المعتزلة
ثم جاء المعتزلة فأبلوا أحسن البلاء في الدفاع عن الإسلام، ثم ما لبثوا أن انحرفوا انحرافًا هائلاً عن الجادة، فغلوا في تقدير العقل وحكموه في كل مسائل العقيدة، وقدموه على النصوص الصريحة من الكتاب والسنة، وأصَّلوا لأنفسهم خمسة أصول اتفقوا عليها، وهي: التوحيد والعدل والوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد غَلِطوا في كل واحد من هذه الأصول غلطاً بينًا، فاتخذوا من التوحيد ٤٠ ذريعة لنفي الصفات وتعطيل الذات عنها، ومن العدل ذريعة إلى القول بأن العبد مستقل بخلق أفعاله، وأن الله يريد أفعال العباد ولا يقدر عليها! فهي مخلوقة للعباد وليست مخلوقة لله. ولزعمهم أن يقع في ملكه ما لا يريد، وأن غيره خالق معه. واتخذوا من مبدأ الوعيد والوعيد حكمهم على الله بوجوب إثابة المطيع وعقاب العاصي، فلا يجوز له عندهم أن يغفر المذنب، كما لا يجوز له أن يهضم حق من أطاعه!!! وأما المنزلة بين المنزلتين فمعناها: أنهم لا يسمون مرتكب الكبيرة مؤمنًا ولا كافراً بل يجعلونه في منزلة بين الإيمان والكفر، ولكنهم يوافقون الخوارج على خلوده في النار مع الكفار. أما فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فقد نشطوا فيها حتى أرسلوا دعاتهم إلى كل صقع وبلد، ولكنهم استغلوا ذلك لنشر مذهبهم، واستعدوا خلفاء بني العباس والمؤيدين لهم على من خالفهم، وأظهروا القول بخلق القرآن، وأغروا المأمون بحملهاء أهل السنة ليجبروهم على هذا المقالة، فمنهم من قتل، ومنهم من أجابهم إلى ذلك تقية، وقد امتُحن أحمد بن حنبل في ذلك امتحانًا شديدًا وثبته الله. وقد أظهر هؤلاء المعتزلة بدعاً كثيرة في العقيدة، كقولهم بوجوب اللطف على الله، ووجوب إرسال الرسل، وفعل ما هو الأصلح في حق العبد. وقالوا: إن المقتول ليس ميتًا بأجله، وبأن الحرام ليس برزق، ونفوا كثيرًا من أخبار المعاد والبرزخ، فأنكروا سؤال الملكين ونعيم القبر وعذابه، ونفوا الشفاعة والميزان وصحائف الأعمال والصراط الممدود على متن جهنم، وردوا كل ما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة بحق أنها أحاديث آحاد لا تقبل في باب الاعتقاد. ونفوا رؤية المؤمنين لله في الآخرة؛ ونفوا كل الصفات الخبرية التي وردت في القرآن والسنة كالوجه واليد والعين والاستواء والنزول إلى غير ذلك مما هو مسطور في كتب الفرق والكلام.
الأشعرية
ثم ظهرت الأشعرية أتباع أبي الحسن الأشعري، فكان قدماؤهم على مذهب السلف في الإثبات والإيمان بكل ما وردت به الأخبار من صفات الله واليوم الآخر، ولكن كان عندهم بقايا قديمة من رواسب الاعتزال؛ لأن شيخهم أبا الحسن كان في أول أمره معتزليًّا. فكانوا ينفون صفات الأفعال الاختيارية بحجة أنها حوادث لا يجوز أن تقوم بالقديم، فلم يثبتوا لله حكمة ولا رحمة ولا محبة ولا كراهية ولا رضا ولا غضبًا. ونفوا أن يكون متكلماً بحروف وأصوات مسموعة، ونفوا تأثير الأسباب في مسبباتها. واستدلوا على وجود الله بأدلة اعتزالية بدعية كدليل الجواهر والأعراض الذي هو في الأصل للمعتزلة ثم تبعهم عليه الأشاعرة، ونفوا تأثير قدرة العبد في فعله والتزموا وجود قدرة معطلة لا تأثير لها.
المتفلسفة
وإلى جانب هؤلاء المتكلمين المنازعين كان يوجد جماعة يقال لهم: المتفلسفة، قد وقعوا على كتب ترجمت لهم من وضع قدماء الهند واليونان، فأغرموا بها واتخذوها دينًا لهم، واشتغلوا بها دراسة وشرحاً وتحليلاً واختصاراً، ثم حاولوا أن يجروا إليها نصوص الدين ويفسروها بها ليوهموا الأغرار والبسطاء أنها متفقة مع الدين، وأنها طريقان يؤديان إلى غاية واحدة، مع أن بينهما بُعد المشرقين
الصوفية
وكما أساء هؤلاء المتكلمون إلى العقيدة الإيمانية، فأخرجوها عن بساطتها وسلامة جوهرها، وحشروا فيها عناصر أجنبية عنها مما درسوه من ثقافات الفرس والهنود واليونان. كانت هناك جماعة يقال لهم: الصوفية؛ أساءوا إلى شريعة الإسلام وإلى الجانب العملي منه أبلغ إساءة، فوضعوا لأنفسهم رموزاً وإشارات وقواعد للسلوك ليست من الإسلام في شيء، بل هي حرب على الإسلام. فهم في العقيدة بين القائل بالحلول كالحلاج وأحزابه، وبين قائل بوحدة الوجود كابن عربي وأشياعه.
Generated at: 2025-04-15-15-31-51