المؤلف:: الحافظ ابن رجب
الناشر::
سنة النشر::
الصفحات::
الغلاف:: https://s.gr-assets.com/assets/nophoto/book/111x148-bcc042a9c91a29c1d680899eff700a03.png
الصيغة:: PDF
الرابط:: https://www.goodreads.com/book/show/35916501
ISBN::
الحالة:: مكتمل
التسميات::
الغرض::
المعرفة:: ,
التدريب:: ,
المؤثر:: ,
تاريخ القراءة:: 2024-04-21
معالج:: 1
تقييم الفائدة المستقبلية::
فوائد
قال الشيخ عبد الرزاق البدر:
قال أبو الدرداء: (فإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
منْ سَلَكَ طريقًا يلتمس فِيهِ عِلْمًا سهل الله له بِهِ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ،
وإِنَّ المَلائِكَةَ تضعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَى لِطالِبِ العِلْمِ) رضا بما يطلب،
(وإنّ العالم ليستغْفِرُ لَهُ مِنْ فِي السّمواتِ وَالْأَرْضِ حتى الحيتانُ فِي المَاءِ،
وفضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِ القمر ليلة البدر على سائر الكواكب،
وإِنَّ العُلماء ورثةُ الأَنْبِياءِ، وإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُورَثُوا دِينَارًا ولا دِرْهما إِنّما ورَثُوا العِلْم؛ فمنْ أخذه أخذ بِحَقِّ وافر).
فهذه خمس جمل في كل جملة فضيلة في طلب العلم.
والحافظ ابن رجب رحمة الله في هذه الرسالة شرح هذه الجمل جملة جملة، وقف مع كل جملة وفصل فيها تفصيلًا نافعًا للغاية، لكنه بدأ بالرحلة لطلب العلم وفضلها وهمة السلف العالية في ذلك. ص 4
فلو استغنى أحد عن الرحلة في طلب العلم لاستغنى عنها موسى عليه السلام، حيث كان الله قد كمله وأعطاه التوراة التي كتب له فيها من كل شيء، ومع هذا فلما أخبره الله عز وجل عن الخضر؛ أن عنده علمًا يختص به سأل السبيل إلى لقائه، ثم سار هو وفتاه إليه كما قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} [الكهف: ٦٠] ص 8
قال الشيخ عبد الرزاق البدر:
“ورحل رجل من الكوفة إلى الشام إلى أبي الدرداء يستفتيه في يمين حلفها.”
هذا الرجل الذي رحل إلى أبي الدرداء يستفتيه عن هذه اليمين؛ وذلك أنَّ أمّه - أي هذا الرجل - أمرته أن يفارق زوجته، فرحل إلى أبي الدرداء يسأله في ذلك، فقال له أبو الدرداء: ما أنا بالذي آمرك أن تطلق وما أنا بالذي آمرك أن تُمسك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الوالد أوسط أبواب الجنة»، فأضع ذلك الباب أو احفظه، قال: فرجع الرجل وقد فارقها. ص 6
وحلف رجل يمينًا فأشكلت على الفقهاء، فدل على بلد فاستبعده فقيل له: إن ذلك البلد قريب على من أهمه دينه.
وفي هذا إشارة إلى أن من أهمه أمر دينه كما أهمه أمر دنياه إذا حدثت له حادثة في دينه لا يجد من يسأله عنها إلا في بلد بعيد؛ فإنه لا يتأخر عن السفر إليه ليستبرئ لدينه، كما أنّه لو عرض له هناك كسب دنيوي لبادر السفر إليه. ص 10
وفي هذا الحديث أن أبا الدرداء بشر من أخبره أنّه رحل إليه لطلب الحديث بما سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضل العلم وطلبه وهذا مأخوذ من قوله تعالى: {وإِذا جاءك الّذِين يُؤْمِنُون بِآياتِنا فقُلْ سلامٌ عليْكُمْ كتب ربُّكُمْ على نفْسِهِ الرّحْمة} [الأنعام: ٥٤]. ص 10
قال الشيخ عبد الرزاق البدر:
بل على مر التاريخ خلق من الناس سمعوا هذا الحديث فحرّك فيهم الهمّة في طلبه، مجرد سماع، سمعه وتأمل في هذه المعاني والفضائل الجليلة التي اشتمل عليها الحديث فتحرّكت في قلبه همة عالية، وكيف لا وقد حوى فضائل عظيمة جدًّا جُعِلت لمن سلك هذا السبيل. ص 8
وينبغي للعالم أن يرحب بطلبة العلم ويوصيهم بالعمل. كما قال الحسن لأصحابه -وقد دخلوا عليه-: “مرحبًا بِكُمْ وأهلًا، حَيّاكُمُ اللهُ بِالسّلامِ، وأدخلنا وإيّاكُمْ دار السّلامِ، هذِهِ علانِيةٌ حسنةٌ إِنْ صبرْتُمْ وصدقْتُمْ وأيْقنْتُمْ، لا يكُوننّ حظّكُمْ مِنْ هذا الخْيرِ -رحِمكُمُ اللهُ- أنْ تسْمَعُوهُ بِهذِهِ الْأُذُنِ فيخْرُجُ مِنْ هذِهِ الْأُذُنِ …” ص 11
قال الشيخ عبد الرزاق البدر:
قال علي رضي الله عنه: “مقصود العلم العمل، فإن أجابه وإلا ارتحل” ما يبقى، ولهذا ينبغي أن يُنبَّه طالب العلم في طلبه للعلم أن المقصود في الطلب واستماع العلم وحضور مجالسه وقراءة كتب العلم أن يعمل بهذا العلم وأن يكون من أهله، ولا يكون من أهله إلا بالعمل به. ص 10
قال الشيخ عبد الرزاق البدر:
والجنّة يكون دخولها بالعمل {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل]، ﴿تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف]، والعمل لا سبيل إليه إلا بالعلم. ص 10
قال الشيخ عبد الرزاق البدر:
فقول النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا) يشمل المشي والسير في طلب العلم، ويشمل الجلوس في مجالس العلم، ويشمل السماع للعلم الذي يُلقى وحسن الاستماع له، ويشمل تقييد العلم بالكتابة، ويشمل الجلوس لحفظ العلم وتكراره حتى يثبت ويكون راسخًا. ص 11
قال الشيخ عبد الرزاق البدر:
انتبه إلى فائدة مهمة ينبه عليها الحافظ ابن رجب مستفادة من قوله: «سهل الله له به طريقًا إلى الجنة» وهي أن طالب العلم إذا سلك طريق العلم سيحظى في سلوكه لطلب العلم أنواعا من التسهيلات كلها تدخل تحت قوله: «سهّل الله له». فمن هذه التسهيلات:
أولاً: أن يُسهل له الطلب نفسَه، فيجد نفسه التي أقبلت على العلم سهل عليه حفظه، سهل عليه سماعه، سهل عليه الصبر على تلقيه سهل عليه فهمه…
الثاني: أن يسهل له العمل…
[الثالث] أن ييسر الله لطالب العلم الذي يطلب العلم للعمل به علومًا أخرى…
[الرابع] أن ينال في الآخرة التسهيل لمجاوزة الصراط الذي يُنصب على متن جهنم، ويصل إلى الجنة بسلام. ص 11-13
وسبب تيسير طريق الجنة على طالب العلم؛ إذا أراد به وجه الله عز وجل وطلب مرضاته: أن العلم يدل على الله من أقرب الطرق وأسهلها؛ فمن سلك طريقه ولم يعوج عنه وصل إلى الله وإلى الجنة من أقرب الطرق وأسهلها، فتسهلت عليه الطرق الموصلة إلى الجنة كلها في الدنيا وفي الآخرة. ومن سلك طريقًا يظنه طريق الجنة بغير علم، فقد سلك أعسر الطرق وأشقها، ولا يوصل إلى المقصود مع عسرة شديدة. فلا طريق إلى معرفة الله وإلى الوصول إلى رضوانه والفوز بقربه ومجاورته في الآخرة إلا بالعلم النافع، الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، فهو الدليل عليه، وبه يُهْتدى في ظلمات الجهل والشبه والشكوك، وقد سمى الله كتابه نورًا يهتدى به في الظلمات. كما قال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: ١٥ - ١٦]. ص 13-14
قال الشيخ العصيمي:
فالعلم النافع هو العلم الذي يُباشر القلب، فيحمل صاحبه على الخير، وما كان على غير هذا الوصف فإنه ليس بعلم نافع، ولأجل هذا أرشد النبيُّ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى سؤال العلم النافع وإلى التعوذ من ضده فقال فيما رواه النسائي في الكبرى وابن ماجه بسند حسن قال صلى الله عليه وسلم: (سلوا الله علما نافعًا وتعوذوا بالله من علم لا ينفع)؛ ففي هذا الحديث الإرشاد إلى أن العلم منه علم نافع، ومنه علم لا ينفع، وأنَّ المطلوب الأعظم هو العلم الذي ينفع، وأن المذموم الأرذل هو العلم الذي لا ينفع، وأن بركة العلم إنما تكون بنفعه لا بجمعه وأنَّ نفعه لا يكون بمجرد أخذه؛ بل يكون بمباشرته للقلب حتى يورِثَ ذلك القلب خشية وانكسارًا وإخباتا وإقبالا على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. ص 15
قال الشيخ عبد الرزاق البدر:
قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْتَهُ نُورًا نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى]، فالتوحيد والعلم بالله وبأسمائه وصفاته وأحكامه، وجزائه وجنته وناره، هذه أمور لا تُعرف بالحس ولا بمجرد العقل، لابد من وحي منزل تُعرف به هذه الأمور، فلا سبيل إلى ذلك إلا بالعلم المتلقى من مشكاة النبوة التي هي وحي الله وتنزيله. ص 14
قال الشيخ عبد الرزاق البدر:
والخشية رأس العلم؛ لأن العلم له ثمار مهمة في باطن الإنسان وهي أهم ما يكون، فالعلم الصحيح وحسن التلقي له يثمر الخشية، يثمر الخشوع، يثمر الإخلاص، يثمر صلاح النية. ص 15
قال الشيخ عبد الرزاق البدر:
ذهاب العلم بذهاب العمل، وأعظم ما يكون في باب العمل في الدرجة الأولى عمل القلب: الخشوع والإخلاص والخشية، وغير ذلك من الأعمال القلبية. ص 16
وفي “صحيح مسلم” عن ابن مسعود قال: “إِنّ أقْوامًا يقْرءُون الْقُرْآن لا يُجاوِزُ تراقِيهُمْ، ولكِنْ إِذا وقع فِي الْقلْبِ فرسخ فِيهِ نفع”. ص 17
قال الشيخ عبد الرزاق البدر:
فينفع القرآن قارئه إذا وقع ورسخ في القلب، ولهذا قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَهُ إِلَيْكَ مُبَرَكَ لِيَدَّبَّرُوا آيَتِهِ} [ص: ٢٩]، وقال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ} [محمد : ٢٤]، وقال : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} [المؤمنون:٦٨]. ص 17
قال الشيخ عبد الرزاق البدر:
ولا يكون المرء من أهل القرآن إلا إذا عمل بالقرآن، أما مجرد الحفظ له والإتقان لترتيله وتجويده وما إلى ذلك لا يكون بذلك من أهل القرآن، ولهذا جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى بالقرآن القيامة وأهله الذين يعملون به) ص 18
وقال كثير من السلف: لَيْسَ الْعِلْمُ كَثْرَةَ الرِّوايةِ ولَكِنّ الْعِلْمَ الْخَشْيةُ. وقال بعضهم: كفى بِخشْيةِ اللهِ عِلْمًا، وكفى بِالاغْتِرارِ بِاللهِ جهْلًا. ص 18
قال الشيخ عبد الرزاق البدر:
“ويقولون أيضًا: عَالِمٌ بِاللهِ لَيْسَ بِعالمٍ بِأمْرِ اللهِ. وهم أصحاب العلم الباطن الذي يخشون الله، وليس لهم اتساع في العلم الظاهر.”
هذا قسم عالم بالله ليس بعالم بأمر الله، يعني في قلبه خشية لكن ليس عنده علم. والخشية التي بدون علم والخشوع الذي بدون علم قد يوقع الإنسان في أعمال هي من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان. ص 20
أكمل العلماء وأفضلهم: العلماء بالله وبأمره الذين جمعوا بين العلمين وتلقوهما معًا من الوحيين -أعني: الكتاب والسنة- وعرضوا كلام الناس في العلمين معًا على ما جاء في الكتاب والسنة، فما وافق قبلوه، وما خالف ردوه.
وهؤلاء خلاصة الخلق، وهم أفضل الناس بعد الرسل، وهم خلفاء الرسل حقًّا، وهؤلاء كثير في الصحابة، كالخلفاء الأربعة، ومعاذ، وأبي الدرداء، وسلمان، وابن مسعود وابن عمر، وابن عباس وغيرهم.
وكذلك فيمن بعدهم كالحسن، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وطاووس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والنخعي، ويحيى بن أبي كثير.
وفيمن بعدهم كالثوري، والأوزاعي، وأحمد، وغيرهم من العلماء الربانيين.
وقد سماهم علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: العلماء الربانيين، يشير إلى أنّهم الربانيون الممدوحون في غير موضع من كتاب الله -عز وجل-.
فقال: “النّاسُ ثلاثةٌ: عالِمٌ ربّانِيٌّ، ومُتعلِّمٌ على سبِيلِ نجاةٍ، وَهَمَجٌ رِعاعٌ … “. ص 20-21
قال الشيخ عبد الرزاق البدر:
ما المراد بمجالس الذكر؟
قال عطاء الخراساني: “مجَالِسُ الذِّكْرِ مجَالِسُ الحَلالِ والحَرَامِ، كَيفَ تَشْترِي وَتَبِيعُ، وتُصَلِّي وتَصُومُ، وتنْكِحُ وتُطلِّقُ، وتَحُجُّ وأشْباهُ هذا”. هذه مجالس الذكر التي يتعلم فيها المرء دينه، ويتفقه في دين الله، من خلال كلام الله وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام.
”وقال يحيى بن أبي كثير: دَرْسُ الفِقْهِ صَلاةٌ.” أي: أنهم كانوا يعدون درس الفقه عبادة وهو من أجل العبادة؛ لأن العبادة أصلا لا تُعرف إلا بالفقه. ص 24
قال الشيخ عبد الرزاق البدر:
من أعظم الذكر الله عز أن يُفقه الناس في دينهم وفي عبادتهم لربهم، أن تُبيَّن لهم الأحكام الحلال والحرام. ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحقتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده». ص 24
مجالس الذكر لا تختص بالمجالس التي يذكر فيها اسم الله بالتسبيح والتكبير والتحميد ونحوه؛ بل تشمل ما ذكر فيه أمر الله ونهيه وحلاله وحرامه وما يحبه ويرضاه، فإنه ربما كان هذا الذكر أنفع من ذلك؛ لأنّ معرفة الحلال والحرام واجبة في الجملة على كل مسلم، بحسب ما يتعلق به في ذلك، وأما ذكر الله باللسان، فإن أكثره يكون تطوعًا، وقد يكون واجبًا كالذكر في الصلوات المكتوبة.
وأما معرفة ما أمر الله به ونهى عنه، وما يحبه ورضاه، وما يكرهه وينهى عنه فيجب على كل من احتاج إلى شيء من ذلك أن يتعلمه
ولهذا روى: “طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ” (١).
فإنه يجب على كل مسلم معرفة ما يحتاج إليه في دينه، كالطهارة والصلاة والصيام.
ويجب على من له مال معرفة ما يجب عليه في ماله من زكاة ونفقة، وحج وجهاد.
وكذلك يجب على كل من يبيع ويشتري أن يتعلم ما يحل ويحرم من البيوع.
…
وسئل الإمام أحمد رحمه الله عن الرجل مَا يَجِبُ عَلَيهِ مِنْ طَلَبِ العِلْمِ؟ فقال: مَا يُقِيمُ بِهِ الصَّلواتِ وَأَمَرَ دِينِه مِنَ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ، وَذَكَرَ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ. وقال: يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ ذَلِكَ.
وقال أيضًا: “الَّذِي يَجِبُ عَلَى الإِنسَانِ مِنَ العِلْمِ مَا لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ فِي صَلاَتِهِ وَإِقَامَةِ دِيْنِهِ”.
واعلم أن علم الحلال والحرام علم شريف، ومنه ما تَعَلَّمُهُ فرض عين، ومنه ما هو فرض كفاية. وقد نص العلماء على أن تَعَلَّمُهُ أفضل من نوافل العبادات، منهم أحمد وإسحاق. ص 22-23
والفقيه العالم حقًّا هو من فهم كتاب الله واتبع ما فيه. كما قال علي رضي الله عنه: “الفَقِيهُ حق الفقيه مَنْ لاَ يُقَنَّطِ النَّاس مِنْ رَحْمَةِ اللهِ وَلاَ يُرَخِّصْ لَهُمْ فِي مَعَاصي اللهِ، وَلاَ يَدَعُ القُرْآنَ رَغْبَةً عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ”. وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يَتَخَوَّلُ أَصْحَابَهُ بِالْمَوْعِظَةِ أَحْيَانًا؛ خشية السَّآمَةِ عَلَيْهِمْ” ص 25
قال الشيخ عبد الرزاق البدر:
“قوله - صلى الله عليه وسلم -: (وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلْمِ رِضًى بِمَا يَصْنَعُ)“
الحديث على ظاهره، وهو أمر غيبي لا يخاض فيه بكيفية؛ لكنه حق وكما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام.
قوله -صلى الله عليه وسلم-: “وَإِنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ، حَتَّى الحِيتَانُ فِي جَوفِ المَاءِ”.
قد أخبر الله في كتابه باستغفار ملائكة السماء للمؤمنين عمومًا بقوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}. وقوله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ}. فهذا للمؤمنين عمومًا.
فأما العلماء فيستغفر لهم أهل السماء وأهل الأرض حتى الحيتان في البحر. وخرج الترمذي من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ فِي البَحْرِ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي النَّاسِ الخَيْرَ» وصححه الترمذي. وخرج الطبراني من حديث جابر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “مُعَلِّمُ النَّاسِ الْخَيْرَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ شَيءٍ حَتَّى الحِيتَانُ فِي الْبَحْرِ”.
ويروى من حديث البراء بن عازب، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (العُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، يُحِبُّهُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَتَسْتَغْفِرُ لَهُمُ الحِيتَانُ فِي البَحْرِ إِذَا مَاتُوا إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ)، وورد الاستغفار أيضًا لطالب العلم. ففي “مسند الإمام أحمد” عن قبيصة بن المخارق قال: “أتَيْتُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قُلْتُ: كَبُرَ سِنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي، وَأَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مَا يَنْفَعُنِي اللهُ بِهِ”. قال: “يَا قَبِيصَةُ، مَا مَرَرْتَ بِحَجَرٍ وَلَا شَجَرٍ وَلَا مَدَرٍ إِلَّا اسْتَغْفَرَ لَكَ”. ص 27-28
قال الشيخ عبد الرزاق البدر:
وهذا يدل على أن طلب العمل من أعظم أبواب المغفرة والفوز برضوان الله تعالى. ص 32
وفي الأثر المعروف: “كُنْ عَالِمًا أَوْ متَعَلِّمًا أَوْ مُسْتَمِعًا أَوْ مُحِبًّا لَهُمْ، وَلاَ تَكُنْ الخَامِسَ فَتَهْلَكَ “.
قال بعض السلف عند هذا: سُبحَانَ اللهِ! لَقَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُمْ مَخْرَجًا.
يعني أنّه لا يخرج عن هذه الأربعة الممدوحة إلا الخامس الهالك، وهو من ليس بعالم ولا متعلم، ولا مستمع ولا محب لأهل العلم، وهو الهالك.
فإن من أبغض أهل العلم أحب هلاكهم، ومن أحب هلاكهم فقد أحب أن يطفأ نور الله في الأرض ويظهر فيها المعاصي والفساد، فيخشى أن لا يرفع له مع ذلك عمل، كما قال سفيان الثوري وغيره من السلف. ص 31
قال الشيخ عبد الرزاق البدر:
“عن الحسن قال: إنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُصِيبُ البَابَ مِنَ العِلْمِ فَيَعْمَلُ بِهِ فَيكُونُ خَيرًا لَهُ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، لَوْ كَانَتْ لَهُ فَيَجْعَلُهَا فِي الآخِرَةِ” باب واحد، هذا يدل على فضل العلم ومجاهدة النفس على التعلم والعمل.
”قال الثوري: لاَ نَعلَمُ شَيْئًا مِنَ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ مِنْ طَلَبِ العِلْمِ وَالحَدِيثِ لِمَنْ حَسُنَتْ فِيهِ نيَّتُهُ. قِيلَ لَهُ: وأَيُّ شَيءٍ النِّيَّةُ فِيهِ؟ قَالَ: يُريدُ اللهَ والدَّارَ الآخِرَةَ”. هذا كلام عظيم لسفيان رحمه الله في فضل العمل، مثله قول الإمام أحمد رحمه الله: ” العِلْمُ لَا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ إِذَا صَلَحَت النية”. سئل سفيان: “وأَيُّ شَيْءٍ النِّيَّةُ فِيهِ” يعني كيف تصلح؟ قَالَ: “يُريدُ الله والدَّارَ الآخِرَةَ”، أن يبتغي بطلب العلم وجه الله ..” ص 40
قال الشيخ العصيمي:
والعلم في أصله ملين للقلب مُقرب إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لكن لما تكدرت العلوم بذكر الخلافيات وبيان وجوه الترجيحات مما لم يكن في الصدر الأول صار العلم مورثًا نوع قسوة، كما ذكر ذلك ابن الجوزي رَحمَهُ اللهُ تَعَالَى في كتابه «صيد الخاطر» فقال: «تأملت العلم والميل إليه والتشاغل به فإذا هو يقوي القلب قوة تميل به إلى نوع قساوة» انتهى كلامه.
وليس مراد ابن الجوزي العلم الذي كان عليه الصدر الأول، ولكن المراد به: العلم الذي انتهى إليه الناس في هذه الأزمنة المتأخرة لما كثر الخلاف والنزاع والشقاق واحتيج إلى الترجيح والرد والإبطال في أبواب العقائد والأحكام، فعند ذلك صار في العلم هذا النوع من القوة الذي يجر إلى القسوة، ولم يكن هذا موجودًا في علوم الأوائل من السلف الصالح رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، فلا غنى حينئذ عن أن يعتني المعلم بترقيق قلوب أصحابه بأنواع المرفقات، ومن جملتها: وعظهم وتذكيرهم والقص عليهم، طلبًا لإذهاب هذه القسوة، وتليين قلوبهم بالوعظ والإرشاد، وقد كان هذا هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه كان يتخول أصحابه بالموعظة كما ثبت في الصحيح». ص 24-25
قال الشيخ عبد الرزاق البدر:
“قال ابن عباس في قوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}. قال: إِنَّمَا يَخَافَنِي مِنْ عِبَادِي مَنْ عَرِفَ جَلاَلِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي.”
وهذا يدل على فضل تعلم باب الأسماء والصفات، والفقه في هذا الباب العظيم (إِنَّمَا يَخَافَنِي مِنْ عِبَادِي مَنْ عَرِفَ جَلَالِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي) يعني عرف الله بأسمائه وصفاته في ضوء كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ص 43
فأفضل العِلْم العِلْم بالله، وهو العِلْم بأسمائه وصفاته، وأفعاله التي توجب لصاحبها معرفة الله وخشيته ومحبته وهيبته وإجلاله وعظمته، والتبتل إِلَيْهِ والتوكل عليه، والرضا عنه، والاشتغال به دون خلقه.
ويتبع ذلك العِلْم بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتفاصيل ذلك، والعلم بأوامر الله ونواهيه وشرائعه وأحكامه، وما يحبه من عباده من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وما يكرهه من عباده من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
ومن جمع هذه العلوم فهو من العلماء الربانيين، العلماء بالله، العلماء بأمر الله.
وهم أكمل ممن قصر علمه على العِلْم بالله دون العِلْم بأمره وبالعكس، وشاهد هذا النظر في حال الحسن وابن المسيب والثوري وأحمد وغيرهم من العلماء الربانيين، وحال مالك بن دينار والفضيل بن عياض ومعروف وبشر وغيرهم من العارفين.
فمن قايس بين الحالين عرف فضل العلماء بالله وبأمره على العلماء بالله فقط.
ص 41
قال الشيخ عبد الرزاق البدر:
“وقيل لبعضهم: إن فلانًا يمشي على الماء! فَقَالَ: مَنْ أَمْكَنهُ اللهُ مِنْ مُخَالَفَةِ هَوَاهُ فَهُوَ أَفْضَلُ”.
أفضل الكرامة لزوم الاستقامة، أن يلزم المرء طاعة الله وعبادة الله، ويشغل نفسه بالعلم والفقه في دين الله ؛ فهذه أفضل كرامة وأعلى شأن في نيل الكرامات. فالعبرة بالاستقامة ومجانبة الهوى ولزوم الحق والهدى، هذه الكرامة الحقيقية. ص 45
قال الشيخ عبد الرزاق البدر:
“وقال سهل التستري: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَجَالِسِ الأَنْبِيَاءِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَجَالِسِ العُلَمَاءِ، يَجِيءُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: يَا فُلاَنُ، أيش تَقُولُ فِي رَجُلٍ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: طُلِّقَتْ امْرَأَتُهُ، وَيَجِيءُ آخَرُ فَيَقَولُ: مَا تَقُولُ في رَجُلٍ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ بِكَذَا وَكَذَا؟ فيقول: ليس يحنث بهذا القول. وليس هذا إلا لنبي أو عالم، فاعرفوا لهم ذلك.”
بعض الناس ما يعرف قدر العلماء إلا إذا اضطر في مسألة معينة يرى أنه يستفتي فيها العالم فيعرف قدر العالم حينئذ، بينما الأصل أن يُعرف قدر العالم كل وقت لما يبذله من جهود عظيمة في نفع الناس وفتواهم وتعليم الخير ودلالتهم على الحق والهدى. ص 50
وفي “الصحيح” عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: “إِذَا مَاتَ العبدُ انْقَطَعَ عَمَلُه إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: عِلْمٍ نَافِعٍ، أَوْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ”. فالعالم إذا عَلَّم من يقوم به بعده؛ فقد خلف علمًا نافعًا وصدقة جارية؛ لأنّ تعليم العِلْم صدقة، كما سبق عن معاذ وغيره، والذين علمهم بمنزلة أولاد الصالحين يدعون له، فيجتمع له بتخليف علمه هذه الخصال الثلاث. ص 52-53
قال الشيخ عبد الرزاق البدر:
هذه فائدة عظيمة ثمينة جدًّا فانتبه لها، يعني قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا مَاتَ العبدُ انْقَطَعَ عَمَلُه إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: عِلْمٍ نَافِعٍ، أَوْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) الثلاث تجتمع للعالم؛ لأنه ورَّث عِلْمًا يُنتفع به ويبقى علمه صدقة جارية ينتفع الناس بعلمه، بكتبه، بتصانيفه فتبقى صدقة جارية، انظر هذه الصدقة الآن التي بين أيدينا للإمام ابن رجب وغيره من كُتب أهل العلم التي هي صدقة جارية، لا يزال الناس ينتفعون منها علمًا ويحصلون خيرًا ونفعًا.
وأيضًا قوله في الحديث: (أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) فإن طُلاب العالم الذين تعلموا عليه وتلقوا العلم بمنزلة أولاده الصالحين؛ بل إنه في بعض الأحوال يكون بعض طلاب العالم أبر بالعالم من أولاده، في دعائهم له ونشرهم لعلمه وأشياء من هذا القبيل كثيرة، فقد يكونون أبر من أبنائه به.
فالحاصل أن العالم هذه الأمور الثلاثة كلها تجتمع له التي لا تنقطع بعد الموت «عِلْمٍ نَافِعٍ، أَوْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ».
وهنا نتذكّر أيضًا قول الله في أوائل سورة يس : ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَرَهُمْ﴾ [يس: ١٢] فهذه الآية فيها أنّ الكتابة لعمل العبد كتابتان كتابة لعملك.. صلّيت، صمت، تصدَّقت.. إلى آخره يُكتب العمل أوّل بأوّل.
وثمة أمر آخر يُكتب أيضًا {وَآثَارَهُمْ}[يس: ١٢] فنكتب آثارهم، وهو أثر العابد أو أثر العالم، أو أثر الناصح أو أثر المعلم أو أثر المتصدق هذا يُكتب، فمثلا: رجل بنى دارًا للأيتام وصاروا يأوون إليها ويسكنون فيها ومات، بعد موته لا يزال يُكتب له هذا العمل، كلُّ يوم يُكتب له هذا العمل، ورّث كتبا للعلم لا يزال يُكتب له، ورّث علمًا يُنتفع به لا يزال يُكتب له حتى بعد موته؛ ولهذا بعض الناس هم من مئات السنوات أموات في قبورهم؛ لكن كل يوم يُكتب لهم عمل صالح، وثمة أشخاص يمشون على أقدامهم على وجه الأرض تمر الأيام والشهور لا يُكتب لهم إلا السيئات والآثام والعياذ بالله.
(مَن دَعا إلى هُدًى، كانَ له مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِن أُجُورِهِمْ شيئًا، ومَن دَعا إلى ضَلالَةٍ، كانَ عليه مِنَ الإثْمِ مِثْلُ آثامِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِن آثامِهِمْ شيئًا.) ص 53-55
قال الشيخ عبد الرزاق البدر:
الزهد في الدنيا ألا تكون الدنيا في قلب الإنسان، فقد تكون الدنيا في يده لكنه زاهد، وليست مستولية على قلبه ولا مسيطرة عليه زاهد فيها، وهذا يُعرف في كثير من الزُهّاد؛ يعني مع زهده عنده دنيا، فتح الله عليه من الدنيا ويسر له من أبواب الخير فيها، لكنَّها لم تشغله عن الآخرة ولم تلهه عن الآخرة. ص 56
قال الشيخ العصيمي:
والدنيا بعامة بمنزلة القاذورات إذا تنجس الإنسان بها نفرت النفوس السوية عنه، فإذا تلطَّخ العالم بهذه القاذورات قل انتفاع الناس به، وذهبت بركة علمه لهذا يوجد في الانتفاع بالعالم الصادق المائل عن الدنيا، وإن كان متوسعًا فيها بما أباح الله، يوجد من الإقبال عليه ما لا يوجد على غيره، نسأل الله العلي العظيم أن يرزقنا جميعًا وراثة الأنبياء، وأن يوفقنا إلى الائتساء بهم والاقتداء، وأن يحيينا على خير حال، وأن يميتنا على خير حال. ص 52
قال الشيخ عبد الرزاق البدر:
وهذه الرسالة مثلما رأيتم مليئة بالآثار والنقول والفوائد العظيمة، التي جدير بطالب العلم أن يقرأها متأملاً، وقراءتنا هذه أردنا أن نذكّر بهذه الرسالة وقيمتها وأهمية مطالعة طالب العلم لها، وإلا فإن حقها أن تُقرأ بأناة وتمهل وتأمل في ما حوته من خير وفائدة عظيمة؛ لكن الإخوة بالقراءة السريعة رأوا أنه حتى يكفي الوقت المقرّر لاستكمالها ،وقراءتها كاملة وإلا إذا انفردت بنفسك وقرأتها بأناة وتأملت فيها، وجعلت أيضًا تقرأها مرة من بعد مرة فإنها تشحذ كما ترى في نفسك معاني عظيمة من الخير والعلم، والرغبة والخشية والزُّهد، ومعاني جليلة جدا بثها الإمام ابن رجب رحم الله تعالى ونحسبه من العلماء الربانيين، فبثها في هذه الرسالة النافعة المفيدة. ص 60