الحالة:: معالج
النوع:: فيديو
اﻷولوية::
الغرض::
المنشيء:: الأنصاري بن ابراهيم - المواد الصوتية
المدة:: 39:59
الرابط:: https://www.youtube.com/watch?v=VBi35LxqgHw
التدريب::
المؤثر::
تاريخ اﻹكمال:: 2025-04-13

2023-10-01


مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد، فهذه الصوتية أسجلها بدايةً إن شاء الله لمشروع في تسهيل وتقديم مفاتيح لحل مشاكل الملتزمين.

التحدي الذي يواجه الملتزمين الجدد

قد يكون هناك خلاف في أصل مصطلح “ملتزم”، وهنا الخطاب موجه لتلك الفئة التي هداها الله وبصرها بضرورة اتباع الحق وترك الغي، أيًّا كانت درجات الغي. وهؤلاء الذين بصرهم الله وأنجاهم يواجهون بعض المشكلات، والتي إن لم تعالج بطريقة صحيحة أدت إلى الانتكاس والعياذ بالله والعودة إلى حالهم الأول أو ما هو أسوأ منه. وسأتوسع في هذا الباب وفي شرح تفاصيله وبيانها كثيرًا، ولعلي أفتح قناة على اليوتيوب لهذا الموضوع خصيصًا.

مثال توضيحي: تحول الشاب

لنتصور مثالًا معينًا: أب وأم يعيشان في أسرة، ولهما أبناء. الوالد يشتغل ويعمل ويجتهد في جمع المال، ولنفترض أنه من عامة الناس يصلي ويخلط كما يخلطون، وأبناؤه يذهبون إلى المدارس وينفق عليهم في سبيل التعليم. ثم هذا الولد في أثناء فترة الدراسة، وأثناء انشغال والده في عمله، يتعرض لضغوطات من الحياة، كضعف التحصيل الدراسي، أو ضغطٍ من والديه عليه، أو أذى من الناس من الجيران أو من الزملاء في المدرسة، أو تنمر، أو إلى غير ذلك. أو قد يدخل في بعض المحرمات كشرب المخدرات أو علاقات محرمة مع النساء، ثم يصاب بعقوبات هذا الأمر ويتأذى، ويتكرر عليه مشهد أنه لا يريد البقاء على هذه الحالة، ويريد أن ينتقل منها إلى حالة أفضل. ثم يقرر أنه يريد التغيير.

ما المطلوب حينئذ؟ لا شك أن عامة الناس في هذه المرحلة لا يكادون يخطئون الطريق، فيذهب إلى المسجد، يصلي. إن كان مقصراً في الصلاة فهو يلتزمها، وإن كان يصلي فهو يطيل مكثه فيه، يصلي بعض النوافل وبعض السنن. فسبحان الله، تُفتَح عليه الفتوح، فيشعر براحة نفسية ويشعر بنوع من التخفف من الآلام التي كان يتعرض لها، ويتعلق قلبه بهذه الحالة التي يعيشها في ظل العبودية لله.

رد فعل الأسرة والصراع الناشئ

فيتفاجأ طبعًا، ربما تمر أيام قبل أن يدرك والداه الحالة التي يعيشها، إذ إنهم قد لا يلاحظون التغيير الذي يطرأ عليه في البداية، لكنهم ما إن يلاحظوا التغيير الذي يفضي به إلى التدين حتى يبدأ الأذى. يلاحظون أنه كثر انشغاله بالعبادة. هذا الأمر على الرغم من أنه محمود، ولا خلاف بين أهل الملة في أنه أمر محمود، إلا أنه مؤذٍ بالنسبة لهذين الوالدين. وإذا كانت الوالدة من ربات البيوت ربما يكون الأمر أقل حدة، وإذا كانت تعمل فالأمر قد يكون أشد.

يبدأ النقاش مع الولد: ما الذي يحدث؟ ماذا تصنع؟ لماذا تذهب كثيرًا إلى المسجد؟ لماذا تتغيب كثيرًا عن أمور كنا نفعلها؟ هذه الأسئلة لم تكن تطرح عليه في الزمن الذي كان فيه على فساد. يبدأ هو يتعجب: لماذا هذا الحال؟ ما الذي حدث بالضبط؟ تبدأ تحدث صراعات ومشاكل. أحيانًا يقرر أن يحايدهم فيجلس في البيت ويترك ما كان عليه من العبادة، وأحيانًا يقرر المواجهة فيتصاعد الصراع وتحدث أمور.

تحليل وجهة نظر الوالدين

لنفكك هذه المشكلة إلى جزئياتها. أولًا، الفرد في الأسرة، الابن بالنسبة لوالده ووالدته، هو ليس شخصية مستقلة بقرار مستقل. إنما هو بالنسبة لهم جزء من خطة. هذه الخطة وُضعت ليكون هو في موضع معين قرروا له أن يكونه. مثلًا، هذا الولد سينتهي من الدراسة، سيذهب إلى الجامعة، سينتهي من الجامعة، سيتعين في وظيفة أو يعمل في شركة أو كذا وكذا، ويأتي بالمال ويبني بيتًا ويتزوج وهكذا. وهذه الخطة يسعون جاهدين لوضعها قبل أن يصل هذا الابن لسن الوعي، تكون هذه الخطة قد دُرست وحُبكت، والولد لا يشعر بهذه المسؤولية الملقاة عليه من قبل والديه، لأنهم لا يُشعِرونه بها أصلًا.

هم يعتنون بالفروع المادية أو التي لها ارتباط دنيوي. وبالتالي، مثلًا، الابن لو تعرض لمشكلة من زميل أو صاحب أو جار، ربما أصلحوا هذا الأمر إصلاحًا سطحيًا ولم يعالجوه علاجًا جذريًا. بينما، مثلًا، لو ضعف تحصيله الدراسي لسبب ما، يأخذون هذا الأمر بجدية. أو حتى لو أنه لا يدرس وإنما يعمل عملًا معينًا، أيضًا لو ضعف إنتاجه في عمله يأخذون هذا بجدية ويبحثون عن حلول ويولونه اهتمامًا جادًا.

طبيعة الالتزام الديني مقارنة بالأنشطة الأخرى

فما مشكلة التدين؟ حقيقةً، الالتزام أو التدين أو الخروج من هذا المنحى إلى منحى العبودية لله لا يضر بإنتاجية المؤمن أو المسلم نهائيًا، وهذا أمر بديهي. على العكس تمامًا، دائمًا الإنسان إذا أصبح ملتزمًا متدينًا - يعني هذا الفرد من المسلمين أنه خرج من قائمة الفساق فقط، لم يصبح عالمًا - فإنه يكون مجتهدًا في سائر الأمور الدنيوية، ليس رغبة له فيها بالضرورة، وإنما لتفرغه؛ لأنه الآن متفرغ، لا ينشغل بهذه التفاهات التي ينشغل بها غير الملتزمين. وبالتالي يجد أن هذا العمل يعني حتى في الإنتاج الدراسي، يكون التحصيل الدراسي جيدًا، لما يترتب على العبادة من صفاء للذهن وصفاء للقلب.

ولكن، مع ذلك، هذا الأمر يكون على الوالدين شديدًا. لأن في التدين، بالنسبة للوالدين - مع الأسف الشديد - مشكلةٌ، من وجهة نظرهم، عظيمة. هذا التدين والالتزام ليس أمرًا محدودًا بوقت ومكان. ليس كالانتساب إلى نادٍ أو المشاركة في حزب سياسي أو حتى المشاركة القبلية. إذ لا شك أن لهذه الأمور وقتها الذي سينتهي. ولو كان عضوًا في نادٍ، سيذهب إلى النادي أو سيشارك في فعاليات هذا النادي ثم سيعود إلى البيت. قد يأخذ هذا من وقته بعض ساعات في اليوم أو الأسبوع، ولكنه لن يكون على هذا النمط طوال الوقت.

وكذلك الأمر بالنسبة للزمان والمكان، فالانتساب إلى النادي محدود بمكان النادي، والانتماء إلى الحزب السياسي بمكانه، ووجود القبيلة بمكانها. إذ إنه لو انتقل مثلًا ليدرس في الجامعة في بلد آخر، انتهت هذه الفعاليات وانتهت هذه الظروف. ولكن التدين ليس محكومًا بمكان ولا محكوم بزمان، وهذا بالنسبة للوالدين مقلق، لأنه سيدخل في جميع مناحي حياته.

الصدام الحتمي

هذا الشاب الذي يدخل المسجد ويصلي ويُعنى بالعبادة، لن يكون من السهل عليه تمرير خططهم إذا كانت تتضمن محرمات. فإذا قلت له افعل هذا الأمر، سيقول لك: حرام. وإذا قلت له اذهب واجلس في ذلك المكان، سيقول لك: حرام. وإذا قلت له افعل هذا وافعل ذلك، أو إذا طُلب منه فعل أمر آخر وفيه شيء من الحرام، سيقول لك: حرام. ولأن الوالدين أنفسهم لم يكونوا يُعنون بمعرفة الحلال من الحرام، سيجدون أنهم قد حُوصِروا من قبل هذا الابن. لأن هذا الابن في كل منحى من مناحي حياته يوقف تدفق المحرمات إلى حياته، ويقول: لا، أنا لا أدخل في هذا، أنا لا أذهب إلى هذا، أنا لا آتي بهذا، أنا لا أسلم على هذه المرأة أو على تلك، أو على هذا الرجل الفاسق أو كذا.

وهذا أمر يشق عليهم جدًا. هذا سيفسد الخطة الموضوعة له في ذهن الوالدين من ناحية مستقبله. سيصبح هذا الابن يتجه لمنحى مجهول بالنسبة لوالديه. لذلك يرى الوالدان أنه من الحتمي نشوب صراع لإيقاف هذا الأمر. طبعًا هذا بعد واحد، وللأمر أبعاد لا شك.

الضغوط الخارجية ودور الشيطان

الشيطان يحرض عليه ويشتد في شأنه، ويضع الحيل ليؤذيه، ولينقص من عبادته. ولا شك أن، مثلًا، قد تكون الوالدة منتبهة لبعض أمور لا ينتبه إليها الوالد، فتُذكِّر والده بالتحريض عليه والشدة عليه. وربما يشارك في هذا أناس آخرون، كالأعمام والعمات والأقارب، وتُضرَب له الأمثال.

امتحان الإيمان والتمحيص

الآن يحدث الامتحان والتمحيص في جدية عبادة هذا الملتزم. هل أنت حقًا صادقٌ مع ربك؟ هل أنت حقًا تريد النجاة؟ هل أنت مستعد لدفع الثمن لأجل جنة عرضها السماوات والأرض؟ هل أنت مستعد لتخوض الغمرات التي خاضها من قبلك في هذا السبيل؟ يبدأ الصراع، يبدأ هذا الشاب يتخبط يمينًا ويسارًا. وللأسف الشديد، على قدر ما هذا الأمر متكرر، إلا أنني لم أجد أحدًا -على حد علمي- تحدث في تفاصيل هذه القضية.

مفاتيح الثبات

بغض النظر عن تفاصيل الأحداث والمشكلات التي سيتعرض لها، إذا صبر واحتسب فإنه منصور لا محالة. لا يغالب اللهَ أحدٌ. ولكن لهذه الكربة عُدّة، ينبغي على الراغب في النجاة أن يستعد بها. وها هنا أعتبر نقطة الانطلاق لما استفدته من كثير من المشكلات التي عرضت عليّ، وتعرضتُ لها أنا نفسي. ما الذي ينبغي على سالك طريق النجاة، الراغب فيها، أن يفعل في مثل هذه الحالات؟ طبعًا لا شك أن الوالدين لهما بدائل؛ إن كانا مفقودين، فسيأتي أولياؤه، أعمامه وأخواله أو غيرهم، وسيتولون المهمة بدلًا منهم، وربما يكونون أشد قسوةً منهم لو كان الوالدان حيين.

فاعلم أخي في الله، أن الذي يهدي هو الله، وأن الذي يوفق هو الله سبحانه. فإذا اختلطت عليك الأمور ولم تعرف الحق من الباطل، ولم تعرف كيف هو سبيل النجاة، فاصنع ما تعرف وتتيقن أنه حق، يُفتَح لك ما تجهله.

النصيحة الأولى: إصلاح الفرائض

الأمر الأول: إصلاح الفرائض. ينبغي عليك أن تعرف الله، وحقه عليك في الاستسلام له، والانقياد لطاعته، والتزام أوامره واجتناب نواهيه. وأن هذا واجب حتمي، ليس فضيلة منك، كما يصوّر بعض الناس أن المتدين يفعل شيئًا زائدًا عن الواجب، وأن هذا فضل منه وتكرم. والحقيقة أن هذا الذي يفعله في غالبه واجبات، وأقل الأحوال أن يكون من السنن. فعليك بإصلاح الفرائض. صلاة الجماعة، صلاة الجماعة أول أركان الصمود.

النصيحة الثانية: الإكثار من النوافل

وثانيها: الإكثار من النوافل، كسنن الصلوات المفروضة (السنن الرواتب)، وصلاة الضحى، وصلاة الليل.

النصيحة الثالثة: قوة الدعاء

الأمر الثالث: الدعاء. أعظم سبب جعله الله في هذه الدنيا لقضاء حاجات الناس هو الدعاء. وجميع الأسباب الدنيوية هي دون الدعاء. فالأسباب التي شرعها الله مع التوكل عليه، أعظمها الدعاء. لأن الدعاء عبادة في ذاته، وأعظم ما يُحصَّل به المطلوب في هذه الدنيا هو الدعاء. ثم لا تستعجل في الدعاء، لا تقل: دعوتُ ولم يُجَب لي، دعوتُ ولم يستجب الله لي. ولكن أحسن الظن بربك وادعُ الله بإلحاح ويقين.

النصيحة الرابعة: القرآن سلوى وهدى

الأمر الرابع: قراءة القرآن. تلاوة كتاب الله عبادة وفيها أجر عظيم. ولكن للمتدين الملتزم في بداية طريقه، للقرآن شأن آخر معه. ففيه الأنس من وحشة مجالسة التافهين، وفيه الراحة بالاستماع إلى كلام رب العالمين، وفيه الهدى والنور، وفيه بيان الحقائق، وفيه قصص عن أحوال الناس الذين كانوا مثلك في سالف الأزمان، قصّهم الله تعالى في كتابه وأخبرنا بخبرهم: كيف هلك أقوام بمحاربتهم لأهل الحق، وكيف أنزل الله بأسه عليهم، وكيف ينصر الله عباده المؤمنين؟ هذه الأخبار فيها راحة للقلب وطمأنينة وزيادة يقين.

النصيحة الخامسة: الصبر حتى النصر أو الموت

الأمر الخامس: الصبر. فلا يمكن لأحد في هذه الدنيا، لا مسلم ولا كافر، أن يقضي حاجة من حوائجها، لا حاجة دنيوية ولا حاجة أخروية، إلا بالصبر. لا يمكن أبدًا تحصيل شيء بدون صبر. وإلى متى الصبر؟ إلى أن يأتي النصر أو الموت، أيهما أقرب.

النصيحة السادسة: صدق العهد مع الله

الأمر السادس: حسن العهد مع الله. هذه بيعة بينك وبين الله، وعهد بينك وبينه لا يعلمه إلا هو، أنك قد اصطففت في صف الجندية لله، عبدًا له، مخلصًا له، راضيًا بحكمه، صابرًا على قضائه حتى تلقاه. ليس في العبودية اشتراط على الله، أن تقول: أنا أصبر إلى يوم كذا، أنا أتحمل كذا ولا أتحمل كذا، أنا أستطيع أن أفعل كذا ولا أستطيع أن أفعل كذا. ليس في العبودية ذلك، إنما العبودية تسليم. فأحسن العهد مع ربك، وأنك ستخوض لله كل صعب، والله ييسر لك.

النصيحة السابعة: لا للمساومة ولا لليأس

الأمر السابع: لا تيأس ولا تهادن. فهناك أمور هي مداخل للشيطان. قد يعرضون عليك أمرًا يعرفون أنك لن تفعله، فيأتوا بأمرٍ أهون منه ويقولون: افعل كذا. وأنت من كثرة ما رددت لهم من أمور، قد تقول: لعل هذه أهون، لعل هذه أخف، فتلج هذا الباب فتنحرف، فتخرج عن السبيل. لا تهادن مهما كان، ولا تيأس من كثرة طلبهم لك. هم في كل ساعة وفي كل حين يتربصون بك، يريدون إخراجك عن سبيل الحق. فلا تيأس ولا تهادن. هَبْ أن هذه الدنيا ذهبت ولم تحصل منها على شيء، أما يكفيك جنة عرضها السماوات والأرض؟ مع أن ذلك لا يحدث غالبًا، فإن الله قد قضى لأوليائه في هذه الدنيا جنةً يعيشونها، ومن لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، وطمأنينة في قلوبهم وسكينة في نفوسهم وراحة في أبدانهم، ونعيمًا لا يجد أعداؤه مثله، البتة.

النصيحة الثامنة: التعلم من سير الصالحين

الأمر الثامن: انظر في سير الصالحين واقرأ عن أحوالهم. تأسَّ بهم، أئمة الدين وأعلام الهدى: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتباعهم وأتباع أتباعهم، وأئمة أهل الحديث والأثر، الذين هم منارات الهدى. انظر في أحوالهم، واقرأ سيرهم وتعلم منهم.

النصيحة التاسعة: زوال المحنة وقصر مدتها

الأمر التاسع: اعلم أن المحنة مهما طالت فإنها تنقضي، وأن عافية الله للناس في هذه الدنيا أطول من بلائهم. فانظر في حالك كم مضى من عمرك وأنت معافى، لا يصيبك مثل هذا الأذى، ثم انظر في قصر المدة التي أوذيت فيها، وأنها سرعان ما تنقضي، وعاقبتها حسنة، ولها أثر طيب في القلوب.

النصيحة العاشرة: العزة والرفعة والهيبة ثمرة الثبات

الأمر العاشر: اعلم أن في نهاية هذا البلاء عزةً ورفعةً وهيبةً، وهذا فضل من الله سبحانه وتعالى، أحاط أولياءه بهيبة لا تكون للملوك ولا للوزراء ولا تكون للشُّرَط. هذه الهيبة مقصورة على أوليائه فقط. فإذا ساروا في الطرقات هابهم الناس وأحبوهم، وإن فعلوا ما يكرهون. وحتى أعداؤهم لا يستطيعون بغضهم بتلك الدرجة التي يبغض بعضهم بعضًا، وإن كانوا يخططون لهم ويحاولون إيذاءهم.

النصيحة الحادية عشرة: الحذر من ذنوب الخلوات

الأمر الحادي عشر: احذر ذنوب السر. احذر الذنوب التي بينك وبين ربك. فإنك قد حصنت نفسك من الذنب أمام الناس بأفعال التدين، فتخشى من الناس أن يقولوا: هذا المتدين يفعل كذا وكذا، فلا تفعل المعصية أمامهم، ثم تفعل المعصية في السر فيفضحك الله على الملأ، وتعصي الله في السر فتُؤذَى في العلن. إياك! واعلم أن ذنوب اللسان وذنوب اليد وذنوب الرجل تُغفَر إذا أحسنت التوبة منها. واحذر على نفسك من ذنوب الفرج، فإن هذا الذنب تُدركك عاقبته السيئة لا محالة. فوطّن نفسك على الصبر، فالصبر عن المعصية أعظم من الصبر على الطاعة. فاحذر أن تعصي الله، فيخذلك ذنبك فتهلك.

النصيحة الثانية عشرة: التواضع وسؤال العافية

الأمر الثاني عشر: ليس بين الله وبين الخلق نسب، وليس لأحد من الناس على الله عهد ألا يضل. فلا تُعجَب بنفسك ولا ترَ نفسك شيئًا. فإنك كما كنت عاصيًا لله فهداك، وبكل سهولة يمكن أن تعود لسبيل الغي فتضل وتهلك. وبكل سهولة يمكن أن تموت على غير ملة الإسلام فتخلد في النار، إذا أنت عاندت الحق وآثرت الدنيا وأخلدت إلى الأرض، يذهب منك كل شيء. فلا تجعل حطامًا من الدنيا يصنع منك حطبًا لجهنم. فلا تُعجَب، وسل الله العافية، وأكثر من سؤال الله العافية.

النصيحة الثالثة عشرة: الدنيا دُوَل متقلبة

الأمر الثالث عشر: اعلم أن الدنيا دُوَل، ولا يبقى لها حال. فالذين يظهرون العداوة لك سيضعفون لا محالة، وسيموتون، وسيذهب أثرهم من الدنيا. ربما تدرك كثيرًا منهم وهم ضعاف، لا قوة لهم، ولا يستطيعون شيئًا. وأكثر الذين آذوك وأنت تسعى في سبيل الحق، سيقعون بين يديك ضعافًا. فهذه سنة الله في الخلق، إذ قضى أن الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سقطوا جميعًا في قبضته، وقد عفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم في أضعف أحوالهم، وفي مقامٍ ليس بينهم وبين أن يُقتَلوا إلا كلمة. فلو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخل مكة: “لا تُبقوا منهم أحدًا”، ما بقي منهم أحدٌ. ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة.

خاتمة

وأحسب أنني في هذه الصوتية قد بلغت المراد بإجمال، ولعلي أُتبعها بصوتيات أُخَر في هذا الباب. الحمد لله رب العالمين.