المؤلف:: الآجري الناشر:: دار اللؤلؤة سنة النشر:: 2020 الصفحات:: 50 الغلاف:: https://images-na.ssl-images-amazon.com/images/S/compressed.photo.goodreads.com/books/1472506739i/31702169.jpg الصيغة:: PDF الرابط:: https://www.goodreads.com/book/show/31702169 ISBN:: الحالة:: مكتمل التسميات:: المعرفة:: التزكية, التدريب:: , تاريخ القراءة:: 2025-02-21 معالج:: 1 تقييم الفائدة المستقبلية::


الْمُقَدِّمَةُ

ثَنَاءُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُتَهَجِّدِينَ

۱ - اعْلَمُوا ـ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ ـ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَثْنَى عَلَى الْمُتَهَجِّدِينَ فِي اللَّيْلِ فَأَحْسَنَ عَلَيْهِمُ الثَّنَاءَ، وَوَعَدَهُمْ أَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنَ الْمَوْعِدِ الْجَمِيلِ.

وَرَغَّبَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ، وَحَثَّ أُمَّتَهُ عَلَيْهِ.

وَهَكَذَا الْعُلَمَاءُ رَغِبُوا فِيهِ، وَحَثُّوا عَلَى قِيَامِهِ، وَنَبُلَ عِنْدَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ كَانَ لَهُ حَظٌّ فِي قِيَامٍ.

فَنَحْنُ نُبَيِّنُ لِإِخْوَانِنَا مَا فِيهِ مِنَ الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، وَالْحَظِّ الْجَزِيلِ؛ لِيَكُونَ الرَّاغِبُ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ، يُتَاجِرُ مَوْلَاهُ الْكَرِيمَ بِعِلْمٍ، وَيُحْسِنُ الْخِدْمَةَ لِلْمَوْلَى رَجَاءَ الْقُرْبَةِ مِنْهُ.

ص ٦٨٢

مِنْ أَوْصَافِ الْمُتَّقِينَ قِيَامُهُمْ بِاللَّيْلِ

٢ - فَأَمَّا مَا وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ الْمُتَّقِينَ مِنْ أَخْلَاقِهِمُ الشَّرِيفَةِ فِي الدُّنْيَا الَّتِي أَعْقَبَتْهُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَرَفَ الْمَنَازِلِ فِي دَارِ السَّلَامِ، فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بِمَا تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَوَفَّقَهُمْ لَهُ، فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ.

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴿١٥﴾ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ ﴿١٦﴾ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴿١٧﴾ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴿١٨﴾﴾ [الذَّارِيَاتِ].

فَوَصَفَهُمْ جَلَّ ذِكْرُهُ بِقِلَّةِ النَّوْمِ؛ أَنَّهُمْ أَكْثَرُ لَيْلِهِمْ قِيَامًا إِلَى السَّحَرِ، ثُمَّ أَخَذُوا عِنْدَ السَّحَرِ فِي الِاسْتِغْفَارِ لِمَا سَلَفَ مِنْهُمْ مِمَّا لَا يَرْضِيهِ، وَإِشْفَاقًا مِنْهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ أَلَّا تُرْضِيَهُ.

أَفَتَرَى الْكَرِيمَ لَا يُجِيبُهُمْ؟! بَلْ يُجِيبُهُمْ وَهُوَ أَكْرَمُ مِنْ ذَلِكَ.

ثُمَّ قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ فِيمَا وَصَفَ بِهِ عِبَادَهُ مِنَ الْأَخْلَاقِ الَّتِي شَرَّفَهُمْ بِهَا فَقَالَ: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴿٦٣﴾ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴿٦٤﴾﴾ [الْفُرْقَانِ]. فَوَصَفَهُمْ جَلَّ ذِكْرُهُ أَنَّهُمْ فِي مَبِيتِهِمْ فِي لَيْلِهِمْ لَيْسَ هُمْ كَغَيْرِهِمْ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَ الْخَلْقِ يَتَلَذَّذُونَ بِالنَّوْمِ، وَهَؤُلَاءِ اسْتَأْثَرُوا الْخِدْمَةَ لِمَوْلَاهُمُ الْكَرِيمِ.

ثُمَّ وَصَفَهُمْ جَلَّ ذِكْرُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَقَالَ: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴿١٦﴾﴾ [السَّجْدَةِ]. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٩﴾﴾ [الزُّمَرِ].

ص ٦٨٣

حَالُ الْمُتَّقِينَ فِي قِيَامُهُمْ بِاللَّيْلِ

قَالَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: تَدَبَّرُوا - رَحِمَكُمُ اللَّهُ ـ مَا تَسْمَعُونَ مِنْ مَوْلَاكُمُ الْكَرِيمِ كَيْفَ يُخْبِرُ بِكَثْرَةِ سُجُودِهِمْ، وَطُولِ قِيَامِهِمْ، وَحُسْنِ خِدْمَتِهِمْ.

ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْهُمْ بَعْدَ هَذَا الْكَدِّ الشَّدِيدِ أَنَّهُمْ عَلَى حَذَرٍ مِمَّا حَذَّرَهُمْ مِنْ عَظِيمِ شَأْنِ الْآخِرَةِ، وَشِدَّةِ أَهْوَالِهَا، وَأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى قُلُوبِهِمْ شِدَّةُ الْخَوْفِ وَالْوَجَلِ مَعَ الْمُسَارَعَةِ فِيمَا يُرْضِيهِ.

ص ٦٨٣

الِاسْتِغْفَارُ فِي الْأَسْحَارِ بَعْدَ قِيَامِ اللَّيْلِ

٦ ـ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، قَالَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴿١٧﴾﴾ [الذَّارِيَاتِ:، قَالَ: قَلِيلٌ مِنْ اللَّيْلِ مَا يَنَامُونَ، ﴿وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴿١٨﴾﴾ [الذَّارِيَاتِ]، قَالَ: مَدُّوا الصَّلَاةَ إِلَى الْأَسْحَارِ، ثُمَّ أَخَذُوا فِي الْأَسْحَارِ بِالِاسْتِغْفَارِ.

ص ٦٨٤


وَفِي «التَّهَجُّدِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ» لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (٢٩٩) قَالَ: مَدُّوا الصَّلَاةَ إِلَى السَّحَرِ، ثُمَّ حُبِسُوا فِي الدُّعَاءِ وَالِاسْتِكَانَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ. وَانْظُرْ «مُخْتَصَرَ قِيَامِ اللَّيْلِ» لِلْمَرْوَزِيِّ (ص٩٦): (بَابُ الِاسْتِغْفَارِ بِالْأَسْحَارِ وَالصَّلَاةِ فِيهَا). وَفِيهِ: وَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴿١٨﴾﴾. وَقَالَ: ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴿١٧﴾﴾ [آلِ عِمْرَانَ]. وَعَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا نَافِعُ أَسَحَرْنَا؟ فَأَقُولُ: لَا، فَيُعَاوِدُ الصَّلَاةَ، فَإِذَا قُلْتُ: نَعَمْ، قَعَدَ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَدْعُو حَتَّى يُصْبِحَ.

الحاشية ص ٦٨٤

أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ قِيَامُ اللَّيْلِ

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْحَثِّ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ، وَرَغَّبَ فِيهِ أُمَّتَهُ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ.

٧ ـ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. (ح) قَالَ الْحُلْوَانِيُّ وَحَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ.

ص ٦٨٥

رَوَاهُ أَحْمَدُ (٨٥٠٧)، وَمُسْلِمٌ (١١٦٣).


٨ ـ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَقُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمُكَفِّرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَبْرَأَةٌ مِنَ الْإِثْمِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الْإِثْمِ.

ص ٦٨٥

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (٣٥٤٩)، وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي «صَحِيحِهِ» (١١٣٥).

مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ: حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ

١٢ ـ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبَّادٍ أَخُو حَمْدُونَ بْنِ عَبَّادٍ الْفَرْغَانِيِّ، قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْخٌ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قِيلَ لِلْحَسَنِ: مَا بَالُ الْمُتَهَجِّدِينَ أَحْسَنُ النَّاسِ وُجُوهًا؟ قَالَ: لِأَنَّهُمْ خَلَوْا بِالرَّحْمَنِ؛ فَأَلْبَسَهُمْ نُورًا مِنْ نُورِهِ.

ص ٦٨٧

يَضْحَكُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَنْ تَرَكَ فِرَاشَهُ وَأَهْلَهُ وَقَامَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ

رَوَى أَحْمَدُ (١١٧٦١)، وَابْنُ مَاجَهْ (٢٠٠) مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «ثَلَاثٌ يَضْحَكُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِمْ: الرَّجُلُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي، وَالْقَوْمُ إِذَا صَفُّوا فِي الصَّلَاةِ، وَالْقَوْمُ إِذَا صَفُّوا لِقِتَالِ الْعَدُوِّ».

الحاشية ص ٦٨٧

تَنَاثُرُ الْبِرِّ عَلَى مَنْ قَامَ اللَّيْلَ

١٦ ـ حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ يُوسُفَ الشَّكْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِلَالٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِلتَّهَجُّدِ؛ نَادَاهُ مَلَكٌ: طُوبَى لَكَ، سَلَكْتَ مِنْهَاجَ الْعَابِدِينَ قَبْلَكَ. قَالَ: وَإِنَّ لَيْلَتَهُ تِلْكَ لَتُوصِي بِهِ اللَّيْلَةَ الْأُخْرَى: أَنْ أَيْقِظِيهِ فِي وَقْتِهِ الَّذِي قَامَ فِيهِ. قَالَ: وَيَتَنَاثَرُ عَلَيْهِ الْبِرُّ مِنْ أَعْنَانِ السَّمَاءِ إِلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ، وَيُنَادِيهِ مُنَادٍ: لَوْ يَعْلَمُ الْمُنَاجِي مَنْ يُنَادِي مَا انْفَتَلَ.

ص ٦٨٩


وَفِي «التَّهَجُّدِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ» لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (٢٤) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ اللَّيْلَ لِلصَّلَاةِ تَنَاثَرَ عَلَيْهِ الْبِرُّ مِنْ عَنَانِ السَّمَاءِ إِلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ، وَهَبَطَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ لِتَسْتَمْتِعَ لِقِرَاءَتِهِ، وَاسْتَمَعَ لَهُ عُمَّارُ دَارِهِ وَسُكَّانُ الْهَوَاءِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَجَلَسَ فِي الدُّعَاءِ أَحَاطَتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ تُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِهِ، فَإِنْ هُوَ اضْطَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ نُودِيَ: نَمْ قَرِيرَ الْعَيْنِ مَسْرُورًا، نَمْ خَيْرَ نَائِمٍ عَلَى خَيْرِ عَمَلٍ.

الحاشية ص ٦٨٩

الشِّتَاءُ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ

١٧ ـ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الشِّتَاءُ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ؛ قَصُرَ نَهَارُهُ فَصَامَهُ، وَطَالَ لَيْلُهُ فَقَامَهُ».

ص ٦٩٠


رَوَاهُ أَحْمَدُ (١١٧١٦)، وَأَبُو يَعْلَى (١٠٦١)، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي «الْكَامِلِ» (٤/ ١٣)، فِي تَرْجَمَةِ دَرَّاجٍ، وَقَالَ: وَهَذَا مِمَّا يُنْكَرُ مِنْ أَحَادِيثِهِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي «التَّهَجُّدِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ» (٣٩٦) نَحْوَهُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ (٩٨٣٥) قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الشِّتَاءُ غَنِيمَةُ الْعَابِدِ

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي «لَطَائِفِ الْمَعَارِفِ» (ص ٣٢٦): إِنَّمَا كَانَ الشِّتَاءُ رَبِيعَ الْمُؤْمِنِ؛ لِأَنَّهُ يَرْتَعُ فِيهِ فِي بَسَاتِينِ الطَّاعَاتِ، وَيَسْرَحُ فِي مَيَادِينِ الْعِبَادَاتِ، وَيُنَزِّهُ قَلْبَهُ فِي رِيَاضِ الْأَعْمَالِ الْمُيَسَّرَةِ فِيهِ كَمَا تَرْتَعُ الْبَهَائِمُ فِي مَرْعَى الرَّبِيعِ فَتَسْمَنُ وَتَصْلُحُ أَجْسَادُهَا، فَكَذَلِكَ يَصْلُحُ دِينُ الْمُؤْمِنِ فِي الشِّتَاءِ بِمَا يَسَّرَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الطَّاعَاتِ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَقْدِرُ فِي الشِّتَاءِ عَلَى صِيَامِ نَهَارِهِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ وَلَا كُلْفَةٍ تَحْصُلُ لَهُ مِنْ جُوعٍ وَلَا عَطَشٍ، فَإِنَّ نَهَارَهُ قَصِيرٌ بَارِدٌ فَلَا يُحِسُّ فِيهِ بِمَشَقَّةِ الصِّيَامِ، وَفِي «الْمُسْنَدِ» وَالتِّرْمِذِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «الصِّيَامُ فِي الشِّتَاءِ الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ»، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى الْغَنِيمَةِ الْبَارِدَةِ؟ قَالُوا: بَلَى، فَيَقُولُ: الصِّيَامُ فِي الشِّتَاءِ. وَمَعْنَى كَوْنِهَا (غَنِيمَةً بَارِدَةً): أَنَّهَا غَنِيمَةٌ حَصَلَتْ بِغَيْرِ قِتَالٍ، وَلَا تَعَبٍ، وَلَا مَشَقَّةٍ، فَصَاحِبُهَا يَحُوزُ هَذِهِ الْغَنِيمَةَ عَفْوًا صَفْوًا بِغَيْرِ كُلْفَةٍ. وَأَمَّا قِيَامُ لَيْلِ الشِّتَاءِ فَلِطُولِهِ يُمْكِنُ أَنْ تَأْخُذَ النَّفْسُ حَظَّهَا مِنَ النَّوْمِ ثُمَّ تَقُومَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَيَقْرَأُ الْمُصَلِّي وِرْدَهُ كُلَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ، وَقَدْ أَخَذَتْ نَفْسُهُ حَظَّهَا مِنَ النَّوْمِ، فَيَجْتَمِعُ لَهُ فِيهِ نَوْمُهُ الْمُحْتَاجُ إِلَيْهِ مَعَ إِدْرَاكِ وِرْدِهِ مِنَ الْقُرْآنِ، فَيَكْمُلُ لَهُ مَصْلَحَةُ دِينِهِ وَرَاحَةُ بَدَنِهِ…

بِخِلَافِ لَيْلِ الصَّيْفِ فَإِنَّهُ لِقِصَرِهِ وَحَرِّهِ يَغْلِبُ النَّوْمُ فِيهِ، فَلَا تَكَادُ تَأْخُذُ النَّفْسُ حَظَّهَا بِدُونِ نَوْمِهِ كُلِّهِ، فَيَحْتَاجُ الْقِيَامُ فِيهِ إِلَى مُجَاهَدَةٍ، وَقَدْ لَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ لِقِصَرِهِ مِنَ الْفَرَاغِ مِنْ وِرْدِهِ مِنَ الْقُرْآنِ، فَيَكْمُلُ لَهُ مَصْلَحَةُ دِينِهِ وَرَاحَةُ بَدَنِهِ.

وَعَنِ الْحَسَنِ قَالَ: نِعَمَ زَمَانُ الْمُؤْمِنِ الشِّتَاءُ؛ لَيْلُهُ طَوِيلٌ يَقُومُهُ، وَنَهَارُهُ قَصِيرٌ يَصُومُهُ. وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا جَاءَ الشِّتَاءُ قَالَ: يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ، طَالَ لَيْلُكُمْ لِقِرَاءَتِكُمْ فَاقْرَأُوا، وَقَصُرَ النَّهَارُ لِصِيَامِكُمْ فَصُومُوا.

الحاشية ص ٦٩٠ - ٦٩١

الْقِيَامُ فِي لَيْلِ الشِّتَاءِ يَشُقُّ عَلَى النُّفُوسِ مِنْ وَجْهَيْنِ

أَحَدُهُمَا: مِنْ جِهَةِ تَأَلُّمِ النَّفْسِ بِالْقِيَامِ مِنَ الْفِرَاشِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ. قَالَ دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ: قَامَ بَعْضُ إِخْوَانِي إِلَى وِرْدِهِ بِاللَّيْلِ فِي لَيْلَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ فَكَانَ عَلَيْهِ خَلَقَانٌ، فَضَرَبَهُ الْبَرْدُ فَبَكَى، فَهَتَفَ بِهِ هَاتِفٌ: أَقَمْنَاكَ وَأَنَمْنَاهُمْ، وَتَبْكِي عَلَيْنَا. خَرَّجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ.

وَالثَّانِي: بِمَا يَحْصُلُ بِإِسْبَاغِ الْوُضُوءِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ مِنَ التَّأَلُّمِ. وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكَ الرِّبَاطُ».

الحاشية ص ٦٩١

اغْتِنَامُ لَيَالِي الشِّتَاءِ بِالْقِيَامِ وَنَهَارِهِ بِالصِّيَامِ

١٨ ـ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ السَّقَطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ [أَنَّهُ] كَانَ إِذَا جَاءَ الشِّتَاءُ، قَالَ: يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ، طَالَ اللَّيْلُ لِصَلَاتِكُمْ، وَقَصُرَ النَّهَارُ لِصِيَامِكُمْ، فَاغْتَنِمُوا.

ص ٦٩١


وَزَادَ فِي «الزُّهْدِ» لِأَحْمَدَ (٢٢٢٨): .. إِنْ أَعْيَاكُمُ اللَّيْلُ أَنْ تُكَابِدُوهُ، وَخِفْتُمُ الْعَدُوَّ أَنْ تُجَاهِدُوهُ، وَبَخِلْتُمْ بِالْمَالِ أَنْ تُنْفِقُوهُ؛ فَأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

الحاشية ص ٦٩١

الْحِرْصُ عَلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ وَلَوْ بِرَكْعَتَيْنِ

١٩ ـ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْدَلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَعْشَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «صَلُّوا مِنَ اللَّيْلِ وَلَوْ رَكْعَتَيْنِ، مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ تُعْرَفُ لَهُمْ صَلَاةٌ بِاللَّيْلِ إِلَّا نَادَاهُمْ مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ، قُومُوا لِصَلَاتِكُمْ».

ص ٦٩٢


رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ (٦٦٦٨)، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي «التَّهَجُّدِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ» (٣٩٧)، وَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ.

وَانْظُرْ «مُصَنَّفَ» ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ (٢/ ٢٧١) (مَنْ كَانَ يَأْمُرُ بِقِيَامِ اللَّيْلِ).

الحاشية ص ٦٩٢

أَفْضَلُ أَوْقَاتِ قِيَامِ اللَّيْلِ: نِصْفُ اللَّيْلِ

٢٠ ـ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، عَنْ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ، عَنْ أَبِي مَخْلَدٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُسْلِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي ذَرٍّ: أَيُّ صَلَاةِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «نِصْفُ اللَّيْلِ، وَقَلِيلٌ فَاعِلُهُ».

ص ٦٩٢


رَوَاهُ أَحْمَدُ (٢١٥٥٥)، وَالنَّسَائِيُّ فِي «الْكُبْرَى» (١٣١٠).

وَرَوَى مُسْلِمٌ (١١٦٣) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ؟ فَقَالَ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ: الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ.

  • وَفِي «التَّهَجُّدِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ» لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (١٣) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: فَضْلُ صَلَاةِ اللَّيْلِ عَلَى صَلَاةِ النَّهَارِ كَفَضْلِ صَدَقَةِ السِّرِّ عَلَى صَدَقَةِ الْعَلَانِيَةِ.
  • وَفِيهِ (١٦) قَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَا أَفْضَلُ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْعَبْدُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْأَعْمَالِ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُ شَيْئًا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْمُتَقَرِّبُونَ إِلَى اللَّهِ أَفْضَلَ مِنْ قِيَامِ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ إِلَى الصَّلَاةِ.
  • وَفِيهِ (٣٣) عَنِ الْأَجْلَحِ قَالَ: رَأَيْتُ سَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: أَيُّ الْأَعْمَالِ وَجَدْتَ أَفْضَلَ؟ قَالَ: قِيَامُ اللَّيْلِ.
  • وَفِيهِ (٢٤٣) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ: كَانَ أَبِي يَأْمُرُ نِسَاءَهُ وَخَدَمَهُ وَبَنَاتَهُ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، وَيَقُولُ: صَلُّوا لَوْ رَكْعَتَيْنِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ تَحُطُّ الْأَوْزَارَ، وَهِيَ مِنْ أَشْرَفِ أَعْمَالِ الصَّالِحِينَ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي «جَامِعِ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ» (٢/ ٨٠٨) بِاخْتِصَارٍ: وَقَوْلُهُ ﷺ: «وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ»، ذَكَرَ أَفْضَلَ أَوْقَاتِ التَّهَجُّدِ بِاللَّيْلِ، وَهُوَ جَوْفُ اللَّيْلِ. وَخَرَّجَ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: «جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ … وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ الْعَبْدِ: فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ». وَصَحَّحَهُ.

الحاشية ص ٦٩٢ - ٦٩٤

الفرق بين جَوْفَ اللَّيْلِ وجَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِر

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي «جَامِعِ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ» (٢/ ٨٠٨) بِاخْتِصَارٍ:

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ جَوْفَ اللَّيْلِ إِذَا أُطْلِقَ فَالْمُرَادُ بِهِ: وَسَطُهُ. وَإِنْ قِيلَ: جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، فَالْمُرَادُ وَسَطُ النِّصْفِ الثَّانِي، وَهُوَ السُّدُسُ الْخَامِسُ مِنْ أَسْدَاسِ اللَّيْلِ، وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ النُّزُولُ الْإِلَهِيُّ.

الحاشية ص ٦٩٤

مَنْ أَحَسَّ بِالْفُتُورِ وَحُبِّ النَّوْمِ فَعَلَيْهِ بِأَمْرَيْنِ

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: يَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ لَهُ حَظٌّ مِنَ اللَّيْلِ أَنْ يَدُومَ عَلَيْهِ، وَيُرَاعِيَهُ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ، وَيَتَحَذَّرَ مِنْ فُتُورِ النَّفْسِ، فَإِنَّ النَّفْسَ رُبَّمَا فَتَرَتْ وَاسْتَلَذَّتِ النَّوْمَ فِي وَقْتِ الْقِيَامِ، فَزَيَّنَ لَهَا الشَّيْطَانُ النَّوْمَ لِيَنَامَ عَنِ الْقِيَامِ حَسَدًا مِنْهُ لِلْمُؤْمِنِ. فَيَنْبَغِي لِمَنْ أَحَسَّ بِذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ:

  • أَنْ يُكْثِرَ الذِّكْرَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ اسْتِيقَاظِهِ.
  • وَيَنْضَحَ الْمَاءَ عَلَى وَجْهِهِ؛ فَإِنَّهُ يَنْطَرِدُ عَنْهُ مَا أَمَّلَهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْفُتُورِ عَنِ الْقِيَامِ، وَاللَّهُ أَعْلَم.

ص ٦٩٤

الشَّيْطَانُ يَعْقِدُ عَلَى الْقَافِيَةِ ثَلَاثَ عُقَدٍ وَكَيْفِيَّةُ فَكِّ هَذِهِ الْعُقَدِ

٢٢ ـ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِذَا نَامَ أَحَدُكُمْ عَقَدَ الشَّيْطَانُ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، أَيِ: ارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ؛ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ؛ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى؛ انْحَلَّتِ الْعُقَدُ كُلُّهَا، قَالَ: فَيُصْبِحُ طَيِّبَ النَّفْسِ نَشِيطًا، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانًا».

ص ٦٩٥

رَوَاهُ أَحْمَدُ (٧٣٠٨)، وَالْبُخَارِيُّ (١١٤٢)، وَمُسْلِمٌ (٧٧٦).

التَّرْغِيبُ فِي إِيقَاظِ الْأَهْلِ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ

٢٤ ـ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، حَدَّثَنِي الْقَعْقَاعُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ؛ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا مِنَ الْمَاءِ، وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ، ثُمَّ أَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ مِنَ الْمَاءِ».

رَوَاهُ أَحْمَدُ (٧٤١٠)، وَأَبُو دَاوُدَ (١٣٠٨ و ١٤٥٠)، وَابْنُ مَاجَهْ (١٣٣٦).

٢٥ ـ وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الْجَوْزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ، عَنِ الْأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْلِ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا، كُتِبَا مِنَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ»

ص ٦٩٦

رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي «الْكُبْرَى» (١٣١٢)، وَابْنُ مَاجَهْ (١٣٣٥)

قَائِمُ اللَّيْلِ مُشْفِقٌ مُستَغْفِرٌ حَسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: فِيمَا ذَكَرْتُهُ وَاخْتَصَرْتُهُ بَلَاغٌ لِمَنْ مَنَعَ نَفْسَهُ لَذَّةَ النَّوْمِ فَآثَرَ الْقِيَامَ، وَرَاوَحَ بَيْنَ الْأَقْدَامِ، وَتَنَعَّمَ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ يَرْجُو بِذَلِكَ رِضَى الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ.

فَلَوْ شَهِدْتَهُ - يَا أَخِي - فِي اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ فَقَلْبُهُ لِمَا يَتْلُو مِنَ الْقُرْآنِ مُتَدَبِّرٌ، وَبِأَمْثَالِهِ مُعْتَبِرٌ، وَفِيمَا حَكَى مُتَفَكِّرٌ، وَبِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ لِنَفْسِهِ مُذَكِّرٌ، فَالْقَلْبُ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ خَائِفٌ مُقْلِقٌ، وَلِمَا عَمِلَ مِنَ الْحَسَنَاتِ مُشْفِقٌ، فَالِاسْتِغْفَارُ شِعَارُهُ، وَهُجُومُ الظَّلَامِ سُرُورُهُ، وَحُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ الْكَرِيمِ آمَالُهُ، وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ.

ص ٦٩٨

١ - بَابٌ فِيمَنْ كَانَ لَهُ وِرْدٌ مِنَ اللَّيْلِ يَقُومُهُ فَشَغَلَهُ عَنْهُ مَرَضٌ أَوْ عُذْرٌ وَنَامَ عَنْهُ وَمِنْ نِيَّتِهِ الْقِيَامُ

أجر مَنْ كَانَ لَهُ وِرْدٌ مِنَ اللَّيْلِ فَنام عنه

٣٠ ـ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ الْأُشْنَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ الْكُوفِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ فَيُصَلِّيَ مِنَ اللَّيْلِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ حَتَّى يُصْبِحَ كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى، وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ».

ص ٧٠٠

رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي «الْكُبْرَى» (١٤٦٣)، وَابْنُ مَاجَهْ (١٣٤٤). وَرَوَاهُ مَوْقُوفًا النَّسَائِيُّ فِي «الْكُبْرَى» (١٤٦٤)، وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي «قِيَامِ اللَّيْلِ» (٢٤١)، وَابْنُ خُزَيْمَةَ (١١٧٣). وَهُوَ الصَّوَابُ كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي «الْعِلَلِ» (١٠٧٤)

قِيَامُ اللَّيْلِ وَصِيَامُ النَّهَارِ أَيْسَرُ مِنْ مُقَطَّعَاتِ الْحَدِيدِ وَشَرَابِ الصَّدِيدِ

٣٦ ـ وَحَدَّثَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ بْنِ فَيْرُوزَ الْأَزْرَقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: كُنَّا نُغَازِي مَعَ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، فَكَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ صَلَاةً، فَإِذَا مَرَّ مِنَ اللَّيْلِ ثُلُثُهُ أَوْ أَكْثَرُ نَادَانَا وَنَحْنُ فِي فَسَاطِيطِنَا: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ، وَيَا يَزِيدَ بْنَ يَزِيدَ، وَيَا هِشَامَ بْنَ الْغَازِ، قُومُوا فَتَوَضَّؤُوا وَصَلُّوا، فَقِيَامُ هَذَا اللَّيْلِ، وَصِيَامُ هَذَا النَّهَارِ أَيْسَرُ مِنْ مُقَطَّعَاتِ الْحَدِيدِ، وَشَرَابِ الصَّدِيدِ، الْوَحَاءَ الْوَحَاءَ، النَّجَاءَ النَّجَاءَ. ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَى صَلَاتِهِ.

ص ٧٠٣


فِي «التَّهَجُّدِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ» (٦٨) عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ رَاشِدٍ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: كَانَ زَمْعَةُ نَازِلًا عِنْدَنَا بِالْحَصِيبِ، وَكَانَ لَهُ أَهْلٌ وَبَنَاتٌ، وَكَانَ يَقُومُ فَيُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا، فَإِذَا كَانَ السَّحَرُ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا أَهْلَ الرَّكْبِ الْمُعَرِّسُونَ، كُلَّ هَذَا اللَّيْلِ تَرْقُدُونَ، أَلَا تَقُومُ تَرْحَلُونَ، قَالَ: فَيَتَوَاثَبُونَ فَتَسْمَعُ مِنْ هَاهُنَا بَاكِيًا، وَمِنْ هَاهُنَا دَاعِيًا، وَمِنْ هَاهُنَا قَارِئًا، وَمِنْ هَاهُنَا مُتَوَضِّئًا، فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: عِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى. اهـ. وَهَذَا مِثْلُ مَعْنَاهُ: أَنَّ الَّذِي يَمْشِي لَيْلًا يَفْرَحُ بِسَيْرِهِ إِذَا طَلَعَ النَّهَارُ، بِخِلَافِ النَّائِمِ.


٣٧ ـ حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الشَّكْلِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ مُوَفَّقٍ يَقُولُ: قَالَ دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ: كَانَ فَتًى مِنَ الْمُتَعَبِّدِينَ لَهُ وِرْدٌ مِنَ اللَّيْلِ، فَأَجْنَبَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَامَ وَاغْتَسَلَ، وَالْمَاءُ بَارِدٌ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ فَبَكَى، فَنُودِيَ: أَنَمْنَاهُمْ فَأَقَمْنَاكَ، وَتَتَبَاكَى عَلَيْنَا؟! أَوْ كَمَا قَالَ أَبُو الْفَضْلِ.

ص ٧٠٤

٢ - بَابُ ذِكْرِ مَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْعَلَهُ الْقَائِمُ الْمُتَهَجِّدُ

اسْتِحْبَابُ السِّوَاكِ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ:

٣٨ ـ أُحِبُّ لِمَنْ أَرَادَ الْقِيَامَ مِنَ النَّوْمِ لِلتَّهَجُّدِ أَنْ يَتَسَوَّكَ، وَأَنْ يَتَطَهَّرَ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَطَيَّبَ فَلْيَفْعَلْ، وَيَذْكُرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيُمَجِّدَهُ وَيَحْمَدَهُ بِمَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَذْكُرُهُ وَيَفْعَلُهُ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ مَنَامِهِ وَيَحْفَظُهُ، فَإِنَّهُ بَابٌ شَرِيفٌ حَسَنٌ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، يَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ لَهُ.

ص ٧٠٥

٤١ ـ وَحَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، وَمَنْصُورٍ وَحُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ.

ص ٧٠٦

رَوَاهُ أَحْمَدُ (٢٣٢٤٢)، وَالْبُخَارِيُّ (٢٤٥ و ٨٨٩)، وَمُسْلِمٌ (٢٥٥). وَفِي «الصِّحَاحِ» (٣/ ١٠٤٤): (الشَّوْصُ): الْغَسْلُ وَالتَّنْظِيفُ.

وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ (١٦٢٣) عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا نُؤْمَرُ بِالسِّوَاكِ إِذَا قُمْنَا مِنَ اللَّيْلِ. وَانْظُرْ «مُخْتَصَرَ قِيَامِ اللَّيْلِ» (١١٠): (بَابُ السِّوَاكِ عِنْدَ الْوُضُوءِ لِقِيَامِ اللَّيْلِ)، وَفِيهِ:

  • عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ: رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا الْعَبْدُ قَدِ اسْتَنَّ فِيهِمَا أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ رَكْعَةً لَمْ يَسْتَنَّ فِيهَا.
  • وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: خَلْقَانِ كَرِيمَانِ مِنْ أَحْسَنِ أَخْلَاقِ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ: التَّهَجُّدُ بِاللَّيْلِ، وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَى السِّوَاكِ.
  • وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النَّضْرِ الْحَارِثِيِّ - وَذَكَرَ قِيَامَ اللَّيْلِ وَالسِّوَاكَ قَبْلَهُ ـ، فَقَالَ: ذَاكَ عَادَةُ الْمُتَهَجِّدِينَ.

الحاشية ص ٧٠٦ - ٧٠٧

الدُّعَاءُ الْوَارِدُ لِمَنْ قَامَ يَتَهَجَّدُ مِنَ اللَّيْلِ

٣٩ ـ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، وَأَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَغَيْرُهُمْ ـ وَاللَّفْظُ لِعَبْدِ الْجَبَّارِ ـ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ، عَنْ طَاوُوسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ، قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ بَيْنَهُنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ، اللَّهُمَّ بِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ».

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: يَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ لَهُ حَظٌّ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ أَنْ يَحْفَظَ هَذَا، وَإِنَّمَا أَحُثُّهُ عَلَى حِفْظِهِ لِيَسْتَعْمِلَهُ. وَكَذَا يَنْبَغِي لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَحْفَظَهُ مِمَّنْ لَا حَظَّ لَهُ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ، فَيَدْعُوَ بِهِ؛ رَجَاءَ أَنْ يُوَفِّقَهُ مَوْلَاهُ الْكَرِيمُ لِقِيَامِ اللَّيْلِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ص ٧٠٥ - ٧٠٦

رَوَاهُ أَحْمَدُ (٢٧١٠)، وَالْبُخَارِيُّ (١١٢٠)، وَمُسْلِمٌ (٧٦٩

الْمَلَكُ يَدْنُو إِلَى مَنْ تَسَوَّكَ قَبْلَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَيَضَعُ فَاهُ عَلَيْهِ

٤٢ ـ حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ١ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ النَّخَعِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ: أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَحُثُّ عَلَيْهِ، وَيَأْمُرُ بِهِ ـ يَعْنِي: السِّوَاكَ ـ، وَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي دَنَا الْمَلَكُ مِنْهُ فَيَسْتَمِعُ الْقُرْآنَ، فَمَا يَزَالُ يَدْنُو حَتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ، فَمَا يَلْفِظُ مِنْ آيَةٍ إِلَّا دَخَلَتْ جَوْفَهُ.

ص ٧٠٧

رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي «أَخْلَاقِ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ» (٩٦)، وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْهُ. وَانْظُرْ بَقِيَّةَ تَخْرِيجِهِ هُنَاكَ.

اسْتِحْبَابُ الطَّهَارَةِ وَالنَّظَافَةِ وَالتَّطَيُّبِ قَبْلَ قِيَامِ اللَّيْلِ

ذَكَرَ الْمَرْوَزِيُّ فِي «مُخْتَصَرِ قِيَامِ اللَّيْلِ» (ص ١١٢): (بَابُ الِاغْتِسَالِ لِقِيَامِ اللَّيْلِ، وَالتَّطَيُّبِ، وَلُبْسِ الثِّيَابِ الْحَسَنَةِ):

  • وَكَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمٍ الصَّنْعَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ لِلتَّهَجُّدِ لَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ، وَتَنَاوَلَ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ، وَكَانَ مِنَ الْمُتَهَجِّدِينَ.
  • وَعَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَكْلَ الثُّومِ وَالْكُرَّاثِ وَالْبَصَلِ مِنَ اللَّيْلِ، وَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ عِنْدَ قِيَامِهِ مِنَ اللَّيْلِ طِيبًا يَمْسَحُ بِهِ شَارِبَيْهِ، وَمَا أَقْبَلَ مِنَ اللِّحْيَةِ.

وَانْظُرْ كِتَابَ «التَّهَجُّدِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ» لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (ص٣٧١) (بَابُ مَنْ كَانَ يَلْبَسُ صَالِحَ ثِيَابِهِ عِنْدَ الْقِيَامِ لِتَهَجُّدِهِ)

الحاشية ص ٧٠٨ - ٧٠٩

٣ - بَابٌ فِي الصَّلَاةِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ

بَوَّبَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مُصَنَّفَاتِهِمْ أَبْوَابًا لِلصَّلَاةِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَأَسْنَدُوا فِيهِ كُلَّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ. وَمِمَّا رُوِيَ مِنْ صَحِيحِ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ:

  • مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي «الْكُبْرَى» (٣٧٩)، وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ (١١٩٤) بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ مَيْسَرَةَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ، فَصَلَّى إِلَى الْعِشَاءِ.

  • وَعِنْدَ أَحْمَدَ (٢٣٤٣٦) قَالَ: فَجِئْتُهُ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَامَ يُصَلِّي، فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ خَرَجَ.

  • وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ (١٣٢١) مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ [ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ]، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴿١٦﴾﴾ [السَّجْدَةِ]، قَالَ: كَانُوا يَتَيَقَّظُونَ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يُصَلُّونَ.

  • وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ (٥٩٨١) قَالَ: كَانُوا يَتَطَوَّعُونَ فِيمَا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ: الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، فَيُصَلُّونَ.

  • وَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (٣٤٧٣) مِنْ طَرِيقِ يَحْيَي بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ نَزَلَتْ فِي انْتِظَارِ هَذِهِ الصَّلَاةِ الَّتِي تُدْعَى الْعَتَمَةَ. ـ وَهِيَ الْعِشَاءُ.

  • وَمَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ فِي «تَفْسِيرِهِ» (١٨/ ٦١٠) عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾، قَالَ: كَانُوا يَتَنَفَّلُونَ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَصَلَاةِ الْعِشَاءِ. قُلْتُ: وَقَدْ رُوِيَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي، كَمَا قَالَ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ «جَامِعُ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ» (٢/ ١٤٣): وَكُلُّ هَذَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ لَفْظِ الْآيَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ مَدَحَ الَّذِينَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ لِدُعَائِهِ، فَيَشْمَلُ ذَلِكَ كُلَّ مَنْ تَرَكَ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ لِذِكْرِ اللَّهِ وَدُعَائِهِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ صَلَّى بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ، وَمَنِ انْتَظَرَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ فَلَمْ يَنَمْ حَتَّى يُصَلِّيَهَا، لَا سِيَّمَا مَعَ حَاجَتِهِ إِلَى النَّوْمِ وَمُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ عَلَى تَرْكِهِ لِأَدَاءِ الْفَرِيضَةِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِمَنِ انْتَظَرَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ: «إِنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلَاةَ»، وَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ نَامَ ثُمَّ قَامَ مِنْ نَوْمِهِ بِاللَّيْلِ لِلتَّهَجُّدِ، وَهُوَ أَفْضَلُ أَنْوَاعِ التَّطَوُّعِ بِالصَّلَاةِ مُطْلَقًا.

  • وَقَالَ الْمَرْوَزِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي «مُخْتَصَرِ قِيَامِ اللَّيْلِ» (ص ٧١): فَالصَّلَاةُ فِي اللَّيْلِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ مُبَاحٌ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ لَمْ يُنْهَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي شَيْءٍ مِنْ سَاعَاتِهِ، فَكُلُّ صَلَاةٍ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَهِيَ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ. وَالْفَضَائِلُ الَّتِي جَاءَتْ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَتِ الصَّلَاةُ فِي بَعْضِ أَوْقَاتِهِ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي بَعْضٍ. اهـ

  • وَفِي «مُخْتَصَرِ قِيَامِ اللَّيْلِ» (ص ٨٧) عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ: سَأَلْتُ سُفْيَانَ عَنِ الصَّلَاةِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ أَمِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ؟ فَقَالَ لِي: نَعَمْ. وَرَأَيْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ كَثِيرًا يُصَلِّي مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ يُصَلِّي مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ؟ قَالَ: أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ﴾ [الْمُزَّمِّلِ: ٦] فَهَذِهِ نَاشِئَةُ اللَّيْلِ.

  • قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَمِمَّنْ كَانَ يُصَلِّي مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فِي نَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَمِنَ التَّابِعِينَ: الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ، وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيُّ، وَشُرَيْحٌ الْقَاضِي، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَمِنَ الْأَئِمَّةِ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. اهـ. «نَيْلُ الْأَوْطَارِ» (٣/ ٦٨).

وَسَيُورِدُ الْمُصَنِّفُ بَعْضَ الْآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَمَا تَرَكَهُ أَكْثَرُ، وَانْظُرْ إِذَا أَرَدْتَ زِيَادَةَ بَيَانٍ:

  • «مُصَنَّفُ» عَبْدِ الرَّزَّاقِ: (بَابُ الصَّلَاةِ فِيمَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ).
  • «مُصَنَّفُ» ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: (فِي الصَّلَاةِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ).
  • «الزُّهْدُ وَالرَّقَائِقُ» لِابْنِ الْمُبَارَكِ: (بَابٌ فِي الصَّلَاةِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ).
  • «صَحِيحُ» ابْنِ خُزَيْمَةَ: (بَابُ فَضْلِ التَّطَوُّعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ).
  • «مُخْتَصَرُ قِيَامِ اللَّيْلِ» لِلْمَرْوَزِيِّ: (بَابُ التَّرْغِيبِ فِي الصَّلَاةِ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ سِوَى الرَّكْعَتَيْنِ).
  • «التَّرْغِيبُ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ» لِابْنِ شَاهِينَ: (فَضْلُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالصَّلَاةِ بَعْدَهَا).
  • «السُّنَنُ الْكُبْرَى» لِلْبَيْهَقِيِّ: (بَابُ مَنْ فَتَرَ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ فَصَلَّى مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ).
  • «أَخْبَارُ الصَّلَاةِ» لِعَبْدِ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيِّ (ص ٤٧): (فِي الصَّلَاةِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ).

الحاشية ص ٧٠٩ - ٧١٢

الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الصَّلَاةِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ:

٤٧ ـ وَأُحِبُّ أَنْ يُدِيمَ الرَّجُلُ عَلَى الصَّلَاةِ فِيمَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: إِنَّهَا […] اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ١. وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴿١٦﴾﴾ [السَّجْدَةِ] قِيلَ: الصَّلَاةُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ الْآخِرَةِ. (……) فَمَنْ أَحْيَا مَا بَيْنَهُمَا فَحَظُّهُ الْوَافِرُ أَطْيَبُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

ص ٧١٢


قِيلَ عَنِ الصَّلَاةِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ: صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَأَبِي حَازِمٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ كَمَا فِي «السُّنَنِ الْكُبْرَى» لِلْبَيْهَقِيِّ (٣/ ٢٩)

الحاشية ص ٧١٢

استحباب التَفَكَّر ومحاسبة النفس في كل ليلة

ثُمَّ أُحِبُّ لِمَنْ صَلَّى عَلَى هَذَا النَّعْتِ أَنْ يَتَفَكَّرَ فِيمَا اكْتَسَبَهُ فِي يَوْمِهِ الَّذِي مَضَى عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ فَرَّطَ فِيمَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَرِّطَ [فِيهِ] أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيَتُوبَ إِلَيْهِ مِنْهُ، وَيَعْتَقِدَ أَنْ لَا يَعُودَ إِلَى مَا يَكْرَهُ مَوْلَاهُ الْكَرِيمُ، هَذَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ. وَيَنْظُرُ فِيمَا اكْتَسَبَهُ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ عَمِلَهُ، فَيُلْزِمُ نَفْسَهُ الشُّكْرَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَعْتَقِدُ عَلَى مَا وَفَّقَهُ لِذَلِكَ الْخَيْرِ، وَيَسْأَلُهُ الزِّيَادَةَ مِنْهُ وَالْمَعُونَةَ عَلَى شُكْرِهِ، فَإِنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ لِمَنْ دَعَاهُ وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ، وَمُتَعَطِّفٌ عَلَى مَنْ أَدْبَرَ عَنْهُ.

ص ٧١٣

كانَ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُصَلِّي بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ

٤٨ ـ حَدَّثَنَا ابْنُ صَاعِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَا أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ إِلَّا وَجَدْتُهُ يُصَلِّي. فَقُلْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: نَعَمْ، سَاعَةُ الْغَفْلَةِ ـ يَعْنِي: مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.

ص ٧١٣

الصَّلَاةَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ هِيَ نَاشِئَةُ اللَّيْلِ

٤٩ ـ وَحَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ صَاعِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَارَةُ بْنُ زَاذَانَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، قَالَ: كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُصَلِّي مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَيَقُولُ: هَذِهِ نَاشِئَةُ اللَّيْلِ.

ص ٧١٤

رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي «الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ» (١٢٦٣)، وَإِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ

صَلِّ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَإِنْ صَلَّيْتَ اللَّيْلَ فَحَسَنٌ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ فَهَذِهِ مَكَانُهَا

٥٢ ـ وَحَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ صَاعِدٍ ـ أَيْضًا ـ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، قَالَ: إِذَا صَلَّيْتَ الْمَغْرِبَ فَقُمْ فَصَلِّ صَلَاةَ رَجُلٍ لَا يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَإِنْ رُزِقْتَ مِنَ اللَّيْلِ قِيَامًا كَانَ خَيْرًا رُزِقْتَهُ، وَإِنْ لَمْ تُرْزَقْ قِيَامًا كُنْتَ قَدْ قُمْتَ أَوَّلَ اللَّيْلِ.

ص ٧١٥

﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ أي الصَّلَاةُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ

٥٤ ـ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ مَارِمَةَ٢، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السَّجْدَةِ: ١٦]، قَالَ: بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.

ص ٧١٥

Generated at: 2025-04-18-11-39-56