الحالة:: معالج النوع:: صوت المنشيء:: مصعب بن صلاح المدة:: 06:40:55 المعرفة:: طلب العلم تاريخ اﻹكمال:: 2025-05-08 معالج:: 1

معهد_التأصيل_العلمي


المجلس الأول

مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما.

حياكم الله أيها الأحبة في معهد التأصيل العلمي الدفعة التاسعة وهي الدفعة الأولى إلكترونيا. اليوم هو اللقاء الأول، المجلس الأول مع الكتاب الأول: المدخل إلى طلب العلم.

ولا شك أنكم تعرفون فضل العلم وأهله، ولا نحتاج إلى ذكر ذلك، وسيأتينا إن شاء الله في الكتاب الثاني. وقد أخرج ابن وضاح في البدع عن سفيان الثوري أنه قال رحمه الله: بلغني أنه سيأتي على الناس زمان من طلب فيه العلم صار غريبا. وأخرج اللالكائي عن يونس ابن عبيد أنه قال: أصبح من يعرف السنة في نفسه غريبا بين الناس، وأغرب منه من يُعرفها للناس.

لا شك أن طالب العلم إذا استحضر مثل هذه المسؤولية العظيمة الجليلة، سيسهل عليه الاجتهاد والإخلاص ونحو ذلك.

مقدمة عن الكتاب

هذا الكتاب، نحن ندرس الملخص كما هو موجود عندكم من كتاب المدخل إلى طلب العلم ليكون متنا مختصرا، مكونا من فصلين: الفصل الأول في مقدمات تأصيلية، والفصل الثاني أصول منهجية. وهو على اسمه، ما يحتاجه طالب العلم المبتدئ، ليدخل من المدخل الصحيح إلى طلب العلم ويحفظ وقته وجهده من الضياع، ويحفظ ذهنه من التخبط.

والفصل الأول كما عنون له “مقدمات تأصيلية” هي تقريبا سبع مقدمات أو ست، نعم تقريبا سبعة. نبدأ بحول الله وقوته في المقدمة الأولى.

الفصل الأول: مقدمات تأصيلية

المقدمة الأولى: بيان العلم المقصود

المقدمة الأولى: بيان العلم المقصود: هو العلم الشرعي، وحقيقته تُعرف بعدة جهات:

هو العلم الشرعي. نعم، نحن نعرف أن العلم هو العلم الشرعي. لكن ما هو هذا العلم؟ ما حقيقته؟ لا بد لطالب العلم أن يتصوره بصورة متكاملة إلى حد ما، حتى يفهم ماذا يطلب. وحقيقة العلم الشرعي تعرف من عدة جهات، ذكرنا منها سبعة.

الجهة الأولى: من جهة الإجمال

١ - من جهة الإجمال: هو كل ما عَلَّمه النبي ﷺ أُمته. ذكره ابن تيمية في الفتاوى.

كل ما علمه النبي ﷺ لأمته فهو علم شرعي. يترتب على هذا أن تعظمه ولا تحتقره، ويجب عليك أن تطلبه. هذا إجمالا.

الجهة الثانية: من جهة حدوده

٢ - من جهة حدوده: هو معرفة حدود ما أنزلَ اللهُ على رسولِهِ مِن أصول الدين وفُروعه. ذكره السعدي في تفسيره.

ذكره السعدي في تفسيره لسورة التوبة، من كتابه تيسير الكريم الرحمن. معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله من أصول الدين وفروعه.

مثلا السؤال عن صلاتي: فعلت كذا في صلاتي، هل هي صحيحة أم باطلة؟ هذا سؤال عن الحدود. السؤال عمن فعل كذا، يكفر أم لا؟ هذا سؤال عن الحدود. السؤال عمن فعل كذا، يبتدع فيخرج من السنة أم لا؟ هذا سؤال عن الحدود. هل هذا الأمر جائز أم لا يجوز؟ هذا سؤال عن الحدود. العلم هو معرفة هذه الحدود.

الجهة الثالثة: من جهة أقسامه الأساسية

٣ - من جهة أقسامه الأساسية: ينقسم إلى ثلاثة:

والمراد أن العلم كله يدور حول هذه الأقسام الأساسية. أي مسألة في العلم الشرعي لا تخرج من هذه الأقسام الثلاثة. هذه مسألة فنية حتى يحصل طالب العلم مدارك العلم. قال ثلاثة أقسام:

الأول: عِلْمٌ بالله وأسمائه وصفاته وما يتبع ذلك.

يعني ما يتعلق بالمعارف المتعلقة بالله عز وجل، من توحيد الربوبية إلى الألوهية إلى الأسماء والصفات وما يتبعها من القدر إلى آخره.

والثاني: العلم بما أخبَرَ اللهُ به من الأمور الماضية والمستقبلة والحاضرة.

يعني يدخل فيما يسمى ببدء الخلق، وأمور الغيب، وأمور الآخرة.

والثالث: العلم بما أمر الله به من الأمور المتعلقة بالقُلوبِ والجوارح، ويندرج فيه العلم بأصول الإيمانِ وقَواعِدِ الإسلام، ويَنْدَرِجُ فيه العلم بالأقوال والأفعال الظاهرة، ويَنْدَرِجُ فيه ما وُجِدَ في كتب الفقهاء من العِلمِ بأحكام الأفعال الظاهرة. ذكره ابن تيمية في الفتاوى، وابن رجب في شرح حديث أبي الدرداء.

يعني أحكام الأقوال والأفعال. ويندرج فيه العلم بأصول الإيمان وقواعد الإسلام. أي هذا يدخل في هذا. ويندرج فيه أيضا العلم بالأقوال والأفعال الظاهرة، الذي هو الفقه. ويندرج فيه، وانظر إلى هذا، ويندرج فيه ما وجد في كتب الفقهاء من العلم بأحكام الأفعال الظاهرة.

هذه وقفة يعني جميلة ويسيرة هنا. هذا الكلام لابن تيمية رحمه الله وأيضا ذكره ابن رجب وغيره. هنا تعليق على قول ابن تيمية: “ويندرج فيه ما وجد في كتب الفقهاء من العلم بأحكام الأفعال الظاهرة”.

  • هذا فيه فائدة: أن متون الفقه هي من جنس العلم الممدوح شرعا.
  • وفائدة ثانية: أن هذه المتون الفقهية تحتوي على التنصيص والتصريح على أحكام الأقوال والأفعال الظاهرة، هذه خلاصة الفقه.
  • وفيه فائدة ثالثة: وجوب العناية بهذه المتون الفقهية. لماذا؟ لتكتمل عندك يا طالب العلم أقسام العلم الشرعي.

فمن ذم هذا النوع فهو يذم العلم الشرعي. ومن لم يعتن به فقد نقص من تكوين طلبه للعلم قسما مهما جدا، فينتج عندنا طالب علم مخروم مرقع. الذين تجدونهم يذمون الأخضري وابن عاشر في الفقه المالكي وغيرها من المذاهب، هذه فائدة مهمة يا إخوان.

الجهة الرابعة: من جهة مصدره وأهله الذين يؤخذ عنهم

٤ - من جهة مصدره وأهله الذين يؤخَذُ عنهم: ما كان مأثوراً عن الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى أنْ يَنتهي إلى زَمَنِ أَئِمَّةِ الإسلام المشهورين المقتدى بهم والمجمع على هدايتهم ودرايتهم كمالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عُبيد ومَن سَلك مَسْلَكَهم. ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم وفضل علم السلف.

ما المرجع في هذا العلم الشرعي؟ نحن نعرف الكتاب والسنة. لا يا أخي، ليس بمجرد الكتاب والسنة. الكتاب والسنة هي مادة خام من آيات وأدلة وأحاديث. ما المرجع في فهم هذه الآيات والأحاديث؟ من أهله الذين يؤخذ عنهم ويحتكم إليهم؟

ما كان مأثورا عن الصحابة والتابعين وتابعيهم. هذا نعرفه إجمالا. العلم الشرعي، أهل العلم الشرعي ومصادره وأهله الذين هم أهله وأحق به، هم القرون الثلاثة. لكن إلى متى؟ قال: “إلى أن ينتهي إلى زمن أئمة الإسلام المشهورين المقتدى بهم والمجمع على هدايتهم ودرايتهم”. إلى أن ينتهي. إذًا لا بد من وجود حد فاصل ينتهي عنده نظر الطالب. لماذا؟ ليعرض ما بعده على ما قبله. أما من لم يجعل حدا فاصلا، اختلطت عنده الأمور، وانقلب عنده السلف إلى الخلف والخلف إلى السلف، ومرة يأخذ من السلف ومرة يأخذ من الخلف وهكذا.

انظر إلى هذه الكلمة: “ما كان مأثورا عن الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى متى؟ إلى أن ينتهي”. هذا لا بد أن تضع حدا ينتهي عندك فيه مراجع وأهل العلم الذين تعرض عليهم ما جاء بعدهم. مثل ماذا؟ قال مثل: مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد، ومن سلك مسلكهم. أي من الأئمة المشهورين. هذه الضوابط: أن يكون مشهورا، فخرج ولو كان إماما لكنه مهجور أو مغمور. والمقتدى بهم، فخرج الإمام المشهور الذي لم يقتد به الناس وليس له أتباع. والمجمع على هدايتهم ودرايتهم، فخرج الإمام المشهور المقتدى به لكن لم يُجمع على هدايته ودرايته. والحمد لله عندنا في تراثنا الإسلامي كما يقال آلاف، عشرات الآلاف من الأئمة الذين انطبقت عليهم هذه الأوصاف. هذا ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم وأيضا في فضل علم السلف وهذا الكتاب سيأتينا إن شاء الله. صح يا أحبة؟

الجهة الخامسة: من جهة كيفية أخذه وضبطه

٥ - من جهة كيفية أخذه وضبطه بضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها، والتقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في التفسير والحديث والفقه والزهد والرقائق والمعارف وغير ذلك، والاجتهاد على تمييز صحيحه من سقيمه أولا، ثم الاجتهاد على الوقوف على معانيه وتفهمه ثانيًا، ثم يَشْتَغلُ بالتصديق بذلك إن كان من الأمور العلمية، وإن كان من الأمورِ العَمَليةِ بَذَلَ وُسْعَهُ في الاجتهاد في فِعْلِ ما يستطيعه من الأوامر واجتناب النواهي، وتكون همَّتُهُ مصروفة بالكلية إلى ذلك لا إلى غيره، وهكذا كان حال السلف. ذكره ابن رجب في فضل علم السلف وجامع العلوم والحكم.

يعني عمليا كيف أتلقى هذا العلم؟ طبعا هنا المدخل، هذا الكتاب كله في الجواب عن هذه الجهة، لكن هنا نحن نتكلم إجمالا وباختصار حتى نعرف حقيقة العلم الشرعي من هذه الجهة.

قال: بضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها. هذا سهل، كلنا نعرفه. والتقيد في ذلك، أي التقيد في كيفية ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهمها. ليس المقصود التقيد فقط بمجرد الفهم. هذا مما اشتهر عند كثير من طلاب العلم من السلفيين اليوم أنهم ينسون هذه الجزئية. ما هي؟ التقيد في ذلك. الإشارة هنا تعود إلى الأمرين: إلى كيفية ضبط نصوص الكتاب والسنة وحفظها، والثاني فهم معانيها. نحن نعرف التقيد بفهم السلف، وننسى التقيد بكيفية حفظ السلف للأدلة.

لذلك اليوم عندنا أشكال وألوان. منهم من يقول: لا، الحفظ تبدأ بحفظ القرآن. ومنهم يقول: يبدأ بحفظ الصحيحين. ومنهم يقول: يبدأ بحفظ الأربعين النووية. ومنهم من يقول: لا هذا ولا ذاك. هنا الإشكال، رأيت؟ رأيتم؟ إن كنت دخلت إلى العلم من المدخل الصحيح، انضبط لك الجميع.

ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها، والتقيد في كيفية حفظها وكيفية فهمها بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في التفسير والحديث والفقه والزهد والرقائق والمعارف وغيرها. والاجتهاد: بذل الوسع والطاقة في تمييز صحيحه من سقيمه أولا، ثم الاجتهاد على الوقوف على معانيه وتفهمه ثانيا. ما هذا الكلام؟ يعني حتى هذا المأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم يحتاج إلى الاجتهاد في بيان ضبطه وفي فهمه.

ثم يشتغل بالتصديق بذلك إن كان من الأمور العلمية. أي لو كانت هذه المعلومات أمورا علمية يعني أخبارا ليس فيها أوامر ونواهي. إنما أخبار تحتاج إلى التصديق إثباتا أو نفيا كما سيأتي. تثبت ما أثبته الشرع وتنفي ما نفاه الشرع، بناء على تقيدك بفهم السلف. وإن كان من الأمور العملية، أي الأوامر والنواهي، بذل وسعه في الاجتهاد في فعل ما يستطيعه من الأوامر واجتناب النواهي. وتكون همته، أي همة طالب العلم، مصروفة بالكلية إلى ذلك لا إلى غيره.

هنا أيضا وقفة مهمة. كثير من المنتسبين إلى السلفية اليوم لا يكونون على هذه الحال. لا تكون همتهم مصروفة بالكلية مائة بالمائة إلى ما ذكر هنا. بل تكون همتهم مصروفة ربما عشرة بالمئة فقط إلى ما ذكر هنا، وتسعين في المئة فيما لا يفيد. طبعا هو لا يقول إن هذا لا يفيد، إنما يمني نفسه: نعم هذا من العلم، وهذا لا بد أن تتعرف إليه، وهذا… خلاص! إلا لفراغه، وهذا من الباطل. لذلك تضيع عليه السنون والسنين والساعات والدقائق، وربما يكون في مكانه لم يتحرك خطوة واحدة، أعني في طلب العلم. الله المستعان.

قال: وهكذا كان حال السلف. أي كما ذكر. وقد ذكر هذا ابن رجب رحمه الله في فضل علم السلف وجامع العلوم.

لذلك يقول ابن رجب رحمه الله في كلام رائع في كتابه “فضل علم السلف” وسيأتي إن شاء الله في هذا المستوى التمهيدي. يقول:

“فأفضل العلوم في تفسير القرآن ومعاني الحديث والكلام في الحلال والحرام -يعني الفقه- ما كان مأثورا عن الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى آخره. ثم قال: وضبط ما روي عنهم في ذلك هو أفضل العلم مع تفهمه وتعقله والتفقه فيه.

طيب ما حدث بعدهم؟ قلنا لا بد أن يكون هناك حد فاصل. ما حدث بعدهم من التوسع أحد نوعين: إما أنه لا خير فيه، وما لا خير فيه فهو باطل. وإما أن يكون فيه خير، وهذا الذي فيه خير بشرط واحد: أن يكون شرحا لكلامهم أو متعلقا بكلامهم. فأما إذا كان مخالفا لكلامهم فلا شك أنه باطل. وفي كلامهم كفاية وزيادة. ولا يوجد في كلام من بعد السلف من الحق إلا وهو في كلامهم موجود بأوجز لفظ وأخصر عبارة. ولا يوجد في كلام من بعدهم من باطل إلا وفي كلامهم ما يبين بطلانه لمن فهمه وتأمله. ويوجد في كلام السلف من المعاني البديعة والمآخذ الدقيقة ما لا يهتدي إليه من بعدهم ولا يسلم به.” (ضع خطًا تحت هذه الكلمة). “فمن لم يأخذ العلم من كلامهم فاته ذلك الخير الكثير.” والمشكلة ليس فقط مجرد أن يفوتك الخير. قال: “مع ما يقع في كثير من الباطل متابعة لمن تأخر عنهم.” ثم ذكر أن في ذلك كفاية لمن عقل، وشغلا لمن بالعلم النافع عُني واشتغل. ومن وقف على هذا وأخلص القصد فيه لوجه الله واستعان عليه، أعانه وهداه ووفقه وسدده وفهمه وألهمه. وحينئذ يثمر له العلم ثمرته الخاصة به وهي خشية الله، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}.”

انظر، بعد أن تسلك هذه المسالك، حينئذ تصل إلى خشية الله، وليس فقط بمجرد أن تطلب العلم من البداية. من لم يدخل من المدخل الصحيح لن يحصل على خشية الله. لذلك تجد علماء لكنهم مبتدعة. نعم هو عالم، لكنه مبتدع ضال. وهذا هو الجواب على هذا الإشكال.

الجهة السادسة: من جهة ثمراته

٦ - من جهة ثمراته الإعانة والهداية والتوفيق والتسديد في الفهم ثم خشية الله ومحبته والقُرب منه والأنس به والشوق إليه، والقلب الخاشع والنفس القانعة والدعاء المسموع. ذكره ابن رجب في فضل علم السلف.

يعني الفوائد التي تجنيها من طلب العلم في الدنيا والآخرة، حسية كانت أو معنوية. قال: الإعانة والهداية والتوفيق والتسديد والفهم، ثم خشية الله ومحبته والقرب منه والأنس به، والشوق إليه، والقلب الخاشع والنفس القانعة والدعاء المسموع. ذكر هذا أيضا ابن رجب في فضل علم السلف.

يقول: “أصل العلم بالله هو الذي يوجب خشيته ومحبته والقرب منه والأنس به والشوق إليه. فمن تحقق بهذا العلم كان علمه نافعا وحصل له العلم النافع والقلب الخاشع والنفس القانعة والدعاء المسموع. ومن فاته هذا العلم النافع وقع في الأربع التي استعاذ منها النبي ﷺ وهي: اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع.” وصار علمه حجة عليه ووبالا عليه، فلم ينتفع به. الله المستعان.

وغايته: حصول سعادته وكماله و مصالح دنياه وآخرته. ذكره ابن القيم في مفتاح دار السعادة.

انتهينا الآن من المقدمة الأولى، حقيقة العلم، كل هذا كما قلنا بالإجمال والاختصار.

المقدمة الثانية: حكم طلب العلم

نأتي إلى المقدمة الثانية من المقدمات التأصيلية: حكم طلب العلم، وهذه من أهم ما يكون. حكم طلب العلم وفيه مسائل. عندنا تقريبا ثماني مسائل.

المسألة الأولى: الأصل في طلب العلم الشرعي

لماذا يا إخوة؟ لأن الإنسان قد يظن أن العلم واجب بدون تفصيل، فيحمل نفسه ما لا طاقة له به. أو يظن أن العلم ليس بواجب، فيضيع ما هو واجب عليه وهو في غفلة. وكلاهما غلط. فلا بد أن ندرس هذا حتى نعلم من البداية ما الذي يجب علينا فنقدمه ولا نقدم عليه غيره، وما الذي لا يجب علينا فيمكن أن نؤخره، وهكذا تكون بدايتك بداية صحيحة محكمة.

المسألة الأولى: الأصل في طلب العلم الشرعي: أنه واجب؛ لقوله تعالى: ﴿ولا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: ٣٦] والحديث: «طلب العلم فريضة على كل مسلم»، ولقاعدة: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

الأصل في طلب العلم الشرعي أنه واجب. يعني هذا الكلام العام. الأصل في طلب العلم الشرعي أنه واجب. لقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}. قال العلماء: نهى الله تعالى نبيه عن اتباع ما لا يعلم. فلا يجوز الشروع في شيء حتى يُعلم. فيكون طلب العلم واجبا في كل حال.

ولحديث “طلب العلم فريضة على كل مسلم”. الحديث يحسنه بعض العلماء، وكثير من العلماء يضعفونه من حيث الإسناد ويصححونه من حيث المعنى. وعلى كل حال المعنى واضح.

وللقاعدة الفقهية: “ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”. كيف؟ يعني كل ما أوجبته الشريعة علينا، العلم به واجب. لماذا؟ لأنه لا يمكنك أن تمتثل وتنفذه إلا بعد أن تعلمه. لا يتم لك إلا بأن تتعلمه، فالعلم به واجب.

لكن هنا البحث العلمي: الواجب في الشرع نوعان. الواجب في الشريعة الإسلامية نوعان. بناء على ماذا؟ بناء على أن الشرع إما أن يوجب شيئا فيطلبه من كل شخص بحد ذاته، وهذا يسمى الواجب العيني أو فرض العين. يعني واجب على كل شخص معين مكلف بالغ عاقل. وإما أن يوجب شيئا ولا ينظر إلى الفاعل، وإنما فقط ينظر إلى أن هذا الواجب يجب أن يتحقق. تحقق بشخص واحد أو تحقق بمئة شخص لا يهمه. هذا الثاني يسمى الواجب الكفائي أو فرض الكفاية. من هنا انقسم الواجب في الشرع إلى قسمين.

وبناء على هذا، العلم الشرعي يدخل في هذا التقسيم، فهو واجب نعم، لكنه من حيث التفصيل: من العلم الشرعي ما هو واجب عيني يجب على كل شخص بعينه، سواء كنت تريد أن تصبح طالب علم أم لا، هنا لا يُنظر إلى هذا. ومن العلم الشرعي ما هو واجب كفائي، قد لا يجب عليك وقد يجب.

١ - عيني: وهو ما أوجبه الشرع على كلِّ مُعَيَّنٍ (مُكَلَّفٍ) في خاصةِ نَفْسِه كالصلاة، فهو يجب على جميع المُكَلَّفِينَ أي: يُنْظَرُ فيه إلى الفعل والفاعل معاً فإذا لم يُفْعَلْ؛ أَثِمَ كلُّ من لم يَفْعَلْه.

الواجب العيني ويسمى فرض العين: هو ما أوجبه الشرع على كل معين، أي مكلف (وهو العاقل البالغ) في خاصة نفسه. يعني الشرع أوجبه على كل شخص معين. مثل ماذا؟ مثل التوحيد والصلاة والصيام والزكاة. صح ولا لا؟ هل أحدنا يقول: إذا صلى الناس الفجر لا يهمني؟ المهم أن يصلي الناس. لا، الشريعة تنظر لك أنت، أنت هل صليت؟ الناس صلوا، اترك الناس، هل أنت صليت؟ إذا لم تصل تأثم، وقد تكفر. إذا صليت، نعم تؤجر إن شاء الله. إيوه. قال: فهو يجب على جميع المكلفين. أي ينظر فيه الشرع إلى الفعل والفاعل معا. الصلاة وأنت، هل صليتها أم لا؟ مثلا. فإذا لم يفعل، أثم كل من لم يفعله. كل واحد على حدة يأثم. أنت إذا صليت تؤجر، إذا لم تصل تأثم. وصاحبك صلى يؤجر، لم يصل أثم، وهكذا.

٢ - كفائي: وهو ما إذا فَعَلَه البَعضُ سَقَطَ الإثم عن البقية، فهو يجب على مجموع المُكَلَّفِينَ لا جَميعهم، أي: يُنْظَرُ فيه إلى الفعل بغضّ النظر عن الفاعل، كصلاة الجنازة، لكن إذا لم يقم به أحَدٌ أَثِمَ كل مَن يَقْدِرُ على فِعْلِهِ! وهذا بالإجماع. ذكره ابن عبدالبر في الجامع.

النوع الثاني: الواجب الكفائي، ويسمى فرض الكفاية. ومن اسمه تفهمه. هو ما إذا فعله البعض سقط الإثم عن البقية. يعني إذا حصل الفعل بواحد أو باثنين أو بعشرة أو بمليون، صار في حق البقية ليس واجبا. هذا معنى قولهم “سقط الإثم عن البقية”. لذلك سمي الكفائي، يعني إذا حصل بمن يكفي أو إذا كُفينا فعله ولو بشخص واحد، لم يصر في حقنا واجبا. قال: فهو يجب على مجموع المكلفين لا جميعهم. يعني بغض النظر عن هؤلاء الناس شخصا شخصا كما في الواجب العيني. قال: أي ينظر فيه الشرع إلى الفعل، المهم أن يحصل هذا الفعل، بغض النظر عن الفاعل. مثل ماذا؟ مثلا صلاة الجنازة. إذا صلى الناس على الجنازة، لن تأثم أنت. صح ولا لأ؟ إيوه.

لكن، وهنا بالخط العريض: إذا لم يقم به أحد، أي كل أحد مستطيع، أثم كل من يقدر على فعله. وهذا بالإجماع كما ذكر ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.

إذاً، فتبين بهذا أن طلب العلم الشرعي واجب، لكن منه ما هو واجب عيني لا يسع المسلم جهله، ومنه ما هو واجب كفائي يجب على بعض الناس دون بعض. واضح يا أحبة؟

فائدة: هل يصح أن نقول إن طلب العلم كله فرض عين؟ نعم، على وجه من التجوز. كيف؟ القيام بذلك الفرض الذي هو العلم الشرعي، يعني أن يكون عندنا عالم أو طالب علم، هذا قيام بمصلحة الأمة عامة. فجميعنا مطالبون بأن نسد هذه الثغرة، صح ولا لا؟ وبعضنا قادر عليها مباشرة، مثلا أنتم الآن تطلبون العلم. الذي لم يقدر، ماذا عليه؟ هو قادر على إعانة القادر. أنا لا أستطيع أن أكون طالب علم بنفسي، لكنني أستطيع أن آتي بك أنت يا فلان وفلان، وأعينك على طلب العلم، فتحصل العلم. واضح؟

إذاً الذي يقدر، يطلب ويخاطب بطلب العلم مباشرة مثلكم الآن. والذي لا يقدر، مطلوب منه أمر آخر وهو تيسير العلم لذلك القادر، أو إعانته على ذلك. يا إخوان، إيوه، وهذا ذكره الشاطبي وغيره.

المسألة الثانية: صفة فرض العين من العلم الشرعي

نأتي للمسألة الثانية، وهي مباشرة ستتبادر إلى ذهنك. صفة فرض العين من العلم الشرعي. يعني ما حد هذا الواجب العيني من العلم الشرعي؟ لماذا؟ هذا يجب علي أن أطلبه وأتعلمه، بغض النظر عن أنني أريد أن أصير طالب علم أو شيخا أو أن أسجل في معهد التأصيل العلمي أو غير ذلك. لا بد أن أطلبه. إذاً ما هو؟ بين لنا حده حتى، يلا بسم الله، نبدأ. آه، لم يذكر العلماء حدا فاصلا في ذلك، إنما ذكروا ضوابط. قالوا: هو ما لا يسع المسلم جهله. يعني لا يمكن ولا يعذر أصلا مسلم بأن يجهله. طيب ما هو؟ قالوا يتعلق بأمور من حيث الإجمال لا من حيث التفصيل، بأمور ثلاثة:

١ - أصول الإيمان المتعلقة بمراتب الدين الثلاثة: الإسلام والإيمان والإحسان. ذكره ابن القيم في المفتاح وابن عبدالوهاب في الأصول الثلاثة.

أولها: أصول الإيمان المتعلقة بمراتب الدين الثلاثة: الإسلام والإيمان والإحسان. وقد ذكر هذا ابن القيم في مفتاح دار السعادة. ومن هنا كانت عناية العلماء رحمهم الله، أعني من المعاصرين، بمتن الأصول الثلاثة للشيخ محمد بن عبد الوهاب. لماذا؟ لأنه ذكر فيه أصول العلم المتعلق بالواجب العيني في المراتب الثلاث: الإسلام والإيمان والإحسان. وقلنا هذا بالإجماع، أما التفصيل فسيأتي إن شاء الله.

٢ - الواجبات والمحرمات المعلومة من الدين بالضرورة كوجوب الصلوات الخمس وتحريم الزنا. ذكره أحمد وابن راهويه وابن القيم.

الثاني: الواجبات والمحرمات التي اتفقت عليها الشرائع أو ما يسمى بالمعلوم من الدين بالضرورة. يعني معلوم من الدين بالضرورة المعرفية بدون طلب علم. مثل ماذا؟ كوجوب الصلوات الخمس. كل مسلم يعرف أن الصلوات واجبة بدون أن يطلب العلم. صح ولا لا؟ تحريم الزنا، تحريم الخمر، تحريم الشرك بالله، وجوب عبادة الله وحده، هذا لا بد أن يعلمه المسلم بالضرورة. فهذا لا بد أن يتعلمه. وقد ذكر هذا النوع أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وابن القيم أيضا.

٣- ما وجب بالزمان أو المكان أو الحال. ذكره مالك وابن المبارك وابن تيمية.

الثالث: ما وجب بالزمان أو المكان أو الحال. ذكر هذا مالك وأشار إليه ابن المبارك رحمه الله وابن تيمية رحمه الله. يقول مالك: “إن العلم لحسن، ولكن انظر ما يلزمك من حين تصبح إلى حين تمسي فالزمه، ولا تؤثر عليه شيئا.” يعني قم به وتعلمه وجوبا ولا تقدم عليه شيئا آخر. أخرج هذا الأثر الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه. ما معنى قول الإمام مالك؟ لما سئل عن هذا العلم؟ قال: نعم، العلم حسن، جيد، كل العلم جيد. لكن كيف أبدأ وكيف أرتب؟ ما الأوجب علي؟ قال: بحسب الزمان. ما يلزمك، أي يجب عليك، من حين تصبح إلى حين تمسي؟ من أن يصبح الإنسان إلى حين يمسي، ما الذي يجب عليه؟ هناك صلوات، هناك بعض الحقوق، هناك… هذا الذي يجب عليك أن تفعله.

وسئل ابن المبارك عن حديث “طلب العلم فريضة على كل مسلم”. قال: “ليس هذا الذي تطلبونه.” أنت تتكلم عن عبد الله بن المبارك وهو يجلس في مجلس التحديث، أكيد ليس هذا واجبا على كل الناس. قال: “إنما طلب العلم فريضة أن يقع الرجل في شيء من أمر دينه فيسأل عنه حتى يعلمه.” أخرجه الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه. وأيضا سئل: ما الذي يجب على جميع الناس من تعلم العلم؟ يعني يسألونه عن الذي هو فرض عين من العلم الشرعي الذي يجب على جميع الناس، هذا فرض العين. قال: “ألا يقدم الرجل على شيء إلا بعلم، يسأل ويتعلم، هذا الذي يجب على الناس من تعلم العلم.” وذكر مثالا توضيحيا، قال: “لو أن رجلا ليس له مال، لم يكن واجبا عليه أن يتعلم الزكاة. فإذا كان له مئتا درهم -يعني ملك مالا وبلغ النصاب- وجب عليه أن يتعلم الزكاة، ويتعلم كم يخرج ومتى يخرج وأين يخرج؟ وسائر الأشياء على هذا.” خرجه ابن عبد البر في الجامع.

وأيضا سئل أحمد بن حنبل عن الرجل: هل يجب عليه طلب العلم؟ يعني هكذا بدون تفصيل. فقال: “أما -يعني من باب المثال- ما يقيم به صلاته وأمر دينه من الصوم والزكاة -وذكر بقية شرائع الإسلام- قال: فينبغي له أن يعلم ذلك.” خرجه الخطيب في الفقيه والمتفقه.

وأيضا سئل إسحاق ابن راهويه عن حديث “طلب العلم فريضة” قال: “لم يصح فيه الخبر ولكن العلم واجب، ومعناه صحيح وهو أن يلزمه طلب علم ما يحتاج إليه. كيف؟ من وضوئه وصلاته وزكاته إن كان له مال، وكذلك الحج وغيره. وهكذا.” أخرجه ابن عبد البر في الجامع.

ويقول الخطيب البغدادي أيضا في الفقيه والمتفقه لما تكلم عن هذه المسألة: قال بعض أهل العلم: “إنما عُني بهذا الحديث -طلب العلم فريضة- علم التوحيد، وما يكون به العاقل مؤمنا. فإن العلم بذلك فريضة على كل مسلم ولا يسع أحدا جهله. فالأصول التي هي معرفة الله وتوحيده وصفاته وصدق رسله، مما يجب على كل أحد معرفته. وقيل: معناه أن على كل أحد فرضا أن يتعلم ما لا يسعه جهله من علم حاله.” وهكذا، ثم ذكر أثر ابن المبارك.

ولابن عبد البر رحمه الله كلام مفصل جيد وفيه إشارة إلى الأصول الثلاثة التي ألف فيها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رسالته المشهورة. من هنا تأتي عظمة تلك الرسالة. يقول ابن عبد البر رحمه الله: “والذي يلزم الجميع فرضه من ذلك -يعني فرض العين- ما لا يسع الإنسان جهله من جملة الفرائض المفترضة عليه. مثل ماذا؟ قال نحو الشهادة باللسان والإقرار بالقلب أن الله وحده لا شريك له… إلخ” (التوحيد). “والشهادة أن محمدا رسول الله ﷺ… إلخ”. يا إخوة. ثم ذكر بقية أركان الإيمان. وذكر أيضا الصلوات الخمس. “ويلزمه من علمها ما لا تتم إلا به” يعني أقل ما تصح به صلاتك. قال: “من طهارتها وسائر أحكامها. وكذلك صوم رمضان الفرض. ويلزمه إذا كان له مال وقدرة على الحج أن يتعلم فقه الحج… إلخ”. وابن القيم أيضا له تفصيل في مفتاح دار السعادة، ارجعوا إليه تستفيدون.

* والضابط الجامع: أنْ يَتَوَقَّفَ عليه معرفةُ عِبادةٍ يُرِيدُ فِعْلَها أو مُعامَلَةٍ يُرِيدُ القِيام بها، وما عداه ففَرْضُ كفاية. ذكره ابن عثيمين في كتاب العلم.

ولكن ابن عثيمين رحمه الله له ضابط جامع حسن جدا في كتاب العلم له، قال: “ضابط فرض العين هو أن يتوقف عليه معرفة عبادة يريد فعلها أو معاملة يريد القيام بها. وما عداه فهو فرض كفاية.”

المسألة الثالثة: الأصل في فرض الكفاية من العلم الشرعي

نأتي للمسألة الثالثة. الأصل في فرض الكفاية من العلم الشرعي. عرفنا فرض العين، طيب الأصل في فرض الكفاية ما حكمه؟

المسألة الثالثة: الأصل في فرض الكفاية من العلم الشرعي: قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٢] اتَّفَقَ العلماء على الاستدلال بهذه الآية على فَرْضِ الكفاية. ذكره ابن عبدالبر في الجامع.

قوله تعالى، يعني ما الدليل على أن هناك من العلم ما هو فرض كفاية؟ قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}. اتفق العلماء على الاستدلال بهذه الآية على فرض الكفاية من العلم الشرعي. ذكر الإجماع ابن عبد البر في الجامع. قال سفيان ابن عيينة: “طلب العلم والجهاد فريضة على الجماعة، ويجزئ فيه بعضهم عن بعض”، وقرأ هذه الآية. أخرجه ابن عبد البر في الجامع. وسواء قلنا إن الطائفة النافرة هي التي تطلب العلم، أو الطائفة الجالسة هي التي تطلب العلم، كلاهما يصح الاستدلال به. فإن كانت النافرة هي المقصودة بطلب العلم ففيه فضل الخروج في طلب العلم، والخروج في طلب العلم سواء كان حسيا، أي بجسدك، أو معنويا، كما أنتم هنا تحضرون عن بعد، هذا حضور وخروج أيضا. أو كانت الجالسة هي المتفقهة ففيه فضل الجلوس لطلب العلم، وأيا ما كان.

المسألة الرابعة: صفة فرض الكفاية من العلم الشرعي

نأتي للمسألة الرابعة: صفة فرض الكفاية من العلم الشرعي. عرفنا صفة فرض العين من العلم الشرعي. طيب ما صفة فرض الكفاية؟ ما حده؟

المسألة الرابعة: صفة فَرْضِ الكِفاية من العلم الشرعي: كل ما زاد على فرض العين. ذكره ابن عثيمين في كتاب العلم.

حده سهل: كل ما زاد على فرض العين فهو فرض كفاية. الأمر سهل وهو كما ذكره ابن عثيمين سابقا. كل ما زاد على فرض العين فهو فرض كفاية. هذا ضابط مجمل.

أما من حيث التفصيل فيقول بعض العلماء: هو تحصيل ما لا بد للناس منه من إقامة دينهم في العلوم الشرعية كلها.

يقول العلامة ابن باديس في كلام مختصر في صفة فرض الكفاية، قال: هو الاشتغال بتحصيل مسائل العلم والانقطاع إلى تعلم قواعده. ولكن كما قلنا، كل ما زاد على فرض العين فهو فرض كفاية.

ولابن القيم أيضا تحرير جيد في مفتاح دار السعادة، جميل جدا. يقول رحمه الله، كلامه رائع أقرؤه عليكم:

“وأما فرض الكفاية فلا أعلم فيه ضابطا صحيحا. فإن كل أحد يدخل في ذلك ما يظنه فرضا. والفرض الذي يعم وجوبه كل أحد هو علم الإيمان وشرائع الإسلام، فهذا هو فرض العين. وأما ما عدا هذا فهو فرض الكفاية. فإذا توقفت معرفة الواجب عليه، فهو من باب ما لا يتم الواجب إلا به. ويكون الواجب منه القدر الموصل إليه، دون المسائل التي هي فضلة -يعني زيادات وتفاصيل- لا يفتقر معرفة الخطاب الشرعي وامتثاله وفهمه إليها. وبالجملة، فالمطلوب الواجب من العبد من العلوم والأعمال إذا توقف على شيء منها، كان ذلك الشيء واجبا وجوب الوسائل. ومعلوم أن ذلك التوقف يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والألسنة والأذهان، فليس لذلك حد مقدر والله أعلم.”

نحن قلنا الضابط: كل ما زاد على فرض العين.

المسألة الخامسة: طلب جميع العلوم واجب على مجموع القائمين بفرض الكفاية لا على أعيانهم

نأتي للمسألة الخامسة، وهذه المسألة الخامسة هي في الحقيقة إزالة إشكال قد يعرض لطالب العلم. ما هي؟ قال المسألة الخامسة: طلب جميع العلوم واجب على مجموع القائمين بفرض الكفاية لا على أعيانهم. ما معنى هذا؟ هذه المسألة متعلقة بما سبق، المسائل السابقة والمسألتين السابقتين. كيف؟ لأننا بعد أن عرفنا فرض الكفاية وفرض العين، قد يتوهم أحدنا أن كل من اشتغل بفرض الكفاية من العلم الشرعي يجب عليه أن يطلب جميع العلوم الشرعية. وهذا غلط.

المسألة الخامسة: طلب جميع العلوم واجب على مجموع القائمين بفرض الكفاية لا على أعيانهم. ذكره ابن تيمية.

يقول ابن تيمية: “ولهذا وجب على مجموع الأمة حفظ جميع الكتاب وجميع السنن المتعلقة بالمستحبات والرغائب، وإن لم يجب ذلك على آحادها”. هذا هو الفرق بين الجميع والمجموع. الجميع يعني كل واحد بعينه. أما المجموع، فيكفي أن يشتركوا فيه.

وأنا أعطيكم مثالا حتى تتضح الصورة. لو فرضنا أن هناك خمسة يقومون بفرض الكفاية، طيب جميل. هل يجب على الخمسة، كل واحد من الخمسة، أن يطلب جميع العلوم الشرعية؟ لا. هذا هو الغلط الذي تعالجه هذه المسألة. وإنما الصواب أن هؤلاء الخمسة يشتركون في تحقيق جميع العلوم. فأنا مثلا آخذ الحديث والتفسير، وأنت تأخذ الفقه واللغة، وفلان يشاركني أيضا في الحديث والتفسير، وآخر عليه مثلا بالسيرة وهكذا. هذا هو المقصود.

وهذه مسألة مفيدة ومريحة. إذا كنت تطلب علما ما، ووجدت أن هناك حاجة في علم أو علمين، وأنت تسد حاجة في علوم أخرى، لن تأثم ولن تخرج مما أنت محسن فيه ومتخصص فيه بسبب توهمك أن تلك الثغرة لا بد أن تسدها. مثلا، أنا الآن أشتغل بعلم العقيدة وفي الأسماء والصفات والفرق والأديان والردود، والحمد لله. وفلان يشتغل بعلم الحديث والفقه، والحمد لله ما شاء الله. ولكن رأينا أنا وهو أن هناك ثغرة مثلا في علم أصول الفقه، أو في علم السيرة النبوية، أو في علم الحديث. هل نأثم؟ الجواب: لا. لماذا؟ لأن فرض الكفاية يقوم به المجموع لا الجميع. المجموع يعني خلاص، ليس كل واحد منا يجب عليه أن يفعل هذا. ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. خلاص أنا الآن محسن في هذه العلوم أكتفي بها، وأنا أحقق الكفاية في هذه العلوم أكتفي بها. وأسأل الله أن ييسر من يقوم بسد تلك الثغرة من تلك العلوم الأخرى. يا أحبة، من الغلط اليوم أن أترك ما أنا فيه وأذهب إلى هناك وأبدأ من الصفر. طيب أنت الآن تركت فرض الكفاية في علم أنت تحسنه وذهبت إلى هناك وتبدأ من الصفر، فتركت مكانك الآن شاغرا فارغا. هذه إشكالية والله يا أحبة.

ومن هنا نفهم قول الأوزاعي فيما أخرجه المروزي وغيره: “إن كل أحد على ثغر من ثغور الإسلام، فإياكم أن يؤتى الإسلام من ثغرك”. أنت على ثغر، فأحكم هذا الثغر.

لذلك يقول ابن تيمية رحمه الله: “ولا يقولن قائل: من لم يعرف الأحاديث كلها لم يكن مجتهدا. لا. لأنه إن اشترط في المجتهد علمه بجميع ما قاله النبي ﷺ وفعله فيما يتعلق بالأحكام، فليس في الأمة مجتهد. وإنما المطلوب من العالم أن يعلم جمهور ذلك ومعظمه، بحيث لا يخفى عليه إلا القليل من التفصيل.”

المسألة السادسة: ما تتحقق به الكفاية من فرض الكفاية من العلم الشرعي

“ما” هنا بمعنى الذي. ما الذي تتحقق به الكفاية من فرض الكفاية من العلم الشرعي؟ عرفنا أن فرض الكفاية، طيب كيف أعلم أن الكفاية قد حصلت؟ لماذا؟ لأن هذا يترتب عليه رفع الإثم عني. إذا حصلت الكفاية لم آثم ولم يكن واجبا علي. طيب كيف أعرفه حتى أبرئ ذمتي؟

المسألة السادسة: ما تَتَحَقَّقُ به الكفاية مِن فَرضِ الكفاية من العلم الشرعي: يُكْتَفى فيه بِغَلَبَةِ الظَّنِّ؛ فَمَن غَلَبَ على ظنّهِ أَنْ فَرضَ الكفاية من العلم لم يَقُمْ به أَحَدٌ: وَجَبَ عليه، ومَن غَلَبَ على ظنّه أنَّ غَيْرَه قام به: سَقَطَ عنه. ذكره القرافي.

قالوا: يكتفى في ذلك بغلبة الظن. غلبة الظن يعني بلغة الحسابات مثلا أكثر من خمسين بالمئة، ستين في المئة، سبعين في المئة، ثمانين في المئة.. ويعرف هذا بالتتبع والنظر في الواقع.

فمن غلب على ظنه أن فرض الكفاية من العلم لم يقم به أحد، ولو في علم ما، وجب عليك أنت طالما أنك مستطيع أن تسد هذه الثغرة. والعكس بالعكس. ومن غلب على ظنه أن غيره قام به، سقط عنك الوجوب ولم يكن في حقك واجبا بل صار مستحبا. ذكر هذا القرافي المالكي المعروف.

وهذه المسألة السادسة، تجعلنا نقف عند كلام بعضهم ممن يزعم أنه ليس في البلد الفلاني علماء، وليس عندكم علماء، وفي قريتكم لا يوجد علماء. يا أخي اتق الله، أنت الآن تزعم، بل تجزم وتتيقن أن الكفاية غير حاصلة! لذلك لا يتكلم الإنسان كلمة كما قال النبي ﷺ: “لا يلقي لها بالا تهوي به في النار سبعين خريفا”. وكما قال ﷺ: “أمسك عليك لسانك”. لا تأت وتقول: لا يوجد علماء في البلد الفلاني. هذه كثرت عند بعض الشباب، بعض المنتسبين للسلفيين: لا يوجد علماء في البلد الفلاني! يا أخي سبحان الله، البلد الفلاني! يا أخي لو قلنا لك: هل تستطيع أن تجزم بنفي وجود دراجة هوائية في البلد الفلاني؟ لقلت: لا أستطيع. طيب كيف تجزم أنه لا يوجد عالم؟ لا بأس، أنت تجزم، تجزم أنه لا يوجد عالم في المكان الفلاني؟ نعم. إذا كنت تجزم بهذا، فأنت تجزم أن فرض الكفاية لم يتحقق. ومن الذي عرف وجزم به؟ أنت. وجب عليك بالإجماع أن تقوم بسد هذه الكفاية، وإلا أثمت إثم جميع الناس الذين زعمت أنه ليس في بلدهم عالم. الإنسان يمسك لسانه يا أحبة. اسكت يا أخي. الله المستعان.

المسألة السابعة: متى يجوز الاشتغال بطلب فرض الكفاية من العلم الشرعي؟

نأتي للمسألة السابعة. متى يجوز الاشتغال بطلب فرض الكفاية من العلم الشرعي؟ هذا مهم جدا. عرفنا فرض الكفاية، طيب هل هو يعني على هواي؟ مرة أقدم فرض العين ومرة أقدم فرض الكفاية؟ الجواب: لا، ليس على كيفك.

المسألة السابعة: متى يجوز الاشتغال بطلب فَرضِ الكفاية من العلم الشرعي؟ بشرطين:

قالوا: يجوز ذلك بشرطين، والشرطان متلازمان، لا يوجد الأول إلا بوجود الثاني، ولا يوجد الثاني إلا بوجود الأول.

الأول: أن لا يؤدي إلى تضييع فَرضِ عَينٍ.

لماذا؟ لأننا عرفنا الإجماع على وجوب تقديم فرض العين على فرض الكفاية.

والثاني: أن لا يؤدي إلى تضييع فَرضِ كفاية أهم.

والشرط الثاني: ألا يؤدي الاشتغال به إلى تضييع فرض كفاية أهم وأولى منه. لأن فروض الكفايات نفسها تتفاوت. وكما تقدم معنا قول مالك: “إن العلم لحسن، ولكن انظر ما يلزمك من حين تصبح إلى حين تمسي، فالزمه ولا تؤثر عليه شيئا.” كيف هذا؟ مثلا، قد يكون فرض الكفاية أهم وأولى بحسب الزمان. مثلا الآن جاء وقت صلاة جنازة، وأنت ذاهب إلى درس مثلا صحيح البخاري. ودراسة صحيح البخاري بالنسبة لك فرض كفاية مثلا، وصلاة الجنازة فرض كفاية. لكن الآن حان وقت صلاة الجنازة، ودرس صحيح البخاري بعد ربع ساعة مثلا. لا تخرج إلى درس صحيح البخاري، صل الجنازة الآن، هذا هو الأوجب بحسب الزمان. (هذا مثال فقط، وقد يكون هناك تفصيل). واضح يا أحبة؟ هذا مثال بحسب الزمان.

وبحسب المكان: أنت في مكان فيه دور تحفيظ القرآن وتفسيره كثيرة جدا. تفسير القرآن كله من فروض الكفاية. وأنت الآن قائم أو تدرس مثلا لضبط مذهب من مذاهب أهل السنة، مثلا تدرس كتاب مختصر خليل أو تدرس أسهل المسالك أو ابن عاشر، وهذا قيام بفرض الكفاية. طيب ما الأهم؟ الأهم الآن بالنسبة لك أنت في هذا المكان ضبط الفقه. لماذا؟ لأن القرآن وتفسيره، أنت في مكان فيه دور التحفيظ والتفسير كثيرة. فالأهم لك الآن في هذا المكان أن تدرس الفقه، من أن تدرس التفسير، لأن الكفاية حاصلة بالتفسير ولم تحصل بالفقه، وأنت المؤهل للفقه وهكذا. يا أحبة. فهذا باختصار شديد.

المسألة الثامنة: حالات يصير فيها فرض الكفاية من العلم فرض عين

نأتي للمسألة الثامنة وهي مسألة مهمة جدا. قال: حالات يصير فيها فرض الكفاية من العلم فرض عين. يعني فرض الكفاية ليس ثابتا، قد ينقلب إلى فرض عين. حصر العلماء هذه الحالات في أربعة:

الحالة الأولى: إذا شرع الطالب في الطلب

١ - إذا شَرَعَ الطالب في الطلب.

يعني منذ أن بدأت في طلب العلم، انقلب هذا العلم الذي أنت تراه فرض كفاية، بمجرد بدايتك انقلب وصار في حقك فرض عين، لا يجوز لك تركه. إيوه. قال ابن تيمية: “ولهذا مضت السنة بأن الشروع في العلم والجهاد يلزم كالشروع في الحج.” يعني أن ما علمه أو حفظه من الدين ليس له إضاعته. ثم استدل بقوله ﷺ: “من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله وهو أجذم.” وحديث: “عُرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها، فرأيت في مساوئ أعمالها الرجل يؤتيه الله آية من القرآن ثم ينام عنها حتى ينساها.” وبحديث: “من تعلم الرمي ثم نسيه فليس منا.” لماذا هذه الحالة؟ قالوا: لأنك بمجرد الشروع والبداية في طلب العلم الذي هو فرض كفاية، كأنك قد كفيت الناس المؤونة، كأنك قد حملت الواجب من أعناقهم ووضعته في عنقك، فحق الناس قد تعلق بك. صح ولا لأ؟ فلا يجوز لك أن تبطل ما تعلق بك من حق غيرك.

مثل ماذا؟ أعطيك مثالا سهلا جدا. لو كنت مثلا في البلدان التي فيها أزمة خبز (كثير من البلدان العربية فيها هذه الأزمة، وكان عندنا مثلا في السودان نقف صفوفا طويلة). فمثال هذا: لو جئت أقف في صف الخبز، ورأيت مثلا عشرة من الناس، فقلت لهم: أعطوني المال وأنا أشتري لكم الخبز، أقف نيابة عنكم في الصف. فأعطوني المال وذهبوا وجلسوا. هنا الآن تعلق بي حق هؤلاء الناس، فلا يجوز لي أن أبطله وأقول: خذوا مالكم ولا أريد أن أقف لكم. سيغضبون عليك ويقولون: لماذا؟ إذاً لماذا تأخذ أموالنا من البداية وأنت لا تريد أن تقف؟ ليس على كيفك. وهو كذلك الكلام في العلم الشرعي. بمجرد أن دخلت في فرض الكفاية، فكأن لسان حالك يقول: أيها الناس قد كفيتكم هذا الفرض، وأنا أحمله عنكم، وأنا الذي سأفعله وسيكون في حقكم ليس واجبا. فلا يجوز لك أن تتركه. واضح يا إخوان؟ إلا لعذر، والعذر ليس هذا محل تفصيله. واضح؟

الحالة الثانية: إذا ظهر نبوغه في العلم وقدرته عليه

٢ - إذا ظهر نبوغه في العلم وقدرته عليه.

إذا ظهر نبوغك، يعني ظهر أنك تفهم، وظهر أنك تستطيع أن تميز وتستطيع أن تتعلم وتصير ماهرا. قال ابن تيمية: “العلم الذي هو فرض كفاية قد يتعين على بعض الناس” يعني ينقلب يصير فرض عين. كيف؟ “لقدرتهم عليه وعجز غيرهم.” وهذه القدرة ما هي؟ قال: “يدخل في القدرة استعداد العقل، يعني أن عقلك مستعد لفهم العلم. وسابقة الطلب، أن تعرف هذه المسائل من قديم. ومعرفة الطرق الموصلة إليه من الكتب المصنفة والعلماء المتقدمين وسائر الأدلة المتعددة.”

يقول القرافي: “العلم وضبط الشريعة وإن كان فرض كفاية، غير أنه يتعين له طائفة من الناس.” من هم؟ قال: “من جاد حفظهم، ورق فهمهم، وحسنت سيرتهم، وطابت سريرتهم. فهؤلاء هم الذين يتعين عليهم الاشتغال بالعلم. فإن عديم الحفظ أو قليله أو سيء الفهم لا يصلح لضبط الشريعة المحمدية. وكذلك من ساءت سيرته لا يحصل به الوثوق للعامة، فلا تحصل به مصلحة التقليد، فتضيع أحوال الناس. وإذا كانت هذه الطائفة متعينة بهذه الصفات، تعين العلم الذي هو فرض كفاية عليها فصار فرض عين.”

وأنتم ما شاء الله، الحالة الأولى والثانية منطبقة عليكم يا طلاب معهد التأصيل العلمي. انتبهوا، هذه الحالات الأربع لا يشترط وجودها كلها، يكفي فيها حالة واحدة. فأنتم الآن بدأتم في طلب العلم، بدأنا الكتاب الأول، فلا يجوز لكم أن تخرجوا إلا لعذر. والحالة الثانية، ما شاء الله أنتم الآن تفهمون كلامنا وتفهمون كلامي وتفهمون كلام العلماء، إذا انطبقت عليكم الحالة الثانية. يلا الله يعينكم.

الحالة الثالثة: إذا غلب على ظنه أنه لم يقم به غيره في مكان ما

٣- إذا غلب على ظنه أنه لم يَقُم به غَيْرُه في مكان ما.

تقدم معنا. إذا غلب على ظنك أنه لم تحصل الكفاية، وجب عليك، يعني صار عليك فرض عين. قال ابن تيمية: “والمقصود أن هذه الأعمال التي هي فرض كفاية، متى لم يقم بها غير الإنسان -يعني عرفت أنه لم يقم بها غيرك- صارت فرض عين عليه، لا سيما إن كان غيره عاجزا عنها.” وهذه الحالة أيضا انطبقت عليكم يا طلاب معهد التأصيل العلمي. غيركم عجز عن التسجيل وعجز عن الدخول وعجز عن طلب العلم، وأنتم قد وفقكم الله. فانطبقت عليكم الآن ثلاثة أحوال. صار العلم في حقكم كله فرض عين.

الحالة الرابعة: إذا فرغ له ورزق عليه

٤ - إذا فُرِّغَ له ورُزِقَ عليه.

هذا ما نسميه نحن اليوم “التفريغ العلمي”. مفرغ علميا؟ ها، انتبه. قال ابن تيمية: “وجوب طلب العلم عينا وكفاية على أهل العلم الذين تفرغوا له ورزقوا عليه أعظم من وجوبه على غيرهم.” وإذا ضيعوه، قال: “إذا ضيعوا حفظه كان ذلك من أعظم الظلم للمسلمين.” ولهذا استدل ابن تيمية بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}. قال: فإن لعنة كتمان العلم تعدى إلى البهائم وغيرها، فلعنهم اللاعنون حتى البهائم. هذا هو.

ختام وتنبيهات

الآن انتهينا من المقدمة الثانية. ندخل الآن في المقدمة الثالثة: بيان المقصود بالمنهجية في طلب العلم. ما معنى هذه الجملة؟ ما معنى هذا العنوان؟ هذا ما نعرفه إن شاء الله في الدرس القادم غدا.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد. ننبه أن الدرس ينزل في الساعة السابعة صباحا تقريبا بتوقيت مكة. وكل يعرف توقيته، ويبقى التسجيل إلى ما شاء الله. وبعد مدة، نفتح البث المباشر للأسئلة المتعلقة بدرس اليوم. وهكذا ينزل الدرس غدا، وبعده بمدة نفتح الأسئلة للدرس الذي نزل فقط. لمدة نصف ساعة أو أقل أو تزيد. والأسئلة التي تحتاج إلى جواب نجيبها، والأسئلة التي سيأتي جوابها لاحقا نحيل إليها بأنها ستأتي. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


المجلس الثاني

مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما. حياكم الله أيها الأحبة، المجلس الثاني من مجالسنا في شرح الكتاب الأول هنا في المستوى التمهيدي لمعهد التأصيل العلمي، وهو “المدخل إلى طلب العلم”.

وما زلنا في الفصل الأول المسمى بمقدمات تأصيلية. تناولنا المقدمة الأولى في بيان العلم المقصود وحقيقته، والمقدمة الثانية في حكم طلب العلم وما يتعلق به من مسائل. نواصل الآن من حيث وقفنا.

المقدمة الثالثة: بيان المقصود بالمنهجية في طلب العلم

المقدمة الثالثة: بيان المقصود بالمنهجية في طلب العلم:

المراد: طريقة طلب العلوم وتلقيها، وهو ما يعرف بالتأصيل العلمي، وكانت تُعرف عند السلف بالأدب والهدي والسمت وأدب الطلب.

المراد طريقة طلب العلوم وتلقيها. وهو ما يسمى ونعرفه ونسميه بالتأصيل العلمي. وكانت تُعرف عند السلف بالأدب، آداب الطلب أو أدب الطلب والهدي والسمت والدل إلى آخره. وأصلها من المنهاج، الذي هو المنهج هو الطريق الواضح المستقيم. هذا هو أصلها في اللغة. ثم أصبحت تُطلق في اصطلاح العلماء وطلاب العلم اليوم على الوسائل والطرق والأساليب التي تُسلك لطلب العلوم الشرعية. هذا هو باختصار، قد يسمى المنهجية في طلب العلم، كيفية طلب العلم، التأصيل العلمي إلى آخره.

كما ذكرنا عند العلماء المتقدمين كانت تسمى بتلك الألفاظ. بل صنفوا فيها مصنفات مختصرة ومطولة. وكانوا يدرسونها في حلق العلم. ومؤلفات ذلك كثيرة.

معرفة هذا الأمر وتفاصيله وما جاء عن السلف فيه مهمة جداً. والجهل به خطر عظيم ينشأ عنه الجهل بطرق التعلم والتعليم. ويثمر لنا قلة وضعفاً وخللاً في طلاب العلم وتضييعاً للأوقات في غير فائدة.

لذلك العلماء رحمهم الله تنبهوا لهذا الأمر. فبينوه أتم البيان وحذروا من التساهل به وعواقبه أشد التحذير. وعندنا اليوم للأسف هذا العنوان يسيل له اللعاب. لكن غاية ما عندنا محاضرة في بداية الدورة العلمية أو في سؤال في ختام الدورة العلمية أو الدرس الفلاني كيف أطلب العلم الفلاني ويجيبك الشيخ بدقائق. هذا غلط يا أحبة. بعضنا يزعم أن هذا التعمق في مثل هذا العنوان أو هذه المقدمة من الغلو. بل هذا من الجفاء.

* والمقصود بها أمران:

الأول: معرفة الطريق الموصل إلى العلم، وهو الجانب النظري.

الثاني: معرفة كيفية سلوك ذلك الطريق، وهو الجانب العملي.

ولابد من معرفة هذين الأمرين بالتفصيل، وإلا حُرم الوصول وضاع العلم! ذكره ابن عبدالبر والخطيب وابن رجب.

طيب ما المقصود من هذا الأمر؟ قال المقصود بها أمران، وهما أمران متلازمان يعني لا يمكن أن يأتي الثاني إلا بعد الأول.

الأمر الأول: معرفة الطريق الموصل إلى العلم (الجانب النظري)

معرفة الطريق الموصل إلى العلم، أي علم كان. وهذا هو الجانب النظري يعني معرفة أولية. يعني تعرف خارطة عامة. الذي يريد أن يصف لك مكاناً ما يقول لك اركب تاكسي وقل له الشارع الفلاني ثم الشارع الفلاني ثم انزل واركب المواصلات الأخرى ثم اركب سيارتك إلى آخره. وهذه لا تكفي إذا لم تأتِ الثانية.

الأمر الثاني: معرفة كيفية سلوك ذلك الطريق (الجانب العملي)

لماذا؟ لأن هذا هو الجانب العملي. نرجع إلى مثالنا: أراد أحدهم أن يذهب إلى السوق وهو غريب عن البلاد فقال لك يا فلان صف لي طريق السوق وأنت تحسن وصفه نظرياً. تذهب الشارع الفلاني ثم الشارع الفلاني ثم تأخذ يميناً ثم يساراً ثم تصل إلى وجهتك. هذا الأمر الأول، الجانب النظري.

نأتي للأمر الثاني وهو كيفية سلوك هذا الطريق وهو الجانب العملي. ذكر لك هذا الرجل الذي وصفت له السوق، اتصل عليك بعد دقائق وقال لك الشارع الذي وصفته لي وجدته مغلقاً، ماذا أفعل؟ حينئذ إن لم تكن عندك المعرفة العملية لن تستطيع أن تصف له شارعاً آخر. ربما ستتفلسف وتقول والله لا أدري. هذا الشارع الذي أركب فيه المواصلات وأذهب إلى السوق هكذا يومياً. لكن تعالوا إلى شخص آخر ماذا يقول؟ يقول لا بأس. وجدت شارعاً مغلقاً طيب. اذهب إلى اتجه شرقاً ستجد طريقاً فرعياً داخل الحارة أو الحي الفلاني. ثم انتبه تأتيك لفة صغيرة على يسارك ادخل منها ثم ثم وهكذا.

بل قد يقول لك أحدهم: أنا أريد أن أشتري الغرض الفلاني أو السلعة الفلانية. أنت بكل سهولة عندك المعرفة النظرية الأمر الأول. تقول له اذهب إلى السوق الفلاني. لكن إن كان عندك الأمر الأول والثاني ماذا ستقول له؟ تقول له أنت ماذا تريد بالضبط؟ أنا أريد السلعة الفلانية. انتبه هناك ثلاثة أسواق: السوق الأول رخيص والسوق الثاني غالي والسوق الثالث يبيع الماركات العالمية إلى آخره. أرأيتم يا أحبة؟ الأمثال لتسهيل الفهم. هذا هو المقصود.

قالوا لك ولابد من معرفة هذين الأمرين بالتفصيل وإلا حُرم الوصول أي حُرم طالب العلم الوصول إلى العلم. وإنما سيخدع نفسه ببعض المعلومات المبعثرة هنا وهناك وما يسمى بالثقافة الإسلامية إلى آخره. وضاع العلم. ذكر هذا المعنى الخطيب البغدادي وابن عبد البر وابن رجب وغيرهم.

لننظر إلى كلامهم. ابن عبد البر رحمه الله ألف كتاباً معروفاً كتاباً عظيماً اسمه “جامع بيان العلم وفضله”. وتكملة العنوان “وما ينبغي في روايته وحمله”. يعني خلاصة العنوان واسم الكتاب كيف تطلب العلم. في بداية الكتاب في مقدمته بعد أن ذكر سبب تأليفه لهذا الكتاب ماذا قال؟ محذراً: “وقد جمع أقوام في مثل ما سُئلنا عنه” يعني ألف العلماء كتباً في منهجية طلبك. “وذكرنا في كتابنا هذا أبواباً لو رأيتها كافية دللت عليها. الآن لولا أني رأيت أن كلٌ ألف بحسب ما يرى بقيت أشياء مهمة. لذلك أنا ألفت لأسد تلك الثغرات. قال ولكني رأيت كل واحد منهم جمع ما حضره وحفظه وما خشي التفلت عليه وأحب أن ينظر المستغرب إليه.” ثم حذر: “ولو أغفل العلماء جمع الأخبار وتمييز الآثار وتركوا ضم كل نوع إلى بابه وكل شكل من العلم إلى شكله.” أتعرفون ما الذي يقصده؟ جمع الأخبار وتمييز الآثار وضم كل نوع إلى آخره يعني في هذا العنوان في منهجية طلب العلم في التأصيل العلمي. ما النتيجة؟ لو مجرد غفلة. “لبطلت الحكمة وضاع العلم ودرس.” يعني اندفن تحت الأرض “وإن كان لعمري قد دُرس منه الكثير.” هذا ابن عبد البر في القرن الخامس توفي عام أربعمائة وثلاثة وستين للهجرة. هو حافظ الأندلس يقول قد دُرس منه الكثير لعدم العناية وقلة الرعاية والاشتغال بالدنيا والكلام عليها. لكن قال: “ولكن الله يُبقي لهذا العلم قوماً وإن قلوا يحفظون على الأمة أصولاً ويميزون فروعه فضلاً من الله ونعمة ولا يزال الناس بخير ما بقي الأول حتى يتعلمه الآخر.” هذا في بداية كتابه.

ثم مرة أخرى في نهاية كتابه قال: “واعلم رحمك الله أن طلب العلم في زماننا هذا وفي بلدنا” بلده بلد العلماء الأندلس ذلك الوقت. قال: “قد حاد” يعني انحرف أهله عن طريق سلفه. وسلكوا، إذا انحرفت عن الطريق الرئيسي ستسلك طريقاً فرعياً. في العلم لا يوجد هذا الأمر. هو طريق موحد كما سيأتي. قال: “وسلكوا في ذلك” أكيد سيسلكون طرقاً أخرى. لكن هل سيصلون؟ قال: “ما لم يعرفه أئمتهم. وابتدعوا في ذلك” أي طرقاً في طلب العلم. ما النتيجة؟ “ما بان ظهر به جهلهم وتقصيرهم عن مراتب العلماء قبلهم.” وهذا اليوم موجود. أنا أحضر الدروس هل أنا طالب علم؟ لا. لا لن أخدعك ولن أكذب عليك. أنت طالب علم؟ لا يا حبيبي ولا حتى مبتدئ. لماذا؟ لأنك لم تسلك طريقهم.

يقول الخطيب البغدادي وهو توفي في نفس السنة التي توفي فيها ابن عبد البر وهو يسمى حافظ المشرق. أربعمائة وثلاثة وستين. أيضاً ألف كتباً ومنها كتابه العظيم “الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع”. اسم هذا الكتاب يعني جامع في بيان كيفية طلب العلم. ماذا قال؟ قال في بداية كتابه: “وأنا أذكر في كتابي هذا بمشيئة الله ما بنقلة الحديث وحملته حاجة إلى معرفته واستعماله من الأخذ بالأخلاق الزكية والسلوك للطرائق المرضية أو الرضية في السماع والحمل والأداء والنقل وسنن الحديث ورسومه وتسمية أنواعه وعلومه.” أين الشاهد؟ قال: “على ما ضبطه حفاظ أخلافنا عن الأئمة من شيوخنا وأسلافنا.” لماذا؟ قال: “ليتبعوا في ذلك دليلهم ويسلكوا بتوفيق الله سبيلهم.” انتهى.

جاء الزرنوجي توفي تقريباً القرن الخامس أو السادس وألف كتاباً صغيراً اسمه “تعليم المتعلم طريق التعلم”. ماذا قال؟ قال: “لما رأيت كثيراً من طلاب العلم في زماننا يجدون إلى العلم” لاحظ مجتهد والدروس كثيرة. ويحضر الدروس لكن قال: “ولا يصلون. ومن منافعه وثمراته وهي العمل به والنشر يُحرمون.” لماذا؟ ما السبب؟ ذنوبي؟ لا يا أخي ليست ذنوبك. هناك من أهل البدع المكفرة وهم علماء. ليست الذنوب مانعاً لوحدها. قال مما: “أنهم أخطأوا طرائقه وتركوا شرائطه. وكل من أخطأ الطريق ضل. فلا ينال المقصود قل أو جل.” طيب ما العمل؟ قال: “فأحببت أن أبين لهم طريقة التعلم.”

جاء القاضي عياض من المالكية المتأخرين توفي خمسمائة وأربعة وأربعين. في كتاب سماه “الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع”. كتاب يتعلق بعلوم الحديث. لكن ماذا قال في مقدمة هذا الكتاب؟ قال: “فأول فصول العلم معرفة أدب الطلب والأخذ والسماع.” هذا أول فصل من فصول العلم. “ثم معرفة علم ذلك ووجوهه وعمن يؤخذ.” ثم قال: “وكل فصل من هذه الفصول علم قائم بنفسه إلى آخره.”

نأتي إلى سلفنا رضي الله عنهم. قال ابن سيرين وهو التابعي المعروف: “كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم.” وعرفنا أن الهدي في هذا السياق في سياق آداب طلب العلم المراد بها ما نسميه اليوم بالتأصيل العلمي أو المنهجية في طلب العلم أو كيف أطلب العلم هو هذا. وقال الحسن البصري وهو تابعي أيضاً: “إن كان الرجل ليخرج في أدب نفسه السنة والسنتين.” ليس فقط بضع صفحات في المدخل يا طالب العلم، بل سنة وسنتين هذا بدون مبالغة.

بل يقول مخلد بن الحسين لابن المبارك وهما من أتباع التابعين: “نحن إلى كثير من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم.” وكثير من الناس يترجم مثل هذه الآثار بالأدب الذي هو الأخلاق. هذا المعنى، الأخلاق الفاضلة، هذا واجب على كل الناس. لكن نحن نتكلم عن أدب خاص وهو ما نسميه اليوم بالتأصيل العلمي أو المنهجية بطلب العلم. يقول الحجاج بن أرطاة: “إن أحدكم إلى أدب حسن أحوج منه إلى خمسين حديثاً.” بلغة اليوم خمسين حديثاً هذه الأربعون النووية بزيادة ابن رجب صح ولا لا؟ يعني إذا أردنا أن نترجم هذا الأثر في واقعنا أنتم يا طلاب العلم إذاً أحدكم إلى أدب حسن أحوج منه إلى الأربعين النووية.

ويقول الليث بن سعد: “أنتم إلى يسير من الأدب أحوج منكم إلى كثير من العلم.” هذه الآثار أخرجها الخطيب البغدادي في الجامع. حتى نعلم ونفهم المراد منها. أيضاً يقول الإمام عبد الله بن وهب من تلاميذ الإمام مالك: “ما تعلمت من أدب مالك أفضل من علمه.” ما المقصود بالأدب هو الذي ذكرناه؟ وقال مالك: “كان الرجل يختلف إلى الرجل” هذه الكلمة يختلف إلى فلان أو يختلف إلى كذا معناها يكثر المجيء إليه. “يختلف إلى الرجل ثلاثين سنة يتعلم منه.” وكان يقول الإمام مالك: “تعلم الأدب قبل أن تتعلم العلم.”

يقول الزهري وهو من التابعين وهو شيخ الإمام مالك: “كنا نأتي العالم فما نتعلم من أدبه أحب إلينا من علمه.” ويقول سفيان الثوري: “كان الرجل إذا أراد أن يكتب الحديث” وهذه الكلمة يكتب الحديث، إذا سمعتموها عند السلف المتقدمين من القرون الثلاثة فمعناها طلب العلم. لا تحصرها في علم الحديث الذي نعرفه اليوم لا. لماذا؟ لأنهم كانوا يطلقون على العلم الحديث. لأن هذا هو المادة الخام. الغالب على العلم في ذلك الوقت هو الحديث. لذلك كانوا يقولون طلاب الحديث، كتبة الحديث، يكتبون الحديث يريدون به طلب العلم. احفظ هذه إذا قرأتها في كلام السلف المتقدمين من القرون الثلاثة. ومعنى قول سفيان هنا كان الرجل إذا أراد أن يكتب الحديث يعني إذا أراد أن يطلب العلم. ماذا يفعل؟ “تأدب وتعبد قبل ذلك بعشرين سنة.” أخرج هذه الآثار كلها أبو نعيم في الحلية.

يقول يوسف بن الحسين: “بالأدب تفهم العلم.” سبحان الله هذه كلمة عجيبة. دائماً أنا أحفظها وأنقلها لإخواني. بالأدب تفهم العلم. كلما عرفت كيف تطلب العلم الذي هو الأدب المقصود هنا، عرفت وفهمت العلم. هذا الأثر أخرجه الخطيب البغدادي في اقتضاء العلم للعمل. يقول عبد الله بن المبارك تطبيقاً عملياً: “طلبت الأدب ثلاثين سنة، وطلبت العلم عشرين سنة.” لماذا؟ قال: “كانوا يطلبون الأدب ثم العلم.”

طيب هذا الكلام ماذا يدل؟ يدل على أن هذا الأمر، منهجية طلب العلم، كيفية طلب العلم، التأصيل العلمي أكثر من العلم؟ الجواب نعم. يقول أبو عبد الله البلخي: “أدب العلم أكثر من العلم.”

وانظر إلى هذا الأثر. يقول أخرج الهروي في ذم الكلام عن عبد الله بن المبارك الإمام المعروف من أتباع التابعين. ماذا قال؟ قال: “من تهاون بالأدب عوقب بحرمان السنن.” لحظة، الأثر لم ينتهِ. نريد أن نربط بين بداية الأثر ونهايته. وهذه من طرق الاستنباط أن تربط بين بداية الكلام ونهايته. ثم تستخرج فائدة. يقول: “من تهاون بالأدب” هذه البداية “عوقب بحرمان السنن. ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض. ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة.” انظر “عوقب بحرمان المعرفة”. لماذا بدأ؟ “من تهاون بالأدب” وانتهى “عوقب بحرمان المعرفة”. هذا هو.

يقول شيخنا الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله في محاضرة قيمة أستنصحكم بسماعها. موجودة في الإنترنت محاضرة صوتية بعنوان “المنهجية في طلب العلم”. كثير من الشباب يقرأ ويستمع مجالس العلم ويحضرها وكلنا ذلك الرجل، ليس كذلك. لكنهم إذا رجعوا إلى أنفسهم بعد سنة أو سنتين وجد الواحد منهم أنه لم يفهم أو لم يحصل شيئاً كثيراً. ما السبب؟ ذنوبي؟ وأنا كسلان ومش عارف إيه؟ انظر إلى السبب الحقيقي حتى تستطيع أن تعالجه. يقول: “والسبب انعدام المنهجية الصحيحة في طلب العلم.” ومن هنا تبين لنا السبب في أن كثيرين ملوا، من الملل. ملوا من طلب العلم بعد سنين أمضوها. طبعاً إذا مللت من طلب العلم لن تقول أنا مللت من طلب العلم. لا. ستتعلق وتتشبث ببعض المسائل. تمني نفسك وتخدع نفسك وترضي ضميرك بأنك طالب علم. هكذا هو.

هنا تنبيهان مهمان: التنبيه الأول: ما ذكرناه هذا الكلام الذي ذكرناه ما هو إلا وسيلة إلى الغاية العظمى من طلب العلم وهي خشية الله. {إنما يخشى الله من عباده العلماء}. ذكر ذلك ابن رجب.

مراحل المنهجية في الغالب

التنبيه الثاني هو الذي كُتب عندكم هنا. قالوا والمنهجية غالباً لها ثلاث مراحل يعني أهل العلم إذا أرادوا أن يخرجوا الطلاب في الغالب يسيرون بهم في ثلاث مراحل أو ثلاث مستويات.

الأولى: وتَختَصُّ بالمبتدئين، ويُعتنى فيها بالمختصرات في كل علم، كالآجرومية في النحو والأصول الثلاثة في العقيدة، والأربعين النووية في الحديث، وهكذا.

يعني يشرحون لهم فقط المختصرات. الآجرومية في النحو، الأصول الثلاثة في التوحيد، الأربعين النووية في الحديث. وهكذا.

الثانية: وتختص بالمتوسطين وهم الذين تجاوزوا المرحلة السابقة، ويُعتنى فيها بالمتون التي وَضَعَها العلماء لتكون واسطةً بين المختصرات والمطولات.

من هم؟ هم الذين تجاوزوا المرحلة السابقة. وهل يشترط أن يتجاوزوها مئة بالمئة؟ لا. المهم خلاص الغالب. ويُعتنى فيها بالمتون التي وضعها العلماء لتكون واسطة حلقة وصل بين المختصرات والمطولات.

مثل ماذا؟ مثلاً في المرحلة الأولى درست مختصراً في النحو مثلاً وهو متن الآجرومية. هنا في المرحلة الثانية متوسطة ستدرس متناً أكبر قليلاً منه. مثلاً متممة الآجرومية للحطاب أو قطر الندى لابن هشام مثلاً. هناك درست مثلاً الأصول الثلاثة في التوحيد ستدرسون مثلاً كتاب التوحيد. هناك درست الأربعين النووية بالحديث بمناسبة الدروس مثلاً عمدة الأحكام. أو بلوغ المرام وهكذا.

الثالثة: وتختص بالمتقدمين أو المتمكنين وهم الذين تجاوزوا المرحلة السابقة، ويُعتنى فيها بالمطولات.

وبعض العلماء يكره أن يسميهم المنتهين. من هم؟ قال هم الذين تجاوزوا المرحلة السابقة. أي ضبطوها غالباً. وما المطلوب؟ قالوا يُعتنى بها بالمطولات. مثلاً هناك المرحلة الأولى درست الآجرومية لأنك مبتدئ. المرحلة الثانية درست مثلاً قطر الندى بالنحو لأنك مثلاً متوسط. هنا مثلاً ستدرس ألفية ابن مالك لأنك متقدم. في الفقه مثلاً في المرحلة الأولى درست متن الأخضري مختصر في العبادات فيه الطهارة والصلاة وبعض الآداب. المرحلة الثانية مثلاً درست نظم ابن عاشر به الطهارة والصلاة والصيام والزكاة والحج وبعض الآداب. المرحلة الثالثة مثلاً درست نظم أسهل المسالك وهو ألفية مثلاً. هذا في الغالب وإلا فبعض العلوم قد لا تحتاج إلى ثلاث مراحل بل بمرحلتين وهكذا.

هذا الكلام الأئمة رحمهم الله ذكروا وبينوا ما الذي ينبغي لطالب العلم في كل مرحلة. يعني لم يتركوا لنا شيئاً. ما عليك إلا أن تسلك. لذلك طلب العلم والاجتهاد في زماننا هذا أسهل منه في الأزمنة السابقة. قد ذكر هذا ابن تيمية، والصنعاني بل ألف كتاباً في ذلك وهكذا.

المقدمة الرابعة: تفاصيل المنهجية في طلب العلم تختلف بعدة اعتبارات

نأتي الآن إلى المقدمة الرابعة. تفاصيل المنهجية في طلب العلم تختلف بعدة اعتبارات. هذه المقدمة في الحقيقة زيادة شرح وتفصيل للمقدمة السابقة. بعد أن عرفنا الكلام الذي ذكرناه في منهجية طالب العلم ونحو ذلك فقد يُتوهم أن هذا الأمر لابد أن يسير فيه طالب العلم خلف السلف يعني كما نقول على السكين. حذو القذة بالقذة والجواب لا. لأ.

لاحظ المقدمة تتكلم عن ماذا؟ تتكلم عن تفاصيل المنهجية في طلب العلم. وليس عن الإجمال والخطوط العريضة. الإجمال والخطوط العريضة تكلمنا عنها. لكن الآن نتكلم عن التفاصيل. لماذا تختلف؟ قال بعدة اعتبارات. بعدة حيثيات. منها مثلاً ذكر أربعة:

۱ – باعتبار اختلاف أحوال الطلاب من حيث قدراتهم وذكاؤهم وأفهامهم.

الاعتبار الأول باختلاف أحوال الطلاب. اختلاف أحوال الطلاب من حيث ماذا؟ قال من حيث قدراتهم سواء العقلية أو البدنية المادية إلى آخره. وذكاؤهم منهم الذكي جداً العبقري ومنهم الغبي البليد ومنهم منهم. وأفهامهم منهم من سريع الفهم ومنهم من هو بطيء الفهم. فلكل حال يراعي العلماء بمنهجية طلب العلم يراعون الطالب. إذا فهمت هذا عرفت أن العلماء لم يكونوا يفرقون بين الطالب البليد والطالب الذكي. لا يوجد هذا الكلام. لماذا؟ لأنهم يراعون بمنهجية طلب العلم هذه الأحوال. الغبي له منهجية. والذكي له منهجية. والقادر له منهجية والعاجز سواء عن كثير من العلم أو بعضه أو قليله له منهجية. ولذلك كان كلهم ينبغون في طلب العلم.

مثلاً مالك الإمام مالك الذي قال البخاري أصح الأسانيد إلى رسول الله مالك عن نافع عن ابن عمر. هل تعلم أن مالكاً كان ضعيفاً في حفظه؟ كان يعاني عندما يدرس عندما يجلس عند شيخه نافع لكن انظر مع الاستمرار ماذا الذي حصل؟ لماذا؟ لأن العلماء كانوا يراعون أحوال الطلاب.

۲- وباعتبار اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم.

والثاني قال باعتبار اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم. فقد يكون في زمان ما أو مكان ما يشتهر كتاب معين مثلاً في جنوب الجزيرة مثلاً في اليمن لم يكن يعرفون مثلاً قطر الندى لابن هشام في النحو وإنما يعرفون متممة الآجرومية. كذلك في المغرب العربي عموماً يعني الذي هو شمال أفريقيا وإلى آخره. في الغالب لم يكونوا يعتنون بقطر الندى لابن هشام في المرحلة المتوسطة وإنما يعتنون بمتممة الآجرومية. الأزهر قديماً قبل أن يعني يذبل والله المستعان وإن كان فيه بعض الخير، كانوا أيضاً لا يعرفون هذه المتون وإنما يعرفون مثلاً الأزهرية، شذور الذهب إلى آخره.

فإذا اشتهر في زمان ما كتاب معين وصار هو محط الأنظار وهو الذي يتربى عليه الطالب وهو المنهجية التي يسير عليها لا يمكن أن يُعامل بكتاب آخر اشتهر في زمان آخر أو مكان آخر. وهذا يظهر في المسائل الفقهية أو في علم الفقه. مثلاً اشتهر في بلاد ما أو مكان ما المذهب الحنبلي. فلا يجوز لك أن تأتي وتقول قال الشيخ ابن عثيمين إن زاد المستقنع كتاب عظيم ويجب أن يحفظه طالب العلم. الجواب نعم بحسب ذلك المكان. هنا اشتهر مثلاً عندنا مثلاً ما يوازي زاد المستقنع عندنا مثلاً أسهل المسالك للدردير. يا الأحبة إذا عرف الطالب مثل هذه الأمور عرف كيف يبني نفسه. وعرف كيف يعالج الخلل.

٣- وباعتبار القصدِ أو الهدف الذي يُريد الطالب الوصول إليه.

قال والثالث باعتبار القصد أو الهدف الذي يريد الطالب الوصول إليه. فمن الناس من يريد أن يتعلم العلم لا ليكون طالب علم فقط يريد أن يعرف ما يصح به دينه وعبادته إلى آخره. هذا له منهجية خاصة.

لذلك نحن نقول معهد التأصيل العلمي ليس مثل بقية الدورات التي فيها خذوا معي أخي وخذوا معي أمي وخذوا معي خالاتي وخذوا معي أبناء جيراني لعلهم يستفيدون لا لن يستفيدوا هذا من تضييع العلم وما ضاع العلم إلا لما خالفنا طريقة السلف كما ذكر الأئمة قبل قليل. هناك برامج تصلح لهؤلاء. هذا برنامج لمن يريد أن يتخرج طالب علم بالمعنى الكامل. لا ليعرف أساسيات العلوم ويعرف أشياء أخرى مثل بعض البرامج الإلكترونية الموجودة. فيها خير لكن اختلاف المقصد والهدف.

من الناس من يريد أن يكون طالب علم يريد أن يكون عالماً مجتهداً يقود الأمة. كما يقولون رأسه برأس ابن تيمية وغيره. هذا أيضاً له منهجية خاصة وهكذا. لا يوجد عندهم عند السلف يعني الطالب يأتي ويقول هل يمكن أن يأتي مثل ابن تيمية؟ لا أظن. لا لا لا ليس عندهم مثل هذا الكلام.

٤ - وباعتبار تفاضل الأعمال وتفضيل بعضها على بعض.

الرابع قال وباعتبار تفاضل الأعمال وتفضيل بعضها على بعض. فقد يحسن بطالب ما بحسب عقله بحسب زمانه أو مكانه أو هدفه إلى آخره. أن يبدأ مثلاً بعلم النحو أو بعلوم الآلة كالنحو وأصول الفقه وأصول الحديث أو علم الحديث وأصول التفسير. وقد يحسن بطالب آخر أن يبدأ مثلاً بعلوم المقاصد فيبدأ بالتفسير أو الحديث أو الفقه أو العقيدة. وقد يحسن بطالب ما أن يبدأ بكذا وأن يبدأ. وهكذا. المهم أن تكون بدايته صحيحة.

لذلك كان العلماء رحمهم الله في السابق وهذا تلاحظونه ليس عندهم كلام كثير جداً في مثل هذه المسائل. لماذا؟ لأن التفاصيل لا يكثرون فيها الكلام. كان الطالب يتربى تحت إمام وعالم ويُحسن ويراعي مثل هذه المسائل وهذه الاعتبارات فيتربى ويتخرج ثم يواصل مشواره لذلك كانوا ينبغون وهم صغار. نبغ الإمام فلان وعمره عشر سنوات وفلان كان يفتي وعمره سبعة عشر سنة وفلان كان قاضياً وهو في العشرينات وفلان. هكذا كان.

الشوكاني في كتابه “أدب الطلب” له كلام يحسن أن نقرأه. يقول رحمه الله حينما ذكر مثل هذه المسائل: “لما كانت تتفاوت المطالب في هذا الشأن” يعني طلب العلم. “وتتباين المقاصد بتفاوت همم الطالبين وأغراض القاصدين.” كيف؟ قال: “فقد ترتفع همة بعض” يعني بعض الطلاب “فيقصد البلوغ إلى مرتبة في الطلب لعلم الشرع مقدماً لها يكون عند تحصيلها إماماً مرجوعاً إليه مستفاداً منه مأخوذاً بقوله مدرساً مفتياً مصنفاً.” وهذا له منهجية تختص به. من الظلم أن يُعطى هذا منهجية الآخر والعكس. قال: “وقد تقصر همته عن هذه” وهذا ليس عيباً “فتكون غاية مقصده ومعظم مطلبه ونهاية رغبته أن يعرف ما طلبه منه الشارع من أحكام التكليف والوضع على وجه يستقل فيه بنفسه ولا يحتاج إلى غيره.” يعني لا يحتاج أن يرفع السماعة ويتصل على الشيخ فلان. فيستطيع أن يفتي نفسه. قال: “من دون أن يتصور البلوغ إلى ما تصوره أهل الطبقة الأولى. وقد تكون هذه مرتبة ثالثة نهاية ما يريده وغاية ما يطلبه أمراً دون أهل الطبقة الثانية.” مثل ماذا؟ قال: “كما يكون من جماعة” يعني من طلاب العلم “يرغبون في إصلاح ألسنتهم وتقويم أفهامهم بما يقتدرون به على فهم ما يحتاجون إليه من معاني الشرع. وعدم تحريفه وتصحيفه. من دون قصد منهم إلى الاستقلال. بل يعزمون على التعويل على السؤال عند عروض التعارض والاحتياج” يعني إذا حصل لهم يرفعون السماعة يستفتون. “فهذه ثلاث طبقات للطلبة. وثم طبقة رابعة” قال الشوكاني: “يقصدون الوصول إلى علم من العلوم أو علمين أو أكثر. لغرض من الأغراض الدينية أو الدنيوية.” فكانت الطبقات أربعاً. ثم نصحك فقال: “فاحرص يا طالب العلم أن تكون من أهل الطبقة الأولى.” ثم أخذ يبين لكل طبقة المنهجية التي تناسبها.

أيضاً ابن خلدون يقول: “اعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيداً إذا كان على التدريج شيئاً فشيئاً وقليلاً قليلاً.” كيف؟ هذه طريقة العلماء في تربيتهم في المراحل الثلاثة التي ذكرناها مرحلة المبتدئين في المرحلة المتوسطين ثم مرحلة المتقدمين. قال: “يُلقي عليه أولاً مسائل من كل باب من الفن هي أصول ذلك الباب.” مثلاً درست في النحو تعرف أصول أبواب النحو الأساسية. الكلام الإعراب الأفعال الأسماء فقط بدون تفصيل. قال: “يشرحها على سبيل الإجمال. ويراعي في ذلك قوة عقله واستعداده لقبول ما يرد عليه إلى آخره.” قال: “حينئذ يحصل عند الطالب ملكة في ذلك العلم” لكن ماذا؟ “ضعيفة وجزئية. وغايتها أنها جهزتك وأهلتك لتفهم وتضع قدميك في بداية هذا العلم.” طيب في المرحلة الثانية ماذا يفعل؟ قال: “يرجع به ثانية. فيرفعه من التلقين عن تلك الرتبة إلى أعلى منها.” هناك شرح لك شرحاً مختصراً مجملاً هنا ماذا سيفعل؟ أنت في ذهنك الشرح المختصر المجمل. ولن تحتاج إلى إعادته وتكراره. ماذا سيفعل الشيخ؟ قال: “يستوفي الشرح والبيان ويخرج عن الإجمال.” إذا كان هناك خلاف في المرحلة الأولى قال لك واختلف العلماء في هذه المسألة والراجح كذا ودليله كذا. هنا يقول القول الأول والقول الثاني ودليل كذا. لماذا؟ لأن ذهنك الآن يستطيع أن يستوعب. لأنه وضع له اللبنة الأولى. لكن لو من البداية ستقول والله هذا الشيخ ما شاء الله عالم لكن لم أفهم شيئاً. هذا هو الواقع اليوم. قال هنا: “فتجود ملكته.” طيب المرحلة الثالثة: “ثم يرجع به وقد شدا. فلا يترك عويصاً ولا مهماً ولا مغلقاً إلا وضحه. وفتح له مُغلقه. فيخلص من الفن وقد استولى على ملكته.” هذا وجه التعليم المفيد. وهو كما رأيت إنما يكون في ثلاث تكرارات هذا في الغالب لذلك قال: “وقد يحصل للبعض في أقل من ذلك بحسب ما يُخلق له” يعني قوة وفهم وحب وتوفيق ويتيسر عليه.

ويقول الماوردي أيضاً في “أدب الدنيا والدين”: “اعلم أن للعلوم أوائل تؤدي إلى أواخرها. ومداخل تُفضي إلى حقائقها. طيب ماذا يفعل الطالب؟ “فليبتدئ الطالب بأوائلها لينتهي إلى أواخرها. وبمداخلها لتُفضي إلى حقائقها. ولا يطلب الآخر قبل الأول ولا الحقيقة قبل المدخل”. حينئذ ماذا سيحصل؟ “فلا يُدرك الآخر ولا يعرف الحقيقة.”

قلنا أيضاً هذا من جنس تفاضل الأعمال. وضحه الشيخ الإمام ابن تيمية رحمه الله أحسن توضيح. يقول ابن تيمية رحمه الله: “هنا أصل ينبغي أن نعرفه. وهو أن الشيء أي شيء كان” نحن نتكلم عن طلب العلم. “إذا كان أفضل من حيث الجملة” يعني بدون تفصيل “لا يلزم أن يكون أفضل عند كل أحد وفي كل زمان ومكان. ولا يجب أن يكون أفضل في كل حال ولا لكل أحد. بل المفضول” يعني الأقل من الفاضل “في موضعه الذي شُرع فيه أفضل من الفاضل المطلق.” وقال أيضاً: “وقد يكون العمل المفضول أفضل.” يعني أفضل من الفاضل. كيف؟ “بحسب حال الشخص المعين.” لماذا؟ “إما لكونه عاجزاً عن الأفضل.” أنت عاجز مثلاً أن تفهم مثلاً ألفية ابن مالك. طيب ماذا في قدرتك الآن؟ أنت مبتدئ؟ من الذي خدعك وقال لك أنت مبتدئ يجب عليك أن تدرس ألفية ابن مالك. أنت مبتدئ لا يجوز لك أن تدرسها ولا تحتاجها أصلاً. لماذا؟ لأنك مبتدئ عاجز عن فهمها. فحينئذ ألفية ابن مالك أفضل من الآجرومية لكن هذا الكلام ليس على إطلاقه. فأنت باعتبار حالك مبتدئ تبدأ بالآجرومية. وكون الألفية أفضل ليس مطلقاً. لماذا؟ لأنك عاجز عن الأفضل في هذه الحال. “أو لكون محبته ورغبته واهتمامه وانتفاعه بالمفضول أكثر. فيكون أفضل في حقه بما يقترن به من مزيد عمله وحبه وإرادته وانتفاعه.” وهكذا.

لذلك ذكر تطبيقاً عملياً قال: “ومن هذا الباب صار الذكر ذكر الله لبعض الناس في بعض الأوقات خيراً من قراءة القرآن. وقراءة القرآن لبعض الناس في بعض الأوقات خير من الصلاة” يعني النافلة “وأمثال ذلك لكمال انتفاعه به. لا لأنه في جنسه أفضل”. يأتي جاهل يقول كيف أن الذكر أفضل من كلام الله؟ يا أخي لا نتكلم عن الإطلاق والتعميم. نتكلم عن حالات خاصة. ثم حذر قال: “وهذا الباب باب تفضيل بعض الأعمال على بعض. إن لم يُعرف فيه التفصيل وأن ذلك قد يتنوع بتنوع الأحوال في كثير من الأعمال وإلا وقع فيها اضطراب كثير.” لماذا؟ من الناس من إذا اعتقد أن هذا الأمر أفضل يجعله مثل الواجبات. ويعممه على كل الأمة. لا يا أخي هذا أفضل بالنسبة لك وبالنسبة للزمان أو المكان. الله المستعان قال: “حتى يُخرج به الأمر إلى الهوى والعصبية والحمية الجاهلية.” والعكس بالعكس من رأى أن هذا مفضولاً وليس أفضل حكم عليه بأنه ليس أفضل في كل أحد وفي كل الأوقات وفي كل الأحوال. لا يا أخي ليس هكذا. قال: “الواجب أن يُعطى كل ذي حق حقه.”. ثم قال: “وهذا باب واسع. يغلو فيه كثير من الناس ويتبعون أهواءهم.” الله المستعان. لذلك قال: “فعلى المسلم أن يكون ناصحاً للمسلمين يقصد لكل إنسان ما هو أصلح له.” وهل هذا الكلام له ضوابط محددة؟ قال ابن تيمية: “والشخص الواحد يكون هذا في حقه أفضل تارة وتارة هذا في حقه أفضل ومعرفة حال كل شخص وبيان الأفضل له لا يمكن ذكره في كتاب.” ولكن إذا عرفت هذه الخطوط العريضة حينئذ تعرف كيف تقود نفسك في طلب العلم.

مثال تطبيقي: مسألة حفظ القرآن

* ومن أشهر المسائل التي يَظْهَرُ فيها ذلك: حفظ القرآن: وتُضْبَط هذه المسألة بما بعد فرض العين من العلم، ثم بالتفريق بين الصغير والكبير، ومسيس الحاجة، والتفرغ وغير ذلك. ذكر ذلك ابن المبارك وأحمد وابن مفلح وابن تيمية.

نأتي الآن إلى مثال آخر. قال ومن أشهر المسائل التي يظهر فيها ذلك يظهر فيها الكلام على منهجية طلب العلم وتفاصيله ونحو ذلك، ما هو؟ قال مسألة حفظ القرآن. اليوم كثير من الناس يأتي ويقول لك إذا لم تحفظ القرآن كله فلا يمكن أن تكون طالب علم. الجواب نعم. ويأتي أحدهم يقول لا وقد أخرج ابن ماجة أن الصحابة كانوا يتعلمون الإيمان قبل القرآن. الجواب نعم صحيح أيضاً. هل هناك تعارض؟ لا. ويأتي أحدهم يقول حفظ القرآن ليس واجباً وبل من الناس من العلماء من لم يكن يحفظ القرآن ويروى هذا عن عثمان بن أبي شيبة ويروى عن الجلال المحلي صاحب تفسير الجلالين إلى آخره. هذا أيضاً صحيح. ويأتي أحدهم يقول لا يوجد عالم من السلف إلا وهو يحفظ كتاب الله. كيف تترك العلم؟ أتترك أساس العلم وأصل العلم؟ كيف تطاوعك نفسك أن تحفظ “اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل” ولا تحفظ {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ}؟! حينئذ تقول إي والله صحيح؟ وبعضهم يأتي بآثار السلف يقول لا الأثر المشهور عن الضياء المقدسي وغيره أن ابنك إذا حفظ القرآن سهل عليه من العلم أكثر وأكثر وهكذا. طيب هنا يضيع الناس. وبعضهم يتفلسف وهذا الذي يعني يغيظ. يقول السلف لهم يعني قولان: القول الأول أن يحفظوا القرآن أولاً والثاني أن يحفظ القرآن بعده. لا لا لا ليس هناك خلاف أصلا،ً الخلاف في فهمك المغلوط.

لذلك قال تُضبط هذه المسألة بضوابط. أولاً حفظ القرآن كله ليس فرض عين. إذاً هناك ما هو فرض عين من القرآن يجب أن يُقدم على القرآن كله. قال بما بعد فرض العين من العلم. سواء كان من القرآن أو لا. وفرض العين من القرآن أمران: الأول الفاتحة لأن الصلاة لا تصح إلا بها. والثاني ما تيسر منه. وهذا الذي تيسر منه لا حد له ينضبط بالإجماع كما نقله ابن حزم في مراتب الإجماع وأقره ابن تيمية. بعد فرض العين. الكلام هنا الآن عن فرض كفاية. وتأتي بالمسائل التي ذكرناها بفرض الكفاية هنا أيضاً.

أيضاً يُضبط بضابط ثان. التفريق بين الصغير والكبير. يعني البالغ وغير البالغ. ويُضبط بضابط ثالث وهو مسيس الحاجة. يعني هل الناس يحتاجون إلى حافظ لكتاب الله كاملاً أو يحتاجون إلى غيره؟ هذا يختلف باختلاف الزمان والمكان والحال كما ذكرنا في الاعتبارات السابقة. وأيضاً ضابط رابع تقريباً نعم التفرغ. من الناس من لا يحفظ إلا إذا تفرغ. يذهب إلى الخلوة كما نسميها أو دور القرآن أو التحفيظ. يرحل رحلته وينغلق في المركز العلمي والمركز التحفيظ سنة وسنتين ويحفظ القرآن ثم يأتي. ومن الناس من لا يستطيع. ربما هو يعني كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول ربما هو يعول أسرته أو نحو ذلك. وغير ذلك من الضوابط. وهذه الضوابط ذكرها ابن المبارك وأحمد بن حنبل وابن مفلح وابن تيمية وغيرهم.

لذلك تلاحظون أن هذه المسألة لم تكن محل إشكال لطلب العلم عند السلف. هذا أمر عجيب دائماً ركز على هذه المسائل كما ذكرنا كلام ابن رجب بالأمس، الحد الفاصل وو، لم تكن هذه المسألة مما تسبب إشكالاً في طلب العلم للطالب كما هو الحال اليوم تجد الناس أنا أعرف ناساً عشرات السنين يا شيخ أحفظ القرآن أو أحفظ المتون. سنة سنتين ثلاث أربع يا شيخ أحفظ القرآن أو أحفظ المتون؟ يا أخي لا تحفظ شيئاً. اترك العلم مثلك جاهل كسول لا يستحق أن يقال له شيئاً. بدل أن تذهب هنا وهناك لو كنت حفظت بهذه السنوات لحفظت القرآن والمتون.

ننظر الآن إلى ما قاله الأئمة. يقول البيهقي عندما روى حديث “يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله” بوب في سننه الكبرى باب البيان أنه إنما قيل يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله لأن من مضى من الأئمة كانوا يسلمون كباراً. دائماً طالب العلم يقتنص ويصطاد الضوابط هكذا. كباراً فيتفقهون قبل أن يقرأوا مع القراءة. إذاً فرق بين البالغ وغيره. لماذا؟ لأن البالغ قد يجب عليه من فروض الأعيان ما هو أولى من فرض الكفاية الذي هو حفظ القرآن كاملاً.

ويقول الأوزاعي: “تعلم القرآن قبل أن تطلب العلم.” هذا جواب عام لكل أحد. ويقول الخطيب البغدادي: “ينبغي للطالب أن يبدأ بحفظ كتاب الله إذ كان أجل العلوم وأولاها بالسبق والتقديم.” انظر كانت كلمة العلماء لطيفة. أولى أجل أولى هكذا. ويقول ابن عبد البر: “أول العلم حفظ كتاب الله وتفهمه وكل ما يعين على فهمه فواجب طلبه معه.” ثم قال: “ولا أقول إن حفظه كله فرض” يعني فرض عين “ولكني أقول إن ذلك شرط لازم على من أحب أن يكون عالماً فقيهاً ناصباً نفسه. ليس من باب الفرض أي العيني ولكن الكفاية.” ثم ذكر: “والقرآن أصل العلم. فمن حفظه قبل بلوغه ثم تفرغ إلى ما يستعين به على فهمه من لسان العرب كان ذلك عوناً كبيراً على مراده منه.”

تعالوا ننظر إلى هذا الكلام النظري وننظر إلى التطبيقات العملية. يقول الميموني وهو من تلاميذ أحمد بن حنبل: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل: “أيهما أحب إليك؟” انظر إلى السؤال. ركز في السؤال حتى تستطيع أن تفهم. “أبدأ ابني بالقرآن أو بالحديث.” مرة أخرى. الحديث في عرف السلف المتقدمين يراد به طلب العلم. هنا ماذا قال السائل؟ ابني. الكلام عن من؟ عن الابن أي الصغير غير البالغ. قال: “لا بالقرآن.” فقال: “أُعلمه كله؟” قال: “نعم. إلا أن يعسر فتعلمه بعضه.” لأنه إذا قرأ أولاً المقصود بالقراءة من الحفظ. تعود القراءة ثم لزمها. إذاً هذا بالنسبة للصغير.

طيب. ننظر نفس السؤال وجه لمن؟ للإمام عبد الله بن المبارك. وهو شيخ الإمام أحمد. قيل له، جاءه رجل، رجل يعني بالغ: “في أي شيء أجعل فضل يومي؟” يعني أنا لست متفرغاً ثم أنا بالغ. “أتعلم القرآن أو أتعلم العلم.” المقصود بالتعلم من الحفظ. فقال انظر انظر إلى السؤال. “هل تحسن من القرآن ما تقوم به صلاتك؟” قال: “نعم.” قال: “إذاً عليك بالعلم.”

هذه الآثار علق عليها الإمام ابن مفلح الحنبلي المعروف في الآداب الشرعية بعد أن ذكرها ماذا قال؟ قال: وهذا متعين إذا كان مكلفاً يعني بالغاً. لماذا؟ لأنه فرض فيقدم على النفل. ما هو الفرض هنا؟ العلم. وما هو النفل هنا؟ حفظ القرآن كاملاً. وهو كلام أحمد. هل هذا قول آخر أو تعارض؟ قال إنما هو في الصغير كما هو ظاهر السياق. قال ابني. والذي سأل ابن المبارك كان رجلاً يعني بالغاً. فلا تعارض. أما الصغير فيُقدم حفظ القرآن. لماذا؟ لما ذكره الإمام أحمد ولأنه عبادة يمكن إدراكها والفراغ منها في الصغر غالباً. واليوم الصغار يحفظون القرآن أسرع من الكبار. وأما العلم فهو عبادة العمر لا يُفرغ منه. فيجمع بينهما حسب الإمكان. ثم ذكر الضوابط التي ذكرناها وقد يُحتمل أن يكون العلم أولى. لماذا؟ لمسيس الحاجة إليه. أو لصعوبته أو قلة من يعتني به. بخلاف القرآن أي حفظ القرآن كله. أهل البدع يحفظون القرآن ما شاء الله. وروايات وقراءات. قال ولهذا يُقصر في العلم من يجب عليه طلبه أي فرض عين. ولا يُقصر في حفظ القرآن حتى يشتغل بحفظه من يجب عليه الاشتغال بالعلم كما هو معلوم في العرف والعادة.

ونفس الإمام أحمد جاءه رجل بالغ فقال: “جئتك الساعة لست أدري شيئاً. فما تأمرني؟” قال: “عليك بالعلم.” يا إخوان هذه الضوابط هي التي تنفع.

سئل ابن تيمية رحمه الله عن هذه المسألة فقيل له: “أيهما طلب القرآن أو العلم أفضل؟” قال: “أما العلم الذي يجب على الإنسان عيناً فإنه واجب. والثاني يكون مستحباً والواجب يُقدم على المستحب”. وأما طلب حفظ القرآن فهو مقدم نعم على كثير مما تسميه الناس علماً الذي قد يكون باطلاً أو يكون قليل النفع وأيضاً هو مقدم في التعلم في حق من يريد أن يتعلم علم الدين من الأصول والفروع هذا هو. قال فلابد في هذه المسألة من التفصيل.” ثم ذكر إشارة لطيفة ابن تيمية دائماً له يعني اسميها قرصة يقرص قرصة جميلة. قالوا: “والمطلوب من القرآن هو فهم معانيه والعمل به. فإن لم تكن هذه همة حافظه لم يكن من أهل العلم والدين. والله سبحانه أعلم.” هذه هي المسألة التي يكثر فيها الخوض والنقاش ونحو ذلك.

خاتمة

قال الآن المقدمة الخامسة: قواعد في طلب العلم. هذه القواعد ليست مجرد فوائد عامة وإنما هي قواعد ركائز أساسات لا يمكن أن يسير طالب العلم في طلبه للعلم إلا وهو يركب على متن هذه القواعد وهي عشر قواعد نعرفها غداً. هذا والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


المجلس الثالث

مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما. حياكم الله أيها الأحبة في المجلس الثالث من مجالسنا في شرح الكتاب الأول من المستوى التمهيدي لمعهد التأصيل العلمي، هو كتاب “المدخل إلى طلب العلم”.

وقفنا عند المقدمة الخامسة: قواعد في طلب العلم. وقبل البدء نذكر بما تقدم معنا من مسائل ومعلومات ينبغي أن نشكر الله عليها. هذا الذي درسناه يا أحبة هو علم، يعني ازددنا علما لم نكن نعلمه. ازددنا علما وتخلصنا من الجهل. فكل علم ينبغي أن يُشكر الله عليه. ومن شكر العلم أن تطلب العلم وتواصل فيه. ذكر هذا بعض السلف.

وأريد أن أذكركم بأمر آخر حينما درسنا أن العلم الذي هو فرض كفاية قد ينقلب فرض عين في حق بعض الناس وفي بعض الأحوال. لا تنظر إلى الجانب المظلم، وهو أنك كأنك قد تورطت وليتني لم أدخل ونحو ذلك، لا لا لا هذا لا يجوز. بل انظر إلى الجانب المشرق. انظر إلى أن الله سبحانه وتعالى اختارك من ضمن مليارات ملايين الناس بهذا المنصب. لا شك أن الله عز وجل بحكمته - وأنت تعلم أن الله حكيم - يضع الشيء موضعه اللائق به. لا شك أن الله قد نظر فوجد عندك من المؤهلات ما يؤهلك لحمل هذه الأمانة. انظر ذلك المنصب وتلك المكانة التي وضعك الله فيها، بأن حملت واجباً كفيت به مؤونة الأمة الإسلامية. انظر إلى فضل الله عليك وكن قدر المسؤولية.

المقدمة الخامسة: قواعد في طلب العلم

قال رحمه الله، ورحمكم جميعا يعني، المقدمة الخامسة: قواعد في طلب العلم. ذكرنا أن هذه القواعد ليست من نافلة القول وليست هي فقط مجرد فوائد عابرة. وإنما هي ركائز أساسية لا يمكن أن تنفك عن طريق طلبك للعلم. فما دمت طالبا للعلم فهذه القواعد في طريقك، ملتصقة بك. فإن لم تجدها فانظر ربما لم تكن في طريق طلب العلم.

هذه القواعد عندنا عشر قواعد تقريبا. سنذكر القاعدة وما يثبتها وبعض التنبيهات التي تعين على إحكام فهمها نظريا أو عمليا، كل ذلك كما ذكرنا متقيدين بما كان مأثورا عن الصحابة والتابعين وأتباعهم إلى إلى زمان الائمة المشهورين المتبوعين المجمع على هدايتهم ودرايتهم المقتدى بهم.

القاعدة الأولى: العلم يراد للعمل

العلم يراد للعمل. وهذا العنوان ليس كما هو مشهور “لا بد من العمل بالعلم”، لا. هذا العنوان أدق. ومقتبس من استعمال الخطيب البغدادي في كتابه “اقتضاء العلم العمل”. العلم يراد للعمل.

والمقصود من العمل بالعلم أمران: الأول: التقرب إلى الله بسائر العبادات. والثاني: التقرب بالحفظ وقراءة الكتب وحضور الدروس ونحوها، وفي ذلك آثار عن السلف كقول معاذ : «البحث عن العلم جهاد».

والمقصود من العمل بالعلم أمران، المقصود به نوعان: الأول: التقرب إلى الله بسائر العبادات وهذا واضح. تصلي تتقرب إلى الله بهذا العمل. تصوم تتقرب إلى الله بهذا العمل. تطلب العلم تتقرب بهذا العمل.

لكن الذي يغفل الناس عنه هو الثاني: هو التقرب إلى الله عز وجل بالحفظ، حفظ المتون ونحوها. وقراءة الكتب وتلخيصها واستشراحها وحضور الدروس سواء كانت حقيقية أو حسية أو معنوية، عن قرب أو عن بعد، مسجلة أو مباشرة، ومراجعتها ونحو ذلك مما يفعله طالب العلم ويشتغل به في طلبه. هذا هو الذي نريده هنا.

لماذا أقول هذا؟ لأنك إذا بدأت في طلب العلم جاءك شيطان ربما يكون شيطان جن أو شيطان إنس، وأنت تحفظ مثلا في كتاب التوحيد ثم تنتقل إلى شرح الواسطية ثم الآجرومية ثم أصول الفقه والأصول الثلاثة. يأتيك هاجس يقول لك أما كان لك وأنت تسهر الليالي؟ أما كان من قيام الليل؟ وما فائدة العلم إذا لم يحثك على قيام الليل؟ فهنا عندما علمت ودخلت إلى العلم بالمدخل الصحيح تقمع شيطانك ولن يستطيع أن يتحدث إليك بمثل هذه الترهات والسفاهات والجهالات. تقمعه بأن تقول أنا في عمل بالعلم. أنا الآن أعمل بالعلم وليس حالي بأقل من حال القائم الليل الصائم النهار. بل ربما يكون حالك أفضل. وطلب العلم أفضل النوافل.

والعلم خير من صلاة النافلة… فقد غدا الله برزق كافلة

وفي هذا النوع آثار عن السلف. جاء في الحلية لأبي نعيم وغيره أن معاذاً رضي الله عنه - وتعلمون معاذاً ومكانته في العلم، أعلم أمتي بالحلال والحرام إلى آخره - كان يقول: “البحث عن العلم جهاد”. وسيأتي معنا قاعدة كاملة في أن طلب العلم هو في حد ذاته جهاد في سبيل الله.

طيب ما وجه هذه القاعدة؟ لماذا كان العلم يراد للعمل؟ علم بلا عمل كنار بلا حطب، كروح بلا جسد. لماذا هذا؟ الجواب لعدة أمور نحصرها في خمسة:

  1. أن هذا هو مقتضى الأدلة الشرعية: ما معنى مقتضى أدلة؟ يعني هذا الذي أفادته ودلت عليه وصرحت به الأدلة الشرعية. إما من جهة الأمر بالعمل بالعلم أو من جهة النهي عن ترك العمل بالعلم أو اجتناب ذلك والتحذير منه. ولننظر في بعض هذه الأدلة:

    • أولها قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا} انظر “آتيناه آياتنا”، يعني هذا بلسان اليوم بعض الذين يعني، بعض السلفيين الذين يريدون بعض، يحبون بعض المعارك، يحبون المصارعات. من زكاك؟ ومن زكاك؟ ومن زكاك؟ هذا الذي زكاه هو رب العزة سبحانه وتعالى. {آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا} ما الذي حصل؟ {فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} طيب لماذا؟ {وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ}. اليوم إذا سبك رجل وقال لك يا كلب ربما تقضي عليه. صح ولا لا؟ بالضربة القاضية. انظر إلى هذا المثل الذي شبهك الله به إن لم تعمل بالعلم. {كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا} سمى الله عز وجل مجرد تركهم للعمل بالعلم تكذيباً. {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ}. أخرج الطبري في تفسيره عن مجاهد قال: هذا مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يعمل به. وذكر العلماء أن قوله تعالى {فَانسَلَخَ مِنْهَا} الانسلاخ عن الآيات هو مجرد الإقلاع عن العمل بما تدل عليه. فإنه لما عاند ولم يعمل بما هداه الله إليه حصلت في نفسه ظلمة شيطانية مكنت الشيطان من استخدامه وإدامة إضلاله. يقول السعدي رحمه الله في تفسيره في هذه الآيات: الترغيب في العمل بالعلم. لماذا؟ لأن الله لما حذر من ترك العمل، إذا هو يرغب في العمل به يأمر به. وأن ذلك رفعة من الله لصاحبه وعصمة من الشيطان. كما أن ترك العمل بالعلم يتركك الله وهواك ويتركك للشيطان. فالعكس بالعكس. والترهيب يعني التخويف من عدم العمل به. وأنه نزول إلى أسفل سافلين وتسليط للشياطين عليه. انتهى.
    • آية أخرى قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ}. انظر هذه الآيات نحن نحفظها. ولكن أين توظيفها في طلب العلم؟ هذا الذي نحتاجه. {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ}. اليوم إذا سبك أحد وقال لك يا كلب وآخر قال لك يا حمار ربما تغضب من الذي سبك بحمار أكثر من الذي سبك بالكلب. صح ولا لا؟ {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}. يحمل على ظهره أسفاراً جمع سِفْر، مجموعة كتب. تخيل حمار يحمل على ظهره صحيح البخاري وإعلام الموقعين والرد على الجهمية للدارمي. هو في النهاية حمار. {بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}. قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين: فهذا المثل وإن كان قد ضُرب لليهود - حتى لا تقول هذا لليهود والحمد لله أنا مسلم - فهو متناول من حيث المعنى لمن حمل القرآن فترك العمل به ولم يؤد حقه ولم يرعه حق رعايته. يعني ليس مجرد ترك العمل بل حتى مجرد التساهل فيه.
    • دليل آخر قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}. روى الخطيب البغدادي في اقتضاء العلم العمل عن عباس بن أحمد قال: هم الذين يعملون بما يعلمون نهديهم لما لا يعلمون. انظر هذه فائدة بعملك بالعلم يفتح الله عليك أن يزيدك علما. وهذا أمر خارج عن إرادتك لا علاقة له بذكائك ولا سعة اطلاعك ولا نحو ذلك.
    • وأيضاً في الحديث المشهور في الترمذي وقال حسن صحيح حديث أبي برزة كلكم تحفظونه أن النبي ﷺ قال: “لا تزولُ قدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عن أربعٍ…” وذكر منهم “…وعن عِلمِه فيما فعلَ فيهِ”. والروايات مختلفة.
  2. أن هذا هو عمل السلف: لماذا؟ لأننا تعلمنا أن طلب العلم حقيقة لا يكون علما إلا أن تتقيد بما كان عليه السلف. وكلكم تحفظون الآثار في ذلك في تفسير الطبري وغيره. ابن مسعود يقول: “كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن”. وأيضاً الأثر المشهور عن أبي عبد الرحمن السلمي التابعي قال: “إنّا أخذنا هذا القرآن عن قوم أخبرونا” أي الصحابة “أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوهن إلى العشر الأُخر حتى يعلموا ما فيهن فكنا نتعلم القرآن والعمل جميعاً وإنه سيرث القرآن بعدنا قوم ليشربونه شرب الماء لا يجاوز تراقيهم بل لا يجاوز ها هنا” ووضع يده على حلقه. وهذا إسناد صحيح أخرجه ابن سعد في الطبقات بإسناد صحيح. ومن الأشياء العجيبة أبو الدرداء رضي الله عنه وتعرفون فضله. أخرج البيهقي في شعب الإيمان عنه أنه قال: “إني لا أخشى أن يقال لي يوم القيامة: يا عويمر، ماذا عملت فيما جهلت؟ ولكني أخشى أن يقال لي: يا عويمر، ماذا عملت فيما علمت؟” انظر الصحابة كانوا يخافون. نعم هو يخاف من الجهل لكنه يخاف من أن لا يعمل بما تعلم أكثر. والأثر المشهور عن علي بن أبي طالب: “هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل”. وإبراهيم بن جارية كان يقول: “كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به”. وهكذا. أخرجها الخطيب البغدادي في اقتضاء العلم العمل.

  3. أن العلم الشرعي لذة دنيوية إن لم يُعمل به: العلم الشرعي الذي عرفنا فضله وعظمته ونعمه، إذا لم تعمل به كان لذة من لذات الدنيا وشهوة من الشهوات الزائلة. ومن هنا فائدة عظيمة. ركز يا سلفي حتى لا يأتي هاجس الشيطان. من هذا الوجه نفهم أن العلم قد يرزقه العابد والفاسق والجهمي والأشعري والسلفي والزنديق والعلماني وغيرهم. تجد متجهمًا أشعريًا حافظ وضابط وعالم وفقيه لا بأس. تجد سلفياً جاهلاً وسفيهاً وعبيطاً لا بأس. لماذا؟ لأنه لم يحقق هذه القاعدة. وإياك أن تنخدع كيف يكون فلان مبتدعاً وهو حافظ للكتاب والسنة؟ عادي جداً يا حبيبي. لم يعمل بالعلم، كونه مبتدعاً هذا يدل على أنه لم يعمل بالعلم. فالعلم يأتيه بكل سهولة. يقول سهل بن عبد الله التستري، من شيوخ الزهاد المعروفين: “العلم أحد لذات الدنيا”. طبعاً هذا الأثر بعض السلفيين المستعجلين اليوم يقول ما هذا الكلام الباطل؟ لا يصح. يا ابن الحلال اسكت يا شيخ. ما أجملك وأنت ساكت! لذلك قال سفيان بن عيينة أول العلم الصمت. أول العلم الصمت. يعني بالدارجة: أول العلم أطبق شفتيك على لسانك لو سمحت. يقول سهل التستري: “العلم أحد لذات الدنيا. فإذا عُمل به صار للآخرة”. أخرجه الخطيب البغدادي في اقتضاء العلم العمل. ويقول بشر بن الحارث المشهور ببشر الحافي فيما أخرجه أبو نعيم في الحلية: “إنما أنت يا طالب العلم” يعني يتكلم مع طالب العلم “إنما أنت متلذذ” لهو استمتاع وشهوة. يعني لا فرق بينك وبين من يحضر المصارعة الحرة أو يحضر فيلماً سينمائياً لهوليود أو يحضر مسرحية. نعم. “إنما أنت متلذذ تسمع وتُملي” ما شاء الله تكتب تنشر… “إنما يُراد من العلم العمل. استمع وتعلم واعمل وعلّم واهرب. ألم تر إلى سفيان الثوري كيف طلب العلم؟ فعلّم وعمل وعلّم وهرب. وطلبُ العلم إنما يدل على الهرب من الدنيا، ليس على حبها”.

  4. أن العقل السليم يدل على هذا: يعني قبل أن تكون سلفياً بل قبل أن تكون مسلماً. بالعقل يا أخي. بالعقل. ما فائدة علم لم تعمل به؟ لذلك ذكر هذا ابن حبان في روضة العقلاء. يقول: “العاقل لا يشتغل في طلب العلم إلا وقصده العمل به” أياً كان هذا العلم. “لأن من سعى في علم لغير ما وصفنا” يعني العمل به “ازداد فخراً وتجبراً. وللعمل تركاً وتضييعاً فيكون فساده في المتأسين به فيه أكثر من فساده بنفسه.” لأن الناس يتخذونك قدوة. ويكون مثله كما قال الله تعالى: {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}. انتهى. وقال ابن عبد البر في الاستذكار في شرح الموطأ: “من طلب العلم لله فالقليل يكفيه”. متى؟ “إذا عمل به”. والخطيب البغدادي ألف كتابا كاملا في ذلك.

  5. أن عدم العمل بالعلم سبب للعقوبة وختم القلب: هو أعظمها وأخطرها. قد ذكر هذا ابن تيمية في شرح الأصفهانية وفي الفتاوى وغيره. أن عدم العمل بالعلم سبب من أسباب عقوبة الله لك أن يختم الله على قلبك. فلا ترى حجج الله مهما كانت واضحة. ماذا قال ابن تيمية في شرح الأصفهانية؟ يقول: “والمقصود هنا أن ترك ما يجب” انظر كلمة دقيقة ضعها، سنرجع إليها بعد قليل. “أن ترك ما يجب” الكلام على العمل الواجب. هناك عمل مستحب. نعم. “أن ترك ما يجب من العمل بالعلم الذي هو مقتضى التصديق والعلم قد يُفضي إلى سلب التصديق والعلم”. كما قيل: العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل. ثم قال: “فما في القلب من التصديق بما جاء به الرسول” انظر أنت لا تقل أنا طالب علم. أنا موحد أنا سلفي. لست أشعرياً لست جهمياً لست… انتبه يا حبيبي. “ما في القلب من التصديق بما جاء به الرسول. إذا لم يتبعه موجبه ومقتضاه من العمل. قد يزول”. قد يزول. ثم ذكر أن العلم والتصديق “كما أن العلم والتصديق سبب للإرادة والعمل. فعدم الإرادة والعمل يدل على عدم العلم والتصديق”. انتهى. يعني خلاصة الكلام أنك إذا لم تعمل بعلمك سلط الله عليك عقوبة أنك لن تنتفع بعلم ما. تجد الآن الصوفية يدعون غير الله. يدعون الأموات والحيوانات وتطوروا ما شاء الله. يمرون على قوله تعالى في سورة الجن: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} آية محكمة صريحة لا تحتاج إلى شرح ولا تفسير. {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}. تجده يدعو مع الله آلافاً. يقرأها ولا يفهمها. وهذا أيضاً يضاف إلى ما ذكرناه أن أهل البدع قد يكونوا علماء لكن لم ينتفعوا بعلمهم. قد يكون هذا من أسبابه والعياذ بالله. وأنت يا سلفي هل عليك حصانة؟ هل عندك عصمة؟ أبداً. بل أنت أولى الناس بهذا الكلام. ويقول ابن تيمية أيضاً في الفتاوى: “فإن مجرد العلم بالحق. لا يحصل به الاهتداء إن لم يعمل بعلمه.” يعني مجرد أن عرفت أن هذا باطل وهذه بدعة وهذه سنة وهذا شرك وهذا توحيد لا يكفي. لا يكفي في ثباتك في هذا العلم أن تثبت وتموت عليه. بل قد ينقلب إلى ضلال. وتنتكس. لذلك رأينا بعض من كان يشرح كتب السلف. صار يذمها ويسبها. بل صار إلى الزندقة والتجهم. إياك ثم إياك أن تظن أن السبب فعله. ربما يكون السبب هذا. هذه المسألة ليست بالهينة. ثم ذكر ابن تيمية أن هذه القاعدة “العلم يراد للعمل” هي مقتضى الصراط المستقيم الذي نسأل الله فيه في كل صلاة. يقول ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى أيضاً: “الصراط المستقيم يشتمل على علم وعمل. علم شرعي وعمل شرعي. فمن علم ولم يعمل بعلمه كان فاجراً” مثل اليهود. “ومن عمل بغير علم كان ضالاً” يعني مثل النصارى. “وقد أمرنا الله أن نقول اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. وطريق الله لا تتم إلا بعلم وعمل.” انتهى. ونعلم جميعاً أن كفر اليهود أصله من جهة عدم العمل بعلمهم. أليس كذلك؟ وانظر إلى الآيات: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}، {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ}، {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا}، “إذا أذنب ذنباً نكت في قلبه نكتة سوداء” إلى آخر الحديث، {كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم} إلى آخره. ابن القيم في طريق الهجرتين ذكر هذه القاعدة بصورة جميلة. ذكر أن العلم يراد بالعمل. لماذا؟ قال لأن السير إلى الله والدار الآخرة لا يتم إلا بقوتين: قوة علمية وقوة عملية. القوة العلمية يُبصر بها منازل الطريق ومواضع السلوك وهكذا. ويجتنب بها أسباب الهلاك إلى آخره. والقوة العملية يسير حقيقة. هذا الذي كما قلناه بالأمس. المعرفة النظرية والمعرفة العملية. قال يسير بالقوة العملية يسير حقيقة بل السير هو حقيقة القوة العملية. وهكذا. وذكر أيضاً في مفتاح دار السعادة أن السلف لم يكونوا يطلقون اسم الفقه أبداً إلا على العلم الذي يصحبه عمل. وذكر ابن رجب أيضاً في مقدمة رسالته “فضل علم السلف على علم الخلف” أن جميع الرسل كان دينهم الإسلام. وقد كان السلف لا يطلقون اسم العالم إلا على من عنده علم يوجب له الخشية التي هي العمل. كما قال بعضهم إنما العالم من يخشى الله. ولقي بخشية الله علما. وهذا مطابق لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}. انتهى. بل ذكر العلماء أن فضائل العلم التي تحفظونها الأدلة في فضل العلم، جميع ما ذكر من فضيلة العلم والعلماء إنما هو في حق العلماء العاملين. هذا هو. وقد ألف العلماء في ذلك كما ذكرنا الخطيب البغدادي له رسالة “اقتضاء العلم العمل”. ولابن عساكر جزء صغير “ذم من لا يعمل بعلمه” ذكر فيه مرويات. ولبعض المعاصرين كرسلان وغيره “العمل والعلم” أو “العلم والعمل”. والمهم كتاب الخطيب البغدادي أولاها بالاعتناء.

القاعدة الثانية: طلب العلم طريق موحد

وهي متفرعة من القاعدة الأولى. طلب العلم طريق موحد. ولم يقل واحد لأن كلمة موحد أشد قليلاً في المعنى. بمعنى أنك إذا أردت أن تطلب العلم فلا تبحث في بنات أفكارك وتبتكر وتخترع وتُحدث وتبتدع. انظر الذين سبقوك من الأئمة وسر خلفهم ولا تلتفت.

يقول ابن عبد البر في كتابه المعروف جامع بيان العلم وفضله. هذا الكلام لا بد أن يحفظ: “طلب العلم درجات ومناقل ورُتب. لا ينبغي تعديها. فمن تعداها جملة” يعني كلها “فقد تعدى سبيل السلف رحمهم الله. ومن تعدى سبيلهم عامداً ضل. ومن تعداه مجتهداً زل.” انتهى. فأنت يا طالب العلم في طريق طلب العلم هو طريق موحد. إن اجتهدت وتفلسفت فقد زللت. وإن تعمدت وتركت طريقهم واخترعت طريقاً آخر أياً كان صاحب الفكرة، لو كان العلامة فلان الفلاني، فأنت ضال. وهذا خروج عن سبيل السلف لا يعرفه كثير من السلفيين اليوم. يعرفون الخروج من سبيل السلفية بالبدعة والشرك، نعم هذا طريق خروج آخر. وما أكثر الخارجين من هذا الباب والله المستعان.

وقال ابن عبد البر أيضاً: “واعلم رحمك الله أن طلب العلم في زماننا هذا وفي بلدنا قد حاد أهله عن طريق سلفهم وسلكوا في ذلك” سلكوا طرقاً هم يحسبون أنها تؤدي للعلم لكن ما الذي حصل؟ قال: “وسلكوا في ذلك ما لم يعرفه أئمتهم وابتدعوا في ذلك ما بان به جهلهم. وتقصيرهم عن مراتب العلماء قبلهم.” انتهى. لذلك لم يكن السؤال المشهور اليوم: هل إذا درست كذا وكذا سأصير مثل الإمام مالك؟ لا يوجد هذا السؤال. بل سر خلف ما ساروا كما سار الإمام مالك تلتحق به عاجلاً أو آجلاً.

يقول الخطيب البغدادي في كتابه الجامع: “ولكل علم طريقة ينبغي لأهله أن يسلكوها. وآلات” يعني أدوات “يجب عليهم أن يأخذوا بها ويستعملوها.” انتهى.

ويقول الزرنوجي في كتابه تعليم المتعلم طريق التعلم: “أردت وأحببت أن أبين لهم طريقة التعلم على ما رأيت في الكتب وسمعت من أساتيذي أولي العلم والحكم.” انتهى.

يقول ابن رجب أيضاً: “ولابد أن يكون سلوك طريق طلب العلم خلف أئمة أهله المجمع على هدايتهم ودرايتهم كالشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد ومن سلك مسلكهم. فإن من ادعى سلوك هذا الطريق على غير طريقهم وقع في مفاوز ومهالك.” واحد. اثنين: “وأخذ بما لا يجوز الأخذ به.” عرفتم هذا؟ الذي يقول حديث صححه الشيخ فلان خلاص العبرة بالحديث. والعبرة بما روى لا بما رأى. يا أخي هذا الحديث لم يعمل به أحد من السلف. لا أنا عندي حديث صحيح مالي ما شاء الله. طيب ما الفرق بينك وبين العلماني؟ الذي يقول أنا أفهم بنفسي. أنت الآن علماني في صورة سلفي قبحك الله والسبب أنك لم تسلك طريقهم في العلم فقط هذا هو السبب. لا ذنوبك ولا بر والديك ولا عقوق والديك. يقول ثلاثة: “وترك ما يجب العمل به.” العكس. يا ابن الحلال هذه المسألة أجمع عليها السلف لا يصح في ذلك حديث. يا ابن الحلال هناك دليل آخر اسمه الإجماع الدين ليست محصوراً في الكتاب والسنة. هناك دليل آخر اسمه الإجماع. لا يصح في ذلك حديثي لا إله إلا الله. يا ابن الحلال أتزعم أنك سلفي؟

يقول شيخنا الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله في محاضرة منهجية في طلب العلم. وقد ذكرنا كلامه “كثير من الشباب يمضي عليه سنين طويلة. ولا يحصل من العلم شيئا”ً. ثم قال “والسبب هو أنه لم ينهج في طلبه للعلم النهج الصحيح”. ثم قال “ونحن بحاجة إلى طلاب علم”. انظر هذه الكلمة. “والطلاب الراغبون”. الطلاب المحبون الذين يحبون العلم ويعشقونه. ويتجملون به كما يتجمل الرجل بثوبه كما قال الآجري في أخلاق العلماء. قال “والطلاب الراغبون في العلم كثيرون ولكن طلاب العلم قليلون”. من هم؟ “وهم الذين يسيرون وفق الطريقة الصحيحة التي سار عليها من كان قبلنا من أهل العلم”. انتهى.

وفي الجامع لابن عبد البر وفي الحلية لأبي نعيم أن الإمام مالك كان يوصي بعض طلابه بتقوى الله والنصح لكل مسلم وطلب العلم من عند أهله أو كتابة العلم من عند أهله.

يقول الخطيب البغدادي في الكفاية يعني متحسراً على من سلك طريق العلم واجتهد بدون أن يسير خلف هؤلاء الأئمة. وهذا اليوم عندنا مشكلة. يعني المقياس عندنا في طلب العلم هو مجرد اجتهادك وبذلك للجهد. إذا رأيتك تحفظ كثيراً وتسهر كثيراً وتحضر دروساً كثيرة حكمت عليك بأنك ستصير عالماً. لم يكن السلف هكذا. بل كانوا ينظرون إلى الطريق الذي تسلكه. في كل علم هل تسلك طريقة الأئمة في ذلك العلم أم لا؟ بغض النظر عن اجتهادك. حينها يحكمون هل ستصبح طالب علم أم لا؟ لذلك كم منا أضاع سنيناً طويلة ولم يحصل شيئاً؟

وأنا أعطيكم مثالاً سهلاً جداً. لو قال لك أحدهم تريد أن تذهب إلى الحج؟ نعم. مكة تذهب إلى الطريق الشرقي. ماذا فعلت أنت؟ ذهبت إلى الطريق الغربي. لو ركبت سيارة لو ركبت طيارة لو ركبت صاروخاً أو مكوكاً فضائياً. أو مشيت برجليك أو ركبت حماراً. لن تصل يا أخا الإسلام. لا تقل لي أنا سأجتهد ولا بد من تقوى الله. وإذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده. يا ابن الحلال هذا إذا كنت سالكاً للطريق الصحيح. هذه كلها عوامل مساعدة في الطريق بعد سلوك الطريق الصحيح. أنا سأجتهد. اجتهد كما شئت. غير التعب لن تجني شيئاً. ولم يكن السلف يعني يطبطبون على الطالب يقول له لا لا لا تسمعه كلمة تحبط معنوياته. يا أخي أي معنويات هو سالك طريق مخالف تماماً. أحطمه حتى لا ينفق جهداً في الفاضي.

انظر ماذا قال الخطيب البغدادي عن مثل هؤلاء: “وقد استفرغت طائفة من أهل زماننا وسعها في كتب الأحاديث والمثابرة على جمعها من غير أن يسلكوا مسلك المتقدمين. وينظروا وراء السلف الماضين”. طيب يا الخطيب البغدادي أليس هذا جيد في أنهم اجتهدوا؟ اه اجتهدوا. أليس كذلك؟ لا. ما في كلام فاضي. قال ولم يقل الخطيب البغدادي لعلكم يا ليتكم تفعلون كذا. لا. قالها بصريح العبارة. انظر: “وذلك منهم غاية الجهل.” هل لم يقل هذا جهل؟ قال هذا غاية الجهل. لو كان الخطيب البغدادي في زماننا لانتقدناه يا شيخنا لا تقل هذا حرام عليك. الشباب اجتهدوا. يا ابن الحلال هذا غاية الجهل. “ونهاية التقصير عن مرتبة الفضل. والواجب على من خصه الله تعالى بهذه المرتبة” اللي هي طلب العلم يعني. هذه مكانة عظيمة. “وبلغه هذه المنزلة أن يبذل مجهوده في تتبع آثار رسول الله ﷺ وسنته وطلبها من مظانها وحملها عن أهلها. والتفقه بها والنظر في أحكامها والبحث عن معانيها والتأدب بآدابها. ويصدف” يعني يُعرض “عما يقل نفعه وتبعد فائدته”.

يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر موصياً طالب العلم: “ومن انحرف عن الجادة طالب طريقه ومن طوى منازله في منزل” يعني أراد أن يختصر لا ما في اختصار هو طريق موحد “أوشك أن يفوته ما جد لأجله.” لذلك تجد الناس اليوم ملوا من طلب العلم. والسبب هو هذا.

القاعدة الثالثة: العلم لا ينتهي

هذه القاعدة عند بعضهم إشكالية نعم ستجدونها في الإشكاليات في الفصل الثاني في نهاية المدخل إن شاء الله.

العلم لا ينتهي هذه من قواعد العلم. ما معنى هذا؟ لأمرين:

  1. الأمر الأول: أن العلم الشرعي مستمد من علم الله وعلم الله لا ينتهي. علم الله أزلي لأنه صفة لله سبحانه وتعالى. صح ولا لا؟ وهو الأول ليس قبله شيء وهو الآخر ليس بعده شيء.
  2. والثاني: أن الله عز وجل قد صرح بهذا. قال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}. قال الطبري في تفسيره: وما أوتيتم أيها الناس من العلم إلا قليلاً من كثير مما يعلم الله. انتهى.

وما الذي يفيده طالب العلم من هذه القاعدة؟ اسمع إلى هذا الحديث. أخرجه أبو خيثمة في كتاب العلم وصححه الحاكم. وصححه الشيخ مقبل الوادعي وغيره. يقول النبي ﷺ فيما رواه ابن عباس وأنس: “منهومانِ لا يشبعانِ: طالبُ علمٍ وطالبُ دنيا”. وفي رواية: “منهومان لا يقضي واحد منهما نهمته: منهوم في طلب الدنيا لا يقضي نهمته ومنهوم في طلب العلم لا يقضي نهمته.” الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين ذكر هذا الحديث وبوب عليه: طالب العلم لا يشبع من العلم. انتهى.

وأخرج ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال سأل موسى ربه عن ست خصال. ومنها قال: “رب، فأي عبادك أعلم؟ قال: عالم لا يشبع من العلم يجمع علم الناس إلى علمه.” (فائدة: إذا قال العلماء أخرجه ابن حبان هو صححه ابن حبان، وهكذا ابن خزيمة والضياء المقدسي في المختارة). وفي الترمذي وقال حسن غريب من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي ﷺ قال: “لن يشبع المؤمن من خير يسمعه حتى يكون منتهاه الجنة.” سؤال يا طالب العلم أليس العلم الشرعي خير؟ بل هو كل الخير؟ فيجب عليك ألا تشبع منه إلى متى؟ حتى يكون منتهاك الجنة.

ومن هنا نفهم كلام السلف. أحمد بن حنبل يقول: “مع المحبرة إلى المقبرة”. ابن المبارك يقول: “اطلب العلم إلى الممات إن شاء الله.” ولابن المبارك كلمة عظيمة، وهو من شيوخ أحمد نفسه، أمير المؤمنين في الحديث الإمام الزاهد، اجتمعت فيه خصال الخير وكان يُشبه بأبي بكر الصديق بصفاته رضي الله عنهم. كان يقول كلمة عجيبة وهي تأديب لنا. سئل ابن المبارك قيل له: إلى متى يا أبا عبد الرحمن تطلب العلم وأنت أمير المؤمنين بالحديث؟ رجل من أتباع التابعين توفي مئة وإحدى وثمانين هجرة. يعني إلى متى؟ فقال كلمة يعني درس درس عجيب. قال: “لعل الكلمة التي أنتفع بها لم أكتبها بعد.” يا سلام يا سلام. لعل الكلمة التي تنفعني أو أنتفع بها لم أكتبها بعد. ما أدراك؟ بما أنني لا أدري فسأطلبه إلى أن أموت.

يقول ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة تعليقاً على هذه الأحاديث: “فجعل النبي ﷺ النهمة في العلم وعدم الشبع منه من لوازم الإيمان.” انتبه يا سلفي انتبه يا أخ التوحيد يا أخ العقيدة يا أخ السلفية. أيوه الهمة في طلب العلم من لوازم الإيمان. “إيمانك ضعيف؟ همتي ضعيفة؟ أنا ليس عندي همة؟” إيمانك ضعيف. تعال هنا يا هذا. الإيمان يضعف عند أهل السنة بماذا؟ ينقص بالمعصية. اها. أنت أدرى هيا هيا هيا. احترم نفسك واحترم المنصب الذي وضعك الله فيه يا طالب العلم. قال ابن القيم: “فجعل النبي ﷺ النهمة في العلم وعدم الشبع منه من لوازم الإيمان وأوصاف المؤمنين”. وإن تزعم أنك سلفي فهذه أوصاف السلفيين. “وأخبر أن هذا لا يزال دأب المؤمن حتى دخوله الجنة. ولهذا كان أئمة الإسلام إذا قيل لأحدهم إلى متى تطلب العلم؟ فيقول إلى الممات.” وذكر هذه الآثار التي ذكرت لكم شيئاً منها.

وسئل بعض العلماء: متى يحسن بالمرء أن يتعلم؟ يعني إلى متى؟ قال: “ما حسُنت به الحياة.” وسئل الحسن البصري عن الرجل له ثمانون سنة - أنت ما شاء الله عشرينات ثلاثينات - يقول له عمري ثمانين سنة أيحسن لي أن أطلب العلم؟ قال: “إن كان يحسن بك أن تعيش.” أنت عايش؟ أيوه اطلب العلم يا أخي.

يقول ابن عباس: “العلم أكثر من أن يُحصى فخذوا من كل شيء أحسنه.” بلسان اليوم خذ من كل علم متناً. ويقول الإمام مالك: “لا ينبغي لأحد يكون عنده علم أن يترك التعلم.” اليوم عندنا بالعكس أنا عندي علم إذاً سأترك التعلم. الله المستعان. الله المستعان. ويقول سفيان بن عيينة: “أحق الناس بطلب العلم ليس الجاهل. العالم. لماذا؟ قال لأن الجهل ليس بأحد أقبح منه بالعالم.”

وسئل عبد الله المبارك سؤالاً يعني من تحت لتحت. سؤال فيه نوع من المكر. ولعل السائل أحدُنا يريدون أن يوقعوا بالمشايخ. هذه صارت سنة سيئة اليوم عند بعض السلفيين. أي والله. وما أبرئ نفسي لكن ينبغي أن نتناصح. قيل لابن المبارك: إن الناس قد ذهبت أيامهم في السماع يعني الناس قاعدين في الدروس ومن درس إلى درس والصباح درس والخميس والجمعة درس… ذهبت أيامهم فمتى العمل؟ هذا الذي يقول بعض الحركيين. فقال عبد الله المبارك جواباً تأديبيا لنا أولاً وللآخرين ثانياً. فقال: “ما داموا في السماع فهم في العمل.” هذا يؤكد ما ذكرناه قبل قليل من قاعدة العمل بالعلم. أن هذا هو النوع الثاني من العمل بالعلم. ما داموا يحضرون الدروس.

وجاء رجل لعبد الله يقال له أبو وهب وليس ابن وهب لا هذا أبو وهب وجاء لابن مبارك أيضاً مرة أخرى قال له يا ابن المبارك يا أبا عبد الرحمن كم نضيع فراغنا في طلب العلم فمتى العمل؟ سبحان الله. حتى في زمان أتباع التابعين كأنه بعض الحركيين اليوم صح ولا لا؟ ضيعتم أوقاتكم في العلم فمتى العمل؟ متى مشاريع العمل؟ متى الأمة؟ يا ابن الحلال جاء رجل لابن المبارك وقال له هذا الكلام. تدرون ماذا قال له ابن المبارك؟ تأديباً لنا جميعاً. قال له: “يا أبا وهب، طلبُ العلم عمل.” طلب العلم عمل. فقال له الرجل: فسد الناس يا أبا عبد الرحمن. هذا كما نقول اليوم. لا الناس تغيرت. فقال له ابن المبارك كلاماً درساً تأديبياً: “الأمر بعدُ صالح. ما دام في الناس من يطلب الحديث.” المقصود بالحديث هنا كما قلنا في المتقدم هو العلم. وهذا الأثر تدرون من أخرجه وأين أخرجه؟ أخرجه أبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام. سبحان الله.

وتعرفون قول ابن عثيمين في منظومته المشهورة في أصول الفقه: وبعدُ فالعلم بحورٌ زاخرة *** لن يبلغ الكادح فيه آخره لكن في أصوله تسهيلا *** لنيله فاطلب تجد سبيلا

وقال الحكم أيضاً في وجوه الآداب: العلم بحر منتهاه يُبعِدُ *** ليس له حد إليه يُقصَدُ وليس كل العلم قد حويتَهُ *** أجل ولا العُشر ولو أحصيتَهُ ما أكثر العلم وما أوسعه *** من ذا الذي يقدر أن يجمعه

وقال بعضهم: ما حوى العلم جميعاً أحدُ *** لا ولو مارسه ألفَ سنة إنما العلم كبحر زاخر *** فخذوا من كل فن أحسنه

وإياك ثم إياك أن يأتيك شيطان جن أو إنس ويقول لك إذا كان العلم لا ينتهي إذاً ما في فائدة من طلبه. سؤال هل الطب والعلوم التجريبية هذه تنتهي؟ لا. طيب لماذا نطلبها؟ نقول لك لنتطور أحسن. هذا هو. قال بعضهم إذا كنا نطلب العلم لكي نصل نهايته كنا إذاً قد طلبنا العلم بالنقيصة. إذا أردت أن تطلب العلم لتصل للنهاية أنت الآن تنتقص من العلم. العلم ليس له نهاية. وذكرنا لماذا؟ طيب لماذا نطلب العلم؟ قال لنزداد كل يوم من العلم وننقص كل يوم من الجهل.

وقال بعضهم: المتعمق في العلم كالسابح في البحر ليس يرى أرضاً ولا يعرف طولاً ولا عرضاً. ويقول بعض العلماء: طالب العلم، العلم لا ينتهي هذا كنز لطالب العلم. مثل ماذا؟ تعرفون اللؤلؤ الذي يستخرج من أعماق البحار من داخل بطون الأصداف والمحارات وغيرها. يقول هؤلاء التجار كلما غاص في أعماق البحر كلما استخرجت اللؤلؤ. المشكلة أن الصعوبة في الغوص وكلما تعمقت إلى قاع البحر وكلما أظلمت عليك الدنيا الظلام، احتوشتك وأحاطت بك الحيوانات والمخلوقات المفترسة والمخلوقات التي تعيش في قاع البحر. فكذلك طالب العلم كلما تعمقت أكثر كلما استخرجت اللؤلؤة الأغلى. واللؤلؤة الواحدة تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات ربما تصل بعضها إلى ملايين الدولارات.

القاعدة الرابعة: طلب العلم جهاد

جهاد في سبيل الله؟ نعم جهاد. جهاد جهاد؟ أيوه نعم جهاد جهاد. الجهاد في سبيل الله نعم يا حبيبي. أليس الجهاد هو القتال وكذا؟ نعم هذا نوع آخر من الجهاد. وهذا أصعب. نعم.

يقول تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}. يقول السعدي: دلت هذه الآية على أن من اجتهد وجد في طلب العلم الشرعي فإنه يحصل له من الهداية والمعونة على تحصيل مطلوبه أمور إلهية خارجة عن مدرك اجتهاده. وتُيسر له أمر العلم. فإن طلب العلم الشرعي من الجهاد في سبيل الله. بل هو أحد نوعي الجهاد. الجهاد باللسان وجهاد بالسنان. ولا يقوم بهذا النوع إلا خواص الخلق وهو الجهاد بالقول واللسان للكفار والمنافقين. والجهاد على تعليم أمور الدين وعلى رد نزاع المخالفين للحق ولو كانوا من المسلمين. انتهى.

وروى مسلم في صحيحه وهذه لطيفة جميلة. دائماً العلماء يذكرونها. الإمام مسلم مشهور أنه تفوق على شيخه البخاري في صحيحه بترتيب أحاديثه. البخاري له فقه عجيب لكن مسلماً يرتبها بصورة تشرح بعضها بعضاً. ففي كتاب الصلاة من صحيح مسلم. لما ذكر أحاديث مواقيت الصلاة، مسلم لا يذكر آثار السلف يعني هكذا بدون مناسبة. وإذا ذكرها في الغالب يذكرها لتؤيد ترتيبه للأحاديث المرفوعة الأحاديث النبوية. ماذا فعل؟ فجأة حشر لك أثراً عن تابعي يحيى بن أبي كثير. والمشكلة أن هذا الأثر عن تابعي وأن هذا الأثر مشكلة ثانية لا يتحدث عن الصلاة أصلاً لا بل لا يتحدث عن شيء من العبادات أصلاً يعني الصلاة والصيام وكذا. ماذا قال؟ روى بإسناده في كتاب الصلاة في أحاديث المواقيت أثراً عن يحيى بن أبي كثير التابعي قال: “لا يُستطاع العلم براحة الجسم”. وتحفظون هذا الأثر. هنا اللطيفة العجيبة. يقول النووي في شرحه: جرت عادة الفضلاء بالسؤال عن إدخال مسلم هذه الحكاية عن هذا التابعي. مع أنه يعني طريقته ومنهجه في صحيحه لا يذكر إلا أحاديث النبي ﷺ محضة. ومشكلة ثانية مع أن هذه الحكاية لا تتعلق بأحاديث مواقيت الصلاة. فكيف أدخلها بينها؟ طبعاً احنا نقول لا لعله أخطأ يا أخي احترم العلماء يا أخي. وحكى القاضي عياض عن بعض الأئمة أنه قال سببه انظر هنا الأولى “أن مسلماً رحمه الله أعجبه حسن سياق هذه الطرق التي ذكرها لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص في مواقيت الصلاة وكثرة فوائدها وتلخيص مقاصدها وما اشتملت عليه من الفوائد والأحكام وغيرها. ولا نعلم أحداً شاركه فيها”. مسلم ركبها بطريقة عجيبة. طيب ماذا يريد مسلم هنا؟ يريد أن يرسل رسالة وهذا من شفقة أئمتنا علينا. وهذه من الرسائل الخفية أنا اسميها في التأصيل العلمي عند كتب السلف المتقدمة التي ربما لا تظن ولا تتوقع أصلاً أنها يعني فيها مثل هذه الإشارات لكن تحتاج إلى تعمق تحتاج إلى تكرار. والحمد لله الأئمة لم يتركوا لنا شيئاً فقط كسلنا هو الذي يمنعنا. يقول لك “فلما رأى ذلك أراد أن ينبه من رغب في تحصيل الرتبة التي ينال بها معرفة مثل هذا”. يعني مسلم يقول لك انتبه يا طالب العلم يا من تقرأ كتابي انظر. هل أعجبك ترتيبي لهذه الأحاديث؟ نعم. لا تظن أن المسألة مجرد توفيق كدا بس خلاص كأننا جبرية. هذا توفيق من الله. طيب التوفيق له أسباب. {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ}. {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ}. صح ولا لا؟ يقول لك تستطيع أن تفعل كما أنا فعلت وأحسن. فقال طريق يعني لسان حال مسلم بهذا الأثر طريقه أن يُكثر طالب العلم اشتغاله بطالب العلم وإتعابه جسمه في الاعتناء بتحصيل العلم. هذا شرح ما حكاه القاضي عياض. شوف هذه الكلمة من مسلم رحمه الله.

وتقدم معنا أثر معاذ: “البحث عن العلم جهاد”. بل يقول أبو الدرداء كلاماً عجيباً: “من رأى الغدو والرواح” يعني صباح مساء رايح جاي رايح جاي إلى العلم إلى الدرس إلى الدرس افتح الدرس عن بعد أو عن قرب “من رأى الغدو والرواح إلى العلم ليس بجهاد فقد نقص عقله ورأيه”. وذكر هذا الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث. وذكر آثار عن الزهري وابن المبارك وغيره وغيره وغيره. ولعلكم تحفظونها.

بل يقول الإمام مالك وما أدراك ما الإمام مالك: “إن هذا الأمر” يعني طلب العلم “لن يُنال حتى يُذاق فيه طعم الفقر.” ليس فقط أن تفتقر. اليوم نحن الله يهدينا. لا نطيق فقراً. أنا والله أشعر بالصداع. لا بد أن أشرب القهوة. لا بد أن تشرب القهوة؟ نعم. لا بد أن أشرب الكابتشينو والإسبريسو. ما شاء الله. وأنت أنا جائع. يا أخي أنت أكلت قبل نصف ساعة. لا أريد أن أن آكل التحلية أريد أن آكل الحلوى. سبحان الله. تُعطي العلم أتفه الأوقات لن تحصل العلم.

ذكر الإمام مالك ما حصل لشيخه ربيعة من الفقر في طلب العلم حتى باع خشب سقف بيته. هل منكم من فعل هذا؟ يا أحبة؟ أنا أسأل بكل حق. هل منكم من فكر مجرد تفكير؟ يا أخي اترك هذا. هل منكم من فكر أن يبيع الجراب والكفر الذي يلبسه لهاتفه؟ أتحداك. إذاً اسكت اطلب العلم كما يسر الله لك واجتهد. “بل وحتى كان يأكل ما يُلقى على مزابل المدينة من الزبيب وعصارة التمر”. هل منكم من أحد افتقر في طلب العلم وبسبب اجتهادك في طلب العلم لم تجد ما تأكله وذهبت تأكله من المزبلة؟ بل إنك توقف الدرس وتذهب إلى المطعم في آخر الدنيا في أنصاص الليالي تأكل ما لذ وطاب ثم تقول والاجتهاد في طلب العلم. يا أخي بالراحة كرشك ستنفجر من كثرة الأكل. الله المستعان. وقال علي بن أبي طالب: “البِطنة تذهب الفِطنة”.

روى الخطيب البغدادي عن أبي يوسف المشهور قال: “طلبنا هذا العلم وطلبه معنا من لا نُحصيه كثرة. فما انتفع منا إلا من دبغ البَنُّ قلبه.” (وهذه الكلمة اضبطوها هنا هذا ضبطها الصحيح. تجدونها في بعض الكتب اللبن وبعضها البن غلط. البُنّ بفتح الباء وضم النون المشددة. وهذا نوع من الإدامات هذا إدام الفقراء يعني ليس عندهم مال، ماء ببصل). لماذا؟ قال: “وذلك أن أبا العباس لما أفضى إليه الأمر بعث إلى المدينة فأقدم عليه عامة من كان فيها من أهل العلم. فكان أهلونا يعدون لنا خبزاً يلطخونه لنا بالبَنِّ. فنغدوا في طلب العلم ثم نرجع إلى ذلك فنأكله. فأما من كان ينتظر أن تُصنع له هريسة أو عصيدة فكان ذلك يشغله حتى يفوته كل ما كنا نحن ندركه.” يقول لك نحن نذهب نحضر الدرس ثم نرجع ونأكل هذا ينتظر العصيدة وهذا ينتظر الهريسة وهذا ينتظر الجريش وهذا ينتظر البسبوسة وهذا ينتظر السمبوسة، يلا انتظر في النهاية ستكون طالب سمبوسة فلن تكون طالب علم. تأتي في منتصف الدرس وتقول أنا تلميذ شيخ فلان وحضرت معكم الدرس الفلاني؟ لا يا أخي إذاً.

يقول سحنون: “لا يصلح العلم إلا لمن لا يأكل حتى يشبع. ولا لمن يهتم بغسل ثوبه.” هذه الآثار المقصود بها المبالغة. الله جميل يحب الجمال لكن المقصود المبالغة في مثل هذه المسائل. يا أخي الثوب نظيف خلاص نظيف بنسبة كم؟ ثمانين في المئة كفاية. لا في داخل الثوب من داخل الكم من داخله يوجد نقطة صغيرة ما شاء الله. لن ألبسه وسأنتظر حتى ينشف ويكوى ما شاء الله. لا تذهب يا أخي لا تطلب العلم.

ويقول الشافعي: “لا يطلب هذا العلم أحد بالمال” يعني بالرفاهية هذا هو المقصود. “وعز النفس فيفلح ولكن من طلبه بذلة النفس وضيق العيش وحرمة العلم أفلح.”

وهنا تنبيه مهم هذا الكلام الذي سمعناه ليس المقصود أن من كان ميسوراً والخير عنده باسط كما يقال أنه لن يفلح لا بل كان من طلاب العلم من هم أغنياء الإمام عبد الله بن المبارك كان من الأغنياء بل كان تاجراً يأتي بالبضائع من خراسان ويبيعها في الحجاز. والليث بن سعد وغيرهم لكن المقصود لا تجعل هذا هو المانع. بل اجعله سبيلاً معيناً في طلب العلم.

ومن هنا أنشد ابن مبارك قال: آخِرُ الْعِلْمِ لَذِيذٌ طَعْمُهُ… وَبَدْءُ الذَّوْقِ مِنْهُ كَالصَّبْرِ

أول العلم مر حامض جداً. لكن إذا استمريت وعرفت أنه لا ينتهي سينقلب لذة وحلاوة. حينئذ أنت تعشق السهر في طلب العلم. كما ترى بعض الآثار ستفهمها الآن أنه كان يتذاكر الزهري ومعه بضعة من المحدثين بعد العشاء حتى أذن الصبح ولم ينتبهوا. وكان بعضهم يبحث في حديث ما حتى طلع عليه الصبح ولم ينتبه. حبس بعضهم نفسه في غرفة فجلس ولم يستفق من البحث إلا أن غربت الشمس فقال لا إله إلا الله فاتني العصر أو الظهر وهكذا. هذه الآثار تجدونها في الجامع لابن عبد البر.

يقول أبو يزيد البسطامي في الحلية: “عملت في المجاهدة ثلاثين سنة فما وجدت شيئاً أشد علي من العلم ومتابعته.”

وأعطيكم تطبيقاً عملياً. سئل الإمام مالك عن مسألة فقال لا أدري. فقال السائل - لعل السائل من جماعتنا من أمثالنا ها - فقال له السائل: إنها مسألة خفيفة سهلة. وإنما أردت أن أُعلم بها الأمير. وكان السائل ذا قدر. قال لا يعني معقول يا إمام مالك؟ غضب الإمام مالك وقال يعني مستنكراً: مسألة خفيفة سهلة؟ ليس في العلم شيء خفيف. أما سمعت قول الله: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}؟ فالعلم كله ثقيل وبخاصة ما يُسأل عنه يوم القيامة. ذكره القاضي عياض في ترتيب المدارك. ولابن عبد البر في التمهيد إشارة جميلة. قال إذا كان القرآن الميسر للذكر كالإبل المعقلة كما في الحديث. من تعاهدها أمسكها فكيف بسائر العلوم؟ لا شك أنه أشد.

يقول ابن القيم في مفتاح دار السعادة: “التفقه في الدين وتعلمه وتعليمه يعدل الجهاد بل ربما يكون أفضل منه.” وقال أيضاً: “والجهاد نوعان جهاد باليد والسنان وهذا المشارك فيه كثير. البر والفاجر كلهم يستطيعونه. والثاني الجهاد بالحجة والبيان. وهذا جهاد الخاصة. من أتباع الرسل. وهو جهاد الأئمة. وهو أفضل الجهادين.” لماذا؟ أنا أقول لك لماذا؟ لأنه لا يوجد جهاد بالقتال إلا بعد أن نعرف أحكام الجهاد بالعلم الذي هو باللسان. قال: “لعظم منفعته وشدة مؤنته وكثرة أعدائه.” قال تعالى في سورة الفرقان وهي مكية: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيرًا * فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}. فهذا جهاد لهم بالقرآن وهو أكبر الجهادين.

يقول ابن عثيمين رحمه الله في كتاب العلم: “ولا شك أن طلب العلم من أفضل الأعمال بل هو من الجهاد في سبيل الله. لا سيما في وقتنا هذا.”

القاعدة الخامسة: لا تحقر نفسك

طيب. القاعدة الخامسة لا تحقر نفسك. طيب نقف إلى هنا ونلتقي إن شاء الله في الدرس القادم نواصل والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


المجلس الرابع

مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما. حياكم الله أيها الأحبة في المجلس الرابع من مجالس شرح كتاب المدخل الى طلب العلم وهو الكتاب الأول من المستوى التمهيدي لمعهد التأصيل العلمي للدفعة التاسعة.

لا زلنا في المقدمة المختصة بقواعد في طلب العلم. وصلنا إلى القاعدة الخامسة.

المقدمة الخامسة: قواعد في طلب العلم (تابع)

القاعدة الخامسة: لا تحقر نفسك

القاعدة الخامسة: لا تحقر نفسك:

المقصود باحتقار النفس: أن الطالب إذا دخل في طريق العلم ظنّ أو توهم أنه لن يحصله؛ فيترك التعلم إما كليا أو جزئيا.

هذه قاعدة تحذيرية. يعني هذه القاعدة إياك أن تقع في هذا الأمر، وهو أمر منهي عنه. ما هو؟ المقصود باحتقار النفس بالنسبة لطالب العلم. قال المقصود باحتقار النفس أن الطالب إذا دخل في طريق العلم يعني إذا بدأ في طلب العلم مثلكم مثلاً ظن أو توهم أنه لن يحصله، لن يصبح طالب علم، فيترك التعلم إما كلياً تماماً لا يحضر ولا يفتح أي شيء يتعلق به، أو جزئياً يعني يضعف اجتهاده يضعف مراجعته يضعف حضوره للدروس وهكذا. وهذا أمر محرم شرعاً.

انظر إلى السلف كانوا يحذرون من هذا الأمر. جاء في جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر أن رجلاً جاء لأبي هريرة فقال إني أريد أن أتعلم العلم وأخاف أن أضيعه. هذا مثلنا أريد أن أطلب العلم لكن هل سأصبح عالماً سأصبح مثل الشيخ فلان؟ فقال أبو هريرة: “كفى بتركك له تضييعاً”. كفى بتركك له تضييعاً.

وجاء أيضاً عن الجنيد، جاء في الجامع للخطيب: “ما طلب أحد شيئاً بجد وصدق إلا ناله. فإن لم ينله كله نال بعضه.” واسمع إلى هذه القصة. أيضاً ذكرها الخطيب في الجامع. ذكر أن رجلاً كان يطلب العلم فعزم على تركه. يعني كان يطلب العلم وقال “لا أقدر عليه”. فعزم على تركه. فمر بماء ينحدر من رأس جبل على صخرة، يعني قطرات من الماء من أعلى الجبل تسقط على صخرة فأثر الماء فيها. فقال - يعني فهم الرسالة - الماء على لطافته قد أثر في صخرة على كثافتها. والله لأطلبن العلم فطلب فأدرك. يعني كأنه قال الصخرة القاسية الشديدة القوية أثرت فيها قطرات الماء الخفيفة. فعقلي ليس مثل الصخرة بلا شك والعلم أشد من الماء. وهكذا.

ابن القيم له كلام بليغ لطيف. قال في الفوائد: “إذا طلع نجم الهمة في ظلام ليل البطالة، وردفه قمر العزيمة أشرقت أرض القلب بنور ربها.” وقال أيضاً: “أعلى الهمم في طلب العلم طلب علم الكتاب والسنة والفهم عن الله ورسوله نفس المراد وعلم حدود المنزل.” أنت الآن تفهم هذه الكلمات لأنها مرت في بداية الكتاب في حقيقة العلم. وهكذا هو العلم. وهذه بركة العلم. تفهم شيئاً يفهمك وتفهم بواسطته أشياء أخرى وهكذا. “وأخس همم طلاب العلم من قصر همته على شواذ المسائل وما لم ينزل ولا هو واقع أو كانت همته معرفة الاختلاف. وتتبع أقوال الناس وليس له همة إلى معرفة الصحيح من تلك الأقوال. وقل أن ينتفع واحد من هؤلاء بعلمه.” لماذا؟ لأنه علمه ليس علماً في الحقيقة. وهذا هو.

ليس هنا الإشكال. الإشكال أن هنا تنبيهاً مهماً في هذه القاعدة. يعني هذه القاعدة ليست فقط مجرد رفع الهمة وتحمس وأحسن الظن لا. هذه المسألة تدخل في كبيرة من الكبائر. قال ابن تيمية: “ويأس الإنسان أن يصل إلى ما يحبه الله ويرضاه من معرفته وتوحيده كبيرة من الكبائر.” كيف هذا؟ أنت الآن تطلب العلم. أليس العلم مما يحبه الله ويرضاه؟ نعم. أليس العلم يعرفك بتوحيد الله ونحوه؟ نعم. طيب لماذا تيأس؟ هذا في كتاب التوحيد شرح باب {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}. قال الشارح أراد أن الأمن من مكر الله والقنوط من رحمته مناف للتوحيد وينقصه أي التوحيد الواجب وقد يبطله بالكلية. يعني استبعاد حصول رحمة الله ونحوه للعبد. هذا في حد ذاته خلل في التوحيد. فكيف يصيبك هذا؟ وهو كبيرة من الكبائر. فانظر يا طالب العلم أين أنت.

قال ابن تيمية: “ويأس الإنسان أن يصل إلى ما يحبه الله ويرضاه من معرفته وتوحيده كبيرة من الكبائر.” لكن بناء على هذا ما الذي يجب عليك؟ قال: “بل عليه أن يرجو ذلك ويطمع فيه. لكن من رجا شيئاً طلبه. ومن خاف من شيء هرب منه.” إذا اجتهد الإنسان، “وإذا اجتهد واستعان بالله تعالى ولازم الاستغفار والاجتهاد فلا بد أن يؤتيه الله من فضله ما لم يخطر ببال”. هذا هو المقصود.

القاعدة السادسة: الشيخ

القاعدة السادسة: الشيخ، وفيه مسألتان:

وما أدراك ما الشيخ؟ الشيخ وفيه مسألتان، هي ثلاث مسائل لكن خطأ مطبعي.

المسألة الأولى: المقصود من الشيخ

المسألة الأولى: المقصود من الشيخ أمران: ١ - أن تأخذ عنه قواعد العلم وكيفية تطبيقها. ٢ - أن تستمر على ذلك حتى تحصل عندك الملكة في استعمالها، والملكة: الخبرة.

المقصود من الشيخ أمران: الأمر الأول معرفة أو أن تأخذ عنه قواعد العلم وكيفية استعمالها.

الأمر الثاني أن تستمر على ذلك حتى تحصل عندك الملكة في استعمالها، والملكة هي الخبرة. وهذه الملكة قد تحصل لك في عشرات السنين، في شهور، في أيام. ثم هي تختلف أيضاً في العلم الفلاني قد تحصل عندك بعشرات السنين بعشرات الشهور أو في العلم الآخر دون ذلك أو أكثر. أيضاً تختلف بحسب طبيعة أسلوب الشيخ ومكنته ومقداره في العلم إلى غير ذلك. المهم هذان هما الهدفان اللذان بهما تتم لك قاعدة الشيخ.

وبعدها، ليس انتهى هذا هو الشيخ، لا. إنما صار الملازمة للشيخ في حقك من الواجب الذي هو كما يقال شرط كمال لا شرط صحة في طلب العلم. طيب إذا عُرف هذا.

المسألة الثانية: ما يُدرس على الشيخ

المسألة الثانية: يُدرس على الشيخ المختصرات ومهمات العلم ومشكلاته. * أما توسيع دائرة الفهم والاطلاع، فإنما يتوصل إليها الطالب بنفسه بمطالعاته للكتب ومزاولته للتقرير والتحرير. * ثم إن الدروس إنما تحصل فيها قواعد بعض العلوم، وتبقى فنون كثيرة يصل إليها الطالب بمطالعته بنفسه وحده أو مع بعض رفاقه. ذكره ابن باديس.

ننتقل إلى المسألة الثانية. ما الذي تأخذه عن الشيخ؟ الشيخ ما وظيفته بالنسبة لك؟ ما الذي تريد أن تخرج منه بما ذكرناه من هذين الأمرين؟ أن تأخذ قواعد العلم وأن تستمر. ماذا تأخذ عن الشيخ؟ هنا الآن الناس أيضاً أطراف وأوساط أشكال وألوان.

قال العلماء يُدرس على الشيخ أمور أهمها، أمور كثيرة منها النظري والعملي. النظري ثلاثة:

  1. المختصرات: اللي هي نسميها نحن المتون، سواء كان مختصراً حقيقة أو في معنى المختصر كالمتوسطات، أو المتون عموماً. لماذا؟ لأن مفاتيحها بأيدي الشيوخ فلا بد من شيخ. عندك متن تريد أن تدرسه؟ نعم. لا بد من شيخ.
  2. مهمات العلوم: مهمات العلوم سواء كانت مسائل أو كانت علوماً أو كانت أبواباً من علوم أو أياً كان. الأمور المهمة التي تمثل المعالم الأساسية للعلم الفلاني. هذه أيضاً لا بد أن تدرس على شيخ سواء درستها عن طريق كتاب يشرحه لك أو مجالس أو أياً كان.
  3. مشكلات العلم: العلم فيه مشكلات ليس المقصود أن العلم في نفسه مشكل لا. وإنما المقصود أنه يعرض لطالب العلم ما يُشكل عليه في علم ما في مسألة ما. مثل هذا لا بد أن تأخذه على الشيخ ولو كنت من كنت.

هذه الأمور التي تدرس على الشيخ نظرياً. أما ما يدرس على الشيخ عملياً فهذا أعظم وأكبر من ذلك. من ذلك ما سمعناه من كلام السلف في الدروس الماضية: “ما تعلمنا من أدب مالك أكثر وأعظم من علمه”، “وكان الرجل يأتي ويستفيد من أدبه وسمته ونحو ذلك”. والأثر المشهور كان يجتمع في مجلس أحمد بن حنبل قرابة خمسة آلاف طالب. نحو خمسمائة فقط هم الذين يكتبون العلم. والبقية يتعلمون منه حسن الأدب والسمت. وقال أبو بكر المطوعي: “كنت أختلف إلى أحمد بن حنبل اثنتي عشرة سنة - وعرفنا ما معنى يختلف إلى فلان - وهو يقرأ المسند على أولاده فما كتبت عنه حديثاً واحداً. إنما كنت أنظر إلى هديه وأخلاقه.” ذكر هذا الذهبي في السير وغيره. عرفت؟ والآثار في ذلك كثيرة. تعرفونها. إذاً هذا أهم ما يؤخذ من الشيخ.

طيب بقي أمران هل نجدهما عند الشيخ؟ نعم هي موجودة لكنها في الأصل مما يُطالب به طالب العلم بنفسه يعني هذه تأخذها بذراعك كما نقول. ما هما؟

  1. توسيع دائرة الفهم والاطلاع: هذه لن تجدها عند الشيخ والشيخ ليس متاحاً لك في كل شيء. الشيخ أموره الواجبة عليه أن يعطيك محصورة. أما توسيع دائرة الفهم والاطلاع فهذا حظك ومسؤوليتك بنفسك. يتوصل إليها طالب العلم بنفسه بمطالعته في الكتب ومزاولته يعني تكراره واجتهاده للتقرير يعني تلخيص وكتابة وجمع وتحرير. واضح؟
  2. بقية الدروس: هل الشيخ يعطيك كل مفاتيح الدروس بالأمور التي ذكرناها؟ لا. تبقى دروس أخرى. قالوا الدروس التي عند الشيوخ تحصل فيها قواعد بعض العلوم اللي هي الأساسيات. وتبقى فنون كثيرة أي من العلوم الشرعية. يصل إليها الطالب من مطالعته بنفسه إما بنفسه وحده أو مع بعض زملائه النجباء. وذكر هذا ابن باديس رحمه الله تعالى.
المسألة الثالثة: أهم صفات الشيخ

المسألة الثالثة: أهم صفاته: وترجع إلى أمرين: ۱ - الشهرة بالعلم، وتُعرف بأمور أهمها: العمل به، والتخرج عليهم، والاقتداء بسمتهم أي: عدم الخروج عنهم والتقدم عليهم في النوازل والمسائل الكبرى. ٢- معرفة طرق التعليم المفيد، ولها خاصيتان: إجابة السائل بما يليق به في خاصة نفسه، والنظر في المآلات.

وهي الأهم. أهم صفات الشيخ. من هو الذي يستحق أن يسمى الشيخ الذي يُجلس بين يديه ويُؤخذ عنه هذا الكلام وتتحقق به هذه القاعدة قاعدة الشيخ؟

بعض الناس يرى أن الشيخ لا بد أن يكون سعودياً يلبس الشماغ أو الغترة. نعم أنا أكلمك بكل صدق. دعونا نكون صادقين. كما قال وكيع وغيره هذا العلم لا ينبغ فيه إلا صادق. هكذا يتصور الناس. لذلك إذا جاءت الفتوى عن بعض الجنسيات كما ذكرنا في السعودية أو غيره اطمأن وظن أن هذا هو قول كبار العلماء. وإذا جاءت من باكستان ولا من السودان ولا من الجزائر ولا من أفغانستان يقول لماذا لا ترجعوا إلى العلماء الكبار؟ يا سبحان الله. وبعضهم العكس لا يريد الفتوى ولا يشعر بأن هذا عالم شيخ إلا إذا كان من بني جنسه. إذا كان من بني جنسه هذه طبعاً الجاهلية عنصرية الله المستعان. وبعضهم وبعضهم وبعضهم. يا أخي وبعضهم يزعم أن الشيخ هو الذي زكاه الشيخ فلان فقط. أو الشيخ حامل الراية الفلانية. أو الشيخ سائق الحافلة الفلانية.

يا ابن الحلال. هل نحن أول من ندرس العلم الشرعي؟ دائماً اسأل نفسك. أنت لست بأول من دخلت في ميدان العلم الشرعي. قد سبقك إليه القرون الثلاثة يكفيك شرفاً وفخراً. فانظر ماذا كانوا يصفون من يصفونه باسم الشيخ. الشيخ الذي يُدرس على يديه الشيخ الذي تتحقق به القاعدة. وليس الشيخ بالمعنى العام. الشيخ بالمعنى العام إنما الشيخ من يدب دبيباً يُطلق على كبير السن وعلى الداعي وعلى إمام المسجد وعلى المصلي وعلى خالك وعمك كلنا شيوخ. لننظر من الشيخ الذي تتحقق به هذه القاعدة. فليس كل شيخ شيخا.

قال من وجد فيه صفات كثيرة ترجع إلى أمرين أو صنفين:

  1. الشهرة بالعلم: تنبه يا طالب العلم الشهرة بالعلم ليست الشهرة هنا الشهرة العرفية اللي هي الصيت والمعرفة. يعني شيخ فلان هل تعرف فلان الفلاني؟ نعم أعرفه جارنا. اه إذاً هذه هي شهرة بالعلم. هذه اليوم يتاجر بها كثير من السلفيين. أنا أعرف الشيخ فلان وزرت الشيخ فلان ومقطع صوتي نصيحة من الشيخ فلان وسيلفي مع الشيخ فلان وعشاء مع الشيخ فلان. هذه شهرة كما نقول نحن السودانيون وأيضاً المصريون وغيرهم بلها واشرب مويتها. هذه الشهرة سراب. وقد نبه على هذا بعض أئمة الحديث كالحاكم في معرفة علوم الحديث. ليست الشهرة هنا مجرد المعرفة والصداقة لا. إنما هي شهرة اصطلاحية خاصة. يعني ولو لم يكن هذا الشيخ يعرفك معرفة شخصية كما نقول لا يشترط. وإنما المقصود معرفة شهرة اصطلاحية. يشتهر بالعلم. كيف تعرف؟ تعرف بعدة أمور:

    • العمل بالعلم: يعني أن يظهر هذا العلم عليه وهذا يعرفه طالب العلم إذا دخل من المدخل الصحيح.
    • التخرج على أيديهم: يعني إن لم تعرف بهذه العلامة انتقل إلى العلامة الثانية. التخرج على أيديهم. أن يكون قد تخرج على أيدي الشيوخ. قد رباه الشيوخ ولو شيخ واحد ولو في علم واحد.
    • الاقتداء بسمتهم: علامة ثالثة الاقتداء بسمتهم. ما معنى الاقتداء بسمتهم؟ يعني عدم الخروج عنهم أو التقدم بين أيديهم في النوازل والمسائل الكبرى. والمقصود الجرأة والاستعجال. وليس المقصود أن يُؤهل فيُؤذن له أو يقرونه على ذلك فهذا ليس فيه حرج. ذكر هذا الشاطبي وقبله ابن تيمية. وتجدون إشارات لابن حزم وابن عبد البر والخطيب البغدادي فيما كتبوا في هذا.
  2. معرفة طرق التعليم المفيد: الأمر الثاني أو الصنف الثاني من العلامات. لاحظوا هذا الأمر الأول متعلق بشخصيته العلمية أليس كذلك؟ الأمر الثاني متعلق بطريقته في التعليم. قالوا معرفة طرق التعليم المفيد. التعليم طرق طرائق قِدداً وذوق وأشياء كثيرة لكن التعليم المفيد لطالب العلم. وكيف يعرف؟ قال هذا له خاصيتان ظاهرتان واضحتان:

    • إجابة السائل بما يليق به في خاصة نفسه: المقصود بالسائل هنا ليس المستفتي أو مجرد السؤال. المقصود الطالب الذي يجلس بين يديه. والمقصود بإجابته ليس سؤال الإجابة عن سؤال، المقصود إلقاء المعلومة للطالب المبتدئ الذي جلس بين يديه. بما يليق به في خاصة نفسه. مثال: شيخنا أنا والله مبتدئ وأنا يدوب أدرس عندك الفقه. وأدرس عندك الأربعين النووية وأدرس عندك الأصول الثلاثة. سمعت بمسألة في الجهاد يقال التترس. لو تشرح لي هذه المسألة شيخنا. انظر الآن إلى المثالين أو النموذجين. الأول يقول لك نعم هذه المسألة في باب الجهاد ذكرها فلان والدليل ومعناها وتعريف… هذا لا يعد شيخاً يصلح أن تجلس تحته. ولو كان العلامة الكبير فلان الفلاني. هذا لا يصلح لتربيتك. هذا تأتيه وأنت جاهز. النموذج الثاني يقول لك نعم هذه مسألة من مسائل الفقه وهي من أبواب فقه الجهاد. تأتينا إن شاء الله إذا درسنا الفقه ولكن نحن الآن ندرس الأخضري ومتن الأخضري مختصر في الطهارة والصلاة وبعض الآداب وطالب العلم المبتدئ يتدرج حتى إذا بلغ تلك المسألة يدرسها من باب الجهاد يدخلها من بابها من أول باب الجهاد الذي هو قسم من أبواب الفقه بعد أن يدرس العبادات المشهورة الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج يدخل بعد ذلك في الجهاد وينظر فيه حتى إذا وصل تلك المسألة يستطيع أن يستوعبها. أما هكذا فلا لن تفهمها ولن تستفيد منها ثم هي لا تجب عليك أصلاً الآن. هذا هو الذي يفيد. اليوم ماذا نفعل؟ نتهم مثل هذا بأنه يخفي العلم ومن سئل عن علم فكتمه… يا أخي يجب كتم العلم على من لا يريده. وعلى من لا ينفعه. هذا يجب. هذا واجب عليك. وقد بوب البخاري في كتاب العلم بابين على ذلك. ذكرناهما في دروس مضت. باب ما خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا. وباب من ترك بعض الاختيار يعني القول الراجح كما نقول مخافة أن تقصر أفهام بعض الناس فيقعوا فيما هو أشد منه. وفي الأول ذكر حديث حق الله على العباد والشاهد فيه “لا تبشرهم فيتكلوا”. والثاني ذكر فيه حديث “لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة وأعدتها على قواعد إبراهيم”. وبينا ما فيه. وهذا أخرجه البخاري في كتاب العلم من صحيحه لله دره ورضي الله عنه.

    • النظر في المآلات: الخاصية الثانية قالوا النظر في المآلات. يعني هذا الشيخ الذي يربيك ويعلمك لن يلقي الكلام كما نقول كما يلقي الطوب والحجر. لا يلقي كلامه جزافاً وإنما يعقد مئة حساب للمآلات العواقب. ولا يلزم أن تكون المآلات والعواقب هنا يعني أمراً سيئاً لا قد يكون أمراً حسناً. فهو يلقي كلاماً ليتدرج بك ويصنعك ويبنيك. يجنبك من الأمور السيئة ويحثك على الأمور الحسنة. فمثلاً جاء في مسألة وشرح لك شرحاً و تعمد أن يخفي بعض الأمور. لماذا؟ هو ينظر إلى العواقب والمآلات يريد أن يربي فيك ملكة البحث والنقد والتدقيق في الكلام والفهم. نعم لا يعطيك كل شيء. والعكس جاء مرة وشرح حديثاً وشرح فائدة وتعمد أن لا يذكر الفائدة الفلانية التي أنت تتشوف إليها وتنتظرها منذ عدة دروس. وأنا منذ زمن أريد هذا الشيخ أن يصل إلى هذا الحديث ماذا سيقول في المسألة الفلانية؟ لم يذكر عنها شيئاً أبداً. فلما جئت وسألته شيخنا المسألة الفلانية ذكرها الشيخ فلان في شرحه وكذا. يقول لك نعم أعرف. هذه مسألة لن تفهمها هنا. لماذا؟ لأنها ليست من فوائد الحديث هكذا. هذه المسألة مرتبطة بعلم أصول الفقه وأنت لم تدرس فيه شيئاً وهذه مسألة مرتبطة بأصول التفسير وأنت لم تدرس به شيئاً. وهذه المسألة مرتبطة بعلم السيرة وأنت لم تدرس فيه شيئاً. فإذا درسنا هذه العلوم حينئذ ستأتي المسألة وسترى أنها من أسهل ما يكون. فالصعوبة إنما هي من جهلك بهذه العلوم الثلاثة وهكذا. هنا ستشتاق إلى العلم. وستجد فائدة العلم تجري في دمك وتتذوقها بلسانك. لذلك هكذا كان شيوخ السلف رحمهم الله لذلك الذي يجلس بين أيديهم ينبغ في أسرع وقت وهكذا.

أما ما زاد على هذه الأمور فهي ليست شرطاً. إنما هي زيادات نافلة القول فقط كما يقولون. زيادة خير فقط وليست أساسية. فإن وجدت هذه الأمور فهو الشيخ الذي تُعقد به هذه القاعدة ولو كان عمره عشر سنوات ولو كان عمره مئة سنة. الجواب واحد لا فرق. ولو كان يحمل من الشهادات العليا ما يحمل. أو لم يكن يحمل ولا شهادة ولا الروضة. لا فرق. لو رحل إلى أقاصي الأرض قابل مشايخه أو لم يخرج من بيته. لا فرق. كل هذه زيادات لا تفيد ولا تؤثر.

القاعدة السابعة: التدرج

القاعدة السابعة: التدرج: وفيه مسألتان:

هذه القاعدة السابعة والتي تليها مهمة جداً. قال التدرج. وما أدراك ما التدرج؟ وفيه مسألتان. الأحق أن نقول فيه ثلاث مسائل لكن نقول مسألتان.

المسألة الأولى: معناه

المسألة الأولى: معناه: هو الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أعلى على مهل.

ما معنى التدرج في طلب العلم؟ هل نسمع هذا الكلام كثيراً؟ صح ولا لا؟ نعم نسمع هذا الكلام كثيراً. ما معنى التدرج في طلب العلم؟ بعضنا يتصور معنى قاصراً وبعضنا يتصور معنى غلطاً.

قال العلماء هو الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أعلى على مهل. التدرج في طلب العلم هو أن تنتقل من مرحلة وهذه المرحلة سواء كانت كتاباً متناً من متن إلى متن أعلى من مختصر إلى مطول مثلاً أو كانت مسألة من مسألة سهلة إلى مسألة صعبة أو كانت أي شيء من ذلك المهم أن تنتقل من مرحلة إلى مرحلة أعلى منها أصعب منها أشد منها أغمض منها أدق منها المهم، لكن على مهل. يعني بنوع من التأني وليس هناك سرعة محددة تنضبط يعني بسرعة خمسين كيلومتر في الساعة أو عشرة كيلومتر لا يوجد هذا. إنما هذه المهلة تختلف من شخص إلى شخص إلى آخر، الاختلافات التي ذكرناها أن المنهجية تختلف بعدة اعتبارات. تذكروا هذا.

المسألة الثانية: أهميته وفائدته

المسألة الثانية: أهميته وفائدته: ١ - ضبط العلم وإحكامه. ٢ - تسهيل العلم. ٣- أقرب للفهم. ٤ - محبة العلم وزيادة الرغبة في طلبه. ٥ - الثبات والاستمرار على طلب العلم.

أهم فائدة وأعظمها في التدرج وهي ضبط العلم وإتقانه.

فائدة ثانية: تسهيل العلم. كيف؟ لأن الشيء إذا أخذته متدرجاً ستأخذه شيئاً فشيئاً وعلى مهل سيكون أسهل في الفهم. فلو أعطيتك مثلاً قوله بسم الله الرحمن الرحيم. البسملة فيها مسائل عشرة. المسألة الأولى كذا والثانية كذا. الثالثة الرابعة السابعة العاشرة. أنت ماذا ستفعل؟ ستكتب حتى تؤلمك يدك. ولكنك تخدع نفسك وتقول يا سلام البسملة عشر مسائل يا سلام. هذا غلط. هذا غلط. قارن هذا بالنموذج الثاني وهو النموذج الذي يمشي على هذه القاعدة قاعدة التدرج. مثلاً في المتن الأول مثلاً شرح القواعد الأربعة قال بسم الله الرحمن الرحيم قال ذكر البسملة وفيها مسألتان. المسألة الأولى كذا والثانية كذا انتهينا. المتن الثالث مثلاً متن الأصول الثلاثة أو متن كتاب التوحيد أو متن الآجرومية. قال بسم الله الرحمن الرحيم. تقدم معنا في المتن الفلاني أن بسم الله الرحمن الرحيم فيها مسألتان كذا وكذا صح ولا لا؟ نعم من يذكرها؟ فلان. أنت تذكر راجعناها وضبطناها؟ طيب المسألة الثالثة اه الآن ذهنك سيستقبل المسألة الثالثة كما استقبل المسألة الأولى قبل دروس صح ولا لا؟ أو في الكتاب الذي قبله. المسألة الرابعة الحمد لله انتهى. بعد عدة متون جاء مرة أخرى. تقدم معنا في البسملة عدة مسائل من يذكرها؟ المسألة الأولى أنا، أنت تفضل نعم، أنت تفضل الثالثة، أيوه الرابعة، طيب المسألة الخامسة… أنت الآن لو قيل لك اسرد المسائل العشرة ستسردها كاسمك تماماً وبكل سهولة. لكن لو رجعنا إلى النموذج الأول الذي لُقن أو حُشر في فمه وذهنه هذه العشرة دفعة واحدة ماذا سيقول؟ سيستمتع وسيمدح الشيخ ويقول لا إله إلا الله إنه شيخ رائع وإنه شيخ… لكنه إذا جئته بعد أيام لن يتذكر شيئاً. سيقول الأولى والثانية والثالثة ايش؟ ايش؟ ذكرني ذكرني الثالثة. ما هي الثالثة؟ نسيتها. والله لقد كتبتها في كراستي. لكن كتبتها في كراستك. وماذا نستفيد من كراستك؟ نحن نريد عقلك. أليس كذلك يا أحبة؟ وانظر الفرق بين النموذجين. أليس كذلك؟

فائدة ثالثة؟ قال إنه أقرب إلى الفهم. يعني مهما كانت المسألة صعبة سيكون فهمك قريباً وسريعاً.

فائدة رابعة؟ قالوا محبة العلم وزيادة الرغبة في طلبه. لأنك ستنظر أن العلم سهل ميسر. نعم أنا أعرف أن هذا تدرج، أعرف أن هذه المسألة رقم واحد تنتهي بالمسألة رقم مئة وخمسة مثلاً أو مئتين. لكن الآن أنا في رقم واحد ورأيتها سهلة. سأشتاق وأحبه وأرغب في أن أواصل. المسألة رقم اثنين الحمد لله بعد عشرة دروس. المسألة رقم عشرة الحمد لله بعد الدرسين ثلاثة. المسألة سبعة عشر… هكذا هو العلم وسينضبط عندك.

الفائدة الخامسة وهي فائدة خطيرة جداً: الثبات والاستمرار على طلب العلم. الثبات والاستمرار على طلب العلم هذه سهلة. لكن هناك أخطر منها. هذا ينبغي أن تُفرد بمسألة.

وهي تنبيه مهم أن أخذ العلم بالتدريج هو الذي يثبتك على الهداية ويعصمك من الضلال. ذكر ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى. قال: “الكلام في التدريج مقاماً بعد مقام هو الذي يحصل به المقصود. وإلا فإذا هجم على القلب الجزم بمقالات لم يُحكِم أدلتها وطرقها والجواب عما يعارضها كان إلى دفعها والتكذيب بها أقرب منه إلى التصديق بها.” انظر إلى هذه المسألة. أليس كذلك؟

يقول وذكر ابن عبد البر في جامع بيان العلم أخرج عن عبيد الله بن عمر عن أحمد، يقول: “إن من حق البحث والنظر الإضراب عن الكلام في فروع لم تُحكَم أصولها. والتماس ثمرة لم تُغرس شجرتها. وطلب نتيجة لم تُعرف مقدماتها.” وأيضاً أخرج عن الأصمعي الإمام المعروف. قال سمعت أعرابياً يقول - هذا أعرابي على قد حاله كما نقول لكن نطق بحكمة - قال: “إذا ثبتت الأصول في القلوب نطقت الألسن بالفروع.” إذا ثبتت الأصول بالقلوب نطقت الألسن بالفروع. اليوم الطالب يأتي ويتتبع الفروع الفروع لن تنضبط لك يا شيخ. لأنك لا تأخذها هكذا وإنما تؤخذ بأصلها. هذا هو التدرج.

قال بعضهم:

وكل علم غامض رفيع *** فإنه بالموضع المنيع لا يُرتقى إليه إلا عن درج *** من دونه بحر طموم ولجج ولا ينال ذروة الغايات *** إلا عليم بالمقدمات

وأنشد بعضهم:

لن تبلغ الفرع الذي رُمتَهُ *** إلا ببحث منك عن أُسِّهِ

(يعني أصله).

القاعدة الثامنة: الحفظ

القاعدة الثامنة: الحفظ: وفيه مسائل:

ننتقل بعد هذا إلى قاعدة أخرى. قال القاعدة الثامنة. وما أدراك ما الثامنة؟ الحفظ. الحفظ الحفظ الحفظ الحفظ.

والحفظ فيه أوهام كثيرة عند طلاب العلم. وكثيرا ما تأتيني الأسئلة. يا شيخ أنا ضعيف في الحفظ. لكن يعني أفهم هل ينفع؟ يا شيخ أنا والله أتعب في الحفظ لكن أفهمه الحمد لله. دائماً أجيبهم إما أقول لهم انتظر ستأتي المسألة إن كان من طلابنا يعني أو عفواً من طلاب معهد التأصيل العلمي أنا لا أحب أن أقول طلابي أحب أن أقول أصحابي وأحبابي. وإما أن أقول إنك إذا كنت تقول أنا ضعيف الحفظ لكنني أفهم فأنا أبشرك أنت تحفظ وأنت قوي الحفظ. فقط أنت فاتت عليك بعض المعلومات في الحفظ. الكلام في هذه القاعدة يحتاج منا إلى عدة مسائل أكثرها في إصلاح بعض الأوهام والمفاهيم الخاطئة ها هنا.

فنقول أولاً ما معنى الحفظ؟ الحفظ قالوا هو تثبيت المعلومة في الذهن بحيث تكون محفوظة تؤديها متى ما شئت. هكذا إجمالاً. طيب نأتي إلى مسائله. قال فيه مسائل هي ثلاث:

المسألة الأولى: أنواع الحفظ

المسألة الأولى: الحفظ نوعان: حفظ رواية، وحفظ دراية (رعاية). وحفظ الدراية هو الذي لابد منه في حصول العلم وهو المراد بقول العلماء: (لا علم بدون حفظ). ذكره الخطيب في الجامع.

هنا حل الإشكال الأكبر. دائماً اللي عنده إشكال في الحفظ عنده إشكال أو فاتت عليه هذه المسألة. الحفظ نوعان:

  1. حفظ رواية: ويسمى حفظ اللفظ. هذا اللي نعرفه نحن. يعني أنا آتي وأسمّع هكذا. لا أترك نقطة ولا فاصلة ولا شولة إلا ذكرتها. هذا اللي نعرفه. وهذا اللي نسميه الحفظ. أبشرك هذا نوع واحد.
  2. حفظ دراية: وأيضاً يسمى حفظ الرعاية.

وحفظ الدراية أو حفظ الرواية أيهما المراد بهذه القاعدة؟ كثير منا يظن أن حفظ الرواية هو المراد. أبشرك لا وألف لا. بإجماع العلماء. حفظ الدراية هو القاعدة. هذا الذي يقال “لا علم بدون حفظ”. هذا هو المقصود. وهذا الذي تزعم أنت أنك ضعيف الحفظ ولكنني أفهم لا. ترجمة هذا الكلام بصورة صحيحة: أنا ضعيف في حفظ الرواية لكنني قوي في حفظ الدراية. لذلك تجد الحافظ حفظ الدراية ولو كان عنده أغلاط في حفظ الرواية لكنك لن تستطيع إلا أن تصفه بأنه عالم. وكم من العلماء نعرفهم سواء من الأحياء أو الأموات؟ بل حتى من السلف. نجد ونتتبع منهم أوهاماً في بعض الأحاديث. بل في بعض الآيات. ومع ذلك هم علماء. صح ولا لا؟ أيوه حفظ الدراية هو الذي لا بد منه في حصول العلم. وهو المراد بقول العلماء لا علم بدون حفظ. وقد ذكر هذا الخطيب البغدادي في الجامع.

* وأما حفظ الرواية فليس شرطا إلا في ثلاثة أمور: ۱ - النصوص الشرعية ويدخل معها الإجماعات. ٢ - المنظومات العلمية. ٣- مواضع الخلاف.

طيب. أما حفظ الرواية هل هو ملغي تماماً؟ لا أبداً. نحن نقول أحدهما شرط صحة والآخر شرط كمال. حفظ الرواية مطلوب. ليس شرطاً بمعنى أنك بدون حفظ الرواية لن تكون عالماً. لا ستكون. لكن انتبه. هناك مواضع محصورة يجب أن تأتي بها بحفظ الرواية مع حفظ الدراية. قال وهي ثلاثة:

  1. النصوص الشرعية: يعني الأدلة من الكتاب والسنة. طبعاً هذا ليس داخلاً في مسألة الرواية بالمعنى في الأحاديث هذه مسألة أخرى. وهنا يدخل فيها الإجماعات لأن نص الإجماع يجب أن يُحفظ. حتى تضبط المسألة المتفق عليها من غيرها.

  2. المنظومات العلمية: يعني المتون التي أُلفت على طريقة الشعر. كالبيقونية والأرجوزة وألفية الحديث للعراقي وألفية ابن مالك إلى آخره. لماذا؟ لأنها شعر. الشعر كلام موزون مقفى لا يمكن أن يؤتى بالمعنى بل هي جُعلت شعراً حتى تُحفظ حفظ رواية. ويسهل عليك حفظ الدراية.

  3. مواضع الخلاف: يعني المسائل التي حصل فيها خلاف بين السلف يجب أن تحفظها. لماذا؟ هذا يسمى عند الأصوليين تحرير محل النزاع. لتعرف النقطة الدقيقة التي اختلفوا فيها. فمثلاً لا ينفع أن تأتي وتقول أنا حفظت أن العلماء اختلفوا في الوضوء. ما هذا؟ هذه مصيبة إياك لم يختلفوا في الوضوء. لابد أن تعرف الموضع الذي اختلفوا فيه من باب الوضوء فتقول مثلاً اختلف العلماء في نواقض الوضوء. لا هذا كلام باطل لابد أن تكون تحرر محل النزاع وتحفظه. اختلف العلماء في البول والغائط. إياك إن جئت بمصيبة. جئت ببدعة. لابد أن تحدد. مثلاً تأتي وتقول اختلف العلماء في مس الذكر. هذا أيضاً خاطئ. يجب أن تدقق وتحفظ محل النزاع نصاً نعم رواية ودراية كيف؟ اختلف العلماء في أي نوع من أنواع المس يبطل الوضوء مثلاً هذه صيغة أو بصيغة أخرى طبعاً كثيرة لو إذا فهمتها تستطيع أن تصيغها كما شئت أنت محل الخلاف. اختلف العلماء في نقض الوضوء بمس الذكر. هل ينقض بمسه بمباشرته أو بحائل؟ ولك أن تصيغها صيغاً كثيرة.

* وتغليب حفظ الرواية على الدراية مطلقا يسبب ضعف الملكة العلمية. ذكره صديق حسن خان في الحطة.

هنا تنبيه مهم جداً. نبه العلماء على أن من غلب يعني اعتمد أكثر اعتماده على حفظ الرواية. مع إهمال حفظ الدراية يعني بلغة الحسابات جعل حفظ الدراية أقل أهمية. لأنه ما شاء الله أوتي حفظ الرواية موهبة. هناك أناس عندهم موهبة لكن سيأتي أنه مكتسب أيضاً. ماذا قال؟ قال أنا أعتمد على الحفظ. خلاص. والدراية يعني الله كريم. هنا ستستفيد لكن انتبه في المستقبل أنت تضر نفسك. قالوا من غلب حفظ الرواية على الدراية مطلقاً يعني بدون سبب كالمواضع الثلاثة التي ذكرناها. لا لا لا هكذا مطلقاً هذا سيسبب لك ضعفاً في الملكة العلمية. ذكره صديق حسن خان في كتابه الحطة في ذكر الصحاح الستة. وذكره أيضاً ابن خلدون قبله.

كيف؟ قالوا سيسبب ضعفاً في الملكة العلمية. فلن يحتمل عقلك يعني كما نقول بالدارجة الشغل الثقيل. يشتغل يحلل ينتج يفكر لن يحتمل. أخلاقك لن تحتمل المناقشة والمباحثة بين الطلاب وهي من أعظم أنواع تثبيت العلم. لن تحتمل. ولن يحتمل قلبك التدقيق والنظر وإعادة النظر فقط أنت تسرد فقط. ستصبح مثل الآلة الكاتبة. تبرمج على سورة البقرة تسرد سورة البقرة. تبرمج على باب الصلاة من صحيح البخاري تسرد أحاديث صحيح البخاري من كتاب الصلاة وهكذا. هذا مهم لكن انتبه إياك أن تغلب هذا على هذا.

المسألة الثانية: المعينات على الحفظ

المسألة الثانية: المعينات على الحفظ: ۱ - ابتغاء وجه الله والنصيحة للمسلمين في الإيضاح والتبيين. ٢ - ترك المعاصي. ٣- النهمة (الرغبة والحرص). ٤ - جمع الهم (التركيز).

المعينات على الحفظ. هناك أمور كثيرة تعين على الحفظ. المقصود هنا الحفظ بنوعيه. عرفنا ما هو القاعدة لكن بنوعيه.

  1. ابتغاء وجه الله والنصيحة للمسلمين في الإيضاح والتبيين: هذه ما يسمى نية الحفظ. اجعل هذه نيتك. فتبتغي وجه الله. لماذا؟ تبتغي وجه الله لأن الحفظ هو نوع من العمل بالعلم كما تقدم معنا في قاعدة العلم يراد للعمل. فهذا عمل أنت تتعبد الله. أنت في عمل صالح فلابد فيه من الإخلاص. وأيضاً النصيحة للمسلمين في الإيضاح والتبيين. إذا احتاجت الأمة، لا سيما وأنت تقوم بفرض الكفاية، احتاجت الأمة إلى أمر أنت حافظه سواء حفظ الرواية أو الدراية فتوضح المسألة التي أشكلت أو التي سئلت عنها وتبين وهكذا. قد ذكر هذا الخطيب البغدادي.

  2. ترك المعاصي: وقد ذكر هذا مالك وغيره من الأئمة. وهنا وقفة مهمة جداً قاعدة عامة أو ضابط عام لتفهم به مثل هذه الآثار. لأن بعضنا اليوم للأسف السلفيين يعظمون السلف والسلفية والأثرية والآثار ثم نجد جرأة عجيبة على الأئمة المتقدمين. وأي أئمة؟ الأئمة الذين هم مجمع على هدايتهم ودرايتهم كمالك وغيره. ويعترضون عليهم بأسوأ أنواع الاعتراضات السامجة. دائماً يا إخوة ضعوا نصب أعينكم. إياك ثم إياكم أن تستعجل. إياك يا طالب العلم يا من تزعم أنك طالب علم أن تستعجل في الاعتراض على الأئمة. لا سيما أئمة السلف المتقدمين الكبار المتبوعون المقتدى بهم. إياك ثم إياك. وهذه من قلة الأدب في العلم وإلا فأنت عار عن العلم وحقيقته. بعيد كل البعد عن طلبه. انتبه. دائماً أنا إذا وجدت فرصة مباشرة استغل الفرصة للتذكير بهذا الأمر. اجعل همك الأول هو تعظيم هؤلاء الأئمة وفهم كلامهم. لماذا؟ لأن العلم يؤخذ من خلفهم يؤخذ من طريقتهم. فإياك ثم إياك يأتي أحدهم ويقول قال مالك لا بد من ترك المعاصي للحفظ فيأتي ويعترض اعتراضاً تافهاً مثله ويقول كيف يصح هذا عن مالك وكيف يعني نترك المعاصي هل نحن معصومون؟ لا والله لست بمعصوم. طيب ماذا؟ أنت تقترب مني قليلاً فتُصفع على وجهك صفعات ثم صفعات حتى تستفيق وترعوي من سوء أدبك لهؤلاء الأئمة. وهذا الذي يحرمك الله بسببه من العلم وتأتي وتصبح أثرياً زائفاً. والله المستعان. لا كثر الله أمثالك. طيب ما معنى قول السلف؟ ترك المعاصي عون على الحفظ. وهذه الكلمة يعني مروية عن مالك وغيره. ما معنى هذا؟ معناها أمور:

    • الأول: أن لا تجاهر بالصغائر ولا تداوم عليها. وهذا متيسر في يدك.
    • الثاني: أن لا تجاهر بالكبائر. بل تجاهد نفسك على عدم الوقوع فيها. لأن الكبائر محصورة في الغالب.
    • الثالث: أن إذا وقع شيء من ذلك أن تعجل بالتوبة. هذه الثلاث اسمها ترك المعاصي. أليس هذا بمقدورك؟ نعم. فهذا هو. فإياك أن تقول أنا لا أحفظ لأن ذنوبي منعتني. إذاً أنت جاهل بالحفظ والعلم وكل شيء. اخرج من العلم وافسح المجال لغيرك. لا. أنت لست بمعصوم. المعاصي قالوا لك ترك المعاصي عون على الحفظ. يعني أنت تجاهد نفسك على أن لا تقع في معصية كبيرة أو صغيرة. اجعل هذا عوناً وتوسل به إلى الله أن يعينك على حفظ العلم رواية ودراية. وقعت في ذنب من ذلك فاستتر ولا تجاهر. ثم عجل بالتوبة واجعل هذا كله وسيلة توسلاً بالعمل الصالح إلى أن يعينك الله على الحفظ. هكذا هو.
  3. النهمة: يعني شدة الرغبة وشدة الحرص. وهذا ذكره البخاري رحمه الله. البخاري جبل الحفظ.

  4. جمع الهم: هذا ما نسميه نحن بالتركيز. شدة التركيز. هذا يروى عن وكيع وحماد بن زيد وغيرهم.

  5. وأنا أزيد أمراً خامساً: أن تجعل الحفظ وسيلة إلى الفهم. وقد روي هذا عن أبي بكر السراج النحوي توفي سنة ثلاثمائة وبضعة عشر. ذكر عنه ابن جني في الخصائص قال: قال أبو بكر السراج لطلابه: “إذا لم تفهموا كلامي فاحفظوه. فإنكم إذا حفظتموه فهمتموه.” انتهى.

كيف هذا؟ قالوا لأن المخ العقل البشري لا يمكن أن يخزن كلاماً غير مفهوم. مباشرة يستغني عنه. ديليت بل شيفت + ديليت الذين يعرفون الكيبورد والكمبيوتر. يلغيه إلغاءً تاماً. لذلك إذا حفظته ولم تفهمه احفظه وخزنه. يعمل مخك على إزعاجك حتى تفهمه. لذلك اليوم إذا لم تفهم شيئاً مباشرة تستطيع أنك نسيته وألغاه المخ. يجري له عملية ديليت مباشرة صح ولا لا؟

المسألة الثالثة: قواعد في الحفظ

المسألة الثالثة: قواعد في الحفظ: ١ - تقليل المقدار. ٢ - كثرة النظر والتكرار. ٣- كثرة المراجعة. ٤ - مراعاة الحال. ٥ - عدم استفراغ كل النشاط. ٦ - التوقف لتثبيت المحفوظ وراحة الذهن.

وهي مهمة وهي الأهم. قواعد في الحفظ. يعني كيف أقوي ذاكرتي الضعيفة؟ في حفظ الرواية أو الدراية. كيف أعين نفسي على الحفظ بعد أن عرفنا تلك المعينات العامة.

  1. تقليل المقدار: كلما قللت المقدار كلما استطعت حفظه. وتقليل المقدار ليس له حد ثابت. فمن الناس من يكون المقدار القليل في حقه صفحتان. ومنهم من يكون القليل في حقه سطران أو كلمتان. أو إذا كانت منظومة بيتان أو بيت وهكذا. طيب هنا سؤال مهم كيف أعرف مقياسي في الحفظ؟ يعني بلسان الإلكترونيات كيف أعرف حجم ذاكرتي؟ حتى أقدر القليل من الكثير. لأن الناس اليوم يحاكون بعضهم البعض. مثلاً أنا مقداري القليل مثلاً صفحتين أو ثلاث. إذا جاء فلان من الناس وقلدني ومقداره الحقيقي ربع صفحة سيموت. لن لن يواصل. صح ولا لا؟ والعكس بالعكس. أنا مقداري سطر واحد. وغيري مقداره عشر صفحات. لو أراد أن يقلدني سيهلك نفسه. صح ولا لا؟ طيب كيف أعرف مقياس ذاكرتي؟ الجواب جرب أن تحفظ. وكل إنسان أدرى بنفسه. جرب أن تحفظ لك أمراً ما حديثاً مثلاً خذ الأربعين النووية واحفظ مثلاً خمسة أحاديث. ماذا تشعر؟ هل شعورك بحفظ الحديث الأول والثاني مثل الرابع والخامس؟ نعم إذاً هذا هو المقدار القياسي. يعني هذا المتوسط لذاكرتك. تعال مثلاً غداً راجع الخمسة التي حفظتها بالأمس. هل شعرت بتعب شديد؟ نعم. إذاً هذا ليس بمقدارك. اجعلهما أربعة. لا لم أشعر. إذاً هذا مقدارك الصحيح. هل تزيد؟ اه هنا الإشكال. يقول أحدهم اليوم خمسة وغداً خمسة وبعده خمسة؟ لا لا يا حبيبي ليس بهذا. هكذا كلنا نصير البخاري. ليس هكذا الحفظ. أليس كذلك؟ إذاً تقليل المقدار بحسب مقدار قدرتك. ذكر هذا الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه. بل واستدل عليه بقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}. قال الخطيب: “وينبغي له أن يتثبت في الأخذ ولا يكثر فليأخذ قليلاً قليلاً.” ما المقياس؟ قال: “حسب ما يحتمله حفظه ويقوى عليه من فهمه.” أنا لا أتكلم عن الطاقة القصوى. أنا أتكلم عن الحد القياسي الذي لا تتعب ولا تجتهد ولا تزيد ولا تضعف. لا أتكلم عن الدورة المكثفة في حفظ خمسين حديثاً في ساعة.

  2. كثرة النظر والتكرار: انتبه كثرة النظر والتكرار ليس بالضرورة هي نفسها كثرة المراجعة. لذلك جُعلت كثرة المراجعة بعدها تماماً. كثرة النظر والتكرار المداومة في النظر فيما تحفظه سواء كان كتاباً نثراً أو منظومة. لأن رسمة الكتاب ترتسم في العين. العين مثل الآلة التصوير. تجعل قصاً ولصقاً أو نسخاً ولصقاً. فلذلك يقولون إذا أردت أن تحفظ من مصحف فلا تغير النسخة التي تحفظ منها لأن العين تطبع شكل المصحف. لذلك مصحف المدينة المنورة لما غيروا بعض الآيات في طبعات جديدة عدة سنوات سورة الانشقاق وغيرها. ضاق بعض الحفاظ لا نحن كنا نرى هذه بداية الصفحة الفلانية كذا وكذا. كذلك في المتون. أليس كذلك؟ فكثرة النظر تعينك على ذلك. وقد ذكر هذا الضابط البخاري لما سئل أيضاً.

  3. كثرة المراجعة: وتعرفونه. والمراجعة ليس المقصود كثرة المراجعة في الجلسة الواحدة. هنا وقفة مهمة. مثلاً تجد شيخنا عبد المحسن القاسم كتب أفضل طريقة للحفظ أن تراجع ثلاثين مرة. بعض الناس يفهم ثلاثين مرة في الجلسة الواحدة. لا يا حبيبي المقصود ثلاثين مرة أي ثلاثين جلسة. وإلا لا فائدة من أن تراجع ثلاثين مرة في جلسة واحدة. بل اجعلها ثلاثمائة مرة ثلاث آلاف مرة ثلاثة مليون مرة. مثلها مثل المرتين والثلاث. لذلك بعضهم يتعب ويأتي ويقرأ ثلاثين مرة ثلاثين مرة لا لا لا خمسين مرة خمسين لا يا حبيبي ليس هكذا. المقصود عدد الجلسات. مثلاً المراجعة أنا أراجع عشرين مرة في الأسبوع. البعض يفهم أنها عشرين مرة في الجلسة. يعني أكرر المتن الذي أحفظه عشرين مرة في جلسة واحدة. لا يا حبيبي لا. هذا أمر آخر هذا التثبيت والإتقان هذا بعدين سيأتينا. الآن عشرين مرة كيف؟ أنا مثلاً حفظت مثلاً الأصول الثلاثة. حفظت الأصل الأول وماشٍ في الحفظ. أريد أن أراجعه. قل مثلاً عشر مرات. عشر مرات بمعنى عشر جلسات. في الجلسة الواحدة راجعه عشرين خمسين ثلاثين ليس المشكلة. لذلك بعض الناس يقرأ ثلاثين مرة ويرى أنه لم يحفظ. يقول لا لكن قالوا ثلاثين يا أخي في الجلسة الواحدة ليس هناك عدد. أنت تخزن. لكن عشرين جلسة. مثلاً بعد العصر وبعد المغرب وبعد العشاء. هذه ثلاث جلسات. لا أنا أراجع مثلاً في الأسبوع عشر جلسات. عشر مرات في اليوم يعني عشر جلسات في اليوم. بعد الفجر وقبله اثنتين بعد الظهر ثلاثة بعد العصر أربعة بعد المغرب خمسة بعد العشاء ستة بعد العشاء (بفتح العين الأكل) جلسة سبعة قبل النوم جلسة ثمانية هذه ثماني جلسات في اليوم. أليس كذلك يا أحبة؟ وهكذا هذا هو المقصود. من كثرة المراجعة. وذكر هذا الخطيب البغدادي وذكره ابن الجوزي أيضاً.

  4. مراعاة الحال

  5. عدم استفراغ كل النشاط: وهذا اليوم للأسف كان من التحذيرات. اليوم صار من النصائح. نأتي اليوم إلى من شئت. وقل له أنا والله لا أستطيع أن أحفظ ماذا يقول؟ يقول اجلس بعد الفجر واستنفذ كل طاقتك وسيوفقك الله. أقول لن يوفقك الله بل ربما يوفقك الشيطان. هذه من التحذيرات وهذا مما يبين لك الغربة شدة الغربة فيما يتعلق بطلب العلم. كما ذكر ابن رجب في كشف الكربة في شرح حديث الغربة. لا تستفرغ كل نشاطك. هذا من الغلط. لا تستفرغ كل نشاطك. لا تستفرغ كل طاقتك أبداً غلط. لماذا؟ أنا أجيبك. لأنك تحتاج إلى ثلاثة أنواع من النشاط يعني بلغة السيارات بنزين وقود بترول. تحتاج إلى النشاط الأول لكي تحفظ به الحفظ الجديد. وتحتاج إلى النشاط الثاني لكي تراجع به في الجلسة القادمة غداً أو بعده ما حفظته بالأمس. وتحتاج ثالثاً إلى نشاط تحفظ به الحفظ الجديد الذي سيأتي بعده. فإذا استنفذت كل نشاطك في الجلسة الأولى ما الذي ستجده؟ لذلك تجد بعضهم محبط يصيبه الإحباط ويصيبه يعني نفسياً مكتئب مسكين الله المستعان. هذا غلط يا أحبة. لا تستنفذ كل طاقتك. طيب ماذا أفعل؟

  6. التوقف لتثبيت المحفوظ وراحة الذهن: التوقف لا تحفظ لا جديداً ولا غيره. لماذا؟ لتثبيت المحفوظ. هذا أولاً وراحة الذهن. ثانياً بعض الناس يظن أن الاجتهاد في طلب العلم هكذا أربعة وعشرين ساعة لا يا أخي هذه من البدع. هذا داخل في الرهبانية التي ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلى آخره.

لننظر الآن إلى الخطيب البغدادي وهو يشرح الخامس والسادس.

بَابُ: ذِكْرِ مِقْدَارِ مَا يَحْفَظُهُ الْمُتَفَقِّهُ اعْلَمْ أَنَّ الْقَلْبَ جَارِحَةٌ مِنَ الْجَوَارِحِ، تَحْتَمِلُ أَشْيَاءَ، وَتَعْجِزُ عَنْ أَشْيَاءَ، كَالْجِسْمِ الَّذِي يَحْتَمِلُ بَعْضَ النَّاسِ أَنْ يَحْمِلَ مِائَتَيْ رِطْلٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْجَزُ عَنْ عِشْرِينَ رِطْلًا، وَكَذَلِكَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي فَرَاسِخَ فِي يَوْمٍ، لَا يُعْجِزُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي بَعْضَ مِيلٍ، فَيَضُرُّ ذَلِكَ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْكُلُ مِنَ الطَّعَامِ أَرْطَالًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُتْخِمُهُ الرَّطْلُ فَمَا دُونَهُ، فَكَذَلِكَ الْقَلْبُ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَحْفَظُ عَشْرَ وَرَقَاتٍ فِي سَاعَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَحْفَظُ نِصْفَ صَفْحَةٍ فِي أَيَّامٍ، فَإِذَا ذَهَبَ الَّذِي مِقْدَارُ حِفْظِهِ نِصْفُ صَفْحَةٍ يَرُومٌ أَنْ يَحْفَظَ عَشْرَ وَرَقَاتٍ تَشَبُّهًا بِغَيْرِهِ لَحِقَهُ الْمَلَلُ، وَأَدْرَكَهُ الضَّجَرُ، وَنَسِيَ مَا حَفِظَ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا سَمِعَ فَلْيَقْتَصِرْ كُلُّ امْرِئٍ مِنْ نَفْسِهِ عَلَى مِقْدَارٍ يَبْقَى فِيهِ مَا لَا يَسْتَفْرِغُ كُلَّ نَشَاطِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أعونُ لَهُ عَلَى التَّعَلُّمِ مِنَ الذِّهْنِ الْجَيِّدِ وَالْمُعَلِّمُ الْحَاذِقُ.

قال رحمه الله في الفقيه والمتفقه: “اعلم أن القلب جارحة من الجوارح” عضو من الأعضاء. “تحتمل أشياء وتعجز عن أشياء كالجسم الذي يحتمل” انظر إلى المثال الذي الأمثلة التي يضربها أمثلة كلها محسوسة وملموسة وسهلة “الجسم الذي يحتمل بعض الناس أن يحمل مائتي رطل. بعض الناس يستطيع أن يحمل ويشيل مائتي رطل صح ولا لا؟ خمسين كيلو جرام يشيلها بيد واحدة. ومنهم من يعجز عن عشرين رطلاً. وكذلك منهم من يمشي فراسخ منهم من يمشي ما شاء الله كيلومترات في اليوم. ومنهم من يمشي بعض ميل فيضر ذلك به. وكذلك في الطعام منهم من يأكل من الطعام أرطالاً بعضهم يضع صينية كاملة متر في متر ويقضي عليها تماماً ما شاء الله. لا ثم يقول يعني ائتوني بالفواكه والتحلية والشاي والقهوة. وبعضهم منهم من يتخمه الرغيف فما دونه. يعني سندويتش واحد سندويتش طعمية ممكن يملأ البطن مرة واحدة. فكذلك القلب من الناس من يحفظ عشر ورقات في ساعة. ومنهم من لا يحفظ نصف صفحة في أيام. والمشكلة وين؟ إذا ذهب الذي مقدار حفظه يعني المقدار القياسي نصف صفحة يروم أن يحفظ عشر ورقات تشبهاً بغيره سيستطيع لكن مرة واحدة فقط. لحقه الملل وأدركه الضجر. واليوم الثاني ما في طاقة ما في بنزين. نسي ما حفظ ولم ينتفع بما سمع. فليقتصر كل امرئ من نفسه على مقدار يبقى فيه هل يستفرغ كل مجهوده؟ قال لا. “يبقى فيه، لا يستفرغ كل نشاطه.” ليه؟ لأنك ستحتاج إلى بقية النشاط غداً وبعده. “فإن ذلك أعون له على التعلم من الذهن الجيد والمعلم الحاذق.” يعني لو استعملت هذه الطريقة لن تحتاج إلى أن تكون ذكياً.

وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْرِجَ نَفْسَهُ فِيمَا يَسْتَفْرِغُ مَجْهُودَهُ، وَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَتَعَلَّمَ فِي يَوْمٍ ضِعْفَ مَا يَحْتَمِلُ أَضَرَّ بِهِ فِي الْعَاقِبَةِ، لِأَنَّهُ إِذَا تَعَلَّمَ الْكَثِيرَ الَّذِي لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِ، وَإِنْ تَهَيَّأَ لَهُ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ أَنْ يَضْبِطَهُ، وَظَنَّ أَنَّهُ يَحْفَظُهُ، فَإِنَّهُ إِذَا عَادَ مِنْ غَدٍ وَتَعَلَّمَ نَسِيَ مَا كَانَ تَعَلَّمَهُ أَوَّلًا، وَثَقُلَتْ عَلَيْهِ إِعَادَتُهُ، وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ حَمَلَ فِي يَوْمِهِ مَا لَا يُطِيقُهُ فَأَثَّرَ ذَلِكَ فِي جِسْمِهِ ثُمَّ عَادَ مِنْ غَدٍ، فَحَمَلَ مَا يُطِيقُهُ فَأَثَّرَ ذَلِكَ فِي جِسْمِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا فَعَلَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَيُصِيبُهُ الْمَرَضُ وَهُوَ لَا يُشْعِرُ وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ: أَنَّ الرَّجُلَ يَأْكُلُ مِنَ الطَّعَامِ مَا يَرَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ فِي يَوْمِهِ مِمَّا يَزِيدُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ عَادَتِهِ، فَيَعْقُبُهُ ذَلِكَ ضَعْفًا فِي مَعِدَتِهِ، فَإِذَا أَكَلَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي قَدْرَ مَا كَانَ يَأْكُلُهُ أَعْقَبَهُ لِبَاقِي الطَّعَامِ الْمُتَقَدِّمِ فِي مَعِدَتِهِ تُخْمَةً فَيَنْبَغِي لِلْمُتَعَلِّمِ أَنْ يُشْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ تَحْمِيلِهَا فَوْقَ طَاقَتِهَا، وَيَقْتَصِرَ مِنَ التَّعْلِيمِ عَلَى مَا يُبْقِي عَلَيْهِ حِفْظُهُ، وَيَثْبُتُ فِي قَلْبِهِ.

ولا ينبغي أن يُمرِج طالب العلم نفسه فيما يستفرغ مجهوده. إياك أن تستفرغه وانتبه. إن فعلت ذلك قال: “وليعلم أنه إن فعل ذلك فتعلم في يوم ضِعف ما يحتمل أضر به في العاقبة. لأنه إذا تعلم الكثير الذي لا طاقة له به” نعم ستستطيع اليوم. “وإن تهيأ له في يومه ذلك أن يضبطه وظن أنه يحفظه. لكنه إذا عاد من غد” يعني بدأ يراجع ويحفظ لا سيما إن كان يتعلمه أولاً. “ثقلت عليه الإعادة” لأن البنزين خلص. “وكان بمنزلة رجل حمل في يومه ما لا يطيقه.” يعني أنت في اليوم تستطيع أن تحمل مثلاً عشرين كيلو جرام. فجئت وتحمست وحملت ثمانين كيلو جرام ستحملها لكن غداً سيكون التمزق العضلي أكثر من أي يوم فلن تستطيع أن تحمل ولا حتى اثنين كيلو جرام. قال: كان بمنزلة من رجل حمل في يومه ما لا يطيقه فأثر ذلك في جسمه ثم عاد من غد فحمل ما لا يطيقه فأثر ذلك في جسمه حتى ما كان يطيقه في العادة لن يستطيعه. وكذلك إذا فعل في اليوم الثالث يصيبه المرض وهو لا يشعر.

ويدل على ما ذكرته، مثال ثانٍ: “أن الرجل يأكل من الطعام ما يرى أنه يحتمله في يومه مما يزيد به على قدر عادته.” أنت تستطيع مثلاً مقدار بطنك مثلاً بلغة السندويتشات سندويتشين فقط. اثنين شاورما. في يوم ما تحمست وأكلت أربع شاورما. تستطيع. لكن ما المشكلة؟ قال: “فيعقبه ذلك ضعفاً في معدته.” وفي اليوم الثاني لن تستطيع ولا حتى ربع سندويتش شاورما. صح ولا لا؟ ما في إلا زبادي فقط ملعقتين زبادي ونوم وموية. قال: “فإذا أكل في اليوم الثاني قدر ما كان يأكله أعقبه لبقية الطعام المتقدم في معدته تُخمة. فينبغي للمتعلم أن يشفق على نفسه من تحميلها فوق طاقتها. ويقتصر من التعليم” يعني مقدار الحفظ “على ما يُبقي عليه حفظه. ويثبت في قلبه.”

وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ لِنَفْسِهِ مِقْدَارًا، كُلَّمَا بَلَغَهُ وَقَفَ وَقْفَةً أَيَّامًا لَا يُرِيدُ تَعَلُّمًا، فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْبُنْيَانِ: أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَجِيدَ البِنَاءً، بَنَاهُ أَذْرُعًا يَسِيرَةً، ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى يَسْتَقِرَّ، ثُمَّ يَبْنِي فَوْقَهُ، وَلَوْ بَنَى الْبِنَاءَ كُلَّهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لَمْ يَكُنْ بِالَّذِي يُسْتَجَادُ، وَرُبَّمَا انْهَدَمَ بِسُرْعَةٍ، وَإِنْ بَقِيَ كَانَ غَيْرَ مُحْكَمٍ، فَكَذَلِكَ الْمُتَعَلِّمُ يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ لِنَفْسِهِ حَدًّا، كُلَّمَا انْتَهَى إِلَيْهِ وَقَفَ عِنْدَهُ، حَتَّى يَسْتَقِرَّ مَا فِي قَلْبِهِ، وَيُرِيحَ بِتِلْكَ الْوَقْفَةِ نَفْسَهُ، فَإِذَا اشْتَهَى التَّعَلُّمَ بِنَشَاطٍ عَادَ إِلَيْهِ، وَإِنِ اشْتَهَاهُ بِغَيْرِ نَشَاطٍ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ يَشْتَهِي الْإِنْسَانُ، لِمَا كَانَ نَظِيرٌ لَهُ يُحِبُّ أَنْ يَعْلُوَ عَلَيْهِ، وَيَرَى مِنْ نَفْسِهِ الِاقْتِدَارَ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الطَّبْعِ نَشَاطٌ، فَلَا يَثْبُتُ مَا يَتَعَلَّمُهُ فِي قَلْبِهِ، وَإِذَا اشْتُهِرَ مَعَ نَشَاطٍ يَكُونُ فِيهِ ثَبْتٌ فِي قَلْبِهِ مَا يَسْمَعُهُ وَحَفِظَهُ، فَإِذَا أَكَلَ ضَرَّهُ وَلَمْ يَسْتَمْرِهِ، وَإِذَا اشْتَهَى وَالْمَعِدَةُ نَقِيَّةٌ، اسْتَمْرَأَ مَا أَكَلَ وَبَانَ عَلَى جِسْمِهِ.

ثم قال: “وينبغي أن يجعل” قلنا لا بد أن يتوقف. ليثبت الحفظ ويستريح الذهن. “يجعل لنفسه مقداراً” أنت تحدده بحسب مقدار حفظك وقدرتك. كل أسبوع كل عشر صفحات كل بيتين على كيفك. “كلما يجعل نفسه مقداراً كلما بلغه وقَف أياماً. لا يريد تعلمه” يعني لا يريد حفظاً. لا جديداً ولا قديماً. ليه؟ مثال عجيب أعطانا مثالاً عجيباً قال: “فإن ذلك بمنزلة البنيان” للإخوة اللي شغالين بنائين واللي شغالين مهندسين معماريين مهندسين مدنيين يعرفون هذا الكلام قال: “ألا ترى أن من أراد أن يُجيد البناء” يعني يبني منزلاً عمارة يعني طابقين ثلاثة أربعة بصورة قوية ماذا يفعل؟ قال: “بناه أذرعاً يسيرة ثم تركه حتى يستقر.” لما البنائين يبنوا العمارات وكذا ويتركونه على الإسمنت أياماً ويقولون لك رشه بالموية. وهذا يأتون بعد أيام لماذا؟ قالوا الإسمنت إذا بقي عدة أيام وسُقي بالماء يثبت ويستطيع أن يحمل الطابق الثاني والثالث وهكذا. قال: “ثم يبني فوقه” وهل يستطيعون أن يبنون العمارة كلها في يوم واحد؟ نعم. قال: “ولو بُني البناء كله في يوم واحد لم يكن بالذي يُستجاد.” ربما انهدم بسرعة. حتى لو لم ينهدم قال: “وإن بقي كان غير محكم.” لذلك تجد اليوم يقولون هذه العمارة لا يمكن أن يسكن فيها أحد. لماذا؟ لأنها آيلة للسقوط فيها مشكلة هندسية قابلة للسقوط في أي وقت وهكذا. يقول لك استعجلوا في بنائها. قال: “فكذلك المتعلم” رضي الله عن أئمتنا أمثلة عجيبة من القرن الخامس. أي نعم. “فكذلك المتعلم ينبغي أن يجعل لنفسه حداً.” أنت أدرى به. لا تقلد أحداً ولا أنت أدرى بمقاسك. هذا الحد قال: “كلما انتهى إليه وقف عنده.” لماذا؟ “حتى يستقر ما في قلبه. وأيضاً يُريح بتلك الوقفة نفسه” لا بد من الراحة. لا بد. رمضان جُعل ثلاثين تسعة وعشرين يوماً. وبعده يوم عيد للراحة لا بد يا إخوان. قال: “ويريح بتلك الوقفة نفسه. فإذا اشتهى التعلم بنشاط عاد إليه وإن اشتهاه بغير نشاط لم يعرض له” فإنه قد يشتهي الإنسان كيف؟ أنا رأيت فلان وفلان وفلان فقلت لماذا هم أحسن مني في ايش؟ أنا مثلهم لا يا أخي لست مثلهم وهم ليسوا مثلك. قال: “فقد يشتهي الإنسان لما كان نظير له يحب أن يعلو عليه ويرى من نفسه الاقتدار” لكن في الحقيقة وليس له في الطبع نشاط. “فلا يثبت ما يتعلمه في قلبه ولكن إذا اشتهى مع نشاط يكون فيه ثبت في قلبه ما يسمعه وحفظه.” وكان ذلك بمثابة مثال آخر: “رجل يشتهي الطعام لكن المشكلة أن بطنه ممتلئة”. معدته ليست نقية. “فإذا أكل ضره ولم يستمرئه” ستأكل وستنتفخ ولن تستمتع بالطعام. “لكن إذا اشتهى والمعدة نقية خالية استمرأ الطعام” يعني استفاد منه وبان على جسمه. انتهى.

القاعدة التاسعة: التعالم الخفي

القاعدة التاسعة: التعالم الخفي: وفيه مسائل:

المسألة الأولى: معناه: هو ادعاء العلم والتظاهر به ممن ليس من أهله. وهو من أخطر الأمراض التي تصيب طالب العلم وتكمن خطورته في أمور من جهتين: صعوبة ظهوره، وظهوره في صورة العلم.

وهذه القاعدة قاعدة تحذيرية. يعني إياك أن تقع في هذا. هذه هي القاعدة. احفظ وصن نفسك من هذا الداء الخطير. نتركه للدرس القادم. والله أعلم صلى الله وسلم على نبينا محمد.


المجلس الخامس

مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما. حياكم الله أيها الأحبة في المجلس الخامس من مجالسنا في شرح كتاب المدخل إلى طلب العلم. وهو الكتاب الأول بالمستوى التمهيدي لمعهد التأصيل العلمي في الدفعة الجديدة.

وقبل البدء، فاتني أن أزيد شرحاً لقاعدة من قواعد الحفظ التي مرت معنا بالقاعدة الثامنة في المسألة الثالثة في قواعد الحفظ:

القاعدة الثامنة: الحفظ (تابع)

المسألة الثالثة: قواعد في الحفظ (تابع)
القاعدة الرابعة: مراعاة الحال

نعم لما مررنا عليها مروراً سريعاً، أزيدها شرحاً. مراعاة الحال المقصود بها حال الطالب لأنه يؤثر في حفظك وقوتك واستعدادك ونشاطك وكسلك إلى آخر ذلك.

غاية ما يعتني به طالب العلم في حاله حال الحفظ من جهتين: الأولى: من حيث الجوع والشبع أو العطش ونحو ذلك. والثاني: من حيث الراحة النفسية أو البدنية.

وقد أرشد في هاتين الجهتين السلف رحمهم الله. نقل الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه كلاماً رائعاً يقول:

وَيَنْبَغِي لِلْمُتَحَفِّظِ أَنْ يَتَفَقَّدَ مِنْ نَفْسِهِ حَالَ الْجُوعِ، فَإِنُّ بَعْضَ النَّاسِ إِذَا أَصَابَهُ شِدَّةُ الْجُوعِ وَالْتِهَابُهُ لَمْ يَحْفَظْ، فَلْيُطْفِئْ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ بِالشَّيْءِ الْخَفِيفِ الْيَسِيرِ كَمَصِّ الرُّمَّانِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَا يُكْثِرُ الْأَكْلَ.

“وينبغي للمتحفظ أن يتفقد من نفسه حال الجوع، فإن بعض الناس إذا أصابه شدة الجوع والتهابه لم يحفظ.” طيب ماذا يفعل؟ قال: “فليطفئ ذلك عن نفسه بالشيء الخفيف اليسير.” مجرد الجوع تقول نعم السلف قالوا لا يحفظ وهو جائع، لا لا يا أخي. المقصود شدة الجوع والتهابه إن كنت ممن يتأثر حفظك بالجوع الشديد. ليس الكلام لكل الناس. ثم قال: “ولا يكثر الأكل.”

وأرشد إلى قاعدة عامة قال:

وَمِنْ أَنْفَعِ مَا اسْتُعْمِلَ إِصْلَاحُ الْغِذَاءِ، وَاجْتِنَابُ الْأَطْعِمَةِ الرَّدِيئَةِ، وَتَنْقِيَةُ الطَّبْعِ مِنَ الْأَخْلَاطِ الْمُفْسِدَةِ.

“ومن أنفع ما استعمل” يعني ما يستعمله الطالب في طعامه ونحوه “إصلاح الغذاء.” إصلاح الغذاء كلمة عامة مطلقة تشمل كل ما يصلح الغذاء. سواء من حيث القلة أو الكثرة، من حيث انتقاء الأطعمة الصحية الخالية من الدهون المصنعة الدهون المشبعة إلى آخره. وأيضاً اجتناب الأطعمة الرديئة سواء رديئة باعتبار الزمان يعني إذا أكلتها يجب أن تأكل تشرب بعدها شيئاً أو تسبب التخمة أو نحو ذلك أو غير ذلك، أو باعتبار نوع الطعام في نفسه. وأيضاً تنقية الطبع من الأخلاط المفسدة. يعني بممارسة الرياضة أو الحمية الغذائية أو نحو ذلك. وما يسميه اليوم الرياضيون بالدايت، شيء مهم.

والثاني قال من حيث الراحة. يقول الخطيب البغدادي:

وَيَسْتَصْلِحُ الْمُتَعَلِّمُ نَفْسَهُ بِبَعْضِ الْأَمْرِ مِنْ أَخْذِهِ نَصِيبًا مِنَ الدَّعَةِ وَالرَّاحَةِ وَاللَّذَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَعْقُبُهُ مَنْفَعَةٌ بَيِّنَةٌ.

“ويستصلح” يعني طالب العلم يطلب إصلاح نفسه “ويستصلح المتعلم نفسه ببعض الأمر” يعني شيئاً فشيئاً ليس دائماً. “ببعض الأمر من أخذه نصيباً من الدعة والراحة واللذة.” اليوم عندنا يعني شيء محدث في طلب العلم وفي منهجية طلب العلم تجده مشهوراً بعرف طلاب العلم اليوم أن طالب العلم ينبغي أن يكون جاداً هكذا أربعة وعشرين ساعة، هذا غلط هذه من المحدثات. هذه هي نصائح الأئمة رحمهم الله. ينبغي للمتعلم أن يستصلح نفسه ببعض الأمر من أخذه نصيباً من الدعة والراحة واللذة. لماذا؟ قال: “فإن ذلك يعقبه” يعني نتيجة ذلك “منفعة بينة.” أنه سيعود إلى العلم بنشاط.

وقد أرشد السلف إلى ذلك. من ذلك قول النبي ﷺ: “ساعة وساعة.” هذا الحديث يدخل فيه معنى هذا الأمر أو عمومه يدخل فيه ما نحن فيه. وأيضاً قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “أجموا هذه القلوب واطلبوا لها طرائف الحكمة. فإنها تمل كما تمل الأبدان.” هذا في جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر وغيره. أن هذا من آداب طالب العلم في المجلس أو غيره. وأيضاً عن الزهري من التابعين: “روحوا القلوب ساعة وساعة.” وقال: “الأذن مجّاجة والنفس حمضة” يعني تمل. “فأفيضوا في بعض ما يخف علينا.” وهذا الأثر يرويه الأئمة في آداب طالب العلم كالجامع للخطيب والجامع لابن عبد البر وغيره. وقال قسامة بن زهير: “روحوا القلوب تعِ الذكر.” يعني خفف حاجة شوية كدا شوية كدا حتى تفهم الذكر.

ومن الآثار اللطيفة يقول وهب ابن منبه التابعي: “إن في حكمة آل داوود” يعني كلام رائع:

حَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لَا يَغْفَلَ عَنْ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ: سَاعَةٍ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ، وَسَاعَةٍ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةٍ يُفْضِي فِيهَا إِلَى إِخْوَانِهِ الَّذِينَ يَصْدُقُونَهُ عُيُوبَهُ، وينْصَحُونَهُ فِي نَفْسِهِ، وَسَاعَةٍ يُخَلِّي فِيهَا بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ لذَّتِهَا مِمَّا يَحِلُّ وَيَجْمُلُ، فَإِنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ عَوْنٌ لِهَذِهِ السَّاعَاتِ، واسْتِجْمَامٌ لِلْقُلُوبِ.

“حق على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات” المقصود أربع أحوال: “ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يفضي فيها إلى إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعة” هذه هي الشاهد “يخلي بين نفسه وبين لذتها فيما يحل ويجمل.” يعني في دائرة المباح. ثم قال: “فإن هذه الساعة عون على هذه الساعات وإجمام للقلوب.” سبحان الله. هذه الساعة التي فيها اللذة ونحو ذلك عون على تلك الساعات المهمة وأيضاً فيها إجمام للقلوب. هذا ما أردت أن أذكر به.

المقدمة الخامسة: قواعد في طلب العلم

نواصل الآن من حيث انتهينا. قال حفظكم الله جميعاً:

القاعدة التاسعة: التعالم الخفي

هذه القاعدة التاسعة أشرنا بالأمس في استطراد في بعض الكلمات إلى مسألة احترام الأئمة وعدم الاستعجال إلى آخره. هذه القاعدة مهمة جداً. التعالم الخفي. التعالم الخفي. نعرف التعالم ونعرف كتاب الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله فيه لكن هذه القاعدة تتحدث عن نوع آخر قل من تحدث عنه وهو التعالم الخفي.

المسألة الأولى: معناه

المسألة الأولى: معناه: هو ادعاء العلم والتظاهر به ممن ليس من أهله. وهو من أخطر الأمراض التي تصيب طالب العلم وتكمن خطورته في أمور من جهتين: صعوبة ظهوره، وظهوره في صورة العلم.

وفيه مسائل ثلاث أولها معناه. ما معنى التعالم عموماً سواء كان خفياً أو جلياً؟ قالوا هو ادعاء العلم والتظاهر به ممن ليس من أهله. يعني باختصار جاهل يعمل فيها عالم بالدارجة. وهو من أخطر الأمراض التي تصيب طالب العلم. ولماذا من أخطر الأمراض؟ قالوا تكمن خطورته في أمور كثيرة ترجع إلى جهتين:

  1. صعوبة ظهوره: لا يظهر هذا المرض لطالب العلم. أبداً. لذلك سمي خفياً.

  2. ظهوره في صورة العلم: الجهة الثانية فرع من الجهة الأولى أنه إذا ظهر لا يظهر على أنه خطر أو غلط أو آفة أو مرض أو نحو ذلك لا بل ظهوره في صورة العلم. هذا كيف يُعالج؟ يُعالج بأن يعرفه طالب العلم من البداية.

المسألة الثانية: أسبابه

المسألة الثانية: أسبابه: ۱ - الاغترار بسعة الاطلاع. ٢- فقدان التأصيل العلمي. ٣- استسهال الكلام في العلم.

نأتي للمسألة الثانية وهي أسبابه. أسبابه كثيرة جداً. بعضهم ألف عشرات الصفحات في أسبابه لكن يهمنا منها ثلاثة هي المتعلقة بطالب العلم:

  1. الاغترار بسعة الاطلاع: وسعة الاطلاع في السابق كانت يعني نوعاً ما فيها مشقة وفيها يعني احتراز ولا يُوسع الاطلاع إلا بعض النجباء. أما اليوم مع سهولة الوسائل التي يُحصل بها العلم صار سعة الاطلاع ربما كذباً. يقفز من هنا وهنا وهناك وخلاص. وأنا أعرف الكتاب الفلاني وقد قرأت كذا في كتاب ابن تيمية وقد أشار ابن القيم في طريق الهجرتين إلى هذه المسألة وقد ذكر ابن المنذر في الأوسط هذه المسألة في باب كذا. طيب وما معنى كلامك يعني ماذا تريد؟ سعة الاطلاع مطلوبة بل هي من شروط طلب العلم كما تقدم معنا في قاعدة الشيخ. لكن الاغترار بها والانقطاع والاكتفاء بها وجعلها بديلاً لطلب العلم هو من أعظم أسباب هذا المرض التعالم الخفي.

  2. فقدان التأصيل العلمي: أو حتى على الأقل ضعف التأصيل العلمي. وهذا لا كلام لنا فيه.

  3. استسهال الكلام في العلم: وهذا منتشر جداً. يا أحبة اليوم بمجرد أن تطلق لحيتك وترفع إزارك وتلبسي نقابك وقفازاتك وتمتنعي عن المصافحة ونحو ذلك. المظاهر الشرعية اللي هي بعضها واجب وبعضها مستحب. يزعم أحدنا وإذا غيرت اسمك أو ما يسمى المعرف بتاعك إلى أبي فلان الأثري خلاص يستسهل الكلام في العلم كأنه قد أُعطي حصانة. يعني بمجرد أنك استقمت على هدي السلف خلاص يعني تتكلم فيما لك وما ليس لك؟ ويزعم بعضهم يعني هو يمني نفسه أن كل مسألة يستطيع أن يتكلم فيها. أضغط جوجل وأبحث إسلام ويب ولا أبحث كتاب كذا ولا مدونة شيخ فلان ولا مش عارف إيه. وآتي وتعال يلا استعرض عضلاتك. يا إخوة مجرد استسهال، يعني أن تعتقد أن هذا الأمر سهل الكلام في العلم، هذا الاستسهال يا إخوة في حد ذاته مصيبة. الأئمة رحمهم الله لما تكلموا عن التعالم وتكلموا عن تعظيم الفتوى وخطورة الاستعجال في طلب العلم. كل كلامهم يدور مفتاحه ومفتاح خطورته هو هذا الأمر. هذا السبب الثالث. استسهال الكلام في العلم. يا أخي إذا رأيت سير السلف ولو كانوا من الأئمة المجتهدين ولو كانوا من الصحابة ومن كبار فقهاء الصحابة رضي الله عنهم تجد أنهم بداية يستصعبون الكلام في العلم. مع أنهم أحق به وأهله. هم أهل الاجتهاد وهم وهم وهم كل شيء. ومع ذلك يستصعبون الكلام في العلم. لذلك قل كلامهم وكثرت بركتهم. قل كلامهم وزادت دقتهم. وعظم الانتفاع بهم. وكل من تربى تحت أيديهم تخرج عالماً ينتفع به الأمة كلها. أما نحن اليوم في هذا الزمان صار عندنا استسهال الكلام في العلم حتى لو كنت مؤهلاً حتى أنا أتكلم معك ولو كنت الإمام المجتهد. مجرد الاستسهال للكلام في العلم خير شر كما نقول. بحق أو بباطل. يا أخي هذا في حد ذاته مصيبة. أقل مصيبة أنه من أعظم أسباب الإصابة بالتعالم الخفي.

المسألة الثالثة: مظاهره

المسألة الثالثة: مظاهره: ١ - القطع والجزم في مواضع الاجتهاد والخلاف. ٢ - التنطع والتقعر بمصطلحات العلم. ٣- التطفل على النوازل والمسائل الكبرى. ٤- الاضطراب والتناقض. ٥ - الدعاوى العريضة. ٦ - التشغيب على العلماء.

نأتي إلى المسألة الثالثة وهي يعني مسألة شيقة. قالوا مظاهره. وقلنا إنه لا يظهر. لكن هناك بعض العلامات تشير إلى أنك مصاب به. واعلم يا طالب العلم سواء كنت مبتدئاً أم لا. وخصوصاً المبتدئ. لا ينفك طالب العلم المبتدئ من أعراض هذا المرض. يعني نحن لا نخاطبك بأن انتبه لا تُصاب. لا نحن نقول لك انتبه أنت مصاب بهذا المرض. فاعمل على علاجه بسرعة. وأول خطوات العلاج كما يقول الأطباء تشخيص المرض ومعرفة أسبابه ومعرفة أعراضه ثم الدواء المناسب. والمرض له فترات منها الفترة الأولى أسهل فترات العلاج. أما إن تعمق فمشكلة. قالوا عدة مظاهر كثيرة بعضهم عد فيها أيضاً عشرات الصفحات لكن نختار منها ستة:

  1. القطع والجزم في مواضع الاجتهاد والخلاف: تجد طالب العلم، نحن نتكلم عن من ليس بمؤهل أو من ضعيف التأهيل أو حتى المسألة ليست يعني على مقاسه. يأتي ويتكلم بصيغة القطع والجزم. لا يوجد مثل هذا الكلام. هذا الكلام باطل ولا يوجد. يا أخي لو كنت الإمام مالك ولو كنت الإمام علي بن المديني رحمه الله. لو قلت أنا لم أقف انظر إلى كلام الأئمة لم أسمع به شيئاً. لا أعرف به شيئاً لم أقف على شيء. أما أنت تأتي وتعمم وهذا الأثر يقطع النزاع في المسألة التي اختلف فيها الفقهاء ما شاء الله. يا أخي رويدك رويدك ستنفجر علينا بالراحة يا شيخ. وقارن نفسك بكلام الأئمة. تجد الورع الشديد بل بعضهم كان يتحرز من ذكر التصريح بلفظ التحريم أو الوجوب. مع أن الذي ظهر له باجتهاده تحريم المسألة الفلانية أو وجوب المسألة الفلانية. ومع ذلك كان يتورع. وهذا ورع اليوم لا يفهمه كثير من طلاب العلم. لبعدنا أو ضعفنا في التأصيل العلمي. صرنا لا نفهم مثل هذه الآداب التي هي آداب عملية في الحقيقة هي آداب مركزية جداً تعينك على الثبات في طلب العلم والنبوغ. وقد يكون يا طالب العلم عدم نبوغك في العلم وعدم تحصيلك ليس لأنك لا تفهم أو لا تحفظ أو أو هذه الأسباب الظاهرة لا ربما يكون من هذه الجهة. تجد بعضهم يتحرز من الأئمة كأحمد بن حنبل مالك وغيره. تجده يقول لا ينبغي ولا أحب أن يصرح بلفظ التحريم. الذي لا يفهم يقول لماذا؟ أليس الراجح هو الحرام؟ أليس الحديث واضحاً؟ أنت الآن مصاب بمرض التعالم. لماذا؟ هذا من أعظم مظاهره وجدته الآن يلا اتق الله وعالجها. تعالجها بالصمت.

  2. التنطع والتقعر بمصطلحات العلم: كما قال بعض العلماء أن يلوي لسانه ويحاكي لسان العلماء. أنت لك لسان العلم وليس لك العلم. يعني تتفلسف. اقتبست بعض ومثل هذه الترهات التي لا تقوم بها حجة. ما شاء الله. أنا مسكين سمعتك وسمعت هذه المصطلحات. نعم هي مصطلحات جميلة لكن أنت تتقعر بها وتتشدق بها وتتنطع بها لتظهر أنك طالب علم. يا أخي لا تمشي علينا هذه الأمور. هذه من آداب طالب العلم التي أعرفها في بداية دخوله إلى طلب العلم. ولذلك دائماً يا إخوة إذا كان دخولك من البوابة الصحيحة في العلم الشرعي تأكد أن كل هذه الأمور ستكون عندك كما يقال ناجزة منجزة جاهزة. ويتنطع ويتقعر ببعض المصطلحات. ولقد قلبت ناظري في هذه المسألة وطويت فيها الصفحات ولم أقف على ما يشفي الغليل ولا يروي العليل. ما شاء الله يا حبيبنا من أنت؟ ما ميزانك في العلم حتى تتقعر بمثل هذه المصطلحات؟ لكن هو يريد أن يظهر لك علمه وليس عندك علم بل أظهرت أعظم مظاهر التعالم فأنت مصاب بالمرض أصدق نفسك يا طالب العلم.

  3. التطفل على النوازل والمسائل الكبرى: انظر إلى الكلمة التطفل. يعني هذا الأمر ليس لك لا اقتحمته بالقوة. التطفل على إيه؟ على النوازل والمسائل الكبرى. ليتك تطفلت على ما هو في مقاسك وحجمك. ليتك أنت تدخلت على شرح الآجرومية. ليتك تطفلت على شرح الواسطية للشيخ فلان وفلان. لا. وسمع بمسألة ما وعلم أنها من النوازل ومن المسائل الكبرى. على الأقل يا أخي ليست مقاسك. هو مثلاً يدرس مختصر الأخضري في الفقه المالكي فيه الطهارة والصلاة وبعض الآداب فقط. لكي يتدرج به إلى ما بعده كالعشماوية أو ابن عاشر. لا سمع مسألة في مختصر خليل الكتاب الذي قال المؤلف أنه أُعد وخُوطب به وأُلف لأجله ليتأهل به الطالب المنتهي ليتقدم إلى الفتوى والقضاء. جاء حبيبنا وقال وما ذكره خليل في هذه المسألة فيه نظر. اه ما شاء الله الأخ مين؟ يعني خلاص هل تحسب أن ما تقوله صعب؟ كلنا نستطيع أن نتشدق ونتطفل على هذه المسائل. كلنا يستطيع أن يبحث في الإنترنت ينقل ويُقمش ها هنا وها هنا. وينمق بين بعض الكلمات ويخدع بها البسطاء. والله المستعان.

  4. الاضطراب والتناقض: لماذا؟ لأنه ليس عنده تأصيل علمي. مغتر بمجرد سعة الاطلاع يستسهل الكلام في العلم. أكيد سيتضطرب لذلك تجده اليوم هذه المسألة بحثت فيها ولا يصح فيها حديث. وإذا أراد الزيادة فقط يقول لا يصح عندي حديث. ما شاء الله عندك؟ كما قال الشاعر يقولون هذا عندنا غير جائز… ومن أنتم حتى يكون لكم عندي؟ ثم تجده بعد أيام أو ليالي أو ربما ساعات أو ربما شهور أو شيء. وهذه المسألة كيف تكون هذه المسألة باطلة؟ أنا بحثت فيها ووجدت أن هذه المسألة لا يصح الإسلام إلا باعتقادها. ما شاء الله. بالأمس القريب تقول لم يصح فيها حديث. واليوم تقول من شروط صحة الإسلام؟ هكذا هو والله المستعان.

  5. الدعاوى العريضة: ادعاءات عريضة جداً. ولا يوجد عالم تكلم في المسألة الفلانية. ولم أجد أحداً افتتح هذه المسألة غيري. وأحسب أنني لم أُسبق إلى هذه المسألة. يا أخي أنت تتكلم في اختراعات إلكترونية هندسة جيولوجية؟ أنت تتكلم في العلم الشرعي. يا أخي أنت لست بأول المتكلمين في العلم ولست بأول المصابين بمرض التعالم. لكننا كشفناك الله المستعان.

  6. التشغيب على العلماء: وهي الأخطر. انظر لم نقل التحذير من العلماء ولم نقل النقد للعلماء والرد عليهم. لا. إنما التشغيب على العلماء. لماذا؟ لأنه فاقد لهذا الأمر العلم الشرعي ويشعر بالغيرة ويريده لكن لا يريده بطريقه الصحيح. فماذا يفعل؟ يشغب على العلماء حتى تخلو له الساحة. يأتي العلامة مثلاً ابن تيمية يشغب عليه. الإمام أحمد يشاغب عليه. في مسألة بمناسبة أو بدون مناسبة. وحتى وصل بعضهم، المشكلة أنه يا إخوة المشكلة أننا نتكلم عن سلفيين أثريين. لا نتكلم عن علمانيين مبتدعين زنادقة وصوفية أشاعرة. هذا الذي يُدمي القلب يا أحبة. أنا أتكلم عن سلفيين أثريين الله المستعان. إذا كنت أنت تشغب على أئمتك. طيب ماذا يفعل أهل البدع؟ يا أخي أنت لا تمثل نفسك. أنت قلت أنت سلفي كن على قدر المسئولية. أنت بوابة الطعن في السلف. فكيف إذا كنت أنت الذي تطعن في السلف؟ يشغب على الإمام مالك يشغب على الشافعي. يشغب على على فلان وفلان. والأئمة رحمهم الله لم يكونوا يتساهلون في مثل هذه المسائل. لم يقولوا والله يا أخي ليس الإمام فلان معصوم مثل هذه السذاجة. يا أخي لا نتكلم عن أنه معصوم لا يخطئ. ولا نتكلم عن أنك الصغير يمكن أن يرد على الكبير. لا بالعكس هذا مطلوب موجود في العلم الشرعي. وقد ذكره الأئمة في آداب الطالب كما سيأتي. لكننا نتكلم عن عرض من أعراض مرض خطير. لذلك لما تكلم بعضهم وشغب على الإمام مالك ألف الإمام ابن أبي زيد القيرواني تعرفونه الملقب بمالك الصغير أبو محمد متوفى سنة ثلاثمائة وسبعة وثمانين تقريباً. صاحب الرسالة وغيره ألف كتاباً موجود منه الآن سبعمائة صفحة مطبوع محقق في سبعمائة صفحة. هذا الموجود فقط دون المفقود. وتكلم فيه كلاماً شديداً. الذي لا يفهم هذه النقطة أو هذه القاعدة يقول لماذا ابن أبي زيد القيرواني يتعصب لمالك؟ أليس مالك يخطئ؟ يا أخي ما هذا؟ اه أنت أنت الذي تقول هذا الكلام أنت نفسك متعالم مصاب بمرض التعالم للأسف وهو التعالم الخفي. التعالم الظاهر هين وهو الذي كتب فيه الشيخ بكر أبو زيد كتابه المشهور لكن نحن نتكلم عن تعالم خفي. الذي يفهم هذا يقول رضي الله عن ابن أبي زيد القيرواني قد أحسن النصيحة وقد جردت نصائحه التي تتكلم عن هذا وبلغت معي تقريباً ثمانين أو أكثر من ثمانين نصيحة. هي موجودة مفرغة في مجموعة لبعض طلاب معهد التأصيل العلمي القدماء. في قناة التليجرام. استفيدوا منها. بل حتى الذين شغبوا على بعض الأئمة مثلاً شغب بعضهم على الشافعي. ألف الخطيب البغدادي كتاباً رداً عليه. وشغب بعضهم على مالك ألف الخطيب البغدادي كتاباً رداً عليه. مع أن المسألة هينة لكن الرد على الطاعنين على الشافعي بتشغيبهم عليه ومش عارف حاجة كده يعني كلام مشجع طويل. وأيضاً ألف البيهقي، شوف البيهقي الأشعري الذي نحن نرد عليه مع ذلك لما قام التشغيب على الإمام الشافعي إمامنا وليس إمامهم رد عليه أيضاً. أليس كذلك؟ وشغب بعض أهل الرأي على أئمة أهل المدينة كمالك عبيد الله العمري وغيرهم رد عليهم الإمام الشافعي. وهكذا تجد التشغيب على الأئمة من المتعالمين دائماً الأئمة يؤلفون فيه رداً وهذا الذي يجعلك تفهم مثلاً في رد ابن أبي زيد على هذا المشاغب على الإمام مالك؟ لماذا قال ولا أذكر اسمه ولولا أنه لا أحب أن أذكر اسمه ولا وهذا جاهل وهذا لا يذكر. طيب إذا كان هو جاهلاً ولا يذكر لماذا ترد عليه؟ لتستفيد أنت لتعلم أن التشغيب على العلماء من أعظم مظاهر التعالم الخفي. فلا تقع فيه. هذا هو الذي نحن بصدده.

  7. ازدراء العلوم التي لم يدرسها ويجهلها.

أقوال العلماء في التعالم والمتعالمين

والآن سأنقل لكم بعض الأقوال لنفهم أئمتنا رحمهم الله كانوا يذكرون هذا الأمر، وفي كل نقل سنذكر ضابطاً أو فائدة تعيننا على فهم هذه القاعدة.

  • ابن خلدون: في مقدمته أشار إلى هذا.

التعليم للعلم من جملة الصنائع وذلك أنّ الحذق في العلم والتّفنّن فيه والاستيلاء عليه إنّما هو بحصول ملكة في الإحاطة بمبادئه وقواعده والوقوف على مسائله واستنباط فروعه من أصوله. وما لم تحصل هذه الملكة لم يكن الحذق في ذلك الفنّ المتناول حاصلا. وهذه الملكة هي في غير الفهم والوعي. لأنّا نجد فهم المسألة الواحدة من الفنّ الواحد ووعيها مشتركا بين من شدا في ذلك الفنّ وبين من هو مبتدئ فيه وبين العاميّ الّذي لم يعرف علما وبين العالم النّحرير. والملكة إنّما هي للعالم أو الشّادي في الفنون دون من سواهما فدلّ على أنّ هذه الملكة غير الفهم والوعي.

كلام ابن خلدون يشير إلى أمر مهم وهو كيف يُفرق بين المتعالم وطالب العلم الحق. قال بالملكة العلمية. كيف؟ قال: “الحذق” يعني الخبرة “في العلم والتفنن فيه والاستيلاء عليه إنما هو بحصول ملكة في الإحاطة بمبادئه وقواعده والوقوف على مسائله واستنباط فروعه من أصوله وما لم تحصل هذه الملكة لم يكن الحذق في ذلك الفن المتناول حاصلاً.”

ثم قال وهنا الشاهد: “وهذه الملكة غير الفهم والوعي.” هذه الملكة الخبرة العلمية ما نسميها أهل التأصيل العلمي ليست هي مجرد فهمك للمسألة. أنا وأنت ومالك والشافعي وأبو بكر الصديق رضي الله عنهم. كلنا نفهم أن الدين النصيحة. صح ولا لا؟ نفهم أن الحج عرفة. نفهم أن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر. لكن هل فهمك لهذه المسألة هو مثل فهم مالك والشافعي عن أبي بكر وعمر؟ لا. هذا هو التعالم.

قال: “لأنا نجد فهم المسألة الواحدة من الفن الواحد ووعيها مشتركاً بين من شبّ في ذلك الفن” أي العالم “وبين من هو مبتدئ فيه. بل وبين العامي الذي لم يعرف علماً وبين العالم”. طيب أيهما العالم؟ “وهذه الملكة إنما هي للعالم والشادي في الفنون دون من سواهما. فدل على أن الملكة غير الفهم والوعي.” أين المتعالم هنا؟ انتهى كلامه.

أين المتعالم؟ الذي يكتفي بمجرد الفهم والوعي. ويظن أنها هي نفسها الملكة. فيزعم أن مالك والشافعي وأحمد وأنا كلنا رجال. ابن عثيمين رحمه الله نرد على هذا. قال نعم لا شك أنكم مستوون كلكم رجال مستوون في الذكورة. ذكر وذكر لكن أما أن يكون علمك مثل علمهم هيهات.

  • ابن تيمية: في كتاب الإيمان الكبير.

أيضاً أشار إلى هذا بسطر واحد قال: “والتصور للخبر” يعني فهمه في الذهن “وتصديقه وحفظ حروفه هذا كله غير تصور المُخبَر عنه.” فرق بين من حفظ حديث “من رأى منكم منكراً فليغيره بيده…” إلى آخره رواه مسلم. بل لو حفظته بإسناده وخرجته من مئة طريق. وبين من فهم وتعمق في مثل هذا الحديث. أليس كذلك؟ قد يكون الأول حافظاً له أكثر من الثاني. لكن العلم في الثاني لا في الأول.

ويقول كما في المستدرك على مجموع الفتاوى:

وقد يكون الرجل حافظا لحروف العلم ولا يكون مؤمنا بل منافقا، فالمؤمن الذي لا يحفظ العلم وصوره خير منه، وإن كان ذلك المنافق قد ينتفع به الغير كما ينتفع بالريحان. فأما الذي أوتي العلم والإيمان فهو مؤمن عليم.

“وقد يكون الرجل حافظاً لحروف العلم. ولا يكون مؤمناً بل منافقاً.” وهذا أيضاً يضاف لما ذكرناه الإشكال الموجود عند بعض السذج. أنا أقول سذج من السلفيين. للأسف والسبب هو ضعف التأصيل العلمي. يقول كيف يكون فلان مبتدعاً وهو قد شرح البخاري ومسلم؟ عادي جداً يا حبيبي. هذا ابن تيمية يجيبك. “قد يكون رجل حافظاً لحروف العلم ولا يكون مؤمناً بل منافقاً. فالمؤمن الذي لا يحفظ العلم وصوره خير منه.” طيب هذا المنافق الحافظ للعلم ماذا يُستفاد منه؟ “وإن كان ذلك المنافق قد ينتفع به الغير كما يُنتفع بالريحان.” نبات له رائحة طيبة لكنه لا يُؤكل. “فأما الذي أوتي العلم والإيمان فهو مؤمن عليم.”

وقال أيضاً مشيراً إلى فرق آخر وفائدة مهمة في التفريق بين المتعالم وطالب العلم حتى تكشف نفسك. اعلم هذه الأمور عن نفسك. وتقدم في كلام ابن خلدون في الملكة العلمية.

كُلُّ الْعُلُومِ لَا بُدَّ لِلسَّالِكِ فِيهَا ابْتِدَاءً مِنْ مُصَادَرَاتٍ يَأْخُذُهَا مُسَلَّمَةً إلَى أَنْ تتبرهن فِيمَا بَعْدُ.

إذْ لَوْ كَانَ كُلُّ طَالِبِ الْعِلْمِ حِينَ يَطْلُبُهُ قَدْ نَالَ ذَلِكَ الْعِلْمَ: لَمْ يَكُنْ طَالِبًا لَهُ وَالطَّرِيقُ الَّتِي يَسْلُكُهَا قَدْ يَعْلَمُ أَنَّهَا تُفْضِي بِهِ إلَى الْعِلْمِ.

هنا ابن تيمية يقول في الطالب المبتدئ. في البداية لابد أن تأخذ المسائل مُسلّمة. يعني طبيعي جداً أن لا تفهم. عادي جداً. في البداية عادي. طبيعي جداً أن تأخذ المسألة وفي قلبك منها شيء عادي جداً. لماذا؟ لأنها هذه البداية. طبيعي جداً أن تأخذ المسألة بدون دليل. حتى لو نعم لا بأس لماذا؟ لأنها البداية. فالذي ينازع في هذه الأمور البدايات أنت مصاب بمرض التعالم. واليوم كما قلنا خطورة التعالم أنها تظهر في صورة العلم يقول كيف تريدنا أن نأخذ مسألة بدون دليل؟ يا أخي أنت طالب علم ولا مستفتي؟ طالب علم. هكذا هو التدرج. المسألة بدون دليلها ثم المسألة بتفاصيلها ثم المسألة بأدلتها ثم ثم هكذا هو.

يقول ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى: “كل العلوم لابد للسالك فيها ابتداءً من مصادرات يأخذها مسلمة إلى أن تتبرهن فيما بعد.” هنا ينكشف طالب العلم من غيره. إذا صبرت وتدرجت فانكشف. بل ربما تضحك على نفسك تقول لم أفهم هذه المسألة. كنت أظن أن هذه المسألة لا دليل عليها وهكذا هو العلم.

قال: “بل إن لو كان كل طالب للعلم حين يطلبه” يعني في البداية “تريد كل التفاصيل من أول كلمة “قد نال ذلك لم يكن طالباً له والطريق التي يسلكها قد يعلم أنها تفضي بشيء إلى العلم.”

ويقول أيضاً في اقتضاء الصراط المستقيم: “العلم له مبدأ وتمام. مبدأه هو قوة العقل الذي هو الفهم والحفظ” هذه المبدأ. وتمام العلم قال هو “قوة المنطق الذي هو البيان والعبارة.” فالخلط بين البداية أو المبدأ والتمام هو من التعالم.

  • ابن القيم: في مفتاح دار السعادة. لخص هذا الكلام بسطر أو جملة قال:

وَلِهَذَا كَانَ الوعي وَالْعقل قدرا زَائِدا على مُجَرّد إِدْرَاك الْمَعْلُوم.

“ولهذا كان الوعي والعقل” اللي سماها ابن خلدون الملكة “قدراً زائداً على مجرد إدراك المعلوم.” قدراً زائداً على مجرد إدراك المعلوم. ومن هنا نفهم أن السلف رحمهم الله عرفنا أنهم لم يكونوا يطلقون اسم العالم إلا على الذي يعمل بعلمه.

نزيدها زيادة. يقول ابن رجب في مقدمة فيها بيان مقصود الرواية (وهي التي تعرف بمقدمة تشتمل على أن جميع الرسل كان دينهم الإسلام) وهنا تأديب لنا بما وتنبيه للأدب الذي ذكرته لك بالأمس. أن لا تستعجل بالاعتراض على العلماء بمجرد سوء فهمك. كما قال بعضهم إذا استشكلت شيئاً فاتهم نفسك وأحسن الظن بالعلماء وابحث. لماذا؟ لأنهم علماء يا أخي هذا الجواب وأنت لست بعالم هذا هو الجواب.

وواجب في مشكلات الفهم… تحسيننا الظن بأهل العلم

اليوم العكس. وواجب في مشكلات الفهم إساءة الظن بأهل العلم وتحسين الظن بنفسي. قاتل الله نفسك الأمارة بالسوء.

قال رجل للفضيل بن عياض: “العلماء ورثة الأنبياء.” قال: “لا، الحكماء هم ورثة الأنبياء.” انتبه هذا الفضيل ابن عياض الإمام المشهور. فطبعاً لو كنت أنا وأنت وفلان وفلان وأبو النرجس الأثري لقال له كيف تخالف حديث رسول الله؟ أنت تتعمد تحريف حديث رسول الله إذاً أنت كافر. ما شاء الله. انظر إلى تعامل الأئمة ماذا قال ابن رجب؟

قال ابن رجب: “الحكماء هم خواص العلماء كما كان الفضيل ابن عياض يقول العلماء كثير والحكماء قليل.” فقال له رجل: “العلماء ورثة الأنبياء” هذا لعله من جماعتنا كيف تقول العلماء؟ العلماء ورثة الأنبياء. فقال الفضيل: الحكماء هم ورثة الأنبياء. انظر ماذا قال ابن رجب. وليتنا نتعلم ونتأدب حتى لا تكون سلفيتك مزورة ومزيفة. قال: “وإنما قال الفضيل هذا لأنه صار كثير من الناس يظن أن العلماء الممدوحين في الشريعة يدخل فيهم من له لسان علم.” انظر لسان علم كما قلنا في العلامات لسان العلماء. “وإن لم يكن عنده من حقائق الإيمان والعمل بالعلم ما يوجب سعادته. فبين الفضيل رحمه الله أنه لا يدخل في مدح الله ورسوله للعلماء إلا أهل الحكمة. وهم أهل الدراية والرعاية.” يا سلام.

  • البخاري: وما أدراك ما الإمام البخاري؟ في صحيحه من كتاب العلم عقد باباً مهماً أشار به إلى مسألة التعالم.

قال: “باب الفهم في العلم.” كثير منا يظن أن هذا الباب يعني يجب أن تفهم ما تتعلمه. لا يا أخي هو يريد أعمق من ذلك. وقد قال العلماء فقه البخاري في تراجم أبوابه.

٧٢ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَأُتِيَ بِجُمَّارٍ، فَقَالَ: (إن من الشجرة شَجَرَةً، مَثَلُهَا كَمَثَلِ الْمُسْلِمِ). فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: هِيَ النَّخْلَةُ، فَإِذَا أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْمِ، فَسَكَتُّ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (هِيَ النَّخْلَةُ).

ثم روى بإسناده حديث ابن عمر تحفظونه كلكم. أنه قال كنا عند النبي ﷺ أو في القوم أبو بكر وعمر انتبه. فأُتي بجُمّار. الجُمّار اللي هو قلب النخل. ابن عمر كان صغيراً جالساً. فأُتي بجُمّار فقال النبي ﷺ: “إن من الشجر شجرة مثلها كمثل المسلم.” ماذا فعل ابن عمر؟ كأنه نظر إلى المناسبة وربط بينها وبين حديث النبي ﷺ. أُوتي النبي ﷺ بجُمّار فقال إن من الشجر شجرة. فقال ابن عمر: “أردت أن أقول هي النخلة. فنظرت فإذا أنا أصغر القوم.” طبعاً اليوم عندنا هذا الأدب للأسف يعني. هذه حزبية منك. أتخاف من قول الحق؟ يا أخي ليست مسألة حزبية وليست مسألة خوف. ما بك يا أخي؟ ما بك؟ يا أخي هدئ هدئ أعصابك يا شيخ. والله لن تفلح في العلم بمثل هذه الأخلاق ومثل هذه العقلية. أدب أدب واحترام الأكابر. قال: “فإذا أنا أصغر القوم فسكت.” فقال النبي ﷺ: “هي النخلة.”

قال ابن حجر: “الفهم المراد بهذا الباب فطنة يفهم بها صاحبها من الكلام ما يقترن به من قول أو فعل.” انتهى.

وقال ابن بطال المالكي في شرحه: “الفهم في العلم هو التفقه فيه. ولا يتم العلم إلا بالفهم. وكذلك قال علي رضي الله عنه: والله ما عندنا إلا كتاب الله أو فهم أُعطيه رجل مؤمن. فجعل الفهم درجة أخرى بعد حفظ كتاب الله. لأنه بالفهم له تُبين معانيه وأحكامه. وقد نفى ﷺ العلم عمن لا فهم له بقوله: رب حامل فقه لا فقه له. وقال مالك: ليس العلم بكثرة الرواية إنما هو نور يضعه الله في القلوب. يعني بذلك فهم معانيه واستنباطه. فمن أراد التفهم فليُحضر خاطره وينظر في نشاط الكلام” يعني سياقه. “ومخرج الخطاب ويتدبر اتصاله بما قبله وانفصاله منه.” ثم يسأل ربه هنا ضع هذه المسألة أو هذه الكلمة خطين كبيرين أكبر من رأسك. نحن اليوم نعرف آداب طالب العلم وما يعينك على العلم وننسى هذا الأدب. سؤال الله ولا أعني مجرد الدعاء. الدعاء كلكم يدعو والحمد لله نحسن الظن بالمسلمين والسلفيين. لكن أريد دعاءً خاصاً. يعني صعب عليك فهمه مثلاً باب الأفعال من الآجرومية. اللهم سهل علي باب الأفعال من الآجرومية اللهم إنه صعب علي إعراب الفعل الماضي. اللهم هونه. نعم ما بك؟ أتستحي أتخجل أم هذا عيب؟ أليس تدعو المتصوفة والقبورية أن الله يستجيب الدعاء مهما كان ومهما كنت والله لا يحتاج إلى واسطة وأين هذا التوحيد؟ أين هذا التوحيد يا طالب العلم؟ أين توحيدك الذي تدعو إليه هؤلاء القبورية؟ أنسيته؟ أتستحي؟ يا أخي سلوا الله وأجملوا في الطلب فإن الله لا مكره له هذا الحديث. {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}. أين هذه الآية منك؟ أين توظيف هذا الدعاء في طلب العلم؟ هذا هو الذي نريده يا أحبة. نسأل الله العلم النافع. قال: “ثم يسأل ربه أن يلهمه إلى إصابة المعنى. ولا يتم ذلك إلا لمن علم كلام العرب” إلى آخر ما قال. ثم رجع إلى حديث ابن عمر قال: “ألا ترى أن عبد الله ابن عمر فهم من نشاط الحديث” يعني السياق وكذا في نفس القصة “أن الشجرة هي النخلة”. ليه؟ “لسؤاله ﷺ لهم عنها حين أُتي بالجمار. وقوي ذلك عنده بقوله” يعني أيده بقوله: “{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ}“. انتهى.

  • ابن القيم: في مدارج السالكين

فَالْفَهْمُ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ، وَنُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ، يَعْرِفُ بِهِ، وَيُدْرِكُ مَا لَا يُدْرِكُهُ غَيْرُهُ وَلَا يَعْرِفُهُ، فَيَفْهَمُ مِنَ النَّصِّ مَا لَا يَفْهَمُهُ غَيْرُهُ، مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي حِفْظِهِ، وَفَهْمِ أَصْلِ مَعْنَاهُ.

أنا وأنت وابن القيم نحفظ حديث “فليقل خيراً أو ليصمت.” ونفهم أصل المعنى وأستطيع أن أملي عليك من فوائد هذا الحديث ربما مئات الفوائد. صح؟ لكن ربما هل أنا بهذا صرت كالإمام ابن القيم؟ الجواب لا.

  • ابن تيمية: في درء تعارض العقل والنقل يشير إلى هذه المسألة أيضاً.

ومما ينبغي أن يعرف أن علم الإنسان بالشيء وتصوره له شيء، وعلمه بأنه عالم به شيء، وعلمه بأن علمه حصل بالطريق المعين شيء ثالث.

قال: “ومما ينبغي أن يعرف أن علم الإنسان بشيء وتصوره له” يعني فهمه “شيء. وعلمه بأنه عالم به شيء. وعلمه بأن علمه حصل له بالطريق المعين شيء ثالث.” انظر هذه مراتب في إدراك العلم.

  • علمك بالمسألة وفهمك لها هذا رقم واحد مرتبة أولى. المتعالم يظن أن هذه المرتبة الأولى هي كل المراتب الثلاث.

  • وعلمه بأنه عالم به هل أنت تعلم المسألة الفلانية؟ يقول والله ما درستها. لا ربما تكون أنت درستها في الباب الفلاني لكنك لا تستطيع بما عندك بعدم المؤهلات عندك أن تربط بينها وبين الباب الفلاني فتجيب نعم أنا أفهمها. هذه مرتبة ثانية.

  • وعلمك أنها فهمك للمسألة الفلانية حصل لك بالطريقة الفلانية هذه مرتبة ثالثة. المتعالم يظن أن المرتبة الأولى هي جميع الثلاث. والله المستعان.

  • ابن عثيمين: رحمه الله في شرح رياض الصالحين. أشار إلى هذه المشكلة سماها مشكلة العصر. قال: “لكن مشكلات الناس ولا سيما في هذا العصر أن الإنسان إذا فهم لم يعرف التطبيق. وإذا فهم مسألة ظن أنه أحاط بكل شيء علما.”

  • ابن القيم يقول في الفوائد:

العلمُ: نَقْلُ صورةِ المعلومِ من الخارج وإثباتُها في النفس. والعمل: نقلُ صورةٍ عمليَّةٍ من النفس وإثباتُها في الخارج. فإن كان الثابتُ في النفس مطابقًا للحقيقة في نفسها فهو علمٌ صحيحٌ.

وكثيرًا ما يَثبت ويَتراءى في النفس صُورٌ ليس لها وجودٌ حقيقيٌّ، فيظنُّها الذي قد أثْبتَها في نفسه علمًا، وإنَّما هي مقدرةٌ لا حقيقة لها، وأكثرُ علوم الناس من هذا الباب.

“العلم نقل صورة المعلوم من الخارج وإثباتها في النفس. والعمل نقل صورة علمية من النفس وإثباتها في الخارج.” هذا سهل. طيب، “فإن كانت الصورة الثابتة في النفس مطابقة للحقيقة في نفسها فهو علم صحيح.” المتعالم لا يعتني بهذه الأمور. مجرد أن يدخل المعلومة ويخرجها يظن أنه بإدخالها وإخراجها صار عالما.

ثم نبه ابن القيم إلى هذا قال: “وكثيرا ما يتراءى ويثبت في النفس صور” أي للعلم “ليس لها وجود حقيقي، فيظنها الذي قد أثبتها في نفسه علما.” يأتي ويكتب المقالات وينظر إلى آثار السلف، بصورة مزيفة، بنظره، بالمعلومة الخاطئة التي دخلت في نفسه. صح ولا لأ؟ “وإنما هي مقدرة لا حقيقة لها.” وهل هذا قليل يا ابن القيم؟ يقول: “وأكثر علوم الناس من هذا الباب.” الله، مصيبة! أي نعم! أكثر علوم الناس من هذا الباب؟ نعم. عافانا الله وإياكم.

  • الشوكاني: رحمه الله في أدب الطلب

وهذا كتاب مهم، أشار إلى هؤلاء الناس وتكلم عنهم في عدة مواضع منها أنه سمى المتعالم “العقبة الكؤود” يعني شديدة، “والطريق المستوعر، والخطب الجليل، والعبء الثقيل”.

لماذا؟ لأن المتعالم يا أحبة إذا قلت له: هل أنت عالم؟ يقول: لا، والعياذ بالله، لا لا، أستطيع أن أقول أنا عالم. وأسأل الله أن يعلمني. هكذا يعجبك بتواضعه. وإن قلت له: أنت جاهل، كشر عن أنيابه وسبك سبا شديدا، لأنك أصبته في مقتل. لذلك هو يزعم أن يكون متوسطا.

والعقبة الكؤود وَالطَّرِيق المستوعرة والخطب الْجَلِيل والعبء الثقيل إرشاد طبقَة متوسطة بَين طبقَة الْعَامَّة والخاصة وهم قوم قلدوا الرِّجَال وتلقوا علم الرَّأْي ومارسوه حَتَّى ظنُّوا أَنهم بذلك قد فارقوا طبقَة الْعَامَّة وتميزوا عَنْهُم وهم لم يتميزوا فِي الْحَقِيقَة عَنْهُم وَلَا فارقوهم إِلَّا بِكَوْن جهل الْعَامَّة بسيطا وَجَهل هَؤُلَاءِ جهلا مركبا وَأَشد هَؤُلَاءِ تغييرا لفطرته وتكديرا لخلقته أَكْثَرهم ممارسة لعلم الرَّأْي وأثبتهم تمسكا بالتقليد وأعظمهم حرصا عَلَيْهِ فَإِن الدَّوَاء قد ينجع فِي أحد هَؤُلَاءِ فِي أَوَائِل أمره وَأما بعد طول العكوف على ذَلِك الشغف بِهِ والتحفظ لَهُ فَمَا أبعد التَّأْثِير وَمَا أصعب الْقبُول لِأَن طبائعهم مَا زَالَت تزداد كَثَافَة بازدياد تَحْصِيل ذَلِك وتستفيد غلظة وفظاظة باستفادة ذَلِك وبمقدار ولوعهم بِمَا هم فِيهِ وشغفهم بِهِ تكون عدواتهم للحق ولعلم الْأَدِلَّة وللقائمين بِالْحجَّةِ.

يقول الشوكاني: “هذه الطبقة متوسطة بين الطبقة العامة والخاصة.” يعني لا هم عوام حقا ولا هم علماء حقا. قال: “وهم قوم قلدوا الرجال وتقلدوا علم الرأي ومارسوه حتى ظنوا أنهم بذلك قد فارقوا طبقة العامة وتميزوا عنهم.” لذلك تجد العوام يقولون: والعوام والعوام. يا أخي أنت أنت قائد العوام على فكرة. قال: “وهم لم يتميزوا في الحقيقة عن العامة ولا فارقوهم إلا بكون جهل العامة بسيطا، وجهل هؤلاء جهلا مركبا.” الله المستعان. “وأشد هؤلاء تغييرا لفطرته وتكديرا لخلقته أكثرهم ممارسة لعلم الرأي، وأثبتهم تمسكا بالتقليد، وأعظمهم…” وليس هم يقولون نحن نقلد ونحن علم الرأي، لا لا، هم يزعمون أن هذا هو الاجتهاد، وهذا هو التمسك بالدليل. هذه خطورة التعالم. قال: “فإن الدواء قد ينجح في أحد هؤلاء في أوائل أمره، وأما بعد طول العكوف على ذلك والشغف به والتحفظ له، فما أبعد التأثير، وما أصعب القبول. لماذا؟ لأن طبائعهم ما زالت تزداد كثافة بازدياد تحصيل ذلك، وغلظة وفظاظة باستفادة ذلك. وبمقدار ولوعهم لما هم فيه وشغفهم به تكون عداوتهم” للأسف لمن؟ “للحق ولعلم الأدلة وللقائمين بالحجة.” هذا هو المتعالم، عداوته لأهل الحق، وللقائمين بالحجج. لذلك تجده سلفيا لا يعادي إلا السلفيين. الله المستعان.

وقال عنهم أيضا في موضع آخر:

وَهَؤُلَاء وَإِن كَانُوا يعدون من أهل الْعلم لَا يسْتَحقُّونَ أَن يذكرُوا مَعَ أَهله وَلَا تنبغي الشغلة بنشر جهلهم وَتَدْوِين غباوتهم لكِنهمْ لما كَانُوا قد تلبسوا بلباس أهل الْعلم وحملوا دفاتره وقعدوا فِي الْمَسَاجِد والمدارس اعتقدتهم الْعَامَّة من أهل الْعلم وقبلوا مَا يلقونه من هَذِه الفواقر فظلوا وأظلوا وعظمت بهم الْفِتْنَة وحلت بسببهم الرزية.

“وهؤلاء وإن كانوا يعدون” يعني يعدهم الناس “من أهل العلم، لا يستحقون أن يذكروا مع أهل العلم، ولا تنبغي الشغلة بنشر جهلهم وتدوين غباوتهم.” سمى مقالاتهم وكتبهم غباوة. لكن المشكلة وين؟ أن المتعالم يغطي على الساحة الحقيقية للعلماء، يشغل المنصب الذي ليس بأهل له. قال: “ولكنهم لما كانوا قد تلبسوا بلباس أهل العلم وحملوا دفاتره وقعدوا في المساجد والمدارس، اعتقدتهم العامة من أهل العلم، وقبلوا ما يلقونه من هذه الفواقر” يعني كلامهم وعلمهم فواقر، جمع فاقرة: مصائب. “فضلوا وأضلوا وعظمت بهم الفتنة وحلت بسببهم الرزية.” انتهى.

  • الماوردي: في أدب الدنيا والدين

أيضا تكلم عنهم وقال كلاما يعني عجيبا. يقول:

وَلَقَدْ رَأَيْت مِنْ هَذِهِ الطَّبَقَةِ عَدَدًا قَدْ تَحَقَّقُوا بِالْعِلْمِ تَحَقُّقَ الْمُتَكَلِّفِينَ، وَاشْتُهِرُوا بِهِ اشْتِهَارَ الْمُتَبَحِّرِينَ. إذَا أَخَذُوا فِي مُنَاظَرَةِ الْخُصُومِ ظَهَرَ كَلَامُهُمْ، وَإِذَا سُئِلُوا عَنْ وَاضِحِ مَذْهَبِهِمْ ضَلَّتْ أَفْهَامُهُمْ، حَتَّى إنَّهُمْ لَيَخْبِطُونَ فِي الْجَوَابِ خَبْطَ عَشْوَاءِ فَلَا يَظْهَرُ لَهُمْ صَوَابٌ، وَلَا يَتَقَرَّرُ لَهُمْ جَوَابٌ.

وَلَا يَرَوْنَ ذَلِكَ نَقْصًا إذَا نَمَّقُوا فِي الْمَجَالِسِ كَلَامًا مَوْصُوفًا، وَلَفَّقُوا عَلَى الْمُخَالِفِ حِجَابًا مَأْلُوفًا. وَقَدْ جَهِلُوا مِنْ الْمَذَاهِبِ مَا يَعْلَمُ الْمُبْتَدِئُ وَيَتَدَاوَلُهُ النَّاشِئُ. فَهُمْ دَائِمًا فِي لَغَطٍ مُضِلٍّ، أَوْ غَلَطٍ مُذِلٍّ وَرَأَيْت قَوْمًا مِنْهُمْ يَرَوْنَ الِاشْتِغَالَ بِالْمَذَاهِبِ تَكَلُّفًا، وَالِاسْتِكْثَارَ مِنْهُ تَخَلُّفًا.

“ولقد رأيت من هذه الطبقة عددا قد تحققوا بالعلم تحقق المتكلفين.” ما أجمل هذا الوصف! تحقق بالعلم تحقق المتكلفين. يعني أنت تتحقق بالعلم؟ لا، أنت متصل بالعلم، أنت طالب علم، لكن على طريقة المتكلفين للعلم، ليس على طريقة أهل العلم الذين سلكوا طريقه وتعمقوا فيه.

قال: “واشتهروا به اشتهار المتبحرين.” هذه المشكلة، أنه اشتهر على أنه متعمق. “إذا أخذوا في مناظرة الخصوم ظهر خللهم.” هذه مشكلة، مجرد أسئلة ونقاش قليل ينكشف زيفهم. لذلك ينسحبون من النقاش على صورة الورع والانشغال عن السفاسف. الله المستعان. “وإذا سئلوا عن واضح مذهبهم ضلت أفهامهم.” الأمور الواضحة يضلون فيها. “حتى إنهم ليخبطون في الجواب خبط عشواء، فلا يظهر لهم صواب ولا يتقرر لهم جواب. ولا يرون ذلك نقصا إذا نمقوا في المجالس كلاما موصوفا.” كل هذه المظاهر، ينمق الكلام هنا وهناك، يحسن ذلك. “ولفقوا على المخالف حجابا مألوفا. وقد جهلوا من المذاهب ما يعلمه المبتدئ ويتداوله الناشئ.” الأمور السهلة في كل فن يجهلونها، فهم دائما في لغط مضل أو غلط مذل. “ورأيت قوما منهم يرون الاشتغال بالمذاهب تكلفا والاستكثار منه تخلفا.” انتهى.

  • ابن تيمية: في جواب الاعتراضات المصرية عن الفتوى الحموية

يقول رحمه الله:

وليس كلُّ من وجدَ العلم قدرَ على التعبير عنه والاحتجاج له، فالعلمُ شيءٌ، وبيانه شيء آخر، والمناظرةُ عنه وإقامةُ دليله شيء ثالث، والجواب عن حجة مخالفِه شيء رابعٌ.

“ليس كل من وجد العلم قدر على التعبير عنه والاحتجاج له.” ليه؟ لأن هناك أربعة أمور. قال: “فالعلم شيء.” يعني أن تتعلم شيء، هذا أولا. “وبيانه” أي شرحه وتوضيحه للناس “شيء آخر.” هذا الثاني. “والمناظرة عنه وإقامة دليله، شيء ثالث.” والجواب عن حجة مخالفه شيء رابع. المتعالم يظن أن الأولى هي الأربع. الله المستعان.

ويقول أيضاً في سياق يشبه هذا الكلام في درء التعارض:

ليس كل من عرف الحق -إما بضرورة أو بنظر- أمكنه أن يحتج على من ينازعه بحجة تهديه أو تقطعه، فإن ما به يعرف الإنسان الحق نوع، وما به يعرفه به غيره نوع، وليس كل ما عرفه الإنسان أمكنه تعريف غيره به.

“ليس كل من عرف الحق إما بضرورة أو بنظر” يعني بحث وكذا “أمكنه أن يحتج على من ينازعه بحجة تهديه أو تقطعه.” وهذه مسألة مفيدة. أنا تعلمت كن موحداً أردت أن أدخل أهلي القبورية للتوحيد. ربما لن تستطيع ربما أقول قد تستطيع. ليه؟ يعني ليس كل من عرف الحق يمكنه أن يحتج على من يخالفه بحجة تهديه أو حتى تقطعه وتفحمه. لماذا يا ابن تيمية تعرف؟ “لأن ما به يعرف الإنسان الحق” نوع يعني ما به يعرف الإنسان الحق في نفسه “نوع من العلم وما به يُعرِّفه غيره نوع آخر.” وليس كل ما عرفه الإنسان أمكنه تعريف غيره به. ولهذا كان النظر البحث والتعلم وكذا أوسع من المناظرة. فكل ما يمكن المناظرة به يمكن النظر فيه وليس العكس وليس كل ما يمكن النظر فيه. يمكن المناظرة كل أحد فيه.

  • ابن القيم: في مدارج السالكين سمى المتعالمين: “آفة العلوم وبلية الأذهان والفهوم.” وقال: “لا عبرة لجدالهم ولا نقاشهم.”

  • ابن حزم: له كلام أيضاً على هؤلاء. أعطاهم في رسائله يعني ضربة قوية.

وإن قومًا قوي جهلهم، وضعفت عقولهم، وفسدت طبائعهم، يظنون أنهم من أهل العلم وليسوا من أهله، ولا شيء أعظم آفة على العلوم وأهلها الذين هم أهلها بالحقيقة من هذه الطبقة المذكورة، لأنهم تناولوا طرفًا من بعض العلوم يسيرًا، وكان الذي فاتهم من ذلك أكثر مما أدركوا منه، ولم يكن طلبهم لما طلبوا من العلم لله تعالى، ولا ليخرجوا من ظلمة الجهل، لكن ليزدروا بالناس زهوًا وعجبًا، وليماروا لجاجًا وشغبًا، وليفخروا أنهم من أهله تطاولًا ونفجًا، وهذه طريق مجانية الفلاح، لأنهم لم يحصلوا على الحقيقة وضيعوا سائر لوازمهم فعظمت خيبتهم ولم يكن وكدهم أيضًا، مع الازدراء بغيرهم، إلا الازدراء بسائر العلوم وتنقيصها، لظنهم الفاسد أنه لا علم إلا الذي طلبوا فقط. وكثيرًا ما يعرض هذا لمبتدئ في علم من العلوم وفي عنفوان الصبا وشدة الحداثة. إلا أن هؤلاء لا يرجى لهم البرء من هذا الداء، مع طول النظر والزيادة في السن.

قال: “وإن قوماً قد قوي جهلهم وضعفت عقولهم. وفسدت طبائعهم” هذه أخلاقيات المتعالم في الغالب يعني “يظنون أنهم من أهل العلم وليسوا بأهله. ولا شيء أعظم آفة على العلوم وأهلها” هذه الكلمة مشهورة لابن حزم. “ولا شيء أعظم آفة على العلوم وأهلها الذين هم أهلها بالحقيقة من هذه الطبقة المذكورة.” ليه؟ تعالوا شوف بقى وصف المتعالم من ابن حزم. “لأنهم تناولوا طرفاً من بعض العلوم يسيراً.” من هنا طرف من هنا ومحاضرة من هنا وبودكاست من هنا. ولقاء من هنا صح ولا لا؟ وجلسة من هنا. وقراءة في كتاب من هناك. “وكان الذي فاتهم من ذلك أكثر مما أدركوا منه. ولم يكن طلبهم لما طلبوا من العلم لله تعالى ولا ليخرجوا من ظلمة الجهل.” الله أعلم بنياتهم. قد تكون نيته حقيقية لكن يأتيه الشيطان في هذا. “ولكن ليزدروا الناس بزهو وعجب وليماروا لجاجاً وشغباً. وليفخروا أنه من أهله تطاولاً ونفجاً. وهذه طريق مجانبة للفلاح.” لأنهم لم يحصلوا على الحقيقة. لم يحصلوا العلم على الحقيقة. “وضيعوا سائر لوازمهم. فعظمت خيبتهم.” شف خايبين. “ولم يكن وكدهم أيضاً مع الازدراء بغيرهم إلا الازدراء بسائر العلوم وتنقيصه.” هذه علامة أخرى تضاف لما ذكرناه من المظاهر الستة. أي سبعة. ازدراء العلوم التي لا يعلمها. ازدراء وليس فقط مجرد النقد والسؤال لا ازدراء. يعني أنا لم أدرس علم الحديث آتي وأزدريه. علم الحديث ماذا؟ ماذا تستفيدون فيه؟ الألباني رحمه الله صحح كل شيء وضعف كل شيء. هذا المتعالم يلا اقبض عليه. “لظنهم الفاسد أنه لا علم إلا الذي طلبوه فقط.” طيب هذا المرض يا ابن حزم يعرض لمن في الغالب؟ قال: “وكثيراً ما يعرض هذا لمبتدئ في علم من العلوم وفي عنفوان الصبا وشدة الحداثة.” طيب هل في فائدة من هؤلاء؟ ابن حزم ختم عليهم قال: “إلا أنه لا يُرجى لهم البرء من هذا الداء مع طول النظر والزيادة في السن.” لذلك من البداية يا طالب العلم اعرف هذه المشكلة اعرف هذه القاعدة. احذر التعالم. احذر التعالم.

  • الآمدي اللغوي: في كتابه “الموازنة بين أبي تمام والبحتري” في الشعر والأدب.

لكن يهمنا اقتباس هذه الجملة. يقول بعد أن رد على بعض الذين دخلوا بين أبي تمام هذا من كبار الشعراء.

ثم إني أقول بعد ذلك: لعلك - أكرمك الله - اغتررت بأن شارفت شيئًا من تقسيمات المنطق، وجملا من الكلام والجدال، أو علمت أبوابًا من الحلال والحرام، أو حفظت صدرًا من اللغة، أو اطلعت على بعض مقاييس العربية، وأنك لما أخذت بطرف نوع من هذه الأنواع معاناة ومزاولة ومتصل عناية فتوحدت فيه وميزت - ظننت أن كل ما لم تلابسه من العلوم ولم تزاوله يجري ذلك المجرى، وأنك متى تعرضت له وأمررت قريحتك عليه نفذت فيه، وكشفت لك عن معانيه، وهيهات! لقد ظننت باطلا، ورمت عسيرًا؛ لأن العلم - أي نوع كان - لا يدركه طالبه إلا بالانقطاع إليه، والإكباب عليه، والجد فيه، والحرص على معرفة أسراره وغوامضه، ثم قد يتأتى جنسٌ من العلوم لطالبه وبتسهيل عليه، ويمتنع عليه جنس آخر ويتعذر؛ لأن كل امرئ إنما يتيسر له ما في طبعه قبوله، وما في طاقته تعلمه؛ فينبغي - أصلحك الله - أن تقف حيث وقف بك، وتقنع بما قسم لك، ولا تتعدى إلى ما ليس من شأنك ولا من صناعتك.

  • المعلمي اليماني: رحمه الله.

له كلام عجيب. يقول في آثاره:

والذي يسوء الحق إنما هو أن يتصدى الإنسان للتحكُّم في فنٍّ هو فيه أمّي أو تلميذ صغير. إن العاقل الذي لا حظَّ له من الطب إلا مطالعة بعض الكتب، لَيحجزه عقلُه عن التطبب، وهكذا عامةُ الفنون يمتنع العاقل أن يتحكم في فنٍّ منها ليس فنَّه. ولكن الدين شذَّ عن هذه الكلية، فلا تكاد تجد أحدًا يعترف أو يعرف أنه ليس ممن يحقُّ لهم الكلامُ فيه.

يقولون: إنها حرية الفكر! حبَّذا حرية الفكر، ولكن أَمِن حرية الفكر أن يصمد الإنسان لقضيةٍ لم يُتقِن أصولَها، ولا أسبابها وعللها، ولا غوامضها ودقائقَها، فيعبّر فيها على ما خيلت؟ إن حقًّا على العاقل إذا أحبَّ أن يكون حرَّ الفكر أن يختار له موضوعًا ينفذ فكرُه إلى أعماقه، ويتغلغل في دقائقه.

افرِضْ أنك طبيب، وأنه اعترضك بدويٌّ يناقشك في أصول الطب، أو أنك عارف بعلم الفلك الحديث، وعرضَ لك عاميٌّ ينازعك فيه، وكلاهما ــ البدوي والعامي ــ لا يُصغِي إليك حتى توضح له الحجج، أو لا يستطيع في حاله الراهنة أن يفهمها، لأنه لم يتعلم مقدمات ذلك الفن، ولكنه مع ذلك يجزم بما ظهر له، ويرميك بالجهل والغفلة، فهل تعدُّه حرَّ الفكر؟

لقد بلغ بالناس حبُّ الاشتهار بحرية الفكر إلى أن أغفلوا النظر في صواب الفكر وخطائه، وأصبحت حرية الفكر مرادفةً للخروج عما كان عليه الآباء والأجداد. ولقد يعلم أحدهم أن ما كان عليه آباؤه وأجداده هو الصواب، ولكن شغفه بأن يقال حرَّ الفكر يضطرُّه إلى مخالفته. فهل يستحق مثل هذا أن يقال له حرَّ الفكر؟

وكثير منهم يدع تقليد أسلافه ويقلِّد بعض الملحدين، فهل خرج هذا من الرقِّ إلى الحرّية؟ كلَّا، بل خرج من رقٍّ إلى رقٍّ.

حرُّ الفكر هو الذي يُطلِق فكره حيث يستطيع الانطلاق ويكفُّه حيث يحبّ الانكفاف.

حرُّ الفكر هو الذي يحرِصُ على الحق أينما كان، فإذا ظهر أن الحق هو ما كان عليه أسلافه لزِمَه، ولم يُبالِ بأن يقال: جامد مقلِّد.

حرُّ الفكر هو الذي يحرِص على الثبات على المبدأ الذي كان عليه أسلافه، حتى تقهره الحجة الواضحة.

“والذي يسوء الحق” انظر المتعالم مشكلته أنه يسبب إساءة للحق وأهل الحق. إضافة إلى عداوته لأهل الحق. لأنه لا يمثل نفسه. قال: “والذي يسوء الحق إنما هو أن يتصدى الإنسان للتحكم في فن هو فيه أمي. أو تلميذ صغير. إن العاقل الذي لا حظ له من الطب إلا مطالعة بعض الكتب فيحجزه عقله عن التطبيب.” صح ولا لا يا إخوان؟ وهكذا عامة الفنون للاسف العلم الشرعي لا بواكي له. يمتنع العاقل أن يتحكم في فن منها ليس فنه. ولكن الدين شذ عن هذه الكلية. للأسف. فلا تكاد تجد أحداً يعترف أو يعرف أنه ليس ممن له الكلام فيه. يقولون إنها حرية الفكر. حبذا حرية الفكر. لكن أمن حرية الفكر أن يتصدى الإنسان لقضية لم يتقن أصولها ولا أسبابها ولا عللها ولا غوامضها ودقائقها. فيعبر فيها على ما خُيّلت؟

“إن حقاً على العاقل إذا أحب أن يكون حر الفكر يعني حسن فهمه يعني أن يختار له موضوعاً ينفذ فكره إلى أعماقه ويتغلغل في دقائقه. افرض أنك طبيب وأن اعترضك بدوي” المقصود البدوي هنا الذي لا يفهم الطب. هذا هو الظن الغالب. حياة البادية ليس فيها دراسة طب يعني. وأن اعترضك بدوي يناقشك في أصول الطب. أو أنك عارف بعلم الفلك الحديث الفلك والكواكب والنجوم والمجرات. وعرض لك عامي ينازعك فيه وكلاهما البدوي والعامي لا يصغي إليك حتى توضح له الحجة. أو لا يستطيع في حاله الراهنة أن يفهمها. حتى لو شرحتها له لن يفهمها لأنه لم يتعلم مقدمات ذلك الفن ولكنه مع ذلك يجزم. أمر المظاهر الجزم والقطع “بما ظهر له ويرميك بالجهل والغفلة فهل تعده حر الفكر؟ لقد بلغ بالناس حب الاجتهاد بحرية الفكر إلى أن أغفلوا النظر في صواب الفكر وخطأه. وأصبحت حرية الفكر مرادفة للخروج عما كان عليه الآباء والأجداد. ولقد يعلم أحدهم أن ما كان عليه آباؤه وأجداده هو الصواب. ولكن شغفه بأن يقال حر الفكر يضطره إلى مخالفته.” يعني كما يقال في المثل خالف تُعرف أو خالف تُذكر. “فهل يستحق مثل هذا أن يقال له حر الفكر؟ لا والله.

وكثير منهم يدع تقليد أسلافه ويقلد بعض الملحدين. فهل خرج هذا من الرق إلى الحرية؟ كلا بل خرج من رق إلى رق. حر الفكر هو الذي يطلق فكره حيث يستطيع الانطلاق. ويكفه حيث يجب الانكفاف. هو الذي يحرص على الحق أينما كان. فإذا ظهر أن الحق هو ما كان عليه أسلافه لزمه. ولم يبالِ بأن يقال له جامد مقلد. حر الفكر هو الذي يحرص على الثبات على المبدأ الذي كان عليه أسلافه. حتى تقهره الحجة الواضحة.” انتهى.

هذا يا إخوان ما يسمى بالتعالم الخفي والعلماء لهم كتب كثيرة منها كتاب “التعالم” للشيخ بكر أبو زيد وبعض من كتب في ذلك. الشيخ أبو زيد ذكر في الحلية عن كتابه التعالم لما أوصى به قال: “احرص على اقتنائه وقراءته فهو يكشف المندسين بين صفوف طلاب العلم. خشية أن يرجفوا بهم. ويضيعوا أمرهم ويبعثروا مسيرتهم في الطلب.” هذه مشكلة المتعالم. أنه يُعكر عليك طريقة طلبك للعلم. فيستلبهم وهم لا يشعرون.

القاعدة العاشرة: تيسير العلم

القاعدة العاشرة تيسير العلم وهي آخر القواعد في هذا الفصل الأول. نقف إلى هنا ونلتقي إن شاء الله في الدرس القادم صلى الله وسلم على نبينا محمد.


المجلس السادس

مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما. حياكم الله أيها الأحبة في المجلس السادس من مجالسنا في شرح الكتاب الأول المستوى التمهيدي لمعهد التأصيل العلمي، هو كتاب المدخل إلى طلب العلم.

انتهينا من القواعد لطلب العلم ووصلنا إلى القاعدة العاشرة وهي الأخيرة من هذه القواعد.

القاعدة العاشرة: تيسير العلم

قال في تيسير العلم. يعني هذه القاعدة تبين للطالب ليس أن العلم يسير، بل أن العلم يمكن أن يتيسر. ونحن نحفظ أن العلم يسير على من يسره الله وصعب على من صعبه، أليس كذلك؟ نعم، هذه قاعدة نظرية قدرية تؤمن بها. لكن لتيسيره أسباب. وقبل ذلك، ما الذي يجعل العلم صعبا؟ يجب على طالب العلم أن يعرف الأسباب التي يدخل أو تدخل منها صعوبة العلم فيعالجها. ليس العلم صعب فقط لأنك مذنب أو لأنه مش عارف إيه. لا أبدا.

لذلك بدأنا بهذه القاعدة قالوا:

  • العلم كله سَهْلٌ على مَن عَلِمَه صَعْبٌ على مَن جَهِلَه؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ [القمر: 17] قال قتادة ومَطَر الوراق: هل من طالب علم فيعان عليه.

هذه القاعدة العامة، كيف يتيسر لك العلم؟ صعب؟ نعم، اطلبه يتيسر لك. لماذا؟ لأن العلم سهل على من تعلمه وصعب على من لم يتعلم. والدليل قوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}. قال قتادة من التابعين ومطر الوراق أيضا من التابعين، ما أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره: “هل من طالب علم فيعان عليه”. انتهى.

يقول ابن عبد البر في التمهيد كلاما جميلا يقول: إذا كان القرآن الميسر للذكر من لم يتعاهده تفلت منه، فكيف بالعلم؟ لا شك أنه أشد تفلتا. إذا سيكون أشد صعوبة. لكن إذا عرفت أسباب الصعوبة سهل عليك العلاج. لماذا يكون الأمر صعبا؟ أي شيء تستصعبه دل على أنك تجهل السبب الذي جعله صعبا. ومتى يكون سهلا؟ بمعرفتك لهذا السبب وعلاجه، تزول تلك الصعوبة.

أسباب صعوبة العلم

لذلك حصر العلماء رحمهم الله أسباب صعوبة العلم، ورأوا أنها لا تخرج من ثلاثة أقسام. لذلك قال عندكم هنا:

  • وأسباب صعوبة العلم ثلاثة أقسام:

تتبع العلماء الصعوبة التي تحصل لطالب العلم في العلم فوجدوها لا تخرج من هذه الثلاثة. كيف؟ لأن العلم، كلمة العلم أو التعليم أو طلب العلم يتكون من ثلاثة أمور: يتكون من طالب علم، هذا هو المستمع، ويتكون من عالم، هذا هو المتكلم بالعلم، ويتكون من كلام العالم، يلقي كلاما يسمعه الطالب. فإذا عندنا ثلاثة أمور: عالم ومتعلم (اللي هو المتكلم والمستمع)، والكلام الذي هو العلم. فالصعوبة إما أن تكون في هذا أو هذا أو هذا. طيب، وكل واحد من هذه الثلاثة حصر العلماء الأسباب التي تدخل منها صعوبة العلم.

القسم الأول: السبب في اللفظ

القسم الأول: أن يكون السبب في اللفظ؛ فله ثلاثة أحوال: الأول: أن يكون لتقصير اللفظ عن المعنى. الثاني: أن يكون لزيادة اللفظ على المعنى الثالث: أن يكونَ لِغَرَضِ يَقْصِدُه المتكلم بكلامه.

قالوا القسم الأول: أن يكون السبب في اللفظ، يعني في الكلام. الكلام الذي يتكلم به العالم ويسمعه المتعلم. إذا كان هذا الصعوبة في هذا القسم، فله ثلاثة أحوال فقط من الصعوبة، لا تخلو من هذه الثلاثة الأحوال.

  1. الأول (طبعا يقال الحال الأول والحال الأولى، الحال تؤنث وتذكر لأنها تأنيث غير حقيقي، تأنيث مجازي كما يقول النحويون، فائدة ما فيهاش فائدة): أن يكون لتقصير اللفظ عن المعنى. يعني أن الكلام الذي سمعه الطالب من الشيخ قصر عن المعنى، فذكر الشيخ كلاما لم يستوفِ المعنى، وحصلت الصعوبة. وهذا سهل علاجه. ابحث عن السبب الذي جعل شيخك يقصر ويذكر كلاما لا يستوفي لك المعلومة. مثلا يريد الشيخ أن يوصل لك معلومة أن من مبطلات الوضوء مثلا إخراج الريح. ومعلوم بالضرورة أن الريح يخرج من الدبر. فماذا قال الشيخ؟ قال: من نواقض الوضوء الريح. وأنت مسكين جديد لا تعرف ما الذي يتكلم عنه المؤلف؟ ما الذي ذكره الشيخ؟ ما الذي يريده بالريح؟ هل الريح التي هي الرياح الهوائية؟ أو الريح الذي تخرج من الإنسان من دبره؟ هنا لما قصر الشيخ عن الكلام، صار الكلام قصيرا أقل من المعنى، فحصلت الصعوبة، فستستشكل وستسأل. لكن إن عرفت السبب لماذا قصر الشيخ عن المعنى؟ هذا عدة أسباب، منها أن يكون عنده خلل في النطق، كأن يكون بطيء الكلام. هناك بعض الشيوخ كلامه بطيء جدا، ثقيل الكلام، تحس كأنه يعني يتكلم بشق الأنفس: “وهذه المسألة على ثلاثة أقسام…” هكذا بعض الشيوخ بدون أسماء، أنتم تعرفون أمثلة. ومنهم من عنده مشكلة في النطق، ربما أنت سمعت حرفا وهو يريد حرفا آخر، كالذي يلثغ في الراء، وبدل أن يقول الراء يقولها بحرف الغين: “غاء”. أنت استشكلت، صح ولا لا؟ أو يكون عندك نوع بلادة أو قلة فهم، سواء منك أو من الشيخ، وهذا سيأتي إن شاء الله علاجه. أذكر يا أحبة وهذا ليس عيبا، صعوبة الفهم أو نقص الذكاء أو نسبة البلادة، وبطء الفهم هذا يعالج. إذا هذا السبب الأول.

  2. طيب السبب الثاني: أن يكون لزيادة اللفظ عن المعنى. يعني عكس الأول. الأول الكلام كان أقل من المعنى فحصلت الصعوبة، نبحث عن السبب ونكمله. الثاني أن يكون الكلام زائدا عن المعنى. مثلا يريد الشيخ أن يوصل لك معلومة أن من فرائض الصلاة القيام مع القدرة. فماذا قال؟ “ومن فرائض الصلاة، والفريضة والفرائض جمع فريضة، والفريضة والفرض بمعنى واحد، والفريضة والركن مترادفان، وقال بعضهم بالاختلاف، فذكر بعضهم أن الركن هو كذا وكذا والفرض هو كذا وكذا والفريضة هي كذا وكذا، وهذا كله خلاف لفظي لا يؤثر.” ثم عاد إلى ما هو عليه. هذا الكلام كله زائد لا تحتاجه. ثم قال: “القيام مع القدرة. والقدرة عند الفلاسفة تختلف عن القدرة عند أهل العلم.” لاحظ الآن الكلام هو ماذا؟ الذي تحتاجه أن من فرائض الصلاة القيام مع القدرة. لكن زاد الشيخ كلاما لا يحتاجه الطالب بحسب يعني مستواه، فسبب لك صعوبة. لماذا؟ لأنك تحسب أن كل ما قاله الشيخ هو شرح لهذه الفريضة وهذا الركن. والذي ذكره الشيخ ربما خمسة في المئة فقط، وتلك الأمور زيادات. لماذا زاد الشيخ عن المعنى؟ انظر ما سبب الزيادة. قالوا إما أن يكون لهذا للمتكلم وإكثاره، الشيخ يحب التوسع، هذه طريقة بعض المشايخ وهي طريقة سيئة في الجملة يعني، وإلا قد تكون جيدة في بعض المواضع، أما في كل المواضع فغلط. الناس اليوم تحب الإكثار من الكلام، يمكن هذي طبيعته. إذا عرفت طبيعة الشيخ عرفت كيف تتخلص من الكلام الزائد وتكتفي بالكلام المستوفي للمعنى. أو يكون لسوء ظن الشيخ بفهمك، ظن أنك بليد وأنت مسكين نسبة ذكائك ما شاء الله عالية، فأراد أن يزيد الكلام ويزيد ويزيد في الشرح ويزيد، وأنت مللت ثم أصابتك صعوبة. قلت: لماذا هذه المسألة؟ أنا أظنها سهلة. لا هي سهلة، لكن الشيخ أساء الظن بك، ظن أنك بليد، لأي سبب كان. إذا العلاج سهل.

  3. طيب السبب الثالث: قال أن يكون لغرض يقصده المتكلم بكلامه. بغرض يقصده المتكلم بكلامه. يعني أن الشيخ يريد رمزا معينا أو كما نقول باسوورد، أو أراد أن يعطي شفرة لا يريدك أن تفهم ما تقول، لسبب رآه، ربما لأنك إذا فهمته تسبب فتنة أو أو أو أيا كان. هذا العلاج أن تسأل الشيخ: يا شيخ ماذا تريد؟ حينئذ يبين لك. أراد الشيخ أن يشرح لك مثلا مسألة في حديث، مثلا في قوله ﷺ: “لا ضرر ولا ضرار”. قال: “ولا هنا نافية للجنس، واختلف اللغويون هل هي نافية للجنس على سبيل التنصيص أو على سبيل الوحدة؟” ثم واصل: “وضرر نكرة في سياق النفي تفيد العموم، ففي الحديث النهي عن الضرر كله صغيره وكبيره.” هذا فهمته، لكن هذه الجملة الصغيرة قبل قليل في إيش؟ التنصيص أو إيش؟ هو يقول لك: لا، اترك هذا خلاص. إذا الشيخ له هدف، يسمى عند العلماء مواضعة. يعني قصد أن يرمز بكلامه حتى لا تفهمه، يجعل لك شفرة. إما أن يريد أن يحمسك، أو أن يستفز ذكاءك أو غباءك، أو يريد أن يجس نبضك هل أنت منتبه في الفهم أم لا، وهكذا. وهذه قد تصلح أحيانا في شد الانتباه. وقد اشتهر بها من المعاصرين مثلا ابن عثيمين رحمه الله وأنا كنت أحاكي هذا الكلام. مثلا في الأصول الثلاثة يقول: المسألة الثانية أن الله تعالى أرسل إلينا رسولا، من أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار، كما أرسل إلى فرعون رسولا إلى آخره. فما يقول الشيخ مثلا: والله قد أرسل لنا رسولا وهو إبراهيم عليه السلام كما أرسل فرعون الرسول واحد إبراهيم. إيش إبراهيم؟ هذا النبي ﷺ! لا، هو يريد هدفا معينا للمواضعة كما يقولون، مواضعة (ميم واو ألف مد عين، مواضعة تاء مربوطة)، يعني ترميز معين، شفرة معينة يريد أن يختبر بها الطالب، له هدف معين. هذا علاجه أن تسأل الشيخ، فإن أعطاك وإلا فاسكت وواصل واتركها وتجاوزها.

القسم الثاني: السبب في المعنى

القسم الثاني: أن يكون السبب في المعنى؛ فلا يخلو المعنى من ثلاثة أقسام: الأول: إما أن يكون مستقلا بنفسه؛ ظاهرا أو خفيا. الثاني: أن يكون مُقَدِّمةً لغيره؛ سواء افتقر إلى نتيجة أو لا. الثالث: أن يكون نتيجةً لغيره.

طيب، إذا هذا القسم الأول كله تلاحظون ثلاث أسباب في افي الكلام.

القسم الثاني قالوا: أن يكون السبب يعني سبب الصعوبة في المعنى.

ما الفرق بين هذا وبين الأول؟ الفرق أن الأول والثاني كلاهما لا زال الكلام في العلم أو الكلام الذي يقوله الشيخ ويسمعه طالب العلم. لكن الفرق أن الأسباب الأولى في اللفظ، الكلمات التي يسمعها الطالب، بغض النظر عن معناها. أما هنا، لا، نحن تخلصنا من الألفاظ. الكلام ليس زائداً عن حده وليس أقل من معناه، وليس هناك ترميز ومواضعة وتشفير معين يريده الشيخ، لا. وإنما أنا الآن في المعنى.

أنا فهمت اللفظ، عرفت اللفظ، لكن بقي عندي إشكال في المعنى. مثلا قال الشيخ: الدين النصيحة. وهذا الكلام من النبي ﷺ معناه أن الدين من أعظم أركانه وأعظم أموره النصيحة. أنت فهمت الألفاظ، مستوية، فهمتها، لكن بقي المعنى: ما الذي يريده الشيخ بـ “من أعظم أركانه”؟ هل النصيحة من أركان الإسلام؟ احنا عارفين أن أركان الإسلام خمسة. هل النصيحة يعني، ما معنى قوله “من أركانه ومن أعظم أموره”؟ طيب هل هناك فرق بين الركن والأمور العظيمة؟ هنا الكلام في المعنى لا في اللفظ.

أيضا قالوا لا يخلو من ثلاثة أحوال. قالوا المعنى نفسه، قبل أن يكون صعبا أو سهلا، المعنى له ثلاثة أقسام:

  1. إما أن يكون مستقلا بنفسه. ما معنى مستقل بنفسه؟ يعني لا يحتاج إلى مقدمات تعينك على فهمه، وليس هو مقدمة توصلك إلى نتيجة تريد فهمها. لا هو كلام مستقل، سواء كان كلاما مستقلا ظاهرا أو خفيا. ظاهرا أو خفيا. مثال: يعني قال الشيخ في التفسير مثلا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أي أن الله واحد. هذا معنى مستقل بنفسه، ثم هو معنى واضح ظاهر جلي، يفهمه العامي والجاهل والعالم وكلهم، صح؟ طيب، أو أن يكون معنى مستقل من نفسه لكنه خفي. يعني يحتاج إلى زيادة تأمل وزيادة معاناة. مثلا قال الشيخ في نفس الآية (عرفت الآن قبل قليل كان المعنى ظاهرا، الآن ذكر معنى آخر) قال: وقد ذكر العلماء فرقا بين الواحدية والأحدية. فالله يوصف بالواحدية أنه واحد، ومعنى الواحدية كذا وكذا. ويوصف بالأحدية فهو أحد، ومعنى الأحدية كذا وكذا. هنا المعنى مستقل لكن فيه نوع خفاء. الواحدية والأحدية هذا شيء جديد عليك، نعم. تحتاج إلى زيادة تأمل. لا يلزم أن تفهمه من أول مرة ولا ثاني مرة ولا عاشر مرة، بل تحتاج إلى التكرار والتأمل وهكذا، بالدربة والتكرار وهكذا. أما الواضح الذي لم تفهمه إلا أن يكون غفلة منك أو أنك لا تفهم الكلام العربي أو اللغة التي يتكلم بها الشيخ، لأنه معنى مستقل ظاهر وجلي. طيب، إذا الصعوبة في هذين النوعين أو هذا النوع سهلة.

  2. القسم الثاني: أن يكون المعنى مقدمة لغيره. يعني لن تفهم هذا الكلام إلا بأن يوصلك إلى نتيجته. لماذا؟ لأن الكلام هذا المعنى نفسه هو مقدمة. مثلا، قال الشيخ، يريد الشيخ أن يوصل لك معلومة، نتيجة، يوصلك إلى نتيجة وهي ماذا؟ وهي أن الكلام في أسماء الله وصفاته مثل الكلام في ذاته. يعني ما نقوله في صفات الله وأسمائه هو الذي نقوله في ذات الله. فإذا كنت ترى أن هناك تشبيها، لا، لا تشبيه بينك وبين ذات الله، إذا لا تشبيه بينك وبين يدي الله، بين يديك وبين يدي الله، بين وجهك وبين وجه الله، بين قدمك وبين قدم الله، بين نزولك وبين نزول الله، بين علوك وبين علو الله، وهكذا. هذه النتيجة. أراد الشيخ أن يقدم لك بمقدمة حتى تفهمها. قال لك: لأن هذه الصفات وهذه الأسماء هي أسماء وصفات لموصوف ومسمى واحد. الآن لو سكت الشيخ إلى هنا، لم تفهم وستشعر بصعوبة. لماذا؟ بسهولة، ليس لأنك بليد، وليس لأن الشيخ يريد، لا لا لا، لأن هذا الكلام، هذا المعنى، هو مقدمة يحتاج إلى نتيجة. طيب كيف تحل هذه الصعوبة؟ بأن تصبر حتى يوصلك الشيخ إلى النتيجة. يعني تصبر حتى يوصلك الشيخ إلى النتيجة. وأحيانا يكون الكلام نفسه مقدمة لكن يمكن أن تفهمه بدون أن يوصلك إلى النتيجة. مثل ماذا؟ مثلا يقولون مقدمتين أو ثلاث، قد تكون النتيجة لها عدة مقدمات. مثلا يريد أن يوصل لك أن الأمر يفيد الوجوب، لكن ليس دائما، ولكن هذا هو الأصل أن الأمر يفيد الوجوب. إذا وجدت “افعل” أو “افعلوا” أو كذا في الكتاب والسنة، فالأصل أنها للوجوب، إلا في أحوال. الآن هذا الكلام هو مقدمة، لكنه في نفس الوقت تستطيع أن تفهمه لوحده، صح ولا لا؟ فإن انتظرت إلى أن تصل إلى النتيجة، مثلا ستكون النتيجة هنا: كيف ما هي الحالات التي يكون فيها الأمر ليس للوجوب؟ قالوا: إن كان كذا، وإن كان كذا، وإن كان كذا. أنت الآن فهمت، وإن كان الكلام في البداية مقدمة، لكنه في الحقيقة هو نتيجة، لكن يمكن فهمه بدون نتيجته. إذا، إن كان المعنى مقدمة، فينظر: هل يمكن أن يفهم وحده؟ نعم، إذا الأمر سهل، لا يلزم أن تنتظر نتيجته. إن لم يفهم لوحده، فاعلم أنك لابد أن تنتظر نتيجته.

  3. والثالث العكس: أن يكون المعنى نتيجة لغيره. فإذا كان المعنى نتيجة لغيره، لا يمكن أن تفهم النتيجة إلا بعد أن تفهم مقدمتها. فإن كان الكلام نتيجة، فابحث عن المقدمة. إن كنت جئت متأخرا، فاتك الدرس، فاعلم أنك متأخر. انتظر حتى ينتهي الدرس وأعد ما ذكره الشيخ. أو إن كنت غفلت أو سرحت في الدرس، فاطلب منه الإعادة إن كان الشيخ له طريقة ويسأله الطالب في نفس الدرس إلى آخره أو بعد الدرس. لذلك مثلا وجدت شيخ يتكلم عن معنى ما وهو نتيجة، فاتت عليك المقدمة، لذلك صعب عليك. مثلا قال الشيخ، أنت دخلت ووجدت الشيخ يقول مثلا: وهذا وجه كون الاستهزاء من نواقض الإسلام. اه طيب السؤال، ما هذا الوجه؟ كيف أعرفه؟ هذه نتيجة الآن. لابد أن تبحث عن المقدمة. ما وجه كون الاستهزاء كفرا؟ ترجع إلى الدرس وتقرأ، يقول لك شيئا: الاستهزاء نوعان، منه استهزاء صريح، وهذا الذي يكون كفرا لأنه كذا وكذا وكذا. الآن عرفته. والله يا أحبة.

إذا الأمر سهل. إن كان المشكلة والصعوبة في المعنى، فانظر إن كان المعنى مستقلا بنفسه، فاطلب من الشيخ أن يعيد لك ذلك. إن كان جليا ظاهرا فغالبا سيكون نوعا من بلادتك أو غفلتك، فأعد وركز من جديد. وإن كان المعنى خفيا فتحتاج إلى زيادة تكرار ولا يلزم أن يظهر لك المعنى من أول مرة ولا من ثاني مرة، فلذلك احرص على التكرار. وإن كان المعنى مقدمة لغيره، فانظر هل فهمه يتوقف على النتيجة؟ إذا اصبر وانتظر حتى تصل ويصل الشيخ إلى النتيجة. وإن كان المعنى نتيجة، فابحث عن المقدمة فيما فاتك وهكذا.

وأحيانا يا إخوة هذه المسائل نفهمها في مواضع أخرى. أحيانا عند العلماء ما يسمى بـ “طي المقدمة”. أحيانا يطوي العالم المقدمة يعني لا يذكرها ويذكر النتيجة مباشرة. لماذا؟ يريد من الطالب أن يترقى قليلا، وأن يتربى على التدقيق والتحرير، وأن يتعود أن ينمي ملكته ويستنبط المقدمات بنفسه. والعكس، أحيانا يلغي ويطوي العالم النتيجة، يذكر مقدمات ولا يذكر النتيجة. لماذا؟ إما لأن النتيجة واضحة بديهية كما يقولون، أو لأنه يريد أن يشحذ ذهن الطالب ويقوي ملكته حتى يستنبط النتائج من المقدمات. وهكذا كانت طريقة العلماء في التعليم في السابق، لذلك كان الطالب عندهم ينبغ مباشرة في أقل مدة. أما اليوم تمسك شيخك وتجلس معه عشر سنوات وربما لن تجد إلا أنك صرت نسخة من شيخك أو ربما نسخة مصغرة وقد تكون في الغالب نسخة مشوهة. والله المستعان. وسيأتي إن شاء الله أمثلة على ذلك في الدروس.

القسم الثالث: السبب في المستمع (الطالب)

٣- القسم الثالث: أن يكون في المستمع (الطالب)؛ فهو أربعة أشياء: الأول: ما كان مانِعًا مِن تَصَوُّرِ المعنى وفهمه؛ فهو البلادَةُ وقِلَّةُ الفِطْنَة. الثاني: ما كان مانعا مِن حِفْظِهِ بَعدَ تَصَوُّرِهِ وَفَهْمِهِ: فهو النِّسْيانُ. الثالث: شُبْهةُ تَعتَرِضُ المعنى فَتَمْنَعُ مِن تَصَوُّرِه وإدراك حقيقته. الرابع: أفكار تُعارِضُ الخَاطِرَ فَيَذْهَلُ عن تَصَوُّرِ المعنى.

طيب هذا القسم الثاني. القسم الثالث بقى وين؟ أن يكون سبب الصعوبة في الطالب نفسه، في المستمع نفسه. فهذا أربعة أشياء فقط:

  1. الأول: أن يكون مانعا من تصور المعنى وفهمه. يعني أن يكون في الطالب سبب يمنعه من فهم المعاني ومن فهم الكلام. ما هو هذا؟ قالوا هو أمر واحد: هو البلادة وقلة الفهم وبطؤه وصعوبته. وهذا يعالج بالتكرار والمداومة مع سؤال الله عز وجل، وأشياء أخرى ستأتينا إن شاء الله في نهاية الكتاب.

  2. الثاني: ما كان مانعا من حفظه بعد تصوره وفهمه. يعني أنا أفهم والحمد لله، لكن يصعب علي لأنني لا أحفظ. هذا يسمى النسيان، وعلاجه بالتكرار والأمور التي ذكرناها مما يعين على الحفظ ومن قواعد الحفظ التي ذكرناها لقاعدة الحفظ.

  3. الثالث: شبهة تعترض المعنى فتمنع من تصوره وإدراك حقيقته. والحل أن تزيل هذه الشبهة. ولا يلزم أن تكون الشبهة هنا شبهة حقيقية تحتاج إلى جواب وتفكيك، لا، يمكن أن تكون الشبهة أنك جديد على هذا العلم، أو أن تكون شبهة أنك لم يسبق لك في حياتك أن درست دراسة تفصيلية منهجية مترتبة متدرجة، فحينئذ ستشعر بغربة وشيء جديد وأشياء كذا غريبة، لا لا بأس، والعلاج: الدوام والاستمرار على طلب العلم مع تكرار هذا الأمر الذي أشكل عليك، وسؤال ومدارسة النجباء وإلى آخره.

  4. الرابع: أفكار تعارض الخاطر فيذهل عن تصور المعنى. يعني إيه؟ يعني ما نسميه نحن بالدارج السرحان. يسرح، الشيخ يشرح وأنت تسرح. الشيخ وصل الكتاب الخامس أو الباب السابع الحديث الخامس البيت العاشر وأنت ما شاء الله سرحان، تضرب أخماسا في أسداس، وتنظر… الشيخ ذكر مسألة فسرح ذهنك غاية السرحان، ذهب ذهنك إلى السماء السابعة، ذهب ذهنك إلى الأرض السابعة، ما شاء الله ذهب ذهنك إلى قوم عاد وثمود. الشيخ ذكر مسألة في الزواج فسرحت إلى النظرة الشرعية في أم عبدالله الأثرية وأم العجفاء الخثعمية، واستحضرت أنك ربما ستتزوج أو تطلقها، ما شاء الله! فجأة قال: يا شيخ أنت يا فلان خليك معانا لو سمحت! فهذه الأمور هي ربما تكون خارجة عن إرادتك، لكن قالوا بالاستعداد النفسي ومحبة العلم والرغبة فيه مع سؤال الله تقل شيئا فشيئا. وكلما كان التركيز أكبر كلما كان نسبة السرحان أقل، كما يقول أطباء النفس وغيرهم. واضح يا أحبة؟ طيب.

المقدمة السادسة: أصول أدب الطلب أربعة

انتهينا الآن من المقدمة الخامسة. جئنا الآن إلى المقدمة السادسة وهي المقدمة الأخيرة في هذا الفصل.

المقدمة السادسة: أصول أدب الطلب أربعة:

هذه المقدمة هي في الحقيقة مقدمة فنية تعين طالب العلم الذي يقرأ وينظر في كتب آداب طالب العلم، بل الذي يقرأ أو يسمع كل ما يتعلق بالعلم الشرعي، حتى لو لم يكن فيما يتعلق بآداب طالب العلم. لو كنت تقرأ كتابا في التاريخ، كتابا في الرد على الجهمية، كتابا في الرد على المرجئة، كتابا في الأسماء والصفات، كتابا في أي نوع من العلم، ستستطيع أن تقتنص وتصطاد آداب طالب العلم. كيف أعرفها؟ بحصرها. حصرها في أربعة أصول، وكل أصل يشتمل على أبواب رئيسة.

الأصل الأول: ما يتعلق بأدب العلم في ذاته

الأول: ما يتعلق بأدب العلم في ذاته، ويشمل: معرفة فضل العلم وأهله، ومعرفة كيفية طلبه، ومعرفة التعامل مع أدواته.

هذا يشمل ثلاثة أبواب من الأدب:

  1. الأول: معرفة فضل العلم وأهله. أينما قرأت، أي كتاب تقرأه، وجدت مسألة أو فائدة متعلقة بفضل العلم وأهله، أثبتها عندك.
  2. الثاني: معرفة كيفية طلب العلم. كيفية طلب العلم من أي نوع من أنواع الكيفيات.
  3. الثالث: معرفة التعامل مع أدوات العلم. أدوات العلم بمعنى الكتب، الكتابة، التلخيص إلى آخره.

الأصل الثاني: ما يتعلق بأدب الطالب مع نفسه

الثاني: ما يتعلق بأدب الطالب مع نفسه، ويشمل: معرفة أخلاق طلاب العلم وسمت العلماء.

أدب طالب العلم مع نفسه. هناك آداب مع نفسك. والناس اليوم للأسف، كثير من طلاب العلم اليوم في هذا الزمان العجيب غفل عن هذا الأصل، يظن أن آداب طلب العلم هي مع شيخه وفي درسه ومع كتبه والسلام عليكم. لا يا أخي، تجده متسخ الثياب، نتن الرائحة، وتشم رائحة النتن من بعد كيلومترات، والله المستعان. ثائر الرأس كأنه صعق بكهرباء يعني مئتين ألف فولت. ربما يعني أمهق اللون إذا اغبش كما نقول ها؟ جاف الجلد، يا أخي ما هذا؟ معفس الثياب، يا أخي ما هذا يا شيخ؟ يا أخي إن الله جميل يحب الجمال. رجل شعرك، سرح شعرك، وادهن جسمك. جسمك هذا الذي لا نعرف أهو أبيض أو هو مصاب بمرض البهاق أو البرص؟ وتعطر يا شيخ تعطر. العطر يا أخي مجانا، بريال، بدولار. حسن هيئتك. هذه الآداب يغفل عنها كثير من الناس.

لذلك ذكرها العلماء هنا وحصرناها هنا، قال: ما يتعلق بأدب الطالب مع نفسه. ويشمل بابين:

  1. الأول: معرفة أخلاق طلاب العلم.
  2. والثاني: سمت العلماء.

لماذا؟ لتتخلق بأخلاق طلاب العلم، ولتتدرب على سمت العلماء، لأنك طالب علم يا شيخ، بكل بساطة.

الأصل الثالث: ما يتعلق بأدب الطالب مع غيره

الثالث: ما يتعلق بأدب الطالب مع غيره، ويشمل: التعامل مع شيوخه، والتعامل مع زملائه، والتعامل مع طلابه.

وهذا يشمل ثلاثة أبواب. هذا الغير يشمل ثلاث أنواع من الناس.

  1. الأول: التعامل مع شيوخك. كيف تتعامل مع شيخك؟ اليوم نحن نعرف التعامل مع شيخ فقط الدعاء له والسلام عليه والاستفادة منه وجزاك الله خيرا. نعم هذا جزء من الآداب لكن هناك آداب أخرى تأتينا إن شاء الله مفصلة في الكتاب الثاني.
  2. قالوا الباب الثاني: التعامل مع زملائه. يعني رفقاؤك في الطلب، سواء كنتم في حلقة الشيخ أو كنتم في غير ذلك. هؤلاء لهم حقوق زائدة على حقوق المسلمين أجمعين.
  3. الثالث: التعامل مع طلابه. إذا منّ الله عليك وجلست للتعليم، هناك آداب تتعامل بها مع طلابك. ليس فقط مجرد أن تدرس يلا اذهب، بلغوا بلغوا بلغوا، لا يا شيخ اجلس. كما أخذنا بالأمس الدرس الماضي: العلم شيء وبيانه شيء آخر، صح ولا لأ؟ وما يعرف الإنسان به العلم في نفسه شيء وما يعرفه غيره شيء آخر.

الأصل الرابع: ما يتعلق بأدب الطالب في حلقة العلم ودرسه

الرابع: ما يتعلق بأدب الطالب في حلقة العلم ودرسه، ويشمل: كيفية اختيار ما يناسبه، وكيفية الاستفادة منها.

يعني أثناء حضورك في الدرس، سواء كان حضورا حسيا بنفسك أو حضورا معنويا كما هو البثوث المباشرة إلى غير ذلك. قال ويشتمل على بابين:

الأول: كيفية اختيار ما يناسبه. الناس اليوم تختار بناء على الشهرة، بناء على السمعة. واليوم صار عندنا بعض المحدثات بناء على الترند، وبناء على الفولورز، وبناء على صفحة الفيس، وبناء على عدد الفيديوهات في اليوتيوب. وبعضهم بناء على الجنسية، وبعضهم بناء على الصراخ والعويل. يا أخي ما يناسبك لا يعتمد على هذه الأمور. ستأتي معنا إن شاء الله في الفصل الثاني كيفية اختيار ما يناسبك من الدروس. والناس اليوم كما قال الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه، إنما يعتمدون في الغالب ما يفعله قرينه، أنا وصديقي فلان. جاء الشيخ العلامة فلان نذهب إليه. ذهبت مع صديقي. يا شيخ فلان ذهبنا إليه صديقي فذهبت مع صديقي. يا أخي ليس هكذا. وبعض الناس يعتمد الشهرة في العلم. مثلا العلامة ابن باز رحمه الله سيشرح صحيح البخاري، وهنا فضيلة الشيخ أبو فلان يشرح الأربعين النووية. الناس يذهبون إلى العلامة بن باز. ليست المسألة بهذه البساطة يا إخوة. ليست المسألة بالشهرة. أليس كذلك؟ أو بعضهم يقول ضيف البلاد، ضيف البلاد، ضيف البلاد يهربون جميعا، كالأعمى يحمل الأعرج، لا ليس كذلك. سيأتي معنا إن شاء الله. إذا هذا أدب. انظر إلى هذا الأدب وكيفية وما يسببه من الغفلة عنه والجهل به.

الباب الثاني قال: كيفية الاستفادة منها. كيفية الاستفادة من هذا الدرس من حيث هل أكتب كل شيء؟ هذه الأسئلة متكررة. يا شيخ نكتب كل شيء أو لا نكتب؟ طيب أنا أكتب أحفظ ولا ما أحفظ؟ طيب هذا الشيخ يتكلم ببطء، ربما في ساعة أكتب سطرين. والعكس، هذا الشيخ يتكلم بسرعة، ربما في خمس دقائق نكتب أربعين صفحة؟ هل نكتب؟ هل لا نكتب؟ اه وأنا لا أستطيع أن أكتب وأسمع، لابد أن أسمع أولا ثم أكتب. ويأتي بعضهم يعطيك نصائح: عندي لابد أن تكتب كل شيء، وبعضهم يقول لا تكتب كل شيء. سيأتي معنا إن شاء الله كيف هذه الأمور؟

هذه أصول أدب الطلب، فاحرص عليها إن قرأتها في أي كتاب تستطيع أن تصطاد الكلام. فإذا قرأت كلاما: قال وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يكرم طلابه. هذا أين؟ هذا في أدب الطالب مع غيره، أي أدب الطالب مع طلابه. أحسنت. وهكذا. قال الإمام مالك كان إذا جلس إلى حلقة الدرس تبخر وتعطر ولبس أحسن الثياب وجلس جلسة الخاشع. وعطر المجلس وبخره. اللي دفعناه اليوم يقولون هذا من البدع. أليس كذلك؟ الله المستعان. ستعلم هذه الآداب من أي أصل هي، هي آداب لطالب العلم؟ نعم. هذه في الأصل الرابع بما يتأدب به الطالب في حلقات العلم ودرسه. نعم. هكذا هو. إذا منّ الله عليك بالتعليم تستطيع أن تربي الطلاب وتؤهلهم إلى آخره.

الفصل الثاني: أصول منهجية

طيب، بهذا نكون قد ختمنا الفصل الأول كما سميناه مقدمات تأصيلية وعرفنا أهميته جدا. الآن نأتي إلى الفصل الثاني وبالله التوفيق.

قال: أصول منهجية. في الطبعات السابقة لهذا الكتاب كان يسمى فوائد منهجية، لكن رأينا أن نسميه في هذه الطبعة أصول منهجية لأنه أليق وأعظم وأدق في المعنى. أصول منهجية.

هذه الأصول يا أحبة يجب على طالب العلم أن يتعلمها ويبدأ بها قبل دراسته بالعلم الشرعي، قبل أن تفتح أي كتاب. لماذا؟ أولا لأنها تطبيق عملي لما سبق دراسته في الفصل الأول. يعني كالتفعيل والتطبيق لما درسته في الفصل الأول. كأن الطالب الآن يقول نعم درست الفصل الأول بقواعده ومقدماته، الآن أريد التطبيق، أريد استلام رخصة طالب العلم إن صح التعبير.

أهمية معرفة الأصول المنهجية قبل البدء

يجب على طالب العلم معرفتها. لماذا؟ لأسباب كثيرة لخصها لنا ابن القيم في كتابه المشهور رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه. انظر ماذا قال. هذا الكلام كله جواب على سؤال: لماذا ندرس هذه الأصول المنهجية في هذا الفصل الثاني من كتاب المدخل إلى طلب العلم؟ وهي تقريبا ثمانية أصول. نعم ثمانية أصول.

قال ابن القيم، يعني الجواب على لماذا ندرس هذه الأصول وأهميتها قبل طلب العلم؟ قبل البدء في طلب العلم. يقول:

فصل ومما ينبغي الاعتناء به علمًا ومعرفة وقصدًا وإرادةً: العلم بأن كل إنسان، بل كل حيوان، إنما يسعى فيما يُحَصِّلُ له اللذة والنعيم وطيب العيش، ويندفع به عنه أضداد ذلك، وهذا مطلوب صحيح يتضمن ستة أمورٍ:

أحدها: معرفة الشيء النافع للعبد، الملائم له، الذي بحصوله لذته وفرحه وسروره وطيب عيشه.

الثاني: معرفة الطريق الموصلة إلى ذلك.

الثالث: سلوك تلك الطريق.

الرابع: معرفة الضار: المؤذي المنافر الذي ينكد عليه حياته.

الخامس: معرفة الطريق التي إذا سلكها أفضت به إلى ذلك.

السادس: تجنب سلوكها.

فهذه ستة أمور لا تتم لذة العيد وسروره وفرحه وصلاح حاله إلا باستكمالها، وما نقص منها عاد بسوء حاله، وتنكيد حياته.

وكل عاقل يسعى في هذه الأمور، لكن أكثر الناس غلط في تحصيل هذا المطلوب المحبوب النافع، إما في عدم تصوره ومعرفته، وإما في عدم معرفته الطريق الموصلة إليه. فهذان غلطان سببهما الجهل، [وَيُتَخَلَّصُ] منهما بالعلم.

وقد يحصل له العلم بالمطلوب، والعلم بطريقه، لكن في قلبه إرادات وشهوات تحول بينه وبين قصد هذا المطلوب النافع وسلوكُ طريقه، فكلما أراد [ذلك] اعترضته تلك الشهوات والإرادات، وحالت بينه وبينه، وهو لا يمكنه تركها وتقديم هذا المطلوب عليها إلا بأحد أمرين: إما حب مُتَعَلِّقٌ، وإما فَرَقٌ مُزعِجٌ.

فيكون الله ورسوله والدار الآخرة والجنة ونعيمها أحب إليه من هذه الشهوات، ويَعلم أنه [لا يُمكنه] الجمع بينهما، فيؤثر أعلى المحبوبين على أدناهما، وإما أن يحصل له عِلْمُ ما يترتب على إيثار هذه الشهوات من المخاوف والآلام التي أَلَمُها أشدُّ من ألم فوات هذه الشهوات وأبقى. فإذا تمكن من قلبه هذان العِلْمَان أنتجا له إيثار ما ينبغي إيثاره، وتقديمه على ما سواه؛ فإنَّ خاصة العقل: إيثار أعلى المحبوبين على أدناهما، واحتمال أدنى المكروهين ليتخلص به من أعلاهما. وبهذا الأصل تَعْرِفُ عُقول الناس، وَتُمَيِّزُ بين العاقل وغيره، وَيَظهَرُ تفاوُتُهم في العقول…

“مما ينبغي الاعتناء به علما ومعرفة وقصدا وإرادة، العلم بأن كل إنسان بل كل حيوان إنما يسعى فيما يحصل له اللذة والنعيم وطيب العيش، ويدفع به عنه أضداد ذلك. وهذا مطلوب صحيح. يتضمن ستة أمور. هذه الستة هي على قسمين: أحدها: معرفة الشيء النافع للعبد الملائم له الذي بحصوله لذته وفرحه وسروره وطيب عيشه. والثاني: معرفة الطريق الموصلة إلى ذلك. الثالث: سلوك تلك الطريق.” هذا كله قسم أول: معرفة شيء نافع ومعرفة طريقه ثم سلوكه.

الرابع والخامس والسادس كذلك عكسها: “الرابع: معرفة الشيء الضار المؤذي المنافر الذي ينكد عليه حياته. الخامس: معرفة الطريق الذي إذا سلكها أفضت به إلى ذلك. السادس: تجنب سلوكها.” هذا الرابع والخامس والسادس عكس الأول والثاني والثالث.

هذه ستة الأمور على قسمين: الأول معرفة الشيء النافع، الثاني معرفة الطريق المؤدي إليه، والثالث سلوك هذا الطريق. الرابع معرفة الشيء الضار، والخامس معرفة الطريق المؤدي إليه، والسادس تجنب هذا الطريق. قال: “فهذه الستة أمور لا تتم لذة العبد وسروره وفرحه وصلاح حاله إلا باستكمالها، وما نقص منها عاد بسوء حاله وتنكيد حياته.”

“وكل عاقل يسعى في هذه الأمور. لكن أكثر الناس غلط في تحصيل هذا المطلوب المحبوب النافع”. كيف؟ في جهتين: “إما من عدم تصوره ومعرفته”، فلا يعرفه أصلا. وكثير من طلاب العلم لم يعرف هذه الأمور. “وإما من عدم معرفته الطريق الموصلة إليه”. يعني هو يعرفها لكن لا يعرف كيف يسلكها في الأمور النافعة وكيف يتجنبها في الأمور الضارة. قال: “فهذان غلطان سببهما الجهل، ويتخلص منهما بالعلم.”

طيب، هل يمكن أن يحصل العلم لبعض الناس بدون هذه الأمور؟ نعم. لكن هناك تشويش، هناك خلط. كيف؟ قال: “وقد يحصل له العلم بالمطلوب والعلم بطريقته، لكن في قلبه إرادات وشهوات تحول بينه وبين قصد هذا المطلوب النافع وسلوك طريقه، فكلما أراد ذلك اعترضته تلك الشهوات والإرادات وحالت بينه وبينه، وهو لا يمكنه تركها وتقديم هذا المطلوب عليها.” ليه؟ لأنه لا يدري كيف يتجنبها إلا بأحد أمرين: إما حب متعلق (هكذا وفي نسخة: حب مقلق، الحب شديد)، كما ذكرنا النهمة في طلب العلم، وإما فرق يعني خوف مزعج. فيكون الله ورسوله والدار الآخرة والجنة ونعيمها أحب إليه من هذه الشهوات. وهنا عندنا علمان: أن يعلم أنه لا يمكنه الجمع بينهما، وهذا أغلب الناس لا يمكنه الجمع بينهما، ماذا يفعل؟ فيؤثر يعني يقدم ويرجح أعلى المحبوبين على أدناهما. يلا أنت وإيمانك، أعلى المحبوبين عندك الدنيا وشهواتها؟ فلن تحصل العلم ولو عرفت طرقه على التفصيل، ولو درست المدخل إلى طلب العلم ودرست كل المستويات للتأصيل العلمي. وإما أن يكون المحبوب الأعلى عندك هو العلم الشرعي وخوف الله والدار الآخرة إلى آخره، فتقدمه وتحصل على العلم. هذا النوع الأول.

الثاني: أن يحصل له علم بما يترتب على تقديم هذه الشهوات من المخاوف والآلام. أنت تعلم إذا قدمت شهوات نفسك على طلب العلم، وهي كلها شهوة ساعة وألم سنة، التي آلامها أشد من ألم فوات هذه الشهوة وأبقى. حينئذ قال: “فإذا تمكن من قلبه هذان العلمان أنتجا له إيثار ما ينبغي إيثاره وتقديمه على ما سواه.” فإن خاصة العقل، يعني الميزة الأساسية التي خلق لها عقل الإنسان وميزه الله عن الحيوانات، إيثار يعني تقديم وترجيح أعلى المحبوبين على أدناهما، واحتمال أدنى المكروهين ليتخلص من أعلاهما. وبهذا الأصل، يعني خاصية العقل إلى آخره، تعرف عقول الناس وتميز بين العاقل وغيره، ويظهر تفاوتهم في العقول. انتهى.

إذا الحاصل أن هذه الأصول المنهجية كلها أصلا يجب أن نعرفها، أن يعرفها طالب العلم ويعتني بها قبل بدئه في طلب العلم. لماذا؟ لأنها تبين له الشيء النافع وطريقه وكيفية سلوكه، وتبين له الشيء الضار وطريقه وكيفية اجتنابه. أليس كذلك؟ ثم تعينك على تقديم خير الخيرين وتقديم أعلى المحبوبين واحتمال أخف الضررين وهكذا.

الأصل الأول: شروط تحصيل العلم

طيب، هيا الآن نبدأ بهذه الأصول. قال الأصل الأول: شروط تحصيل العلم. هذه الشروط منها ما هو مكتسب، يعني لابد أن تحصله يعني بلسان اليوم تشتريه شراء تأتي به حتى تقبل. ومنها شروط جبلية خلقها الله عندك، المطلوب منك أن تعتني بها وتزيدها وتحافظ عليها. إذا كل الشروط سهلة جدا. وهذه الشروط أنواع وأشكال، لم نفصلها فقط ذكرناها.

شروط طالب العلم في بدايته

  • طالب العلم في بدايته شرطه: ١ - الاستماع والقبول. ٢ - ثم التصور والفهم. ٣ - ثم التعليل والاستدلال. ٤ - ثم العمل والنشر.

قال طالب العلم في بدايته، كما نحن الآن في البداية، عندك شروط. وبعد أن تبدأ في العلم عندك شروط أخرى. في بدايته قال عندك أربعة شروط:

  1. الأول: الاستماع والقبول. أن تستمع العلم وتقبله. ولا تستمع وتعترض، ولا تغفل فلا تستمع. فلا بد من الاستماع، وهذا يذكر عن ابن عيينة وسفيان الثوري ومالك وغيره: أول العلم الاستماع، أول العلم الصمت إلى آخره. ولابد من الاستماع مع القبول، لأنك لن تستفيد إن استمعت ولم تقبل. وإلا ما فائدة السماع وأنت لم تقبل؟ تقبل يعني أن تصدق ما يذكره لك الشيخ من العلم، حتى لو لم تفهمه، حتى لو استشكلته، كما تقدم بالأمس: لابد في كل العلوم من مصادرات يأخذها الطالب ابتداء إلى أن تتبرهن له فيما بعد. وهذا حقيقة التدرج.
  2. الثاني: الشرط الثاني ثم التصور والفهم. التصور هو بمعنى الفهم، لكن عند بعض العلماء تدقيق يقولون التصور هو فهم المعلومة في الذهن، في ذهنك فقط، قبل أن تطبقها وتفهمها على أرض الواقع. فهمها وتطبيقها على أرض الواقع هذا يسمى التصوير. لكن لا يهمنا. المهم الثاني: الفهم. ولاحظ الشرط الأول يحقق لك الشرط الثاني. فإن استمعت وقبلت سهل عليك الفهم. وإن صعب عليك الفهم يرجع إلى القاعدة العاشرة تيسير العلم وانظر إلى الأسباب وعالجها. هكذا الطالب.
  3. الشرط الثالث: ثم التعليل والاستدلال. لماذا وكيف؟ وما الدليل؟ هذه مرحلة ثالثة. وهذه تتطلب منك مقدمات، تعرف ما معنى الدليل وتعرف وهكذا.
  4. والشرط الرابع: ثم العمل والنشر. هكذا هو.

هذه شروط كما تلاحظون شروط على طول الطريق في طلب العلم وليست شروط في البداية. يعني يا شيخ الشرط الأول والثاني والثالث والرابع أعطيني؟ لا لا ليس هكذا. هذه الشروط على طريق مشوارك، على طول مشوارك في طلب العلم. بعد مئة سنة، بعد عشر سنوات، بعد سنة، في علم واحد، في علمين، في ثلاثة، في عشرة، في المستوى التمهيدي، في المستوى الأول، هي شروط على مدار الطريق.

  • ومتى قدم رتبة عن محلّها حُرم الوصول لحقيقة العلم من وجهها:
  • فعالم بغير تحصيل: ضُحكة،
  • ومُحصل دون تقوى: لا عبرة به،
  • وصورة لا يصحبها الفهم: لا يفيدها غيره،
  • وما لم يُنتج: فهو عقيم.

ومتى قدم رتبة؟ يعني شرطا من هذه الشروط عن محلها، هذه الشروط بالترتيب. واحد، هي جاءت معطوفة بـ”ثم”، يعني هذا ثم هذا ثم يليه هذا بالترتيب. إذا خلطت بالترتيب ماذا حصل؟ قال حرم الوصول لحقيقة العلم من وجهها. ثم طبق هذا: فعالم بغير تحصيل: ضحكة. يعني ملطشة كما يقولون، يضحك عليك الناس وتضحك، يضحك عليك طلاب العلم تحسرا وشفقة عليك. عالم بغير تحصيل، يعني لم يسمع وبالتالي لم يقبل، ويزعم أنه عالم. أنت تضحك الناس على نفسك. ومحصل دون تقوى: لا عبرة به. وصورة لا يصحبها الفهم، يعني معلومة بدون فهم، فقط حفظتها وكتبتها في الدرس ورميتها في الكتاب، لا يفيدها غيره. وما لم ينتج، يعني التعليل والاستدلال والعمل والنشر، فهو عقيم.

أهمية المذاكرة

  • والمذاكرة حياة العلم؛ لكن بشرط: الإنصاف والتواضع، وهو قبول الحق بحسن الخلق.

ثم هناك شرط آخر، وهذا الشرط نسميه شرط في أثناء طلب العلم، يعني شرط داخلي، وهو المذاكرة. قالوا المذاكرة حياة العلم. يعني أن تذاكرها بينك وبين نفسك أو مع زملائك. نسميها نحن مراجعة، المناقشة، أيا كانت. لكن بشرط، وهذا الشرط مكون من جزئين، لذلك سماه شرطا واحدا، كأنه شرطان لا ينفكان عن بعضهما البعض. قال: الإنصاف والتواضع.

ما هو الإنصاف والتواضع؟ قال وهو، أي حقيقته: قبول الحق بحسن الخلق. لماذا؟ لأنه بالإنصاف تستطيع أن تقبل التصحيح والتخطئة من أي شخص كنت تذاكر معه. وبالتواضع تستطيع أن تتعبد لله عز وجل وتتراجع عن غلطك، أو أن تزيد معلومة زادها لك غيرك. وبدونهما لن تستطيع فعل شيء. بل ستأتي وتقول: وقد ناقشته وعرفت أنه مبتدع ضال، وقد ناقشته ولم يقتنع، وقد ذكرت له الحجة فلم تعجبه. يا أخي ما أدراك؟ رب حامل فقه ليس بفقيه، رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. أليس كذلك؟

شروط تحصيل العلم والانتفاع به (العشرة)

طيب. هذه شروط في البداية. ومنها ما هو على طريق مشوار، على طول مشوارك في طلب العلم، ومنها ما هو في أثناء الطريق: المذاكرة. هناك شروط أخرى بعد بدايتك في طلب العلم. يعني بدينا المستوى الأول، بدينا الكتاب الأول والكتاب الثاني، الكتاب الرابع، الخامس، راجع هذه الشروط فإن كانت غير موجودة فحصلها، وإن كانت موجودة فحافظ عليها وزدها. قالوا عشرة شروط لتحصيل العلم والانتفاع به. عشرة:

الأول: العَقْلُ الذي يُدْرِكُ به حقائق الأمور.

ليس العقل الذي هو ضد الجنون، لا، راح نتكلم عن عقلاء. لكن ما هو العقل المقصود؟ قال الذي يدرك به حقائق الأمور.

والثاني: الفطنة التي يَتَصَوَّرُ بها غوامض العلوم.

طيب والثاني: الفطنة. يعني نوع من التدقيق في الفهم، التي يتصور بها غوامض العلوم، يعني ليس مجرد الفهم، لا، فهم دقيق وعميق، وهذا يأتي بالاستمرار في طلب العلم.

والثالث: الذكاء الذي يَسْتَقِرُّ به حِفْظُ مَا تَصَوَّرَه وفَهُمُ ما عَلِمَه.

والثالث: الذكاء الذي يستقر به حفظ ما تصوره وفهم ما علمه. ليس الذكاء الذي هو ضد الغباء. ليس في العلم مانع يسمى الغباء. مهما كنت غبيا ستحصل العلم، لأن الذكاء من شروط تحصيل العلم وهو مكتسب. مهما خلقك الله غبيا تستطيع أن تكون ذكيا.

ما هو ضابط الذكاء المقصود في شروط تحصيل العلم والانتفاع به؟ قالوا الذكاء الذي يستقر به ما حفظته من العلم، ويستقر به وتستطيع به أن تفهم ما تعلمته. هذا سهل. وهذا يزيد بكثرة التكرار والمداومة والاستمرار.

والرابع: الشهوة التي يَدُومُ بها الطلب ولا يُسْرِعُ إليه الملل.

والرابع: الشهوة. ليست شهوة البطن والفرج. قال الشهوة التي يدوم بها، يعني تعينك على المداومة والاستمرار في الطلب، ولا يسرع إليه الملل. يعني كما نسميها النهمة، وشدة الرغبة والحرص. وهذه تأتي كل ما تفتح ذهنك في العلم، جاءتك الرغبة والزيادة.

والخامس: الاكتفاء بمادةٍ تُغْنِيهِ عن كُلَفِ الطَّلبِ.

الخامس: الاكتفاء بمادة. المقصود بالمادة يعني لقمة العيش كما نسميها، تغنيه عن كلف الطلب. تغنيه عن كلف الطلب، يعني ما يسد رمقك. وليس المقصود أن تكون غنيا ثريا، لا يلزم، لا يلزم. بل أغلب العلماء فقراء وإن كان منهم الأغنياء.

لذلك إذا فهمت هذا الشرط تستطيع أن تفهم ما أخرجه الخطيب في الجامع، أن سفيان الثوري رحمه الله كان إذا أعطاه طالب يريد أن يدرس عنده، سأله أولا: هل لك مادة تكفي بها نفسك؟ أو هناك من يعينك؟ هناك أبوك يصرف عليك أو أخوك ونحو ذلك؟ فإن قال لا، أمره أن يحصل عملا يسد به رمقه، ثم يأتي إلى العلم. وإن سمح له.

وهنا وقفة يعني: العلماء رحمهم الله في هذا الشرط بالذات لأن الخلل حصل فيه بسبب نوعين من الناس: بعض أهل البدع وبعض الجهال من أهل السنة. بعض أهل البدع كالصوفية مثلا، وجهلهم وضلالاتهم في الفقر والزهد وعدم سؤال الناس والقناعة، فاضطر أهل السنة أن يردوا عليهم ويصلحوا خللهم، أو يصلحوا ما أفسدوه.

والصنف الثاني من هو جاهل من أهل السنة، الذين تقحموا هذه المسائل ولم يستطيعوا يعني ضبطها أو نحو ذلك، فهؤلاء اضطر أهل السنة إلى إعادة تأصيل مثل هذا الشرط وتكلموا وألفوا كتبا في ماذا؟ في هذه المسألة، في ضبط مسائل الدنيا ومسائل لقمة العيش ومسائل العمل إلى آخره. فألف مثلا الإمام أبو بكر الخلال متوفى عام ثلاث مئة وإحدى عشر تقريبا، كتابا سماه “الحث على التجارة والصناعة والعمل وذم البطالة” أو نحو ذلك. وألف الإمام ابن أبي الدنيا أيضا المشهور الزاهد المعروف السلفي المتوفى مئتين وثمانين تقريبا كتابا سماه “إصلاح المال”، لاحظ “إصلاح المال”، وكتاب آخر سماه “النفقة على العيال”. بل وذكر العلماء هذه الأمور في كتب الزهد، نعم. وذكوها أيضا في كتب آداب الطلب، وحرروها تحريرا.

لذلك إذا فهمت هذه المسائل فهمت كلام السلف. وليس الزهد هو أن تغلق عينك عن الدنيا تماما. وموضوع الزهد يأتي لنا معه إن شاء الله كتب سواء في المتون التأصيلية أو في مجال السماع والرواية. سيأتي معنا إن شاء الله. لكن هذه إشارة صغيرة لنفهم أنه اشترطوا هذا في حصول العلم والانتفاع به.

والسادس: الفراغ الذي يكون معه التوَفِّرُ ويَحصُلُ به الاستكثار.

طيب. ثم قال الشرط السادس: الفراغ، يعني التفرغ. واليوم بعضهم يريد أن يقول أنا أريد أن أكلم المحسن الفلاني حتى يدفع لي راتب لأتفرغ، وأريد أن أقدم للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة لأتفرغ. ليس هو هذا المقصود، لا يلزم.

الذي يكون معه التوفر يعني في الوقت، ويحصل به الاستكثار من العلم. هل تستطيع أن تفرغ لنفسك عشر دقائق؟ نعم، أنا أعني ما أقول، عشر دقائق، ربع ساعة، ليس في اليوم، أقول في الأسبوع. وأنا أقسم لك ثلاثا غير حانث أنك تستطيع أن تتخرج طالب علم بمعنى الكلمة. لكنك ما شاء الله تستطيع أن تفرغ في اليوم ساعات. ولا يلزم أن تكون لابسا لعمامتك وجالسا في مسجدك، لا، حتى في مكان شغلك، في سوقك، في عيادتك، في صيدليتك، في خضرواتك، تستطيع أن تطلب العلم.

والسابع: عدم القواطع المذهلة من هموم وأمراض.

والشرط السابع: عدم القواطع المذهلة من هموم وأمراض. هنا يأتي طالب العلم مستعجل ويقول: يعني لا أمرض ولا ولا يصيبني الهم؟ كيف هذا؟ يا أخي لا تستعجل، قلنا لك كم مرة، اسأل. المقصود أنه إذا أصابتك الهموم أو الأمراض أن لا تنقطع، ولا يعني لا تكون قاطعة لك عن العلم. ولو أن تقلل المقدار فلا حرج. لذلك نسمع قصصا للسلف أن فلانا كان في مرض موته سمع الحديث الفلاني، وفلان في مرض موته قال اقرأوا علي الكتاب الفلاني، وهكذا.

والثامن: طُولُ العُمرِ واتّساع المدّة؛ لينتهي بالاستكثار إلى مراتب الكمال.

والشرط الثامن: طول العمر واتساع المدة. إذا المقصود أن تطيل عمرك؟ المقصود أن تداوم وتستمر على طلب العلم. لماذا؟ قال لينتهي بالاستكثار أي من العلم إلى مراتب الكمال. كما تقدم معنا: مع المحبرة إلى المقبرة، ولعل الكلمة التي تنفعني لم أكتبها إلى الآن، إلى آخره.

والتاسع: الظَّفَرُ بعالم سَمْحٍ بِعِلْمِهِ مُتَأَنٍّ فِي تَعْليمه.

والشرط التاسع: الظفر بعالم سمح بعلمه متأن في تعليمه. يعني الذي شرحناه في قاعدة الشيخ، تلك الصفات إذا وجدتها فهذا الشيخ الذي يكون ومن ضمن شروط العلم.

والعاشر: تهيئة القلب لقبوله بالعبادة؛ ليكون رقيقا لينا فيقبل العلم بسهولة ويسر ويرسخ فيه ويؤثر.

والعاشر، هذا العاشر مهم جدا، وقد نص عليه ابن تيمية رحمه الله، قال: تهيئة القلب لقبوله أي لقبول العلم بالعبادة، أي يهيأ القلب بالعبادات، العبادات سواء كانت قولية كالذكر والتسبيح والتلاوة، أو فعلية كالصيام والحج والزكاة والصلاة وغيرها، أو حتى قلبية كالتفكر والخشية إلى آخره.

لماذا؟ قال ليكون أي القلب رقيقا لينا. إذا كان القلب رقيقا لينا، هذه الرقة وهذه الليونة تعينه على قبول العلم بسهولة. وهذا يضاف إلى أسباب صعوبة العلم. فإذا نظرت إليها في القاعدة العاشرة تيسير العلم ولم تجدها، ابحث عن هذا الأمر، ربما يكون قلبك قاسيا، فماذا تفعل؟ لينه ورققه بالعبادة، ليسهل عليك الفهم والحفظ ويرسخ فيه ويؤثر.

ومن هنا نفهم الآثار التي نقرأها عندنا في كتب السلف، أن مثلا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا صعبت عليه الآية سبح ألف تسبيحة وفي رواية مئة تسبيحة وأكثر السجود والتلاوة إلى آخره حتى يفتح الله عليه. ونفهم لماذا يذكر العلماء في كتب آداب طالب العلم أن يستكثر من تلاوة القرآن ومن الصلاة ومن التسبيح ومن كذا وكذا، بهذا الشرط.

وهنا وقفة صغيرة ليس هذا مكانها لكن إشارة. بسبب ردة الفعل على الصوفية واستدلالهم الخاطئ، يأتي بعض السلفيين ويبطل الاستدلال كله. ودائما احفظ يا طالب، افهم يا طالب العلم، اسمع النصيحة: إذا عبث أهل البدع باستدلالهم بدليل ما، لا يعني أن كل استدلالهم باطل. فتأن ولا تستعجل. يعني بعض السلفيين مجرد أن وجد آية يعبث بها أهل البدع، ظن أن كل ما في الآية باطل ولا يمكن أن يستدل بها بحال من الأحوال. أعطيكم مثالا في هذا الشرط: قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282]. هذه الآية كثر عبث الصوفية بها، أنا أقول عبث ثم يقولون استدلال، أنا أقول عبث. وهم استدلوا بها على أمر باطل واضح، قالوا أن التقوى، استدلوا بها على أن التقوى تكفي، وذموا بها طلب العلم. يذمون طلب العلم، وقالوا مجرد التقوى والجلوس في حضرة شيخك وتكون مريدا له، يسبب لك حصول العلم، وهذا باطل بلا شك. وجاء بعض السلفيين وبطل الاستدلال بالآية، قال لا علاقة لهذه الآية أبدا. بل الآية لها علاقة بالعلم، بهذا الشرط: اتقوا الله ويعلمكم الله. فعلاقتها شرط بمشروط أو سبب بمسبب. خلاص؟ نعم قد يوجد العلم ولا توجد التقوى، وقد توجد التقوى ولا يوجد العلم، نعم، لكن نحن نتكلم عن طالب العلم الذي يريد تحصيل العلم والانتفاع به، يريد أن يستعمل هذه التقوى والعبادات لترقيق قلبه لتعينه على سهولة قبول العلم. هكذا ذكر ابن تيمية رحمه الله.

الأصل الثاني: أنواع الكتب

طيب. الأصل الثاني: أنواع الكتب. طالب العلم من أهم أدواته الكتب. والذي يهم طالب العلم في البداية أن يعرف أنواعها. لماذا؟ ليحسن كيفية التعامل معها، سواء يريد أن يشتريها أو يستعيرها أو، ويحسن قراءتها، ما الذي يقرأ؟ وما الذي لا يقرأ؟ ويحسن دراستها؟ ما الذي يدرس؟ وما الذي لا يدرس؟ ويحسن ترتيب بنائه العلمي؟ ما الذي يقدمه من الكتب وما الذي يؤخره؟ وهكذا. وأنواع الكتب ذكر أربع حيثيات:

من حيث الموضوع

  • من حيث الموضوع: متون، وشروح.

الحيثية الأولى قال: من حيث الموضوع. هناك نوعان: متون وشروح. وباختصار المتون هو الكتاب الذي يحتاج إلى شرح. والشروح هي تلك الكتب التي تشرح تلك المتون. فمثلا الأربعون النووية هذا متن، وجامع العلوم والحكم لابن رجب في شرح الأربعين النووية، هذا شرح. صحيح البخاري متن، فتح الباري شرح، وهكذا. وهذا يعينك، أحيانا قد يختلط عليك الأمر، لا تقل الأمر هكذا سهل.

مثلا كتاب شرح الأصفهانية لابن تيمية رحمه الله، ويقال أصفهانية بالفاء ويقال أصفهانية بالباء، يقال أهل المشرق يقولون بالفاء وأهل المغرب يقولون بالباء، وهذه فائدة ما فيهاش فائدة. شرح الأصفهانية، هل هذا متن أو شرح؟ إياك أن تستعجل وتقول واضح شرح الأصفهانية، إذا هو شرح. هذا الذي يفسد العلم. ليس في العلم شيء اسمه واضح، معروف. لا بد من كل علم من تعلمه. هل تعلمت هذا الأمر؟ لا. إذا اسكت. ولا تغتر بالعناوين. واعلم بأن العلم بالتعلم. ما في شي اسمه واضح.

شرح الأصفهانية هو متن وليس شرحا. بداخله شرح لبعض مواضع من متن أشعري، وهذا الذي غلب عليه الشهرة من حيث الشهرة فسمي شرح الأصفهانية. أليس كذلك؟ كتاب شرح حديث جبريل المشهور لابن تيمية. هل هذا متن أو شرح؟ لا تستعجل مرة أخرى. هذا متن ليس شرحا. هو كتاب الإيمان الأوسط، يتكلم عن الإيمان ومنزلة العمل منه والرد على المرجئة والجهمية إلى آخره. نعم شرح شيئا من حديث جبريل المشهور في الإيمان والإسلام والإحسان.

من حيث الحجم

  • من حيث الحجم: مختصرات، ومتوسطات، ومطولات.

قال الحيثية الثانية: من حيث الحجم. المقاس. هناك ثلاثة أنواع: مختصرات ومطولات ومتوسطات.

لكن انتبه، قد يسمى الكتاب مختصرا ولا يكون مختصرا بالنسبة لزمانك أو مكانك أو حالك يعني مستواك العلمي. ومن أشهر الأمثلة مثلا عندنا في الفقه المالكي: مختصر خليل. تسمع كلمة مختصر وهو آخر كتاب يقرأه المتفقه في السلم المالكي، بل كتاب معد أصلا للطالب الذي تأهل للقضاء والإفتاء. طيب لماذا سمي مختصرا؟ حتى لا تفرح تقول مختصر خليل أبدأ به، إن شاء الله ستموت. سمي مختصر لأنه ألف في ضمن سلسلة اختصارات، فهو مختصر من مختصر لمختصر لمختصر للمدونة.

وقد يكون الكتاب مطولا بحسب الزمان أو الكلام الذي قلناه في الفصل الأول أن المنهجية وتفاصيلها تختلف بعدة اعتبارات ومنها اعتبار الزمان والمكان والحال، ينفعك هنا.

فمثلا ألفية ابن مالك هي في الحقيقة مختصر، بل هي خلاصة لمطول وهي الكافية في ثلاث آلاف بيت. في ذلك الزمان كانت هي المختصر الذي يبدأ به الطالب وهكذا. اليوم عندنا مطول، أليس كذلك؟ وقد يكون الطالب مثلا نابغا في النحو فيكون مثلا متن قطر الندى لابن هشام مختصرا بالنسبة له وهو في الحقيقة متوسط. وهكذا وهكذا.

وقد يكون الكتاب مقارنة بغيره أو في حلقته وإخوانه من الكتب مختصرا. فمثلا بلوغ المرام هو في الحقيقة مختصر في أحاديث الأحكام، مقارنة بالمنتقى للمجد ابن تيمية مثلا وغيره. صحيح البخاري سماه “الجامع الصحيح المسند المختصر”. مختصر؟ أيوه نعم، مختصر باعتبار ما جمعه من الأحاديث الصحيحة الكثيرة. هو جمع شيئا مختصرا مقارنة بالأحاديث الصحيحة الكثيرة، سبعة آلاف وزيادة بالمكرر، وبدون مكرر ثلاث آلاف زيادة. وهكذا بقية الكتب.

من حيث البناء العلمي

  • من حيث البناء العِلْمي: كتب تأصيلية (أساسية)، وكتب تكميلية (فرعية).

طيب. من حيث البناء العلمي، وهذا أهم حيثية. من حيث البناء العلمي، يعني ما الذي يبدأ به طالب العلم في الدراسة؟ وما الذي إلى آخره

عندنا نوعان: هناك كتب تأصيلية أساسية، يعني الكتب التي وضعها العلماء ليتدرج بها الطالب إلى غيرها، إلى ما فوقها، ويتخرج بها ويبدأ بها.

والنوع الثاني كتب تكميلية فرعية، يعني جعلت لتكميل وضبط ما درس في الكتب التأصيلية.

وانتبه، قد يكون الكتاب في حال ما تأصيليا ومقارنة بغيره في حال أخرى تكميليا.

أعطيك مثال: كتاب الأربعون النووية، هذا كتاب تأصيلي، مقارنة ببلوغ المرام مثلا، بلوغ المرام فرعي. فمن بدأ بالبلوغ قبل الأربعين حصل خلل في بنائه العلمي، كالذي أراد أن يبني بيتا فاشترى المراوح والسقف واللمبات والأنوار والمكيفات ولم يبني جدارا ولا سقفا ولا حائطا. خلل. ومثال آخر: بلوغ المرام نفسه مقارنة بصحيح البخاري. الآن يصير بلوغ المرام كتابا تأصيليا، وصحيح البخاري متنا تكميليا. وهكذا فقس.

من حيث طريقة التأليف

  • من حيث طريقة التأليف: نثر، ونظم.

طيب. من حيث طريقة التأليف. للعلماء طريقتان: نثر، يعني كلام إنشائي كما هو في المدخل هنا. والثاني النظم، وهو الكلام الشعري يعني شعر. ونظم العلماء العلوم لتسهيل حفظها واختصار الوقت في دراستها.

مثلا ألفية العراقي في علوم الحديث هي نظم لكتاب علوم الحديث لابن الصلاح المسمى بمقدمة ابن الصلاح. فمثلا بدلا أن يحفظ الطالب ويدرس ثلاث مئة صفحة أو مئتين صفحة تقريبا، يحفظ ويدرس ألف بيت، ربما تقع في خمسين صفحة أو أقل.

وأحيانا قد يكون المتن نثرا تسهيلا، وقد يكون مستقلا، وقد يأتي الطالب بحسب الحال كما قلنا التفاصيل تختلف. أنا مثلا لا أهوى النثر وأهوى الشعر، وأترنم به، فأحفظ المنظومات. طالب آخر يقول لا أنا لا أحب النظم وأكسل، وإنما أحفظ النثر. كلاهما، كلاهما واحد. وأحيانا قد يكون النظم أكثر من النثر. مثلا الآجرومية مثلا في نسختنا في المعهد ست سبع صفحات تقريبا، ست أو سبع صفحات. ونظم الآجرومية للعمريطي مئتان وزيادة بيتا. قد يقول الطالب ما هذه الزيادات لا أريدها. وقس على هذا.

خاتمة

الأصل الثالث قال كيفية قراءة الكتب وتلخيصها بعد ان عرفنا انواعها. نأتي لكيفية قراءتها وترخيصها والاستفادة منها. نتركه في الدرس القادم. وغالبا سيكون الدرس القادم والذي بعده هو الختام والله اعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


المجلس السابع

مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما. حياكم الله أيها الأحبة في المجلس السابع من مجالس شرح كتاب المدخل إلى طلب العلم، وهو الكتاب الأول من المستوى التمهيدي لمعهد التأصيل العلمي.

دخلنا بفضل الله عز وجل في الفصل الثاني، وانتهينا من الأصل الأول: شروط تحصيل العلم، والأصل الثاني: أنواع الكتب.

تنبيهات حول أنواع الكتب

وقبل الدخول في الأصل الثالث، هناك تنبيهان مهمان فيما تقدم من أنواع الكتب.

التنبيه الأول: كتب ليست تأصيلية ولا تكميلية ولكنها صارت كذلك

التنبيه الأول أن هناك كتبا ليست، أعني التنبيه متعلق بالحيثية الثالثة التي هي البناء العلمي. قلنا هناك كتب تأصيلية أساسية وهناك كتب تكميلية فرعية وشرحنا الكلام.

هناك كتب لا هي من النوع الأول ولا النوع الثاني، يعني ليست تأصيلية وليست تكميلية، إنما هي عوان بين ذلك. ولكن أبى الله عز وجل إلا أن تكون من الكتب التأصيلية. لماذا؟ لعدة أسباب.

  • منها أن هذه الكتب لا يوجد ما يقوم مقامها ويسد ما تسده من الفراغ.
  • والسبب الثاني أن هذه المؤلفات بسبب حسن تأليفها وجودة ترتيبها وصياغتها صارت بمنزلة الكتب التأصيلية.

ومن أشهر الأمثلة على ذلك كتب ابن تيمية رحمه الله،

  • كالعقيدة الواسطية. نعم، العقيدة الواسطية هي في أصلها ليست من المتون التأصيلية ولا من المتون التكميلية، ولكنها جواب على سؤال، لكن لم يوجد ما يسد مسدها في هذا الجانب من العقيدة فصارت متنا تأصيليا في هذا الباب.
  • وأيضا كتبه الأخرى: الفتوى الحموية والقاعدة التدمرية.
  • وأيضا مقدمة أصول التفسير كذلك.
  • ومن الكتب أيضا ما نشرحه نحن في المستوى الأول: كتاب الجامع في الآداب. وهذا في الحقيقة باب مستل من كتاب القوانين الفقهية في مذهب المالكية لابن جزي المالكي الغرناطي. لكن لحسن صياغته وجودة ترتيبه وعدم وجود ما يسد مكانه في هذا العلم بالذات، جعل متنا تأصيليا.
  • وكذلك رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضا نشرحها في المستوى الأول لابن تيمية رحمه الله، وهي في الحقيقة فصل من كتاب الاستقامة لابن تيمية. لكن لحسن جودة هذا الفصل وترتيبه، صار بمنزلة، وعدم وجود ما يسد مسده، صار بمنزلة المتون التأصيلية.

الأصل الثالث: كيفية قراءة الكتب وتلخيصها

قال رحمه حفظه الله ورحمكم جميعا وحفظكم. الأصل الثالث: كيفية قراءة الكتب وتلخيصها.

بعد أن عرفنا أن أهم أدوات الطالب هي الكتب، وعرفنا أنواعها، الآن نأتي لكيفية الاستفادة منها والتعامل معها، بغض النظر عن أنواعها، الكلام الآن عام. عندنا خمسة ضوابط موجودة عندكم:

الضابط الأول: التلخيص نوع من الفهم والحفظ

١ - التلخيص نوع من الفهم والحفظ.

تلخيص الكتب بأي شكل كان، سواء للكتاب كاملا أو لجزء منه في كراسة خاصة أو في نفس الكتاب أو أيا كان. سميته تلخيصا لكتاب ما أو اخترعت تأليفا على ضوء كتاب ما، أيا كان، هو نوع من الفهم والحفظ.

وهذا يترتب عليه أمر مهم: أن طالب العلم منذ البداية ينبغي أن يعود يده على الكتابة. ومن أعظم ذلك تلخيص الكتب والشروح ونحوها.

ينبغي أن يعود نفسه على ذلك. لماذا؟ لأنك تكسب بذلك الفهم والحفظ. وما صنعته بيدك لا يمكن أن تكتبه بدون أن تفهم. وإذا صنعته بيدك قطعا ستكون حافظا له، إن لم تكن حافظا له بنسبة مئة بالمئة، ستكون حافظا له بنسبة كبيرة. هذا هو. إذا هذا أولا.

الضابط الثاني: كيفية تدوين الفوائد

٢ - التلخيص مبني على معرفة كيفية تدوين الفوائد؛ وله طريقتان: داخل الكتاب، وخارجه.

التلخيص والاستفادة من الكتب واستخراج الفوائد منها، أي كتاب كان، يعتمد على أمر واحد، وهو كيفية تدوين الفوائد.

من الناس ومن الطلاب من يظن أن تدوين الفوائد هو مجرد أن تنظر لفائدة ثم تكتبها على جانب الكتاب أو على طرته يعني في بدايته أو على خاتمته أو على غلافه أو على قصاصة أو نحو ذلك. جيد، لكن لابد أن تعرف أن كيفية التدوين للعلماء لها طريقتان. هذه الطريقتان العامتان، ثم في داخل هذه الطريقتين افعل ما شئت.

  1. الطريقة الأولى: أن تدون الفوائد في داخل الكتاب. سواء دونتها على هوامش الكتاب وأطراف الصفحة، أو في صفحة خالية في بداية الكتاب أو في آخره، أو تدبس وتعلق صفحات أو قصاصات على نفس الصفحات، أيا كان. أو تعلم عليها بأن تضع تحت الفائدة خطا أو تلونها بما يسمى هايلايتر أو ما أدري ما اسمه هذا. المهم هذه هي طريقتي الأولى. وتلاحظون أن هي لها عدة صور لكنها طريقة أولى، التي هي تدوين الفوائد في داخل الكتاب.

  2. والطريقة الثانية: خارج الكتاب. ونعني بخارج الكتاب أي في كتاب مستقل أو في كراسة أخرى أو في نوتة أو في قصاصات ورقية، المهم أن تكون خارجة من الكتاب مستقلة عنه.

إذا عرفت هذا فافعل ما شئت بأي طريقة، ولا يلزم أن تختار طريقة واحدة، بل يجوز أن تختار كلتا الطريقتين. في كتاب ما أو في فوائد ما تصلح الطريقة الأولى، أو في فوائد أخرى تصلح الطريقة الثانية. وربما تكون فائدة كتبت جزءا منها في داخل الكتاب وجزءا منها في خارجه، وهكذا.

الضابط الثالث: استعراض الكتاب ثلاث مرات

٣- للاستفادة من الكتاب لابد من استعراضه ثلاث مرات: (۱) جردٌ سريع لمعرفة الموضوعات الرئيسة. (۲) جردٌ لفهرسة فوائده عموما. (۳) قراءة متأنية لتدوين الفوائد.

للاستفادة من الكتاب، تريد أن تفهمه، أن تلخصه، أن تجرد فوائده أو تأخذ جزءا منه، أو أن تقرأه وتطلع عليه اطلاعا مجردا، لابد من استعراضه ثلاث مرات. لابد من قراءته ثلاث مرات. وكل مرة لها أسلوب مختلف.

إن عرفت هذا ستعشق قراءة الكتب، ستكون آلة لالتهام الكتب، لن يقع كتاب في يدك إلا وتضعه وقد جردته من أوله إلى آخره.

ومن هنا يأتي اللغز عند بعض العلماء من باب الملاطفة يقولون: كيف تقرأ كتابا في ساعة واحدة؟ نعم هذا صحيح إذا عرفت هذه الطريقة.

لابد من استعراضه وقراءته ثلاث مرات. في كل مرة لك هدف ولك أسلوب.

  1. المرة الأولى: جرد سريع، يعني قراءة سريعة. والغرض منها معرفة الموضوعات الرئيسة. بعض الناس يقول الرئيسية، هذا يقال لحن. الرئيس، هذه فائدة ما فيهاش فائدة. جرد سريع، قراءة سريعة، والغرض منها معرفة الموضوعات الرئيسة، الموضوعات الكبرى، الموضوعات الأساسية. مثلا تريد أن تقرأ كتاب الفوائد لابن القيم، تأخذ هذا الكتاب وتستعرضه وتجرده وتقلب صفحاته وتقرأ سريعا، في كل صفحة تقرأ رأس الصفحة ووسطها ومنتصفها. تنظر مثلا رأيت في العشر صفحات أو الخمسين صفحة أو المئة صفحة الأولى تكلم عن ثلاثة مواضيع أساسية. نعم هناك موضوعات كثيرة لكن أكثر المواضيع وأكبرها التي شدتك هي هذه الثلاثة. طيب. والمئة الثانية تكلم عن موضوع ثان، فصاروا أربعة. والمئة الأخيرة إذا كان الكتاب مثلا ثلاث مئة صفحة، لم يتكلم وإنما كرر الكلام عن تلك الموضوعات. إذا هذه الآن خمسة أو ستة موضوعات أساسية تكلم عنها الكتاب الفلاني. أنت الآن لا تحتاج في جرد هذه المرة الأولى ربما نصف ساعة أو أقل، مهما كان حجم الكتاب. أليس كذلك؟ هنا تستفيد فوائد كثيرة، منها أن تعرف هل هذا الكتاب سيخدمك فيما تريد البحث عنه من مسائل أم لا؟ هل هذا الكتاب مهم، تعجل بقراءته قبل غيره؟ أو أن الكتاب يمكن أن يؤخر؟ هذا الكتاب فيه أشياء ليست في غيره أو فيه أشياء مهمة تحتاج إلى… هل هذا الكتاب يحتاج إلى قراءة المرة الثانية والثالثة أم نكتفي بالمرة الأولى؟ من الكتب ما لا يحتاج، خلاص تصفحته جردة سريعة وعرفت الموضوعات الرئيسية ووجدت أنها ربما لا تفيدك شيئا أو لا تزيدك شيئا وهكذا. يعني تتسلى به في أوقات الملل والفراغ. شف هذه فوائد كثيرة من المرة الأولى.

  2. نأتي للمرة الثانية. الجردة الثانية قالوا: جرد لفهرسة فوائده عموما. هذه المرة الثانية سيكون الوقت ربما أطول. لو كانت في الأولى نصف ساعة، ستكون هنا ربما ساعة أو أكثر. وهناك قرأت قراءة سريعة من رأس الصفحة ومنتصفها ونهايتها، الآن ستحاول أن تطالع رؤوس الأسطر، يعني بداية المقطع كذا وكذا وكذا ثم تنتقل إلى سطر ثلاثة، سطر تقفز من سطر، يعني تقرأ أغلب الصفحات وليس تقرأها كلها قراءة كلمة كلمة، فقط تطالع رأس السطر وتنظر إلى نهايته وهكذا. لماذا؟ الغرض من هذه المرة أنك أولا تعرف الموضوعات الرئيسة، عرفتها. لكن الآن تريد أن تفهرس الفوائد عموما في الكتاب. وهذه نرجع إلى الضابط الثاني. مثلا قرأت المئة صفحة الأولى، عرفت أن الموضوعات الرئيسة في الجردة الأولى أنها ثلاثة. الآن عشرة موضوعات متفرعة. ووجدت خمسة عشر فائدة في التفسير، وخمسين فائدة في الحديث، وفائدتين في العقيدة، وثلاثة في اللغة. ماذا ستفعل؟ ستدون هذه الفوائد على طريقة الفهرس. يقال فهرس ويقال فهرست، هي كلمة فارسية على كل حال. المقصود أن تعينك على الوصول إلى تلك الفائدة متى ما أردت. أن تعينك على استحضار أن ابن القيم أو ابن تيمية أو الكتاب الذي تقرأه تكلم عن المسألة الفلانية في هذا الكتاب يقينا، وتكلم عنها في الصفحة الفلانية. ماذا تفعل؟ تدون الفائدة بأسلوبك. إما أن تنقل الفائدة كاملة سواء كانت اخترت الطريقة في داخل الكتاب أو في خارجه، أو أن تشير إليها إشارة. مثلا: فائدة تفسيرية في قوله كذا، الصفحة كذا، بس. هذا الفهرس أنت الذي تعرفه وأنت الذي تستفيد منه وأنت الذي تحفظه وأنت الذي تصونه وأنت الذي تخبئه. أنت حر، أنت الآن تبني نفسك. عرفت؟ طيب لو وقعت في يدك عشرون كتابا، ستستطيع في يومين أو ثلاثة أن تجردها مرة أولى والمرة الثانية، وتستطيع أن تفهرس فوائدها عموما، يعني خلاصة الكتب موجودة في ذهنك على طريقة رؤوس أقلام.

  3. طيب نأتي لمرحلة الجردة الثالثة. المرة الثالثة قال: قراءة متأنية. لماذا؟ لتدوين الفوائد. طيب أنا ماذا فعلت في المرة الأولى والثانية؟ فهرستها. هنا فوائد تفسيرية، هنا فوائد حديثية، هنا فوائد كذا. الآن سأقرأه كلمة كلمة. أمكث وأقرأه كلمة كلمة. لكن هنا فائدة مهمة: ستكون قراءتك في المرة الثالثة سريعة جدا. لماذا؟ كأنك مررت على الكتاب للمرة الثالثة. وأنت تعلم أنه في هذه الصفحات تكلم عن كذا وكذا وكذا. وأنت تعلم أن السطر الفلاني قرأته جله في المرة الأولى والثانية. فستكون قراءتك سريعة. وستدون الفوائد بعد أن فهرستها، وستدون وربما تقف على فوائد أعظم. وإذا انتهيت من الكتاب تكون قد امتصصته امتصاصا شديدا، لن تدع فيه فائدة إلا وضعتها.

طيب. هنا فائدة مهمة، وحق لهذه الفائدة أن تكون الضابط رقم واحد، قبل الرقم واحد عندكم (التلخيص نوع من الفهم). وهي أن الكتاب ليس الهدف من قراءة الكتاب الفلاني هو فقط فهمه. إياك أن تظن أن المقصود من قراءة الكتب هي فهمها. طيب ماذا نقرأ الكتب؟ فهم الكتب، فهم الكتاب هو أحد أهداف قراءته. بمعنى أن هناك أهدافا أخرى. منها هذا الذي نذكره الآن. أنت مثلا لست مؤهلا لقراءة كتاب مثلا درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية، باعتبار أنك طالب مبتدئ والكتاب يحتاج إلى علوم أخرى لم تدرسها بعد. طيب، لكن لابد أن أقرأه. لماذا؟ على الأقل لأفعل وأؤدي هذا الأمر، هذا الواجب. استعرضته استعراضا سريعا، صنفت موضوعاته الرئيسة، عشرة خمسة عشر موضوعا. جردته جردا سريعا وفهرست فوائده. وجدت ربما فوائد متعلقة بطلب العلم، هذه تنفعني، وهذه سأفهمها لأنني أنا المؤهل لها. نعم. طيب، لذلك لا تظن أن الكتاب فقط الفائدة من قراءة الكتاب هو فهمه، لا. هناك فوائد أخرى، هذه أحدها. يعني أنك ستقرأ كتبا لن تحتاج إلى فهمها، بل وليس هدفك من قراءتها أن تفهمها. وهنا ستقمع، بالميم، ستقمع شيطانك، سواء كان شيطان جن أو إنس، أنك قرأت الكتاب الفلاني ولكن لم أفهمه. وما المشكلة؟ لا يلزم أن تفهمه. مش لازم تفهم يعني، بالدارجة كدا بالمصري، ها؟ ما لازم تفهم يا شيخ. طيب ماذا أفعل؟ هناك فوائد أخرى. على الأقل أن تكون قد لخصت عن ماذا يتكلم هذا الكتاب، دونت وفهرست فوائده عموما. حينئذ تجد عندك حصيلة علمية في وقت وجيز. وهكذا كان العلماء، لا يقرأون كتابا إلا ويستحضرون فوائده. وأنت تقول متى حفظوا هذا الكتاب؟ تظن أنهم جلسوا في قاعدة الحفظ وقعدوا وجلسوا يراجعون الكتاب؟ لا لا لا يلزم، هذا نوع من الحفظ.

الضابط الرابع: اعتماد أصل وجمع زوائد الفوائد عليه

٤ - اعتماد أصل وجمع زوائد الفوائد عليه.

الضابط الرابع قال: لابد لطالب العلم من اعتماد أصل، يعني اعتماد كتاب في الفن، في كل فن. وهذا الكتاب يكون هو الأصل المعتمد عندك. ماذا تفعل؟ ارجع إليه ويكون هو عمدتك وخادمك وتصحبه إلى الممات. وماذا تفعل فيه؟ تكرر قراءته وتفهرس فوائده وتدونها. وأيضا تجمع زوائد الفوائد عليه.

أعطيك تطبيقا عمليا: أنت درست الأربعين النووية. الأربعون النووية متن، من أنواع المتون، متن من أنواع الموضوع، متن. ومن حيث الحجم هو مختصر. ومن حيث البناء العلمي هو كتاب تأصيلي في الحديث. من حيث طريقة التأليف هو نثر، أحاديث نبوية. ولا يمكن أن تلخصه، ستحفظه. طيب. ما المطلوب؟ أن تستشرحه على شيخ. شرح لك الشيخ هذا المتن بشرح مختصر بالنسبة له. طيب. دلك الشيخ على شروحات لتتوسع بها بنفسك. وقلنا القراءة والتوسع هذا وظيفتك لا وظيفة شيخك. طيب، مثلا نظرت في شرح ابن عثيمين للأربعين النووية وقرأته وكذا، جيد. نظرت في شرح ابن رجب جامع العلوم والحكم للأربعين النووية، أعجبني، جيد. نظرت في شرح الشيخ صالح آل الشيخ في شرح الأربعين النووية، جيد. ومررت على بقية الشروحات.

اختر واحدا من هذه الشروح يكون أصلا معتمدا، هو الركيزة التي يعني محور الارتكاز. مثلا اخترت كتاب ابن رجب جامع العلوم والحكم. ماذا أفعل؟ هذا الكتاب سيكون هو العمدة الذي أموت عليه في شرح الأربعين النووية، ومراجعتي للأربعين النووية ستكون من هذا الكتاب، أعود عليه وأروح وأغدو إلى الممات. طيب، وجدت فوائد زائدة في الحديث الفلاني ليست موجودة في جامع العلوم والحكم، ماذا أفعل؟ وجدتها في شرح ابن عثيمين. اقتنص تلك الفائدة وآتي بها في موضعها المناسب، مثلا في شرح حديث “لا ضرر ولا ضرار” وجدت فوائد كثيرة مثلا من ابن رجب، لخصتها، وجدتها مثلا عشرين فائدة. وجدت في شرح ابن عثيمين فائدتين زائدتين في هذا الحديث، ماذا أفعل؟ ائت بها، وعلى طريقة تدوين الفوائد، إما أن تدونها في نفس كتابك أو في خارجه أو أو إلى آخره. وتجعل لك يعني رمزا، مثلا “عث” لاختصار ابن عثيمين، أو تقول ابن عثيمين. المهم أن تضع ذلك، وإما أن تضع الفائدة بنصها أو تلخصها أو تشير إليها: انظر شرح ابن عثيمين وقد ذكر فائدة لا توجد هنا، وهكذا.

مررت على كتاب آخر لا علاقة له بشرح الأربعين النووية، مثلا كنت تقرأ في كتاب إغاثة اللهفان لابن القيم، وجدت فائدة متعلقة بحديث “الدين النصيحة”، مباشرة ذهنك قد برمج برمجة أوتوماتيكية، ستأتي وتقتنصها وتضعها في موضعها المناسب بحسب طريقتك، إما داخل الكتاب أو خارجه أو هكذا.

لذلك بعد سنة أو شهور لن تكون طالب العلم المبتدئ الذي كان ينتظر شيخه حتى يملي عليه الشرح ويوجهه يمينا وشمالا. ها، ربما زدت على شيخك. وحينئذ ستكون العالم الرباني، يحق لشيخك في ذلك الوقت أن يفرح بك كما كان الأئمة يفرحون بطلابهم إذا سبقوهم، لا كما نراه اليوم إلا من رحم الله وقليل ما هم، قليل جدا، يغار الشيخ من طالبه إذا نبغ، يقول: هل تعرفون فلان هذا؟ هذا الآن الذي علمته ولم يكن يعرف شيئا. طيب يا أخي جزاك الله خيرا وأحسن الله إليك، الآن هو تربى على يديك وصار أعلم منك، افتخر به.

ويروى في ذلك قصة، لا يهمنا ثبوتها أو عدم ثبوتها، المطلوب منها الاستفادة العامة. أن الإمام مالك عفوا جاءه رجل فسأله عن مسألة فقال: لا أعلم، ولكن إذا أردت العلم النفيس فعليك بالشافعي محمد بن إدريس. فذهب إلى الشافعي، طبعا الشافعي تلميذ الإمام مالك. فقال له: ذهبت إلى الإمام مالك كذا وكذا وقال لي كذا. فقال له الإمام الشافعي: وكيف لا يكون علمي كذلك وشيخي هو الإمام مالك؟ شوف هكذا كانوا. ما قال له: نعم، غصبا عنه يعترف بعلمي، وهو شيخ حزبي ضال وقد تركته لأنه جاهل مش عارف… هذا هذا الكلام الذي لا علاقة له بالعلم، والله المستعان. عرفت يا أحبة؟

وهكذا، ومن ذلك أن هذه كانت طريقة السلف. لذلك ما أخرجه أبو خيثمة في كتاب العلم، انظر لهذه الآثار أين تخرج، أن الحسن البصري رحمه الله كان يقول: إن لنا كتبا نتعاهدها.

الضابط الخامس: الحرص على التعريفات والأحكام والأصول والقواعد والضوابط والفروق والتقاسيم والأنواع

ه - الحرص على التعريفات والأحكام والأصول والقواعد والضوابط والفروق والتقاسيم والأنواع.

الضابط الخامس، وهذا ضابط يعني أثناء قراءتك لأي كتاب كان، عينيك تشغل فيها فلاشا أو سنسور أو ليزر أو كذا، مفتش أو رادار. هكذا يكون عقلك وأنت تقرأ. تحرص على أمور كثيرة، منها التعريفات، فإن نص المؤلف على تعريف ما، انتبه إليه. وأيضا الأحكام، إذا نص على حكم ما: هذا حرام، هذا حلال، هذا مستحب، هذا كفر، هذا… اقتنص هذه الأحكام. ومنها الأصول، الأصول عموما: وأصل هذه المسألة كذا وكذا، وهذه المسألة مبنية على أصول، والأصل فيها… احرص عليها. والقواعد، سواء صرح بلفظ القاعدة أم لا، كان يقول: والقاعدة كذا وكذا، وهذه قاعدة مهمة، وهذه… أو قال: والمسألة مبنية على كذا، مبنية يعني هذه قاعدة. وأيضا الضوابط، سواء صرح بلفظ الضوابط أو صرح بلفظ الضبط وهكذا. وأيضا الفروق: والفرق بين هذه المسألة وتلك، وهنا ويفرق بينهما بكذا وكذا، وقد فرق بعضهم… هذه الفروق مهمة، هذا علم مستقل يا أحبة. والتقاسيم، صرح بالتقسيم أو لم يصرح: وهذه المسألة لها ثلاثة أقسام، وهذه مسألة على ضربين، على… وأيضا الأنواع، سواء صرح بلفظ النوع أو التنويع أو لم يصرح: هذا نوع آخر، وهنا أنواع، هنا نوعان، وهناك ثلاث أنواع، وهي ضربان، وهي على حالتين. هذه الأمور الأساسية التي تقتنصها حال قراءتك.

الأصل الرابع: في دراسة المتون

الآن ندخل في الأصل الرابع. والأصل الرابع أيضا تابع للأصلين السابقين، لا زلنا في التعامل مع الكتب، لكنه خاص بالمتون التي يتربى عليها طالب العلم. وفيه أمران مهمان: كيفية إحكام فهمها وضبطها، والثاني محاذير يجب أن يتجنبها الطالب. عندنا ثلاثة هنا وثلاثة هنا.

إحكام فهمها

  • إحكام فهمها: ١ - لا ينبغي لمن يقرأ متنا أن يَتَصَوَّر أنه يريد قراءته مرةً ثانية. ٢- كل متنِ يشتمل على مسائل ما دونه وزيادة؛ فَحَقِّق مسائل ما دُونه لِتُوَفِّر جهدك على فهم الزيادة. ذكر ذلك ابن بدران. ٣- الحد الي تعرف به أنك ضبطت المتن هو ما استيقنته وتبيَّنته. ذكره ابن عبد البر في الجامع.

قال إحكام فهمها يتم بهذه الثلاثة في الجملة، أمور كثيرة ترجع إلى هذه الثلاثة، هذا المقصود. أمور كثيرة ترجع في الجملة إلى هذه الثلاثة.

  1. أولها: لا ينبغي لطالب العلم الذي يدرس متنا أن يتصور أو يتخيل أنه يريد أن يدرسه مرة ثانية. مع هذا الاعتقاد في ذهنك في كل متن تدرسه، تخيل أنك لن ترى هذا المتن مرة أخرى. إذا اعتمدت على هذا الاعتقاد ووضعته في ذهنك، اعلم أنك ستضبط الكتاب ضبطا، لا أقول مئة بالمئة، المهم ضبطا قويا. فإذا تيسر لك الرجوع إليه مرة أخرى فهذا لا بأس، ولكن لا تنسى أن التكرار أصلا من قواعد العلم، لكن نحن نقول هذا أثناء دراستك للمتن الفلاني، لا تظن أنك ستقرأه مرة أخرى، لأنك إذا اعتقدت هذا كسلت، أعطيت مخك وعقلك إشارة خفية أنك مهما فاتك، لا بأس، أنك ستدرسه مرة أخرى إن شاء الله مع الشيخ فلان ومع الشيخ فلان. لكن من البداية ضع هذه المسألة أمامك.

الثاني قال: كل متن يشتمل على مسائل ما دونه وزيادة. مثلا ما الفرق بين مثلا الآجرومية في النحو وقطر الندى في النحو أيضا؟ نفس المسائل هنا هي هنا، لكن المسائل في متن قطر الندى وهو متوسط، نفس مسائل الآجرومية لكنها بزيادات. كذلك، فماذا تفعل؟ قالوا حقق مسائل ما دونه، يعني المتن الأصغر المختصر، لتوفر جهدك على فهم الزيادات.

فمثلا في باب، مثلا، نأخذ متنا أسهل وشوية بعيد عن الناس، نأخذ مثلا مشهورين: الأصول الثلاثة، مختصرة مقارنة بكتاب التوحيد، متن متوسط. نفس المسائل الموجودة في الأصول الثلاثة في الغالب موجودة في كتاب التوحيد. مثلا في الأصول الثلاثة قال لك: وأنواع العبادة التي أمر الله بها مثل الإسلام والإيمان والإحسان، ومنه الدعاء والرجاء والخوف والتوكل والرغبة والرهبة إلى آخره. ذكر تقريبا بضعة عشر عبادة. ماذا سيفعل لك الشارح؟ سيعرف لك العبادة الفلانية وكيف نثبت أنها عبادة؟ لماذا؟ لأنك عندك القاعدة العامة: ومن صرف منها شيئا لغير الله فهو مشرك كافر، صح ولا لا؟ هذا هو. في كتاب التوحيد نفس هذه العبادات موجودة، لكنها على شكل أبواب. فهناك مثلا: ومن أنواع العبادة الخوف. في كتاب التوحيد: باب في الخوف، باب قوله تعالى: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ} [آل عمران: 175]. هذا ما يتعلق بالخوف، هو نفسه العبادة الموجودة في الأصول الثلاثة. فحقق مسائل ما دونه، اضبط ما ذكره لك شارحك في ذلك المتن المختصر، حتى إذا جئت للمتن المتوسط لا تحتاج إلى إعادة تعريف الخوف مثلا وإثبات كونه عبادة كذا وكذا، لا، الشرح مباشرة في الآيات التي في الباب وعلاقتها بالترجمة إلى آخره. عرفتوا؟

مثلا بلغة الحسابات، المسائل الموجودة في المتن المتوسط هي مثلها المسائل الموجودة في المتن المختصر، لكن بزيادة نسبة عشرين في المئة. فإذا ضبطت المتن المختصر من البداية، سيكون مجهودك فقط عشرون في المئة، تحتاج إلى جهد في الحفظ والفهم والتركيز فقط بنسبة عشرين بالمئة.

ومن هنا نفهم السر الذي عند علمائنا، سواء كانوا المتأخرين أو حتى المتقدمين، أنهم مثلا يدرسون مثلا الآجرومية مثلا في خمسة مجالس، ثم يدرسون المتن الذي هو أكبر منها أيضا في خمسة مجالس. نظريا ماذا يقول الطالب الذي لا يفهم؟ يقول المفروض إذا كان المختصر في خمس مجالس فينبغي أن يكون المتوسط في عشرة مجالس، صح ولا لا؟ في عشر مجالس، لا ليس كذلك. لماذا؟ لأنه وفر الجهد بنسبة ثمانين في المئة تكرار وزيادة مراجعة وتثبيت. أما الزيادات فكانت مثلا عشرين بالمئة هي التي أخذت الوقت. فمثلا إذا درست الآجرومية مثلا، تجد باب الكلام. الكلام تعرفه هو اللفظ المركب المفيد بالوضع، وأقسامه ثلاثة: الاسم والفعل والحرف. علامات الاسم كذا وكذا وكذا، علامات الفعل كذا وكذا، علامات الحرف كذا وكذا. انتهى الباب. جئت إلى متممة الآجرومية مثلا أو قطر الندى، وجدت تعريف الكلمة: هي لفظ مفرد، وتعريف الكلام: هي قول مسند. الله الله، هو نفسه لكن بصورة أخرى. إذا هناك زيادة بنسبة واحد في المئة، تعريف الكلمة فقط. وما معنى قول مفرد؟ هو نفسه، القول اختصار لكلمة، لجملة “لفظ مركب” إلى آخره. كذلك ثم قال: وأقسام الكلمة. هناك قال أقسام الكلام، هنا أقسام الكلمة التي منها يتألف الكلام. أها. الاسم وكذا يعرف مثلا، هناك ذكر أربع علامات للاسم، هنا ذكر ستة علامات، يعني الزيادة فقط في علامتين. كنت تعرف أربعة والآن ذكر ستة، يعني أضاف علامتين، فستجتهد في فهم العلامتين فقط. وتبقى تلك العلامات زيادة تكرار وتثبيت. أليس كذلك؟ هكذا يمشي طالب العلم بانضباط وبسهولة، ويحصل العلم ويشعر به، يشعر بلذته ويستمتع به ويستمر. أما ما نراه اليوم… يعني الحمد لله الخير موجود، لكن قليل، الله المستعان. طبعا هذه الأمور ذكرها ابن بدران في المدخل إلى مذهب أحمد بن حنبل، وهو من متأخري حنابلة الشوام.

قال الثالث: الحد الذي تعرف به أنك ضبطت المتن، ما هو؟ هذا سؤال يتكرر. كيف أعرف أنني فهمت المتن الفلاني؟ ذكر الخطيب البغدادي وابن عبد البر وغيرهم قالوا: هو ما استيقنته وتبينته. كيف؟ بالفهم والدراية.

بعبارة اليوم: أغلق المتن واشرح لنفسك أو لغيرك، إن كنت تذاكر بنفسك أو بغيرك. انظر، لا تفتح، كل، اشرح مثلا باب، مثلا باب الأفعال من الآجرومية، اشرح باب الأمر والنهي من أصول الفقه من الورقات أو من الرسالة اللطيفة، اشرح باب قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} [سبأ: 23] من كتاب التوحيد. ثم صحح لنفسك بعد أن تشرحه كله، انظر هل أنت وافقت ما ذكره الشراح وذكره شيخك؟

لا يلزم أن يكون بنسبة مئة بالمئة لأنك مبتدئ، لأنك مبتدئ إذا تحتاج التكرار. تكرر ذلك كما ذكرنا في التكرار. وحينئذ أعطيك شهورا وتكون ضابطا لكل العلوم. حينئذ ستشعر بلذة العلم. هكذا، وستكون عالما ربانيا. وسيشعر الناس الفرق بينك وبين من يتكلم من الوعاظ الجهال ونحوه. وسترى أن الله قد أمال إليك قلوب العباد. وسترى أن الله جعلهم يطمئنون لكلماتك، مع أنها مثلها مثل غيرك يقولها، لكن هكذا. وستشعر بمعاني الإخلاص حينئذ، كما قال ابن رجب: يثمر لك العلم ثمرته الخاصة به، وهي خشية الله. فحينئذ يزيد عندك يعني مقياس المراقبة وخشية الله بالغيب وحب الخير للناس والأخلاق، هكذا العلم، هكذا. وستزول كل الإشكالات التي هي موجودة عندها، وإن حصلت ستحسن حلها بإذن الله عز وجل.

محاذير

  • محاذير: ١ - لا تتقن أولا إلا متنا واحدا في فنّ واحد، فإن كنت تحتمل أكثر من ذلك فلا بأس أن تتقن متونا في فنون متعددة لكن على طريقة يرتضيها لك شيخك. ٢ - احذر في ابتداء الطلب من المطالعات في تفاريق المصنفات. ٣- احذر من التنقل من متن إلى متن أو من شيخ إلى شيخ، من غير موجب.

نأتي للمحاذير، وهي أمور تحذرها، يجب أن تحذرها وتجتنبها. قال ثلاثة، أي كثيرة ترجع إلى هذه الثلاث. أولها: لا تتقن أولا إلا متنا واحدا في فن واحد. هذا هو الأصل الغالب الذي مشى عليه العلماء.

وفي ذلك نصائح لطيفة نظموها، قالوا: وإن ترد تحصيل متن تممه، وعن سواه قبل الانتهاء مه. “مه” يعني كف وإياك. هذا هو الأصل. ولا عبرة بالحالات الاستثنائية، لكل قاعدة شواذ، صح ولا لا؟ لذلك قال لك: فإن كنت، أنا في الأقل يعني، تحتمل أكثر من ذلك، فلا بأس أن تتقن متونا متعددة يعني في وقت واحد: العصر النحو، والمغرب الفقه، والعشاء الحديث. هذه الطريقة عقيمة، لكن بعض الناس قد يتيسر له.

لكن بشرط قال: على طريقة يرتضيها لك شيخك. مثلا قال لك: يا ابني في النحو أنا أفضل لك أن تدرس الآجرومية وحدها. وإذا جئنا مثلا إلى الفقه، أفضل لك أن تدرس العصر مثلا مختصر الأخضري، والمغرب مثلا في متن الرسالة اللطيفة، مثلا يعني. مثلا واضح؟ هذا هو. وأنت خليك مع الغالب وخليك مع الذي مشى عليه الجمهور، حتى تتأنى قليلا. فاثبت متنا، مثلا، وهذه الطريقة التي نسير عليها في معهدنا.

الأمر الثاني قال: احذر في ابتداء الطلب من المطالعة في تفاريق المصنفات. وهذا يأتيك به الشيطان، يرزقك الشيطان رزقا خبيثا، يعطيك طاقة فائقة في أنك تستعد أن تقرأ كل شيء، ولا تقرأ المتن الذي يشرحه شيخك. مثلا نحن الآن سنشرح مثلا متن الرسالة اللطيفة في أصول الفقه للعلامة السعدي. سيحبب لك الشيطان أن تقرأ في مطولات أصول الفقه، وتقرأ في شرح شيخ سعد الشثري للرسالة اللطيفة، وتقرأ لتعليقات الشيخ فلان للرسالة اللطيفة، وتقرأ لتعليقات مش عارف مين.

يا ابن الحلال هذا غلط. أنا أفهم، ستفهم وستستطيع وسترى الجهد والنشاط، لأنه من تلبيس إبليس. لا تطالع إلا المتن الذي بين يديك. اعطه كليتك. واضح؟ طيب. إلا في حالات استثنائية، كان يأمرك شيخك مثلا أن تحقق المسألة الفلانية من الشروحات، حينئذ انطلق. حينئذ ستكسل وسيأتيك الشيطان بالعكس. والله المستعان.

قال الثالث: احذر من التنقل من متن إلى متن أو من شيخ إلى شيخ من غير موجب. يعني من غير شيء يوجب عليك الانتقال. لماذا تنتقل من متن إلى متن وأنت لم تكمله؟ لماذا تنتقل من شيخ إلى شيخ وأنت لم تستفد من الشيخ الأول فضلا عن الشيخ الثاني؟ لماذا؟ مات الشيخ الأول، هذا موجب، انتقل. ضاع المتن الفلاني، ضاع التسجيل، ضاع المعهد، أو وجدتني بدأت بداية خاطئة، لا بأس أن تنتقل وتصحح بدايتك. لكن بدون سبب هكذا، هذا من العبث.

وهذا اليوم بسبب وسائل التواصل صار هو الأصل للأسف. تجد طالب العلم هذا يسمى الطالب المتذوق، يتذوق هنا وهناك وهنا وهناك ولم يستفد شيئا. الحصيلة والناتج: طالب علم مخ، صاحب خروم وثقوب، مثقوب من جميع الجهات، له مسألة من هنا وطرف مسألة من هنا، نصف ورقة من ذاك العلم ومقال من العلم الفلاني ومقطع للشيخ فلان من العلم الفلاني، ويحسب أنه على شيء. وحينئذ يفتح على نفسه باب التعالم والعياذ بالله.

الأصل الخامس: كيفية الاستفادة من الدروس والدورات العلمية

الأصل الخامس، الأصل الخامس أيضا هو متعلق بالكتب لكن من وجه آخر: كيفية الاستفادة من الدروس والدورات العلمية؟ يعني كيف تستفيد من الدرس العلمي الذي تحضره؟ سواء كان حضورا حقيقيا حسيا أو حضورا معنويا حكميا كما هو الحال عن بعد، أو الدروس مسجلة أو مباشرة، أيا كانت. المهم كيف نستفيد؟ سواء كان هذا الدرس درسا عاما، محاضرة، درسا علميا، شرحا لكتاب، ندوة في كذا، ردا على كذا، دورة علمية مغلقة مفتوحة، أيا كانت. عندك أمران:

ركائز حضور الدروس ثلاثة

  • ركائز حضور الدروس ثلاثة: ۱ - حسن الاختيار؛ وذلك بحسب مستواك، والمتن، والوقت، والشيخ. ٢- لابد من معرفة مهارات الكتابة أثناء الدرس. ٣- لابد من المذاكرة؛ مع نفسك، أو غيرك، قَبْلَ الدرس وبعده.
حسن الاختيار

الأول أن تعرف الركائز الأساسية لحضورك. أولها: حسن الاختيار. كيف تختار الكتاب أو الدرس المناسب لك؟ الناس اليوم بمجرد التقليد الأعمى خلاص. قالوا يكون ذلك بأربعة أمور:

الأول: مستواك العلمي. هل أنت مبتدئ أم متوسط أم متقدم؟ إذا كنت مبتدئا فإياك أن تختار إلا المختصرات. أنت مبتدئ، هذا مستواك، لا تذهب إلى دروس في المطولات ولا المتوسطات. اذهب للمختصرات. مثلا أنت مبتدئ، مستواك العلمي مبتدئ؟ نعم. طيب يا شيخنا، وجدت درسا للعلامة ابن باز، والله مثلا يا أخي درس للإمام مالك رحمه الله، طيب، يشرح صحيح البخاري. أما ما تجي هذه ها، نقول مثلا الإمام الشيخ فلان يشرح في صحيح البخاري، وفي نفس الوقت درس من الشيخ فلان يشرح الأربعين النووية، أيهما تختار؟ اختر الأربعين النووية ولا تفكر. لماذا؟ لأنك مبتدئ. المبتدئ حظه المتوسط، المختصرات. ما لم يكن مجلس سماع للحصول على الإسناد، هذا أمر آخر. لكن نحن نعنيه بالشرح والدرس. طيب، أنت متقدم؟ لا تذهب إلى المختصرات. لماذا؟ لأنها ليست لك. أنت متقدم، ما شأنك بها؟ وقت فراغ؟ أنت قد انتهيت منها. إلا أن تريد لقاء شيخ ما أو تكرارا لمرض ما، هذا أمر آخر. إذا هذا الأمر الأول.

الثاني: المتن. ما هو المتن الذي يدرس؟ ربما يكون المتن ليس لك. مثلا المتن الذي يدرس مثلا شرح ابن عاشر في الفقه، وأنت مثلا في الفقه صفر على الشمال لا تعرف شيئا، ربما لا يكون مناسبا لك، وربما يكون مناسبا. كيف أعرف؟ أعرفه بالشيخ. الشيخ الذي سيشرحه، هل طريقته تراعي الطالب المبتدئ؟ أم أنه يفصل ويوسع؟ يفصل ويوسع؟ هذا ليس لك. شيخ آخر يشرح متن الأخضري أو العشماوي، اذهب إليه. وهكذا.

وأيضا الوقت. الزمن الذي أنت فيه، ربما لا يكون زمنك مناسبا للدرس الفلاني، ولو كان الدرس مناسبا لمستواك والمتن من المختصرات والشيخ يعرف يربي الطالب المبتدئ، لكن وقتك لا يسمح. إذا ماذا ستفعل؟ انتقل إلى شيخ يناسب وقتك. مثلا هذا الشيخ سيشرح مثلا الأصول الثلاثة كل شهر. كل شهر يأتي ويزور مدينتنا ويشرح جزءا منها. هذا ربما ينتهي في أربعة أو خمسة أو ستة أشهر. هذا ضياع للوقت وأنت ربما لا يتيسر لك. اذهب إلى شيخ آخر وإن كان أقل منه علما فيشرحها لك في بضعة مجالس. بالعكس، وقس على هذا.

مهارات الكتابة

الأمر الثاني أو الركيزة الثانية: لابد من معرفة مهارات الكتابة أثناء الدرس. مهارات الكتابة أثناء الدرس. وأنا سأعطيكم أثرين أو كلمتين: أولها لسليمان بن موسى القرشي التابعي، أنا في الجامع للخطيب أنه قال: يجالس العلماء ثلاثة، يعني حضورنا للمشايخ ثلاثة أنواع من الطلبة من حيث الكتابة:

  1. رجل يسمع ولا يكتب ولا يحفظ، فذاك لا شيء. هذا قد يسمى جليس العالم فقط، صديقه. ونحن اليوم عندنا هذا ملازم للشيخ فلان، إذا تلميذه وخليفته، يجلس في الدرس ولا يكتب ولا يحفظ. هذا لا شيء. لا شيء. وإياك أن تعتمد على التسجيل، إلا في حالات ضيقة نأتي إن شاء الله.
  2. والثاني: رجل يكتب كل شيء يسمعه. نحن عندنا هذا هو المقياس، الطالب المجتهد. أليس كذلك؟ اكتب كل شيء. ويتفلسف بعضهم ويأتي ويقول لابد من الكتابة، كل شيء. العلم صيد والكتابة قيده. يا ابن الحلال، هذا عند السلف قالوا: فذلك الحاطب. الحاطب أو حاطب الليل، هذا مثلا يقال لمن يجمع بدون وعي وبدون فهم. وشبهوه بحاطب الليل، كالذي يريد أن يقطع الحطب من الأشجار في الغابة، هذا لا يذهب في الليل، لأن الليل ليس وقتا لقطع الأخشاب، بل وقت لظهور الوحوش والسباع، وربما تقطع خشبة وتحملها فهي حية، فتلدغك فتموت. فيعني الله المستعان. مثل هذا يجمع بدون شيء، بدون وعي. هذا حاطب لا يستفاد منه. لا تكتب كل شيء، هذا ضياع للوقت. لذلك سيأتيك الشيطان، بل بدون شيطان، ستتعب وستؤلمك يدك ثم ستجد أنك قد ملأت الصفحات الكثيرة، وستأتي وتقول: يا شيخ والله كلام كثير وأنا لا أستطيع أن أكتب كل شيء، يا أخي معليش يا شيخ والله تعبت يا شيخ. يا شيخ لو ترسل لنا مختصرات يا شيخ. من أنت؟ أنت حاطب؟ حاطب ليل.
  3. الثالث بقى، هو بقى هو اللي هو المقصود. قال: ورجل يسمع العلم فيتخيره ويكتبه، ذاك العالم. يعني هذاك هو الذي سيصبح عالما. يعني يختار ما الذي يكتبه.

أعطيكم مثالا سهلا: مثلا الشيخ يشرح مسألة فقهية فقال: وهذه المسألة الثالثة اختلف العلماء فيها رحمهم الله. الطالب ماذا يفعل؟ “وهذه المسألة…” يا أخي ماذا تكتب؟ أليس عندك المتن؟ نعم. أليست المسألة الثالثة موجودة في المتن؟ نعم. طيب ماذا تكتب؟ “اختلف العلماء فيها رحمهم الله على ثلاثة أقوال.” “اختلف العلماء…” لحظة يا شيخ، لحظة، دقيقة يا شيخ، إيش العلماء؟ أيوه على ثلاثة… يا أخي أنت حاطب. المسألة موجودة عندك في المتن؟ نعم. اجعل لها رمزا إن كنت تكتب في كراس خارجي. طيب، اختلفوا على ثلاثة، اكتب اختلفوا على ثلاثة بالرقم ثلاثة. القول الأول، يكتب القول الأول. يا ابن الحلال تضيع وقتك وتتعب يدك وتنفد حبرك. اكتب رقم واحد فقط. الشافعية رحمهم الله، قول السادة… يا ابن الحلال ما هذا العبث؟ ستمل والله ستمل وستترك العلم. وللأسف لن تترك العلم لأنك لا تحسن الكتابة، بل ستقول: يا أخي هذا الشيخ والله يعني ما أدري يعني، ما على كل حال يعني، لن تستفيد. أي والله لن تستفيد. مش لو كان من يستفيد يا حاطب الليل، لا تكتب كل شيء. اكتب القول الأول قول الشافعي، اكتب “ش”. هكذا رمز، اجعل لك رموز، اجعل لك باركود، اجعل لك رموزا. خلاص؟ قالوا بالجواز، قالوا… يا أخي اجعل لك رمزا. قالوا، اكتب “ش”، جواز، أو يجوز، أو علامة صح مثلا. القول الثاني قول السادة المالكية، أئمة مذهبنا… يكتب كل هذا. يا أخي والله أنت مش حاقد، أنت حاطب وأنت مش… وأنت… اكتب “ك” أو “م” أو أي رمز. قالوا يحرم، اكتب حرام أو “ح” أو أي شيء تفهمه أنت. والقول الثالث قول كذا. ثم قال: والراجح وبالله التوفيق هو القول الثاني وهو قول المالكية. يأتي ويكتب كل هذه الكلمات، والله تضيع نفسك. يا أخي أين الراجح؟ قول المالكية، اجعل علامة على قول المالكية على أنه الراجح. والدليل ما أخرجه الإمام أبو عبدالله البخاري رحمه الله، يكتب: والدليل ما أخرجه الإمام أبو عبد الله… يا ابن الحلال، اكتب افتح قوسا، وفي نهاية الحديث أغلقه، وضعه مثلا حرف “خ” أو “ق” للبخاري، أو “ق” لصحيح أو صحيح البخاري، هكذا. والحديث أخرجه أبو داوود في سننه وصححه شيخنا الألباني في الصحيحة. لا تكتب كل هذا، ستموت. اكتب “د” أو أبو داوود، صححه الألباني.. أنت الآن كتبت كل شيء لكن بوعي. سينظر إليك الطالب الذي بجانبك ويقول له اكتب، ويلكزك بكوعه وبمرفقه: اكتب! لا تشتغل، لا تنشغل به، اتركه. والكسلان الذي يضع الإم بي ثري ويضع تسجيلات ويقول لك أنا إن شاء الله كل شيء سجلته وسأكتبه، لن تكتبه. والله يا أحبة هذا هو. حينئذ إن كان الشيخ سريع الكلام كثير الكلام، إن كان الشيخ بطيء الكلام، لن يؤثر فيك. كذلك؟ هذا هو.

قال الخطيب البغدادي: إذا كان المحدث مكثرا في الرواية، مكثرا وفي الرواية متعسرا، فينبغي للطالب أن ينتقي حديثه وينتخبه. ما خلوا شيء، ما ترك لك شيئا. طيب.

المذاكرة

الأمر الثالث أو الركيزة الثالثة: لابد من المذاكرة. لابد من المذاكرة. تقدم معنا المذاكرة حياة العلم، وهي شرط من شروطه. سواء مع نفسك أو مع غيرك. قبل الدرس، ما يسمى بالتحضير، وبعد الدرس لكي تنظر ماذا قال الشارح وما الذي فاتك وما الذي حصل وو إلى آخره.

ويقول أنس كما في الجامع للخطيب: كنا نكون عند النبي صلى الله عليه وسلم فنسمع منه الحديث، فإذا قمنا تذاكرناه فيما بيننا حتى نحفظه. وكان ابن عباس يوصي طلابه يقول: إذا سمعتم مني حديثا فتذاكروه بينكم. وكان عطاء تطبيقا لهذا لقول شيخه ابن عباس كان يقول: كنا نكون عند جابر بن عبدالله رضي الله عنهما فيحدثنا، فإذا خرجنا من عنده تذاكرنا حديثه، فكان أبو الزبير أحفظنا للحديث إلى آخره.

أهداف حضور الدرس المهمة خمسة

  • أهداف حضور الدرس المهمة خمسة: ١ - التأصيل؛ بمعرفة أصول العلم وتكوين قاعدة أساسية في شتى العلوم. ٢- إتقان المقدمات. ٣- معرفة العلاقة بين العلوم. ٤ - معالجة الأغلاط المنهجية في طلب العلم. ٥- الترقي من مرحلة الاستماع المجَرَّد إلى مرحلة التدقيق والتحرير والنقد.

الأمر الثاني: أهداف حضور الدرس المهمة. أنت حين حضورك للدرس، بعد أن عرفت الاختيار وعرفت كيف تكتب، هناك أهداف مهمة كثيرة ترجع إلى خمسة:

  1. أولها: التأصيل العلمي. التأصيل العلمي بمعرفة أصول ذلك العلم، ولكي تكون قاعدة أساسية في ذلك العلم، تكون لك منطلقا وأرضية تقف عليها لتتوسع فيه، لتتخصص فيه إلى آخره.

  2. والثاني: إتقان المقدمات. يقول بعض العلماء: كل علم لا يستولي الطالب في ابتداء نظره على مجامعه ومبانيه، فلا مطمع له في الظفر بأسراره ومباغيه. وقال بعضهم: ينبغي أن يذكر في ابتداء كل علم حقيقة العلم ليتصورها، أي يفهمها، الذي يريد الاشتغال به قبل الخوض فيه. فمن عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل. وقال بعضهم: حق على كل من حاول تحصيل علم من العلوم أن يتصور معناه أولا ليكون على بصيرة فيما يطلب، وأن يعرف، يعني يتكلم عن إيش؟ تمييزا له عن غيره. وما هو الغاية المقصودة من تحصيله؟ حتى لا يكون سعيه عبثا. هذه المقدمات اليوم للأسف صرنا نتجاوزها. يقول بعضهم: اه تجاوز المقدمة، ابدأ قال المؤلف الحديث الأول كذا وفوائده. لن تستفيد. المقدمة، سواء مقدمة الكتاب أو المقدمة التي يعطيها لك شيخك، كان الأئمة يعتنون بها جدا. لذلك اليوم تجد بعض مقدمات الكتب صارت كتبا. مقدمة صحيح مسلم، صارت كتابا يشرح، متنا يشرح. مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، صارت كتابا يشرح. مقدمة الكامل في الضعفاء لابن عدي، صارت كتابا يشرح. مقدمة التمهيد لابن عبد البر، مقدمة عظيمة جدا، صارت تشرح. وهكذا، أليس كذلك؟ ونحن في هذا المعهد نطبق ما عليه السلف، فلا نشرح كتابا ولا علما إلا ونقدم فيه ونقدم له المقدمات التأصيلية التي تعينك على ما ذكره الأئمة بما سمعتموه قبل قليل.

  3. الهدف الثالث: معرفة العلاقة بين العلوم. ما العلاقة بين علم السيرة النبوية مثلا وعلم العقيدة؟ إذا لم تعرفها ربما تذمها، تقول: يا أخي سيرة نبوية، الناس واقعون في الشرك وأنتم تشرحون السيرة! أها، مثل هذا مباشرة نعلم أنه فاقد للمقدمة الأولى وهي حقيقة العلم. حتى تعرف كيف توظف المعلومات التي درستها في السيرة في العقيدة في التفسير في الحديث في التاريخ في اللغة، كيف توظفها في بقية العلوم؟ وهكذا.

  4. الهدف الرابع: معالجة الأغلاط المنهجية في طلب العلم. في تلقي العلم. يعني مثلا أنت تعودت مثلا على أن تأتي إلى الدرس، وإذا قال الشيخ: الحديث أخرجه أبو داوود، وسكت، لابد أن يقول صححه فلان أو ضعفه فلان. لا، لا يلزم. لماذا لا يلزم؟ هذا من الأغلاط التي تعرفها أثناء حضورك للدرس، وهذه تأتي بالمداومة على حضور الدروس وملازمتها، لا تأتيك في كتاب ولا تأتيك في شرح أو نحو ذلك. طيب. سواء نبه عليها شيخ أو انتبهت عليها أنت من خلال طريقة الشيخ وتربيته لك.

  5. الهدف الخامس: الترقي من مرحلة الاستماع المجرد. أنت تأتي وتحضر إلى الدرس وتكتب ما تشاء ثم ترجع. وتأتي مرة أخرى إلى الدرس وتحكي ما تشاء ثم ترجع. وتأتي مرة أخرى وهذه المرة بدون كراس وتتكئ على السارية أو العمود وترجع وهكذا. لا، بدون فائدة؟ لا، لابد أن تحاول أن ترقي نفسك من هذه المرحلة إلى مرحلة التدقيق والتحرير والنقد. وهكذا كان الأئمة، لذلك كان الطالب عندهم ينبغ ويفلح ويصبح طالبا في وقت وجيز. وهكذا كانوا يربونهم. وهذه تجدها في الدروس وتجدها في بعض المتون، إشارات خفية يستخرجها لك شيخك بعنايته بتربيتك ونحو ذلك. حينئذ ستتحول كل الدروس العلمية عندك إلى متعة. لذلك تجد، تفهم حينئذ أن الإمام الفلاني ينقطع عن الدرس الفلاني حتى في الممات. وأن بعض السلف كان يذهب إلى وقت العطلة، يعني مثلا الشيخ يدرسنا يوميا ما عدا الجمعة، حتى الجمعة كان يذهب إلى مجلس الدرس ويمكث به ثم يعود. لماذا؟ يقول لا أريد أن تنقطع همتي. هذه الآثار عسى أن نفهمها الآن. ستفهمها وستقول رضي الله عن الأئمة رحمهم الله.

الأصل السادس: إشكاليات في طلب العلم وكيفية مواجهتها

ثم قال الأصل السادس: إشكاليات في طلب العلم وكيفية مواجهتها. هذا لب هذا الفصل الثاني. بعد أن أخذت ما سبق، يعني بناء على ما سبق، ستفهم هذه الإشكالات. هي في الحقيقة ليست إشكالات يعني انتبه منها وربما لا، لا لا، هي إشكالات مثل قطاع الطرق. هي جاثمة على صدر طالب العلم طول مشوارك في طلب العلم. يعني ستواجهها حتما، ستواجهها. وستهجم عليك، نعني ستهجم عليك. فلابد أن تعرفها وتعرف كيف تتجنبها. هي تقريبا ثمانية إشكالات موجودة عندكم.

خاتمة

نتركها إلى الدرس القادم والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


المجلس الثامن والأخير

مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وزدنا علما أما بعد. اليوم إن شاء الله هو المجلس الثامن والأخير، ختام شرح كتاب المدخل إلى طلب العلم، وهو الكتاب الأول من المستوى التمهيدي لمعهد التأصيل العلمي.

انتهينا عند شرح الأصل الخامس: كيفية الاستفادة من الدروس والدورات العلمية. والآن ندخل في الأصل السادس وهو إشكاليات في طلب العلم وكيفية مواجهتها.

الأصل السادس: إشكاليات في طلب العلم وكيفية مواجهتها

ونبهنا أن هذه الإشكاليات ليست مما يحتمله الطالب أو يعني يمكن أن تحصل لك ويمكن أن لا تحصل، لا، بل هي جاثمة على طريقك على طول مشوارك في طلب العلم، وستهجم عليك حتما. لذلك يجب أن تستعد لها وتعرفها وتعرف كيف تجتنبها وتحاربها. وهذه الإشكاليات متنوعة، ليست هي إشكاليات بمعنى شبهات أو نحو ذلك، لا، إنما هي بعضها عوارض تقطعك عن الطريق، وبعضها تضعف سيرك، وبعضها أشياء ربما لا تدري ما هي وهكذا. في عندنا تقريبا ثمانية إشكالات موجودة عندكم، وكيفية مواجهتها، وأهم السبل في مواجهتها.

(۱) كثرة العلم وتشعبه واتساعه

(۱) كثرة العلم وتشعبه واتساعه وكونه لا نهاية له، ويُواجه بالآتي: ١ - التأني وعَدَمُ العَجَلةِ في الطلب؛ قال الزهري (١٢٤هـ): «لا تكابر العلم؛ فإن العلمَ أَوْدِيَةٌ فَأَيُّهَا أَخَذْتَ فيه = قَطَعَ بك قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَه! ولكنْ خُذْهُ مع الأيامِ والليالي، ولا تأخذ العلمَ جُملةً؛ فإنّ مَن رامَ أَخْذَه جُملةً ذَهبَ عنه جُملةً! ولكن الشيءُ بَعدَ الشيء مع الأيام والليالي». ٢ - الأخذ من كُلِّ عِلم أحسَنَه؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: «العلم أكثر مِن أَنْ يُحصَى؛ فَخُذُوا مِن كُلِّ شيءٍ أحْسَنَه»، ومعناه بلسان اليوم: أنْ تَدرُسَ في كل علم متناً مختصرا. ٣- الحرص على التدقيق والتحقيق؛ قال الشافعي (٢٠٤هـ): «مَن تَعلَّمَ عِلماً فلْيُدَقِّق فيه؛ لِئَلَّا يَضِيعَ دَقِيقُ العلم».

قال الإشكال الأول أو الإشكالية الأولى: كثرة العلم وتشعبه واتساعه وكونه لا نهاية له. وهذه تقدمت معنا في قاعدة العلم لا ينتهي، وفي نفس الوقت هي إشكالية. طيب كيف نواجه هذه الإشكالية؟ لأنه قد يصيبك الإحباط. قال ويواجه بالآتي: عندنا ثلاثة أمور:

  1. الأول: التأني وعدم العجلة بالطلب. لماذا تستعجل؟ العلم لا ينتهي، إذا لا تستعجل. ولذلك يقول الزهري رحمه الله من صغار التابعين: “لا تكابر العلم، فإن العلم أودية، فأيها أخذت فيه قطع بك أو قطع بك قبل أن تبلغه. طيب ماذا أفعل؟ ولكن خذه مع الأيام والليالي، ولا تأخذ العلم جملة، فإن من رام أخذه جملة ذهب عنه جملة، ولكن الشيء بعد الشيء مع الأيام والليالي.”.

  2. الأمر الثاني مما يواجه به هذا الإشكال: الأخذ من كل علم أحسنه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: “العلم أكثر من أن يحصى، فخذوا من كل شيء أحسنه.” ومعناه بلساننا اليوم: أن تدرس في كل علم متنا مختصرا.

  3. الأمر الثالث: الحرص على التدقيق والتحقيق. بما أن العلم كثير، إذا من البداية عود نفسك على الدقة. قال الشافعي رحمه الله: “من تعلم علما فليدقق فيه لئلا يضيع دقيق العلم.”

(۲) التخصص الخاطئ

(۲) التخصص الخاطئ؛ وهو أنْ يَأخُذَ الطالب علما ما وينقطع فيه مع الإعراض عن غيره من العلوم، ويُواجه بالآتي: ١- أنْ لا تَتَخَصَّصَ إلا في العلم الذي يَمِيلُ إليه طَبْعُك وفِكْرُك؛ قال السعدي (١٣٧٦هـ): (وينبغي أن يكون الشغل الذي تشتغل فيه مما تأنس به النفسُ وتَشتاقه؛ فإنّ هذا أدْعَى الحِصول هذا المقصود النافع… وميز بين ما تميل إليه نَفْسُك وتشتدُّ رَغْبَتُك فيه؛ فإِنَّ ضِدَّه يُحْدِثُ السَّامَةَ والملل والكَدَرَ». ٢- التخصص لا يلزم أن يكون في علمٍ واحد؛ بل قد يكون في عِلْمَينِ أو أكثر؛ قال ابن حزم (٤٥٦هـ) - مؤكّدا هذا الأمر-: «فربما كان ذلك مِنْه في عِلْمين أو ثلاثة أو أكثر، على قَدْرِ زَكَاءِ فَهْمِه وقُوَّةِ طَبْعِه وحضور خاطره وإِلْبَابِهِ على الطلب، وكلُّ ذلك بتيسير الله». ٣- أن تُفَرِّقَ بين التخصص ومُطْلَق التوسع؛ فكل تخصص تَوَسُعٌ وليس العكس! ٤ - أن تأخذ من العلوم الأخرى الحد الأدنى؛ وأقله: متن مختصر؛ لتكونَ عارفاً بأصوله ومبادئه وقواعده الأساسية؛ قال ابن حزم: «وليأخُذْ مِن كُلِّ عِلمٍ بنَصيبٍ، ومقدار ذلك معرفته بأغراض ذلك العلم فقط، ثم يأخُذُ مما به ضرورة إلى ما لا بد له منه». ه - أن تكون على معرفة ودراية بالعلوم المتصلة بتخصصك؛ من حيثُ مَصادِرُها ومراجِعُها ومَظَانٌ بَحثِ مسائلها؛ قال الطناحي (١٤١٩هـ): (معرفة مَظنَّة العلمِ نِصْفُ العلم». ٦ - أن تكون على اتصال دائم مع المتخصصين في غير تخصصك.

الإشكالية الثانية: التخصص الخاطئ. وهذا الأمر كثير في هذا الزمان. قال هو: أن يأخذ طالب العلم علما ما، أي علم ما، وينقطع فيه مع الإعراض عن غيره من العلوم. يقول لك أنا أحب التفسير، يدخل من البداية ويدرس تفسير وأكاديمية التفسير ومعهد التفسير وكلية علوم القرآن والتفسير حتى ينتهي. وحينئذ لم يحصل شيئا. لذلك تجد التخبط، دكتوراه في التفسير، أستاذ دكتور، بروفيسور في التفسير، وهو راسب في التفسير. لا يوجد هذا الأمر، لا يوجد. فإن أنواع العلوم تختلط وبعضها ببعض مرتبط. طيب هذه الإشكالية كيف نواجهها؟ ذكر لك ستة أشياء:

  1. الأول: ألا تتخصص إلا في العلم الذي يميل إليه طبعك وفكرك. قال السعدي رحمه الله: “وينبغي أن يكون الشغل الذي تشتغل فيه مما تأنس به النفس وتشتاقه، فإن هذا أدعى لحصول هذا المقصود النافع.” ثم قال: “وميز بين ما تميل إليه نفسك وتشتد رغبتك فيه، فإن ضده يحدث السآمة والملل والكدر.” طيب هنا سؤال: كيف أعرف أن هذا العلم هو الذي يميل إليه طبعي وفكري؟ إياك أن تنخدع. أنا أحب الحديث وأحب أهل الحديث وأريد أن أكون محدثا، لا لا لا. أنا أحب الفقه وأريد أن أكون فقيها، لا تنخدع. لن تستطيع أن تعرف ما العلم الذي يميل إليه طبعك وفكرك إلا بعد دراسة مختصر فيه. وإلا ربما اكتشفت أنك لم تحب علم الحديث وإنما كنت تحب الألباني أو إسحاق الحويني، صح ولا لا؟ أو تحب ابن معين، ولم تكن تحب الفقه وإنما كنت تحب الشويعر عبد السلام أو صالح آل الشيخ. هكذا هو. لن تعرف إلا بعد أن تدرس مختصرا، يعني بلساننا اليوم في المعهد، بعد المستوى الأول إن شاء الله ستعرف ما الذي تميل إليه نفسك.

  2. الأمر الثاني وهو تصحيح لمعلومة: التخصص لا يلزم أن يكون في علم واحد، بل قد يكون في علمين أو أكثر. ومن أين جاء هذا الإشكال أن التخصص لابد أن يكون في علم واحد؟ يقول بعضهم أنا أحب التفسير وأنا أدرس الآن في كلية علوم القرآن، لكني أيضا أحب الحديث. نقول تخصص في كليهما. يقول كيف هذا؟ لا أستطيع. أنت لا تستطيع أن تدرس كليتين في أكاديميتين في وقت واحد. يعني هذا الأمر أدخلته لنا الأكاديمية الغربية. يا أخي التخصص لا، ليس معناه أن تكون صاحب فن واحد أو علم واحد. قال ابن حزم في هذا الأمر مؤكدا له: “فربما كان ذلك منه” أي التخصص “في علمين أو ثلاثة أو أكثر.” ما الضابط؟ قال: “على قدر زكاء فهمه وقوة طبعه وحضور خاطره وإكبابه على الطلب، وكل ذلك بتيسير الله.” فلا تبتئس إن كنت تريد أن تتخصص في علمين أو ثلاثة، فتفضل.

  3. الأمر الثالث، أيضا تصحيح لخطأ مشهور جدا: أن تفرق بين أمرين، هناك فرق بين أمرين: بين التخصص والتوسع. فكل تخصص توسع، وليس كل توسع تخصص. ما الفرق؟ بلغة الحسابات يقولون: التخصص هو السير رأسيا أو عموديا في العلم. التوسع هو السير أفقيا في العلم. بتطبيق عملي: مثلا أنا متخصص في الحديث، بمعنى أنني في كل فن من الفنون والمسائل المتعلقة بعلم الحديث يجب أن أكون مستحضرا لها أو على الأقل ضابطا لأصولها. وفي نفس الوقت أنا متوسع في التفسير والفقه، بمعنى أنني ما يسميه العلماء بالمشارك، يقال هو مشارك في الحديث والتفسير، يعني ليس متخصصا لكن له باع كبير، بمعنى أنك وصلت به مرحلة المتقدمين، بلسان المراحل الثلاثة: المبتدئ، المتوسط، المتقدم. هذا هو المقصود. فطالب العلم يحرص على التوسع في كل العلوم، ثم يتخصص في علم أو أكثر أو وهكذا. ولا حرج في التوسع ولا علاقة له بالتخصص في الغالب.

  4. الأمر الرابع مما يواجه به هذه الإشكالية: أن تأخذ من العلوم الأخرى التي هي في غير تخصصك الحد الأدنى، وأقله متن مختصر أو متوسط. لماذا؟ لتكون عارفا بأصوله ومبادئه وقواعده الأساسية. حتى إذا جاءتك مسألة، مثلا أنت متخصص في التفسير، خذ الحد الأدنى من العلوم الأخرى، مثلا خذ في علم الحديث متنا مختصرا، في علم اللغة متنا مختصرا، في علم الأصول متنا مختصرا. لماذا؟ إذا جاءتك مسألة في التفسير لكن لها علاقة بالفقه، وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية رد على مثلا الشافعية في ترجيحهم كذا وكذا في الوضوء. لابد أن تكون قد درست متنا في الفقه حتى تمر على هذه المسائل، وإلا كنت جاهلا حتى في التفسير. جاءت مسألة قال الطبري: الصواب في تفسير هذه الآية هو قول من قال كذا وكذا، لماذا؟ لصحة تفسيرها عن النبي صلى الله عليه وسلم. أسباب النزول هي مرويات، إذا لابد أن تكون ضابطا للحد الأدنى في علم الحديث، كدراسة مثلا علوم الحديث لابن الصلاح أو الباعث الحثيث لابن كثير أو حتى ألفية العراقي أو حتى نخبة الفكر لابن حجر، أقل شيء يعني، حتى تفهم مصطلحاتهم على الأقل. وهنا يقول ابن حزم: “وليأخذ” أي الذي يتخصص “من كل علم بنصيب، ومقدار ذلك معرفة أغراض ذلك الفن فقط.” يعني القواعد الأساسية، ويكفيك فيها المختصر أو المتوسط. “ثم يأخذ مما به ضرورة إلى ما لا بد له منه.”

  5. الأمر الخامس: أن تكون على معرفة ودراية بالعلوم المتصلة بتخصصك. يعني أنت متخصص في الفقه، يجب أن تعرف ما العلوم الأساسية التي تضرب في هذا العلم في الفقه ولا تنفك عنها، من حيث مصادرها الأساسية ومراجعها ومظان بحث مسائلها. يعني أين تبحث المسألة الفلانية؟ قال الطناحي، الطناحي من الأزهريين، ويقال أنه كان سلفيا، ما أدري والله. المصري قال: “معرفة مظنة العلم نصف العلم.” يعني أن تعرف أين يبحث العلم، المسألة الفلانية من العلم الفلاني، أين توجد أقوال العلماء فيها، هذا نصف العلم.

السادس: أن تكون على اتصال دائم مع المتخصصين في غير تخصصك. أشكلت عليك مسألة، أنت لك باع في علم التفسير، أنت متخصص في علم الحديث، ولك باع ومشارك ومتوسع في علم التفسير، لكنك لست متخصصا، فتقف إلى حد، أشكلت عليك وأغلق عليك، اتصل وخاطب المتخصصين في التفسير، يدلوك على ما يعينك.

(۳) صعوبة الفهم مع كثرة المعاناة

(۳) صعوبة الفهم مع كثرة المعاناة: ويُواجه: بأنْ تَعرِفَ أنّ هناك فرقاً بين حُسْنِ التصَوُّرِ، والتدقيق في الفهم؛ فالأول هو الأصل، وأما الثاني فلا يأتي إلا بعد طول الزمان والاستمرار في طلب العلم والتعمق فيه.

الإشكالية الثالثة: صعوبة الفهم مع كثرة معاناتك ومراجعتك. هذا كثير جدا تجده عند الأذكياء قبل الأغبياء، ويواجه بأن تفرق بين أمرين، يا سلام!

أن تعرف أن هناك فرقا بين حسن التصور وهو الفهم العام، والتدقيق في الفهم. كثير منا يقول أنا لم أفهم ولم أفهم. تعال، ما الذي لا تفهمه؟ أنا أعرف أن هذا الحديث يدل على كذا وكذا، لكن… اه، إذا أنت لا تعاني من صعوبة الفهم، أنت خلطت بين حسن التصور وهو مطلق الفهم، وبين التدقيق في الفهم.

الأصل الذي يخاطب به الطالب هو الأول، هو حسن التصور، هو الفهم المطلق. وأما الثاني، التدقيق في الفهم، هذا لا يأتيك من مباشرة الشرح وحضور الدرس عند الشيخ فلان، بل هذا يأتيك بعد طول الزمان والاستمرار في طلب العلم والتعمق فيه والبحث والاطلاع في مسائله.

فمن درس مسألة في عشرة كتب في عشر شهور ليس كمن درسها في درس في عشر ساعات أو مجلس أو مجلسين. فاحرص على الأول، والثاني سيأتيك مع الاستمرار. وكثير من الناس بهذه الإشكالية تركوا العلم، وإن لم يتركوه في الحقيقة لكن يعني من تحت لتحت، هنا يعني بينهم وبين أنفسهم، يحضر العلم مثله مثل الجدار، هو لا يستفيد.

(٤) عدم الإحساس بحصول العلم في النفس

(٤) عدم الإحساس بحصول العلم في النفس: ويُواجه: بأنْ تَعرِفَ أنَّ العلم يحصل في النفس بأمرين: أحدهما: حصوله بالفعل. والثاني: حصوله بالقوّة القريبة من الفعل؛ أي التهيؤ لذلك بأن يكون حصولك على المعلومة سريعاً سَهْلَ الْمُلْتَمَسِ قَرِيبَ المَأخَذ.

الأمر الرابع أو الإشكالية الرابعة: عدم الإحساس بحصول العلم في النفس. هذا كثير تجده عند الأذكياء قبل الأغبياء. يقول أنا درست كذا وكذا وأحفظ كذا. وقد تأتينا الأسئلة في، ربما رأيتم بعض الأسئلة في فقرة الأسئلة: يا شيخ أنا والله درست كذا وكذا لكن والله لا أدري ما هذا يحصل لي، ما أدري يا شيخ، انصحني يا شيخ. لن أنصحك. تعال حبيبي تعال.

يواجه بأن تعرف أن العلم يحصل في النفس وتشعر به بأحد أمرين: الأولى قد وقد، أما الثانية هي الأصل.

أحدهما: حصوله بالفعل. وسيأتي الأمثلة.

والثاني: حصوله بالقوة القريبة من الفعل. هذا هو الأصل، هذا الذي يحرص عليه الطالب. ما معنى هذا؟ قال: أي التهيؤ لذلك، أن تكون مهيئا جاهزا لإلقاء العلم. كيف؟ بأن يكون حصولك على المعلومة الفلانية سريعا سهل الملتمس وقريب المأخذ.

أعطيكم مثالا: إذا قيل لك اختر أحد الرجلين: رجل لا يحسن قيادة السيارة وعنده الرخصة وعنده سيارات ملء البصر. والثاني رجل ماهر خبير جدا، معلم كما نقول، حريف في قيادة السيارات كلها، الصغيرة والكبيرة، الشاحنات، وليس عنده رخصة وليس عنده سيارة. إذا قيل لك اختر لنفسك أحدهما، قطعا ستقول أختار الثاني، مع أنه لا يملك الرخصة ولا يملك سيارة. نعم، لكن عنده القوة القريبة من الفعل، بمعنى أنه مهيأ لقيادة السيارة متى ما وجدها. بل ربما أنت برخصتك وسيارتك الفارهة تقول له: يا فلان تعال قد لي هذه السيارة حتى أخرج من هذه الزحام وأنا لا أستطيع القيادة في الزحام. هذا أمر مشاهد. الأول عنده القيادة بالفعل، والثاني عنده القيادة لكن بالقوة القريبة من الفعل.

كذلك طالب العلم، قد يحصل لك العلم بالفعل. وهذا يظهر في مثلا مثال سهل جدا في من حفظ القرآن. كلانا مثلا أنت وأنا نحفظ القرآن، لكن أنا لا أستطيع أن أستحضر الآية التي استدل بها، لا أستطيع إلا أن أسوق السورة من بدايتها. وإذا قلت لك الآية الفلانية من أي سورة؟ سورة الجاثية، لا أستطيع أن أجيب مع أنها في سورة الجاثية إلا أن آتي ببداية سورة الجاثية، صح ولا لا؟ والثاني ربما لا يحفظ القرآن متقنا مثل الأول، حفظ الرواية وحفظ الرعاية. يحفظ القرآن لكن ليس متقنا مثل الأول، لكنه يستطيع استخراج كل آية من أي موضع متى ما أراد. إذا قيل لك اختر، ستختار الثاني، ولو لم يكن حافظا، ربما لا يكون حافظا للقرآن كله، لكن استحضاره وإتقانه لنزع الآيات في موضعها والاستشهاد بها خير من الثاني. فالأول حافظ للقرآن بالفعل، والثاني حافظ للقرآن لكنه بالقوة القريبة من الفعل، بحيث أنه متى أراد الاستشهاد بالآية أتى بها، ولو كان حفظه من حيث الرواية أضعف من الأول.

وهكذا العلم. فإياك أن يعبث بك الشيطان يقول لك أنت تحفظ كذا ودرست كذا، أين العلم يا أخي؟ العلم موجود، متى ما أردته آتي به. ومن هنا نأتي إلى أئمتنا، رضي الله عنهم، الذين قالوا إن العلم لابد فيه من التكرار.

(٥) عدم القدرة على استحضار العلم حتى مع إتقان حفظه

(٥) عدم القدرة على استحضار العلم حتى مع إتقان حفظه: ويُواجه: بأن الاستحضار يكونُ بعِدَّةِ أمور، أهمها: كثرة التكرار، ومعرفة المعاني الملائمة (المشابهة)، ومعرفة المعاني المخالفة (الأضداد)؛ قال الطحلاوي (١١٨١هـ): (وكثرة إخطار المعنى بَعدَ ظُهُورِهِ = سبب في سرعة حضورِهِ بعد غَيْبَتِهِ، عند حضور ما يُلائمه أو يُنافِرُه».

الإشكالية الخامسة: عدم القدرة على استحضار العلم مع إتقان حفظه. هذه تشبه الأولى، تشبه السابقة. أنا حافظ وضابط لكن يزعجني استحضاره، لا أستطيع.

هذا أيضا فاتك أمر، هو أن الاستحضار للعلم المحفوظ أيا كان، سواء كان آيات، أحاديث، مسألة، يكون بعدة أمور. ليست، ليس الاستحضار للمسألة التي تحفظها استحضارا بمجرد نصها، لا. إذا عرفت هذه الأساليب الثلاثة تستطيع تتمكن من استحضار أي معلومة كانت في أي وقت، أن الاستحضار يكون بعدة أمور، أهمها ثلاثة:

  1. الأول: كثرة التكرار. وهذا سهل. كثرة التكرار والمراجعة يعينك على سرعة الاستحضار. هذا كلنا نعرفه.

  2. والثاني: معرفة المعاني الملائمة. معرفة المعاني الملائمة يعني معاني مشابهة. ومن هنا نترحم على علمائنا رحمهم الله عندما يشرحون المسألة بعدة أساليب. تجد الشارح مثلا يشرح المسألة في نفس الكتاب، سواء كان مكتوبا أو حتى مشروحا، أو الشيخ الفلاني صوتيا يشرح المسألة بأسلوبين، لماذا؟ لأن الأسلوب الأول صورة من صور استحضار العلم وحفظه. والأسلوب الثاني يشبهه. ربما أشكل عدم استحضارك، أن ضاعت لك المعلومة بسبب الأسلوب الأول، لكن تذكرت أن الشيخ أعادها مرتين وثلاثة بأساليب مختلفة، فهذه الأساليب جذبت لك، والشبيه يجذب الشبيه. أليس كذلك؟ أحيانا أنت ترى شخصا ما وتقول سبحان الله تذكرت ابن عمي. ما الذي ذكرك؟ شبهه بابن عمك. فلابد أن تعرف المعاني المشابهة. إذا كرر الشيخ المسألة بعدة أساليب لا تظنن أن هذا من العبث، بل هذا حتى الشراح في الكتب يشرحون مسألة ثم يقولون: والحاصل، حاصل المسألة كذا وكذا، يلخصها مرة أخرى. ويعيد تلخيصها مرة. مثلا في الآجرومية عقد بابا لمعرفة علامات الإعراب، ثم عقد فصلا آخر، نفس المعلومات لكن بأسلوب آخر: المعربات قسمان: قسم يعرب بالحروف وقسم يعرب بالحركات. إذا ضاعت المعلومة من هذا الوجه تستحضرها بهذا الوجه.

  3. الأمر الثالث: معرفة المعاني المخالفة، يعني المعاني التي هي ضد المعاني الأخرى. وقالوا: والضد يظهر حسنه الضد. كذلك، وبضدها تتبين الأشياء. من الليل عرفت النهار، ومن السواد عرفت، عن الظلام عرفت النور، من الصواب عرفت الخطأ. أليس كذلك؟

وهذه أيضا من أساليب العلماء. وقد ذكر هذا الطحلاوي من علماء الأزهر في كتاب سماه آداب الفهم والإفهام، قال:

وَكَثْرَةُ إِخْطَارِ الْمَعْنَى بَعْدَ ظُهُورِهِ سَبَبٌ فِي سُرْعَةِ حُضُورِهِ بَعْدَ غَيْبَتِهِ عِنْدَ حُضَورِ مَا يُلاَئِمُهُ أَوْ يُنَافِرُهُ.

“وكثرة إخطار المعنى بعد ظهوره” هذا هو التكرار “سبب في سرعة حضوره” أي سرعة استحضاره “بعد غيبته عند حضور ما يلائمه” أي يشابهه، هذا الثاني “أو ينافره” أي يضاده، وهذا الثالث. طيب، شوف كلام العلماء سطر واحد لكن استخرجنا منه فائدة عظيمة.

(٦) عدم الاعتناء بتنمية الملكة العلمية

(٦) عدم الاعتناء بتنمية الملكة العلمية والحذق في العلم، ويُواجه بعدة أمور أهمها: ١ - إعمال العَقْلِ والتفكير الناقد؛ قال ابن باديس (١٣٥٩هـ): «فالتفكير التفكيرَ يا طلبة العلم! فإنّ القراءة بلا تفكير لا توصل إلى شيء من العلم، وإنما تربط صاحبها في صخرةِ الجُمُودِ والتقليد، وخَيرٌ منهما الجاهل البسيط!»، وقال الطَّناحي: «جَودَةُ العلم لا تتكَوَّنُ إلا بجودَةِ النَّقْدِ، ولولا النَّقْدُ لَبَطَلَ كثيرُ عِلمٍ، ولاخْتَلَطَ الجهل بالعلم اختلاطًا لا خَلاصَ منه ولا حِيْلَةَ فيه!». ٢ - كثرة الاطلاع، خصوصا الكتب العالية ذات المباحث الدقيقة؛ قال ابن تيمية: «النظر في العلوم الدقيقة يفتق الذهن ويدرّبه ويقويه على العلم، فيصير مثل كثرة الرمي بالنشاب وركوب الخيل تعين على قوة الرمي والركوب وإن لم يكن ذلك وقت قتال، وهذا مقصد حسن؛ ولهذا كان كثير من علماء السنة يرغب في النظر في العلوم الصادقة الدقيقة… ورياضة الأذهان بمعرفة دقيق العلم والبحث عن الأمور الغامضة». ٣- تنمية مهارة السؤال والإجابة على الإشكالات؛ قيل لابن عباس رضي الله عنهما: كيف أَصَبْتَ هذا العلم؟ قال: بلسانٍ سَؤولٍ وقَلْبِ عَقُول»، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: دَرْكُ العِلم: السؤال»، وقال الزهري: «العلم خزائن، مفاتيحها السؤالُ»، وقال سليمان بن يسار (١٠٧هـ): «حُسْنُ المسألة نِصْفُ العِلمِ»، وقال ابن تيمية: «إنما العلمُ في جَوابِ السؤال». ٤ - كثرة المخالطة والمباحثة للأذكياء والنجباء من أهل العلم.

  • ولذلك كان العلماء يُفضّلون الملكة العلمية على مُطْلَقِ الفَهْمِ والحفظ المجَرَّدِ؛ قال يحيى القَطَّان (۱۹۸ هـ): ينبغي لصاحب الحديث أنْ يَفْهَم ما يُقال له» قال أبو علي النيسابوري (٣٤٩هـ): «الفهم عندنا أَجَلُّ من الحفظ»، وقال أبو بكر بن عَبْدان (۳۸۸هـ): (الدراية فوق الحفظ، وسُئل صالح جَزَرَة (٢٩٣هـ): هل كان ابن مَعِين (۲۳۳ هـ) يَحْفَظُ؟ قال: «لا؛ إنما كان عنده معرفةٌ»، وقال الخطيب: «العلم هو الفهم والدراية، وليس بالإكثارِ والتَّوَسُّعِ في الرواية».

الإشكالية السادسة وهي تابعة، تعرض في الغالب للمتمكنين في العلم، لطلاب العلم النجباء، سواء كانوا أغبياء أو أذكياء. قلنا في العلم ليس هناك فرق بين الذكي والغبي إلا سلوك الجادة. عدم الاعتناء بتنمية الملكة العلمية والحذق في العلم. يعني أنا طالب علم وأنا ضابط وحافظ وشرحت كذا وكذا وألفته ولخصته وفزت بالجائزة الفلانية وأخذت المركز الأول، لكن يعني لا أجدني يعني إذا ناقشني أحدهم أو سألني أو حتى بحثت في مسألة لا أجد شيئا من ذلك. ملكتك العلمية ضعيفة، خبرتك وفطنتك، تحقيق مسائل العلم ضعيفة. هذا أمر سهل وقد تكلم العلماء فيه. يواجه بأربعة أمور:

  1. الأول: إعمال العقل والتفكير الناقد. يعني سياسة، ثقافة الاعتراض بصورة أدبية، ليست الاعتراض بالصورة العلمانية. وهنا يقول علامة ابن باديس المالكي الجزائري السلفي رحمه الله: “فالتفكير التفكير يا طلبة العلم!” يعني عليكم بالتفكير. المقصود بالتفكير الناقد، كيف؟ “فإن القراءة بلا تفكير لا توصل إلى شيء من العلم، وإنما تربط صاحبها في صخرة الجمود والتقليد.” لذلك اليوم تجد طلاب العلم بلغوا من العلم مراحل عليا ويعني ما شاء الله، تجده إذا شرح متنا في العقيدة أبدع، وإذا جاءت مسألة ما وإشكال ما رجع إلى التقليد والجمود: لكن مشايخنا لم يقولوا هذا، ولكن شيخ فلان لم يبدعه، ولكن من أنت حتى… ما هذا؟ إذا ما فائدة علمك إذا؟ قال: “وخير منهما الجاهل البسيط.” وقال الطناحي: “جودة العلم لا تتكون إلا بجودة النقد، ولولا النقد لبطل كثير علم، ولاختلط الجهل بالعلم اختلاطا لا خلاص منه ولا حيلة فيه.” طيب، هذه الوسيلة ستأتي معنا إن شاء الله في شروحات المتون، سنتذكرها.

  2. الأمر الثاني: كثرة الاطلاع. وليس المقصود كثرة الاطلاع أن تقرأ هكذا من يمين وشمال بدون فهم، وإنما المقصود كثرة الاطلاع خصوصا على الكتب العالية ذات المباحث الدقيقة. ونحن قلنا ليس الهدف من قراءة الكتاب مجرد الفهم، فهم الكتاب أحد أسبابه أو أحد أهدافه. فهذا الآن هدف آخر، أنت تقرأ الكتاب لا لتفهم، لا يلزم أن تفهم، كتاب صعب عالي، كتاب متقدم، نعم أنا أعرف ذلك، أريد أن أقوي ملكتي. خلاص. قال ابن تيمية: “النظر في العلوم الدقيقة يفتق الذهن” يعني يقويه ويشد الذكاء والتركيز والدقة “ويقويه على العلم، فيصير مثل كثرة الرمي بالنشاب” يعني التدريب على القوس والسهم “وركوب الخيل، تعين على قوة الرمي والركوب، وإن لم يكن ذلك وقت قتال، وهذا مقصد حسن. ولهذا كان كثير من علماء السنة يرغب” يعني يرغب الطالب ولو كان مبتدئا “في النظر في العلوم الصادقة الدقيقة.” ثم قال: “ورياضة الأذهان بمعرفة دقيق العلم والبحث عن الأمور الغامضة.” وهذا أعطيك مثالا سهلا تعرفونه: الآن إذا كان جسدك مترهلا مليئا بالشحوم، كرش وما شاء الله وكلام فاضي، كيف تشده وتقويه؟ بالتمرين المتواصل، صح ولا لا؟ ستشق عليك، نعم، كلما رفعت أوزانا سترفع أوزانا أعلى ثم أعلى ثم أعلى وهكذا. مدة سنة أو سنتين تجي ما شاء الله الجسم ما شاء الله، صح ولا لا؟ أيوا. وأيضا في كرة القدم يقولون الطفل إذا أردتم أن يكون لاعبا عالميا قويا، دعوه يلعب مع فريق الشباب الذين هم كبار السن، أكبر منه يعني، هو عمره مثلا عشر سنوات يلعب مع أصحاب ثمانية عشر وعشرين سنة، يقوى جسده. وكذلك، هذا كلام فاضي لكن على كل حال. والشأن لا يعترض المثال إذ قد كفى الفرض والاحتمال.

  3. الأمر الثالث: تنمية مهارة السؤال والإجابة على الإشكالات. ليس مطلق السؤال، بل السؤال الدقيق. وقد قيل لابن عباس رضي الله عنهما: كيف أصبت هذا العلم؟ ابن عباس كان هو عمره ثمانية عشر، عضو مجلس الشورى لعمر بن الخطاب، يعني مفتي البلاد، عضو هيئة كبار العلماء في ذلك الوقت. هذا هو، ثمانية عشر، نحن عندنا مراهق، مراهق مسكين، مراهق يعاكس النساء ويعبث بالأسواق، صح ولا لا؟ الله المستعان. هذا بالغ عاقل لو لم يصلي دخل النار، ومراهق في عينك أنت وهو. يقول لما سئل كيف أصبت هذا العلم؟ قال: “بلسان سؤول.” يعني كثرة الأسئلة، ليست الأسئلة للعبث، هذا من سوء الأدب، لا، الأسئلة الدقيقة. “وقلب عقول.” يعني يسأل سؤالا يدل على قوة عقله. وقال الزهري: “العلم خزائن مفاتيحها السؤال.” وقال سليمان ابن يسار، وهو من التابعين من فقهائهم الكبار: “حسن المسألة نصف العلم.” وقال ابن تيمية: “إنما العلم في جواب السؤال.” وانظروا إلى تلك الكتب، انظروا إلى الأسئلة أو الكتب التي نراها، مثلا كتاب الجواب الكافي لابن القيم أو الداء والدواء، هو في الحقيقة جواب على سؤال، انظروا دقة هذا السؤال ماذا أخرجت لنا؟ أخرجت كتابا من أعظم كتب التزكية. العقيدة الواسطية، الفتوى الحموية، التدمرية، هذه جواب على أسئلة، إجابة على أسئلة، هي سؤال في الحقيقة، لكن انظروا عظم هذا السؤال. والأمثلة كثيرة.

  4. الأمر الرابع: كثرة المخالطة والمباحثة للأذكياء والنجباء من أهل العلم. كما يقال: الصاحب ساحب. المرء لا تسأل وسل عن قرينه، فكل قرين بالمقارن يقتدي. وكما قال تعالى في سورة الكهف: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} [الكهف: 28] في آخر الآية. ومثل الجليس الصالح والجليس السوء كنافخ المسك، كحامل المسك ونافخ الكير، ما في الصحيحين. وهذا يعني واضح عندكم.

ومن هنا نفهم أمرا عظيما عند السلف. قال لكم هنا: ولذلك كان العلماء يفضلون الملكة العلمية على مطلق الفهم والحفظ المجرد. صاحب الملكة القوية عندهم مقدم على الحافظ المتقن وعلى المطلع الثاقب الذهن. لماذا؟ لأن هذا هو المقصود من العلم.

وذكر لك أمثلة: قال يحيى القطان، ومن أتباع التابعين: “ينبغي لصاحب الحديث أن يفهم ما يقال له.” ليس المقصود مطلق الفهم، لا، الفهم الدقيق كما قلنا. وقال أبو علي النيسابوري: “الفهم عندنا أجل من الحفظ.” وقال أبو بكر بن عبدان: “الدراية فوق الحفظ.” وقد قال الخطيب البغدادي: “العلم هو الفهم والدراية، وليس بالإكثار والتوسع في الرواية.” وقال صالح جزرة، هذا ملقب بجزرة. سئل: هل كان ابن معين، الإمام يحيى ابن معين، يحفظ؟ هل تعرفون ماذا قال ابن حنبل؟ صح من الحديث ألف ألف وكسر، يعني قريب مليون، أو هذا الفتى يحفظ ست مئة ألف، بما أذكر، إما أن حفظي يعني أخطأ، يكون المقصود أبو زرعة أو يكون أحد العلماء المشهورين من حفاظ الحديث الذي هو آية في الحفظ. صح ولا لا؟ فسئل صالح جزرة: هل كان ابن معين يحفظ؟ يعني حفظ رواية؟ هل هو المقصود؟ قال: “لا، إنما كان عنده معرفة.” يعني حفظ الدراية، والملكة. من هنا نفهم كلام السلف على وجهه. لا يأتيك علماني ويقول: يا عمي حتى السلف قالوا يحيى بن معين ما يحفظش، سئل صالح جزرة فقال لا يحفظ، فأنتم كذابون وعلم الحديث كذب. هذا قالها بعض العلمانيين. المشكلة ليس بالعلماني الزنديق، المشكلة فيك أنت يا طالب العلم، يا جاهل، يا من تفتح الباب على هؤلاء حينما تتصدر أنت وأمثالك من الجهال وضعفاء التأصيل بالتأصيل للرد. يأتي يقول: وهذه شبهة، يعني الرد عليه شبهة؟ هذه ليست شبهة، هذا يدل على أنك لا تفهم حقيقة العلم، أنت الشبهة والله. لا كثر الله من أمثالك. قال الخطيب البغدادي: “العلم هو الفهم والدراية، وليس بالإكثار والتوسع من الرواية.”

(۷) الخلاف

(۷) الخلاف، ويُواجه بالآتي: ١ - أن تعرف أنواع الخلاف ودرجاته؛ لتمييز المذموم من غيره. ٢- أنْ تَعرف محل الخلاف وأسبابه. ٣- أن تعرف ثمرته وما يترتب عليه. ٤ - أن تعرف آدابه. ه - الحذر من الخوض فيه قبل ضبط ما سبق.

الإشكالية السابعة: الخلاف. اليوم الخلاف نحن نعرف الخلاف، لكن صار اليوم إشكالية، على الأقل للطالب المبتدئ. لا أتكلم عن الخلاف بين أهل السنة وأهل البدعة، حتى بين أهل السنة، بعض الناس يفهم الاتفاق غلطا. وهذه الإشكالية موجودة. ويواجه بعدة أمور:

  1. أولها: أن تعرف أنواع الخلاف ودرجاته. الخلاف ليس على نوع واحد، الخلاف أنواع ودرجات، وكل نوع له درجات وكل درجة تختلف عن الأخرى. لماذا؟ لتمييز المذموم من غيره. ليس كل الخلاف مذموما، كما أن ليس كل الخلاف رحمة. كذلك.

  2. والأمر الثاني: أن تعرف محل الخلاف وأسبابه. أين موضعه بالضبط؟ تحرير محل النزاع كما قلنا. وما السبب الذي أدى إليه؟ سبب أو سببين أو ثلاثة، حتى تتعامل معهم.

  3. الأمر الثالث: أن تعرف ثمرته وما يترتب عليه. هل يترتب على هذا الخلاف تكفير أو هجر أو مفاصلة؟ أو يترتب عليه كلنا إخوان والخلاف لا يفسد للود قضية أو نحو ذلك. هل يوجد هذا؟ لنعذر بعضنا بعضا فيما اتفقنا واختلفنا فيه إلى آخره. هل هذه أم لا؟ وأين؟

  4. الرابع: أن تعرف آداب الخلاف. هل كل خلاف لابد فيه من الموضوعية والرسالية وسعة الصدر؟ وهل كل خلاف يجب فيه القطع والذم والتشديد؟ لابد أن تعرف أين هذا وأين هذا؟

  5. الأمر الخامس: الحذر من الخوض فيه قبل ضبط ما سبق، أي قبل ضبط الأمور الأربعة السابقة. لماذا؟ لأنك مبتدئ. ونحن في معهد التأصيل العلمي، وهذه يعني أعدها من المميزات التي ربما لا توجد في غيره أبدا، أعني بصورة تأصيلية محررة، ندرس متنا في الخلاف، متنا تأصيليا في الخلاف فيه كل هذه الأمور. أسأل الله أن ينفعنا.

(۸) الزواج

(۸) الزواج، ويُواجه بأمرين: الأول: أنها مسألةٌ نِسْبِيّةٌ تَختلف بحسب حال الطالب ومكانه وزمانه؛ من حيث اليُسْرُ والفَقْرُ، أو التَّفَرُّغُ والانشغال، وغير ذلك، وليس لذلك ضابط محدّد؛ قال بشر الحافي (٢٢٧هـ): (مَن لم يحتج إلى النساء؛ فَلْيَتَّقِ اللهَ وَلا يَأْلَفْ أَفخاذَهُنَّ!». والثاني: على الطالب قَبْلَ ذلك أنْ يُحَصِّلَ الحد الأدنى مِنْ أهم العلوم الشرعية.

  • وتفصيل هذين الأمرين بتطبيق القواعد الفقهية التالية:

١ - قاعدة اليقين لا يزول بالشك: ويتفرع عنها:

  • قاعدة: الأصل في الأمور العارضة العدم، فلا تتعلل بالشهوة.
  • قاعدة: لا عبرة بالتوهم، فإن قيل: ليس توهما؛ فيقال:
  • قاعدة: لا عبرة بالظن البين خطؤه.
  • قاعدة: لا عبرة بالدلالة مقابل التصريح.
  • قاعدة: الممتنع عادة كالممتنع حقيقة، أي تجويز وقوعه والأخذ به = أخذ بما يفيد الشك، وعكسه هو اليقين!
  • قاعدة: ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين. ٢ - قاعدة لا ضرر ولا ضرار: ويتفرع عنها: -قاعدة: الضرر يدفع بقدر الإمكان (ولو جزئيا أو مؤقتا).
  • قاعدة: الضرر لا يزال بمثله بل بالأخف؛ ومنه: احتمال الضرر الخاص لدفع العام لذلك اشترطنا الحد الأدنى من العلوم الشرعية). فإن قيل: كيف ينضبط هذا؟! يقال بقاعدة: ٣- قاعدة العادة محكمة: ويتفرع عنها:
  • قاعدة: العادة لا تحكم إلا إذا اطردت؛ لأن العبرة بالغالب.
  • قاعدة: اختلاف الحكم باختلاف الأحوال؛ لذلك متى ما تيسرت الفرصة المناسبة فلا تتردد. ٤ - قاعدة سد الذرائع ويتفرع عنها:
  • قاعدة: إذا سقط الأصل سقط الفرع، وإذا بطل الشيء بطل ما يتضمنه، والتابع تابع؛ فلا تفكر ابتداء. ه - قاعدة: الغرم بالغنم فبقدر ما تبذله في الطلب وتحمل مشقة الشهوة = تغنم فييسر الله لك الزوجة.

الإشكالية الثامنة والأخيرة، وأنتم تحبونها وتشتاقون إليها، لكن أبشركم ستجلدون وستصرخون: الزواج.

الزواج إشكالية؟ نعم. متى ما بدأت في طلب العلم جاءك شيطان الجن والإنس: لابد من الزواج يا أخي، لأنك إذا تزوجت ستطمئن، وسيصفو ذهنك، وستستطيع الحفظ بسهولة. كذبت ورب الكعبة، بل سيصفو ذهنك من كل شيء إلا من زوجتك. وكذلك في النساء: أنا أريد أن أتزوج لكي أتفرغ للعلم. كذبت. يا إخوة، لا نريد أن نقول إن الزواج باطل لا يصلح لطالب العلم، هذا غلط. ولا نريد أن نقول إن الزواج لابد منه لطالب العلم، هذا أيضا غلط. وإنما يواجه بأمرين مجملين ثم نفصلهما:

  1. الأول: أن تعلم أنها مسألة نسبية. ليس هناك حد موحد لكل الطلاب. نسبية تختلف بحسب عدة اعتبارات، منها حال الطالب من حيث اليسر أو الفقر، ومكانه، ربما أنت تكون في مكان لا يصلح لك الزواج به، هجرة أو في منحة أو أو. وزمانه، من حيث اليسر والفقر أو التفرغ أو الانشغال وغير ذلك. وليس لذلك ضابط محدد. لذلك كان السلف وصاياهم في هذه الإشكالية هكذا. قال بشر الحافي: “من لم يحتج إلى النساء فليتق الله ولا يألف أفخاذهن.” الآن للأسف، التايم لاين الأربعة وعشرين ساعة لطلاب العلم: زواج زواج زواج زواج زواج زواج. يا أخي ما هذا؟ هذا من السفه والله.

  2. طيب الأمر الثاني: على الطالب قبل ذلك، قبل الزواج، أن يحصل الحد الأدنى من أهم العلوم الشرعية. وبلسان اليوم، المستوى الأول في معهد التأصيل العلمي يكفيك هذا. سواء في التأصيل العلمي هو نفسه معهدنا أو غيره، يعني المختصرات في أشهر العلوم. حتى إذا تزوجت وحصل إشكال لا تأتي وتقول: وكنت غاضبا ومتشاجرا مع زوجتي فطلقتها. يا سلام يا حبيبي! هل أنت تعني أنه لابد أن تكون غاضبا؟ هل أحدنا يطلق وهو يستأنس مع زوجته مثلا ويبتسم؟ أكيد حتكون غاضب، وطلاق الغضبان يقع. أليس هناك قول أهل… لا يوجد أي قول؟ وأنت بالذات، يلا انقلع يلا.

طيب هذان الأمران لابد لهما من تفصيل. قال: وتفصيل هذين الأمرين بتطبيق القواعد الفقهية التالية. عندنا القواعد الفقهية الخمسة الكبرى وبعض فروعها سنطبقها على هذه الأحوال، وأنت أدرى بنفسك:

  1. القاعدة الأولى: قاعدة اليقين لا يزول بالشك. ويتفرع عنها عدة قواعد، كيف نطبقها على المتزوج أو الذي يريد الزواج؟ أو أعرف هل أنا أريد الزواج أم لا؟ أو هل الزواج سيصلح معي في طلب العلم أو سيعطلني، سواء كنت ذكرا أو أنثى؟ الكلام للعاقل، أنت أدرى. يتفرع منها عدة قواعد مهمة:

    • أولها: قاعدة الأصل في الأمور العارضة العدم. ما معنى الأمور العارضة؟ عندنا الأمور العارضة يعني التي تأتي وتزول، ليست أمورا ثابتة. مثلا الغبار في الجو أمر ثابت أو أمر عارض؟ أمر عارض، ليس كل يوم غبارا. مهما استمر الغبار مصيره أن يزول. لذلك سيقال: تعليق الدراسة حتى يهدأ الجو. ليه؟ لأنه أمر عارض. فالأمور العارضة لا يتعامل معها كالأمور الثابتة، فالأصل فيها العدم، يعني متى ما زالت ارجع كما كنت. فلا تتعلل بالشهوة. أنا عندي شهوة، هل أنت جماد؟ أكيد سيكون عندك شهوة، شهوة شديدة. لكن هل هذه شهوة مستمرة معك أربعة وعشرين ساعة؟ ولا بس وقت الدرس؟ تأتي وتزول؟ نعم، إذا الأصل في الأمور العارضة العدم، فلا تستعجل، على الأقل بالأمر الثاني أن تأخذ الحد الأدنى.

    • قاعدة أخرى: لا عبرة بالتوهم. كيف لا هو ليس توهما؟ أنا لست متوهما، أنا أعني أن هذا أمر يقيني، هذا أمر يغلب على الظن.

    • يقال ننظر إلى القاعدة التالية: لا عبرة بالظن البين خطؤه. ألم يتبين لك أنك تستطيع حضور الدرس والدرسين والثلاث وحفظ الكتاب والكتابين والاستمتاع، ها؟ وتنقل ما شاء الله فوائد، وأنا رأيت قناتك ما شاء الله قناة معهد التأصيل فوائد جميلة، ها؟ وما شاء الله سألخص بعض النقولات، القنوات كثيرة ما شاء الله. ألم يتبين لك خطأ ظنك؟ والله والله اعترف، نعم. إذا اسكت.

    • القاعدة التي تليها: لا عبرة بالدلالة مقابل التصريح. هناك دلالة يعني استنباط، وهناك تصريح. لا عبرة بهذه الاستنباطات وهذه الدلالات. الصريح الذي نراه وتراه أنت أنك ما شاء الله بشحمك ولحمك، وأنت كذلك بشحمك ولحمك، ما الذي حصل؟ لا شيء. إذا لا عبرة بالدلالة في مقابل التصريح.

    • القاعدة التي تليها: الممتنع عادة كالممتنع حقيقة. يعني تجويز وقوعه والأخذ به لا يفيدك، إنما هو أخذ بالشك. ليه؟ لأن في العادة لن تحصل لك مثل هذه التخبطات. تحصل لك عندما تسهر الليل وتنظر في ذات الوشاح وتأتي بالسيارة البنز والسيارة البي إم دبليو السوداء وتشبه المنقبة، وأنت تنظرين في صاحب اللحية الطويلة إلى سرته وإلى ركبته وإلى… تأتيك الأحوال الغامضة والأحوال الشيطانية، والله أعلم هي، الله أعلم، الراجح أنها شيطانية، وفي رواية ضعيفة أنها أحوال رحمانية. أليس كذلك؟ اليقين لا يزول بالشك يا حبيبي، قم.

    • القاعدة التي تليها: ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين. حبيبي في زوجة، في استطاعة، تزوج. ما في، إن اليقين لا يزال بالشك، انتهى. ما ثبت بيقين لا يزول إلا باليقين. فأنت الآن عزابي من أكبر العزاب، فاليقين أنك عازب، فكن. وأنت عزباء، كونوا عزابا إلى أن ييسر الله لكم أزواجا. لن أدعو لكم حتى لا تقول ادعوا، لن أدعوا، سأدعو في الوقت المناسب.

  2. القاعدة الثانية: قاعدة لا ضرر ولا ضرار. ويقال الضرر يزال. ويتفرع منها قاعدتان:

    • الأولى: الضرر يدفع بقدر الإمكان، ولو جزئيا ولو مؤقتا. والله أنا لا أستطيع، طيب يا أخي هل تستطيع أن تبقى عازبا وتبقي عزباء حتى تكمل المستوى الأول في معهد التأصيل العلمي؟ نعم. خلاص. هذا شرعا يجب عليك أن تدفعه بقدر الإمكان، ولو جزئيا ولو مؤقتا. ثم بعد ذلك افعل ما شئت.

    • القاعدة الثانية: الضرر لا يزال بمثله. لا يزال الضرر بضرر مثله. وهنا أرسل رسالة خفية من أخيكم الكبير، من القلب إلى القلب كما يقولون، من القلب إلى القلب: احذر أن يأتيك شيطان الجن، وسيأتيك، بل ربما أتاك، ولا يسلم أحد منا، لا المتزوج ولا الأعزب، لا للنساء ولا للرجال. وقد فصلت في هذا الموضوع كثيرا كثيرا كثيرا، أسأل الله أن ينفع. أقول: إياك أن تعوض شهوتك بالحرام. والحرام اليوم أسهل ما يكون، يطاردك مطاردة القط والفأر. إياك أن تدخل في باب ما يسمى بالأفلام الإباحية. وقد تكلمت عن هذا بصورة مفصلة، أزعم أنه لا يوجد مادة مفصلة كما الذي تكلمت عنه في حدود ما أعلم. تكلمت عن هذه المادتين: الأولى محاضرة تأصيلية كان الغرض منها تأصيل المسائل ومن ناحية طبية ونفسية وشرعية، وهي موجودة بعنوان “خطر الإباحية”، ساعتين تقريبا. والمادة الثانية لقاء شبابي، ربما ثلاث ساعات، كان الغرض منه تدعيم ما ذكرته في الجانب النظري في المحاضرة الأولى وهو عملية. وتكلمت عنه في مادة ثالثة أيضا في عنوان “طالب العلم والرياضة”، أيضا في لقاء ربما ساعتين، تكلمت عنه بصورة شديدة. وتكلمت عنه أيضا في لقاء بعنوان “طالب العلم والزواج”. لا تفرح، لا، ليس هناك كيف تتزوج، لا لا لا، إنما تكلمت عن هذا لأن هذا الخطر يا إخوة لا ينفع العلاج معه العلاج الشرعي: تب إلى الله وغض بصرك. اليوم فتن النوازل، يحتاج أن يكتب فيها. لذلك إياك أن تزيل الضرر بضرر مثله، فتفتح على نفسك بابا لا يغلق حتى بالزواج. أي نعم. لا تظن أن الزواج بمجرد أن تتزوج ستترك هذه الأمور، لا، أنت ستدخل في مرض يصنف عالميا اسمه مرض إدمان الأفلام الإباحية. فإذا تزوجت مائة امرأة ومن أجمل نساء العالمين، ما لم تبدأ العلاج لن تستفيد من الزواج. فإذا بدأت العلاج سيكون الزواج أكبر وسيلة لسرعة العلاج، وستستمتع بزوجتك، واحدة أو مئة. والكلام للنساء أيضا. والكلام يطول، لكن هذه إشارة فقط وارجعوا إلى المواد منشورة، والإخوة جزاهم الله خير يعني ما قصروا، بعضهم شاركها.

إذا قلنا الضرر لا يزال بضرر مثله، طيب يزال بالضرر الأخف. ومنه احتمال الضرر الخاص لدفع الضرر العام. لذلك اشترطنا الحد الأدنى من العلوم الشرعية.

فإن قيل كيف ينضبط هذا الأمر؟ أنا لا أعرف، أنا أسكن نفسي من هذا الضرر أو لا؟ يا أخي أنا لا أستطيع أن أخرج، أنا مبتلى بالنساء، أن أركب المواصلات، أركب معي بنت من ها هنا وها هنا، وإن غضضت بصري خرجت لي بنت تبيع الشاي تحت الأرض، إن رفعت بصري إلى السماء أتفكر في ملكوت السماوات خرجت لي واحدة من الشرفة أو البلكونة، ماذا أفعل يا شيخ؟ كيف ينضبط؟

  1. القاعدة الثالثة: قاعدة العادة محكمة. ويتفرع منها قاعدتان تهمنا هنا:

    • الأولى: قاعدة العادة لا تحكم، يعني لا يبنى عليها أحكام شرعية، إلا إذا اطردت، لأن العبرة بالغالب. فهل أنت الغالب عليك في يومك في شهرك في أسبوعك في هذا الأمر؟ نعم، إذا تفضل تزوج، تعال هنا تعال، خذ معك المستوى الأول على الأقل سريعا يا أخي، والله تستفيد، ثم ييسر الله لك. ولا بس أحيانا أحيانا؟ إذا لا عبرة بهذه العادة.

    • القاعدة الثانية: اختلاف الحكم باختلاف الأحوال. ربما تكون في حالة من الأحوال ما شاء الله إيمانيات عالية، زهد، نفرة من نساء الدنيا واشتياق للحور العين، تضبط المستوى الأول والثاني والسابع والعاشر من معهد التأصيل العلمي وغيره. وتأتيك أحوال إذا نظرت إلى العلم أصابك الغثيان، ولا تستحضر إلا نساء العالمين، صح ولا لا؟ حتى المتبرجات. وكذلك النساء. طيب، اختلاف الأحوال، متى ما تيسرت لك الفرصة، أعني بالزواج المناسبة، ها، لا تستعجل، مناسبة، لا تتردد. وابقى قابلني كما يقول المصريون إذا واصلت معنا.

  2. القاعدة الرابعة: قاعدة سد الذرائع. يعني الأمر المباح إذا غلب على ظنك أنه سيؤدي إلى أمر منهي عنه فامنع هذا المباح. كيف؟

    • يتفرع عنها قاعدة واحدة نريدها هنا: إذا سقط الأصل سقط الفرع، وإذا بطل الشيء بطل كل ما يشمله، وهو ما بداخله وما يحتويه وما يتضمنه. ويقال التابع تابع. يعني هذا شرح لكلام بشر الحافي: “من لم يحتج إلى النساء” يعني للزواج “اتق الله ولا يألف أفخاذهن.” لا تأتي بسيرتهن، لا تفكر ابتداء. وجدت إخوانك يتحدثون عن النساء والزواج، اهرب منهم. كيف تهرب منهم؟ أنا أعطيك مثالا حيا: أخرج متنا من جيبك وقل لهم لنتذاكر هذا المتن يا أحبة. صدقني ربما سينقص عددكم وسيهربون. والله المستعان.
  3. القاعدة الخامسة والأخيرة: الغنم بالغرم. ويقال الغرم بالغنم. هذه القاعدة تنعكس أيضا. يهمنا هنا الغرم بالغنم، يعني الغرامة بالغنيمة. كيف؟ فبقدر ما تبذله في طلب العلم وتتحمل مشقة الشهوة الشديدة في هذا الزمان، ربما الشهوة في هذا الزمان يا أحبة أسوأ وأعظم وأخطر من أي عصر مضى، حتى من عصر السلف، أي والله. حينئذ تغنم، فييسر الله لك زوجة صالحة تأتي بدون تعبك. يراك أحدهم ويقول لك: يا ابني والله لقد استمعت لدرسك، والله لقد نقل لي بعضهم جوابا لسؤالك وفتوى لك، ورأيت لك مقالا، ووجدت لك شرحا رائعا، ووقفت على فائدة رائعة. والله يا ابني أريد أن أزوجك بنتي، والله لابد أن أزوجك بنتي. تعال يا شيخ. وأنت مسكين لا تحمل حتى قيمة الخبز، صح ولا لا؟ بل أنت تحمل هم الدرس، ليس عندك ما تشحن به خدمة النت، وتريد أن تفتح الواي فاي من أحدهم. فتذهب وتنظر إليها وترى الجمال وترى الأدب، ويقول لك تزوج بما عندك. تقول له أنا لست عندي، ليس عندي بيت. يا أخي نجلس في بيتنا وبيتنا عندنا غرفة. ما شاء الله. هذا يحصل يا أحبة. هذه عقيدتنا، الغرم بالغنم. أنا سأغرم يا رب، أنا الآن سأضحي في لوجهك يا رب في طلب العلم، وأنت تعلم ما أعاني من الشهوة، وهكذا بالسؤال يغنمك الله ويسبب لك زواجا من حيث لا تحتسب. وقد حصل كثيرا.

الأصل السابع: علماء لابد من إكثار القراءة في كتبهم

الأصل السابع: علماء لابد من إكثار القراءة في كتبهم: ابن تيمية (٧٢٨هـ)، ابن قيم الجوزية (٧٥١هـ)، ابن رجب (٧٩٥هـ)، أئمة الدعوة النجدية، السعدي (١٣٧٦هـ)، بكر أبو زيد (١٤٢٩هـ).

انتهينا. الأصل السابع والثامن كله متعلق بقراءتك الخاصة، سواء بنفسك أو مع زملائك، يعني المجهود الفردي.

الأصل السابع: علماء لابد من إكثار القراءة في كتبهم. يعني الطالب المبتدئ لابد أن تكثر القراءة لهؤلاء العلماء مهما كان الثمن، بغض النظر عن أنك تفهم أو لا تفهم، بغض النظر عن نوع الكتاب الذي تقرأه لهؤلاء العلماء، كان كبيرا أو صغيرا، كان في الفقه أو في الحديث أو في التزكية، كان متقدما، مختصرا، مطولا، أكملت الكتاب أو لم تكمله، ولا يلزم أن تقرأه بالطريقة الاستفادة والجرد ثلاث مرات، لا لا، نحن هنا نتكلم عن كثرة التكرار والقراءة، لأن كل عالم من هؤلاء العلماء له ميزة تختصر عليك مشوارك في طلب العلم. يعني مثلا لو فرضنا أنك في علم الغيب مثلا ستكون عالما بعد عشر سنوات، صدقني وأنا أقسم لك غير حانث، إذا أكثرت القراءة لهؤلاء العلماء، تشوفون فقط، ستكون عالما بنصف المدة، خمس سنوات، بل أقل. وأيضا هؤلاء العلماء لهم من الأساليب الموسوعية وتفعيل العلوم الشرعية في كل المجالات ما يمكن أن يفهمه الطالب المبتدئ بسهولة. يعني هؤلاء العلماء الستة أو المجموعات الستة من العلماء ليس المقصود ذاتهم وأشخاصهم، حتى يأتيني أحدهم يقول إن الشيخ فلان له عدة ملاحظات، يا أخي نعلم هذا يا أخي، نعلم يا شيخ. ولكن بالنسبة للطالب المبتدئ، سهولة اكتساب تلك الملكة من هؤلاء العلماء أسهل وأسرع من غيرهم. وفي الحديث: “احرص على ما ينفعك ولا تعجز.” طيب. وكلهم سلفيون والحمد لله.

  1. الأول: ابن تيمية رحمه الله. والميزة التي في ابن تيمية تعرفونها.

  2. والثاني: تلميذه ابن القيم، أيضا لا يحتاج أن نذكر لك مميزات ابن تيمية وابن القيم.

  3. والثالث: ابن رجب، وهو تلميذ ابن القيم، يقال أنه تتلمذ عليه في سنة واحدة وأنه استفاد منه في هذه السنة الواحدة ما لم يستفده في جميع مشايخه. أتعرفون لماذا؟ مجرد أن درست المدخل ستعرف، أكيد أنه وجد في ابن القيم مواصفات الشيخ، أكيد أنه ابن القيم وجد نفسه أحسن تلك الضوابط والقواعد والآداب في الاستفادة من الشيخ والحضور فيه، أكيد أكيد. طيب وميزة أخرى لابن رجب، وفي الحقيقة يتفوق بها حتى على ابن تيمية وابن القيم، أنه قريب من آثار السلف بصورة موسوعية، بحيث أنك إذا قرأت لابن رجب لن تخرج بفائدة أثر أو أثرين، أثر جميل وآثار جميل، لا، بل نعم ستخرج بهذا، لكن الأهم أنك ستخرج بالقاعدة العامة التي كان عليها السلف في الفعل والترك. يعني ستخرج منه بأن السلف كانوا يفعلون كذا وكذا، السلف لم يكونوا يفعلون كذا وكذا. هذه عند ابن رجب أكثر من ابن تيمية وابن القيم. وأعطيك مثالا حساسا جدا: رسالة صغيرة في شرح حديث “إن أغبط أوليائي لمؤمن خفيف الحاذ…” إلى آخره. بغض النظر عن الحديث، ابن رجب، ستقرأ هذه الرسالة باختصار، رسالة مختصرة، ستقرأها وسترى وستخرج بفائدة أن للسلف مسلكين وطريقتين، طريقة سهلة في موضوع الزواج. منهم من لا يحب الزواج، وفي داخله من إذا تزوج لا يحب الإكثار من الأبناء، يعني من الولادة. والطريقة الثانية من يحب الإكثار من الأزواج، سواء أحب الإكثار من الأبناء أو لا. وكلاهما طريقتان سلفيتان. إذا لم تفهم هذا، لم تكثر القراءة لابن رجب، لن تفهم هذه الأمور. وإنما سنأتي بسرعة، أبو القعقاع الأثري ها، أو بعضهم سألني سؤالا لطيفا، قال: يا شيخ هل هو أبو القعقاع الأثري تضرب به المثال؟ أنا ليس شخصا، إنما هو مثال للطالب المتعالم الذي يحسب أنه على رأسه، رضي الله عنه، يأتي ويقول: كيف يقول هذا ابن رجب؟ وانظر لم يقله ابن رجب، هذا هدي السلف. يقول والله يقول: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} [الإسراء: 31]. يا أخي أين القتل وأين خشية الإملاق؟ قبح الله هذا الاستعجال. أنت سلفي؟ أنت سلفي مزور مزيف. حسبي الله ونعم الوكيل على أمثالك الذين هم اكتسحوا الساحة اليوم، السلفية تعاني من أبنائها. أليس كذلك يا أحبة؟ هكذا، تخيل أن يكثر الطالب المبتدئ من القراءة هكذا، سترى أشياء عجيبة. وفوائد أخرى، لكن هذا منها.

  4. الرابع: أئمة الدعوة النجدية. ونعني خصوصا كتبهم العقدية. لهم كتب فقهية وكذا، هم كانوا على مذهب الحنابلة، لكن كتبهم العقدية سواء كتب مستقلة التي ألفوها استقلالا أو كانت ردودا، ستجد فيها ما لا تجده في غيره من خلاصة لبعض المسائل التي كثر فيها اللغط، من تحرير لمسائل دقيقة ربما لا تجدها في غيرها. بإكثار القراءة تتشرب تلك الموسوعية وتلك المنهجية، فتجود ملكتك.

  5. الخامس: العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعرفونه. والسعدي له ميزة مثل ميزة ما سبق، لكن الرجل موسوعي مقاصدي، يعطيك كلمة تعينك على فهم مقاصد الإسلام كله. ولا نريد أن نكثر، السعدي تعرفونه، ومؤلفاته معروفة.

  6. والسادس والأخير: العلامة بكر أبو زيد رحمه الله. بكر أبو زيد والسعدي ويعني كتب أئمة الدعوة النجدية وابن تيمية وابن القيم، كل هؤلاء تلاحظون أن القاسم المشترك بينهم أن كتبهم محصورة، سواء كانت كثيرة أو قليلة. كتبه قليلة، السعدي كذلك، ليست بتلك الكثرة لكنها محصورة. يعني تستطيع أن تمر عليها كما قلنا، اجعل لك وردا ولو صفحة في اليوم، نعم لا تستكثرها ولا تستقلها.

الأصل الثامن: كتب لابد من قراءتها في بداية الطلب

الأصل الثامن: كتب لابد من قراءتها في بداية الطلب: ١ - أخلاق العلماء. ٢ - أخلاق حملة القرآن، كلاهما للآجري. ٣ - جامع بيان العلم وفضله، لابن عبدالبر. ٤ - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، ه - الفقيه والمتفقه، ٦ - اقتضاء العلم العمل، ثلاثتها للخطيب البغدادي. ٧ - تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم، لابن جماعة. ٨ - معالم في طريق طلب العلم للشيخ عبدالعزيز السدحان. ٩ - تعظيم العلم، ١٠ - البينة في اقتباس العلم، كلاهما للشيخ صالح العصيمي. ۱۱ - المُشوّق للقراءة وطلب العلم، لعلي العمران. ۱۲ - ارتياض العلوم، لمشاري الشثري. ۱۳ - الخلاف أنواعه وضوابطه وكيفية التعامل معه، لحسن العصيمي. ١٤ - التعالم، ١٥ - حِلْيَة طالب العلم، كلاهما للشيخ بكر أبوزيد. ١٦ - صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم، ١٧ - قيمة الوقت عند العلماء، كلاهما لأبي غُدّة. ۱۸ - مختصر منهاج القاصدين، لأبي العباس ابن قدامة.

الأصل الثامن والأخير في هذا الكتاب: كتب لابد من قراءتها في بداية الطلب. في بداية الطلب. يعني هذه الكتب هي كتب تتحدث عن آداب طالب العلم. وأعطيكم السر: هذه الكتب اللي هي ثمانية عشر أو تسعة عشر، منها خرج كتاب المدخل إلى طلب العلم. يعني من أراد أن يعرف، المدخل إلى طلب العلم ليس من بنات أفكار أخيكم، إنما هو خلاصة لهذه الكتب بطريقة مبتكرة كما ترونها. فهذه المراجع الأساسية. وأنا سأذكر لك أهم الكتب التي يحتاجها طالب العلم، لا لشيء، وإنما ليس يعني من باب الحصر وليس من باب المثال، لا، وإنما اخترنا كتبا بعناية، فكل كتاب فيه ما يحتاجه طالب العلم سواء كان مبتدئا أو كان حتى متقدما.

الأول: كتاب “أخلاق العلماء”. والثاني: “أخلاق حملة القرآن”، كلاهما للإمام الآجري، المتوفي ثلاث مئة وستين للهجرة. وانتبه، ليس كتاب “أخلاق حملة القرآن” للحفظة ولطلاب التحفيظ كما يفعلونه، لا، بل هو كتاب لآداب طالب العلم عموما.

الثالث: “جامع بيان العلم وفضله” للإمام ابن عبد البر، متوفى عام أربع مئة وستين للهجرة.

الرابع: “الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع”. والخامس: “الفقيه والمتفقه”. وأيضا السادس: “اقتضاء العلم العمل”، كلها للخطيب البغدادي، أربع مئة وثلاث وستين للهجرة.

السابع: “تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم” لابن جماعة، سبع مئة وثلاث وثلاثين تقريبا. وهذا الكتاب الثاني بعد كتاب المدخل إن شاء الله.

الثامن: كتاب “معالم في طريق طلب العلم”. هذا الكتاب مبارك، الكتاب حقيقي عجيب، لشيخنا الشيخ عبدالعزيز السدحان حفظه الله. أنا أقول شيخنا، تتلمذت عليه في مجلس أو مجلسين فقط. وهذا الكتاب يعني ممكن تقول يتكلم عن الحياة الاجتماعية الخاصة لطالب العلم، بالإضافة للفوائد العامة.

التاسع: كتاب “تعظيم العلم”. والعاشر: كتاب “البينة” أو كتيب “البينة في اقتباس العلم”، كلاهما لشيخنا صالح العصيمي، ويعني لا يحتاج إلى تزكية، وتعرفون الشيخ وتعرفون كتبه.

الحادي عشر: كتاب “المشوق للقراءة وطلب العلم”، للدكتور علي العمران، بكسر العين كما هو يكسرها، ومعروف، والكتاب على اسمه مشوق للقراءة في كتب العلم والمشوق لطلب العلم، وفيه من الفوائد والنوادر ما لا يوجد في غيره، وعلي العمران يعني معروف.

الثاني عشر: كتاب “ارتياض العلوم”، للأخ الدكتور مشاري، أنا أحضر الدكتوراه، مشاري الشثري، وهو ليس ابن الشيخ سعد الشثري ولا علاقة له به، إنما العوائل السعودية تتشابه. وهذا الكتاب على اسمه “ارتياض العلوم”، يعني كأنه يعينك على كيف تريض نفسك وتروضها على العلوم الشرعية عموما، وفيه ما ليس في غيره.

الثالث عشر: كتاب “الخلاف أنواعه وضوابطه وكيفية التعامل معه” للدكتور حسن العصيمي، ولا علاقة له بالشيخ صالح العصيمي، إنما فقط كما قلنا العوائل السعودية تتداخل. وهذا الكتاب هو تقريبا رسالة ماجستير أو دكتوراه، فائدته في الإشكالية التي ذكرناها في إشكالية الخلاف، يعينك جدا جدا جدا، والكتاب يصلح أن يلخص ويصير متنا.

الرابع عشر: كتاب “التعالم”. والخامس عشر: “حلية طالب العلم”، كلاهما للشيخ العلامة بكر أبو زيد رحمه الله، والكتابان مشهوران، أشهر من نار على علم كما يقال. ويمكن أن يضاف إليهما كتابان لكن على نوع تحفظ: الأول كتاب “تصنيف الناس بين الظن واليقين”. الكتاب يعني نسفه نسفا الشيخ عبدالسلام بن برجس، يعني تناوله إن لم يصرح به في بعض كتبه أو محاضراته المفرغة، لكن الله المستعان، الكتاب بصراحة جيد، “تصنيف الناس بين الظن واليقين”، يستفاد مما فيه من ضوابط مفيدة، على الأقل أنت مبتدئ، تعينك، وفيه من الفوائد والله ما ليس في غيره. هذا التحفظ، التحفظ موجود في كل الكتب يا إخوة. طالب العلم كما يقول العلماء في البداية يقولون: إذا جمعت فقمش، يعني كأنك تشحن الفوائد، تلتقطها من الأرض وتملأ قماشك. وإذا رويت ففتش. هذا يروى عن يحيى ابن معين وغيره. إذا جمعت فقمش، يعني اجمع من هنا وهناك بدون نظر، بدون تمحيص. حتى إذا رويت ودرست وعرفت، تمحص وتبين.

السابع عشر، بالإضافة لما أضفناه، السابع عشر والثامن عشر: كتاب “قيمة الوقت” أو “صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم”. الكتاب صراحة غني جدا ومفيد جدا، وقسمه مؤلفه إلى سبعة أو ثمانية جوانب، وفي كل الجوانب يذكر مواقف السلف وآثار السلف فقط. والثاني: “قيمة الوقت عند العلماء”، أيضا بنفس الطريقة. كتابان مهمان جدا لما فيهما من شحن المؤلف لآثار السلف. المؤلف مبتدع ضال عدو للسلفية، مشهور جدا، وهو عبد الفتاح أبو غدة. وقد كان كوثريا، حتى لا تغتر بالأثرية والحديث وطريقة علماء الحديث الذين هم على الدولة العثمانية، أصحاب هوى، هو حامل راية الجهمية كما قال شيخنا عبد الرزاق، حامل راية الجهمية في هذا العصر اللي هو الكوثري، وهذا عبد الفتاح أبو غدة يجعل الكوثري مثله الأعلى حتى تكنى به، فهو أبو زاهد وسمى ابنه عليه. على كل حال لا يهمنا ذلك. لماذا أقول هذا؟ لأن هؤلاء الخبثاء يجعلون السم في العسل أو السم في الدسم. فستقرأ هذان الكتابين، نعم لابد منهما، لكن انتبه من حواشيه، يحشر فيها السم وأنت يعني ما شاء الله أثري وتعرف طريقة هؤلاء المتصوفة والماتريدية إلى آخره. لكن الكتاب مفيد جدا.

الأخير: كتاب “مختصر منهاج القاصدين” لأبي العباس ابن قدامة. إياك أن تقول ابن قدامة تظن أن ابن قدامة هو ابن قدامة المشهور الموفق، لا، ذاك نعم هو ابن عمه تقريبا أو ابن عم أبيه، المهم هم عائلة واحدة، هذا أبو العباس ابن قدامة، هو ابن أخ الفقيه. هذا الكتاب يعني قصته عجيبة. أبو العباس ابن قدامة أقرب للسلفية، خلاص، أقرب للسلفية، الآن في بعض الإشكالات. المهم ماذا فعل؟ لماذا سمي “مختصر منهاج القاصدين”؟ ما قصة هذا الكتاب؟ هذا الكتاب مختصر لكتاب اسمه “منهاج القاصدين” لابن الجوزي. وكتاب ابن الجوزي ما اسمه؟ اسمه “منهاج القاصدين إلى…” آخر ما قال، في اختصار أو تهذيب “إحياء علوم الدين” للغزالي، حجة إسلامهم. ماذا فعل ابن الجوزي؟ ابن الجوزي من فقهاء الحنابلة والمحدثين، وإن كان هو رجل على طريقة الأشاعرة ومتذبذب إلى آخره. المهم أنه رأى كتاب الغزالي “إحياء علوم الدين”، ويعني كتاب تعرفون ما فيه، فيه من ضلال ما فيه، وفيه من فوائد التي لا يحتاجها طالب العلم، من هذا الكتاب المشحون بالضلال. أنا أستغرب بعض الشيوخ يقول ابن تيمية مدحه، يا أخي قال فيه خير ولكن فيه شر. طيب لماذا أنا أحصر نفسي وأضيع نفسي أختار كتابا مليء بالشرور لأستخرج منه بعض الخير الذي يمكن أن أستخرجه من غيره؟ كلام فاضي. المهم ابن الجوزي رأى أن هذا الكتاب فيه من الضلالات وفيه من الأحاديث الباطلة، الغزالي عامي في الحديث كما هو معلوم. فماذا فعل؟ حذف الأحاديث الباطلة وحذف وساوس الصوفية وما رآه من ضلالات، وجردها وسماه “منهاج القاصدين”. جاء أبو العباس ابن قدامة ورأى أن ابن الجوزي أيضا فيه إشكالات، سواء من أشعريات أو حتى من غير ذلك، فجرده وأصلحه واختصره وصار متنا جيدا يصلح لطالب العلم أن يقرأه بسهولة.

هناك كتاب يضاف إلى هذه القائمة مهم جدا، وهو كتاب “أدب الطلب ومنتهى الأرب” للشوكاني. وتعرفون الشوكاني، ومن الزيدية. والزيدية مراتب كما ذكر الإمام أبو الحسين الملطي في كتاب “التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع” وكتاب “الفرق بين الفرق”، ثلاث مئة وسبعة وسبعين، من أقدم الكتب بل هو أول كتاب في الفرق عند السلف يعني. ذكر أنهم على أربع مراتب، والشوكاني غالبا من المرتبة الرابعة، الذين هم لا يسبون السلف ولا يكفرون الصحابة. أنا أقول هذا لتعرف حدود ما أنزل الله على رسوله كما أخذنا، حتى تعرف منزلته؟ نعم هم ليسوا من أهل السنة، هم من أهل البدع بلا شك، لكنه أخف من غيره، هو أخف من الزيدية الموجودين الآن سواء في تريم أو في صعدة أو في غيرها، هؤلاء أغلبهم زنادقة، نعم. وهو مثل أو قريب من الصنعاني، خلاص، وقريب من صالح المقبلي، وقريب من ابن الوزير. على كل حال هؤلاء زيود أو زيدية، احذروا منهم، شيعة نعم، لكن ليسوا رافضة وليسوا سبابة، وإن كان لهم هنات من هنا وهناك والتشيع في النهاية. لكن أقول هذا حتى يحضر طالب العلم كتابه “أدب الطلب”، كتاب مفيد جدا جدا جدا. وفائدته تكمن ليس في أنه ذكر أشياء، لا لا لا، بالعكس، بل في هذا الجانب يعني ما يحتاجه طالب العلم، بل في هذا الجانب يعني ضعيف جدا. وإنما فائدته في ثلثه الأول أو نصفه الأول أنه ذكر أسباب التعصب، ذكر بضعة عشر سببا، للأسباب التي تعرض لطالب العلم سواء كان مبتدئا أو متقدما أو غير ذلك، وهي أسباب خفية، تلتبس وتختلط وتظهر في صورة العلم والحرص. هذا جانب مهم جدا في هذا الكتاب. لو لم يوجد إلا هذا الجانب لكفاك.

خاتمة وإعلان عن الاختبار

بهذا نكون قد انتهينا من شرح كتاب المدخل، وبه انتهى الكتاب الأول من رحلتنا في المستوى التمهيدي. الاختبار بإذن الله سيكون يوم الخميس. يرسل الرابط، سيكون على قوائم جوجل معروفة. يرسل الخميس اللي هو ليلة الجمعة أو يعني صباح الجمعة يعني، الساعة الثانية عشر صباحا الجمعة، يعني الخميس الثاني عشر بالليل هي خلاص دخلنا في الجمعة. يرسل إن شاء الله، ثم يبقى عدة أيام، ثم يغلق وتظهر النتائج، ثم ندخل بعدها في الكتاب الثاني وهو “تذكرة السامع والمتكلم”. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.