المؤلف:: ابن تيمية الناشر:: مكتبة طالب العلم سنة النشر::  2024 الصفحات:: 346 الغلاف:: https://images-na.ssl-images-amazon.com/images/S/compressed.photo.goodreads.com/books/1609426712i/56491586.jpg الصيغة:: PDF الرابط:: https://www.goodreads.com/book/show/56491586 ISBN:: الحالة:: مكتمل التسميات:: المعرفة:: , التدريب:: , تاريخ القراءة:: 2025-02-07 معالج:: 1 تقييم الفائدة المستقبلية::

تحقيق عبد المحسن القاسم

https://a-alqasim.com/books/081502alhamawiyyahhawashee/


بعث الله مُحَمَّداً ﷺ بالهدى ودين الحق، ومن المحال أن يكونَ قد ترك باب صفات الله ملتبساً مشتبهاً

فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً ﷺ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ؛ لِيُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الحَمِيدِ، وَشَهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ بَعَثَهُ دَاعِياً إِلَيْهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾

وَمِنَ المُحَالِ فِي العَقْلِ وَالدِّينِ: أَنْ يَكُونَ السِّرَاجُ المُنِيرُ الَّذِي أَخْرَجَ بِهِ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَأَنْزَلَ مَعَهُ الكِتَابَ بِالحَقِّ؛ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَرُدُّوا مَا تَنَازَعُوا فِيهِ مِنْ دِينِهِمْ إِلَى مَا بُعِثَ بِهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالحِكْمَةِ، وَهُوَ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ وَإِلَى سَبِيلِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ أَكْمَلَ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ دِينَهُمْ، وَأَتَمَّ عَلَيْهِمْ نِعْمَتَهُ، مُحَالٌ - مَعَ هَذَا وَغَيْرِهِ -: أَنْ يَكُونَ قَدْ تَرَكَ بَابَ الإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالعِلْمِ بِهِ مُلْتَبِساً مُشْتَبِها، وَلَمْ يُمَيِّز مَا يَجِبُ لِلَّهِ مِنَ الأَسْمَاءِ الحُسْنَى وَالصِّفَاتِ العُلْيَا، وَمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ هَذَا: أَصْلُ الدِّينِ، وَأَسَاسُ الهِدَايَةِ، وَأَفْضَلُ وَأَوْجَبُ مَا اكْتَسَبَتْهُ القُلُوبُ، وَحَصَّلَتْهُ النُّفُوسُ، وَأَدْرَكَتْهُ العُقُولُ. … مَنْ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى حَيَاةٍ، وَطَلَبِ لِلْعِلْمِ، أَوْ نَهْمَةٍ فِي العِبَادَةِ، يَكُونُ البَحْثُ عَنْ هَذَا البَابِ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ، وَمَعْرِفَةُ الحَقِّ فِيهِ: أَكْبَرَ مَقَاصِدِهِ، وَأَعْظَمَ مَطَالِبِهِ - أَعْنِي: بَيَانَ مَا يَنْبَغِي اعْتِقَادُهُ، لَا مَعْرِفَةَ كَيْفِيَّةِ الرَّبِّ وَصِفَاتِهِ، وَلَيْسَتِ النُّفُوسُ الصَّحِيحَةُ إِلَى شَيْءٍ أَشْوَقَ مِنْهَا إِلَى مَعْرِفَةِ هَذَا الْأَمْرِ، وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ بِالفِطْرَةِ الوَجْدِيَّةِ. ص ١٤ - ١٥

لا يجوز أن يكونَ الخَلَفُ أعلمَ مِنَ السَّلَفِ

وَلَا يَجُوزُ أَيْضاً أَنْ يَكُونَ الخَالِفُونَ أَعْلَمَ مِنَ السَّالِفِينَ؛ كَمَا قَدْ يَقُولُهُ بَعْضُ الأَغْبِيَاءِ - مِمَّنْ لَمْ يَقْدُرْ قَدْرَ السَّلَفِ، بَلْ وَلَا عَرَفَ اللَّهَ ﷺ وَرَسُولَهُ وَالمُؤْمِنِينَ بِهِ حَقِيقَةَ المَعْرِفَةِ المَأْمُورِ بِهَا - مِنْ أَنَّ: طَرِيقَةَ السَّلَفِ أَسْلَمُ، وَطَرِيقَةَ الخَلَفِ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

فَإِنَّ هَؤُلَاءِ المُبْتَدِعَةَ الَّذِينَ يُفَضِّلُونَ طَرِيقَةَ الخَلَفِ عَلَى طَرِيقَةِ السَّلَفِ إِنَّمَا أُتُوا مِنْ حَيْثُ ظَنُّوا: أَنَّ طَرِيقَةَ السَّلَفِ هِيَ مُجَرَّدُ الإِيمَانِ بِأَلْفَاظِ القُرْآنِ وَالحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ فِقْهِ لِذَلِكَ؛ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّيِّينَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ﴾، وَأَنَّ طَرِيقَةَ الخَلَفِ هِيَ: اسْتِخْرَاجُ مَعَانِي النُّصُوصِ المَصْرُوفَةِ عَنْ حَقَائِقِهَا بِأَنْوَاعِ المَجَازَاتِ وَغَرَائِبِ اللُّغَاتِ.

فَهَذَا الظَّنُّ الفَاسِدُ أَوْجَبَ تِلْكَ المَقَالَةَ الَّتِي مَضْمُونُهَا نَبْذُ الإِسْلَامِ وَرَاءَ الظَّهْرِ، وَقَدْ كَذَبُوا عَلَى طَرِيقَةِ السَّلَفِ، وَضَلُّوا فِي تَصْوِيبِ طَرِيقَةِ الخَلَفِ؛ فَجَمَعُوا بَيْنَ الجَهْلِ بِطَرِيقَةِ السَّلَفِ فِي الكَذِبِ عَلَيْهِمْ، وَبَيْنَ الجَهْلِ وَالضَّلَالِ بِتَصْوِيبِ طَرِيقَةِ الخَلَفِ. ص ١٦

كلام السلف في باب الصفات موجود في كُتُب كثيرة

وَكَلَامُ السَّلَفِ فِي هَذَا البَابِ مَوْجُودٌ فِي كُتُبِ كَثِيرَةٍ، لَا يُمْكِنُ أَنْ نَذْكُرَهَا هُنَا إِلَّا قَلِيلاً.مِثْلُ: كِتَابِ السُّنَنِ لِللَّالَكَائِي، وَالْإِبَانَةِ لِابْنِ بَطَةَ، وَالسُّنَّةِ لِأَبِي ذَرِّ الهَرَوِيِّ، وَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ لِلْبَيْهَقِيِّوَقَبْلَ ذَلِكَ: «السُّنَّةُ لِلطَّبَرَانِي، وَلِأَبِي الشَّيْخِ الأَصْبَهَانِي.وَقَبْلَ ذَلِكَ: «السُّنَّةُ) لِلْخَلَّالِ، وَالتَّوْحِيدُ لِابْنِ خُزَيْمَةَ، وَكَلَامُ أَبِي العَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجِ، وَالرَّدُّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ لِجَمَاعَةٍ؛ مِثْلَ: البُخَارِيّ، وَشَيْخِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الجُعْفِيِّ، وَأَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِي.وَقَبْلَ ذَلِكَ: «السُّنَّةُ» لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ، وَلِلْأَثْرَمِ، وَلِحَنْبَلَ، وَلِحَرْبِ الكِرْمَانِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.وَكَلَامُ أَبِي العَبَّاسِ عَبْدِ العَزِيزِ المَكِّيِّ صَاحِبِ «الحَيْدَةِ فِي الرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ.وَكَلَامُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلَ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ، وَأَمْثَالِهِمْ.وَقَبْلَ هَؤُلَاءِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُبَارَكِ وَأَمْثَالُهُ، وَأَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ. ص ٣٦

القولُ الشَّامل في صفاتِ اللَّهِ تَعَالَى ومذهب السلف

ثُمَّ القَوْلُ الشَّامِلُ فِي جَمِيعِ هَذَا البَابِ: أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ ﷺ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ السَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ، لَا يُتَجَاوَزُ القُرْآنُ وَالحَدِيثُ، قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا يُوصَفُ اللَّهُ إِلَّا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ ﷺ، لَا يُتَجَاوَزُ القُرْآنُ وَالحَدِيثُ.

وَمَذْهَبُ السَّلَفِ: أَنَّهُمْ يَصِفُونَ اللَّهَ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ ﷺ، مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْبِيفٍ وَلَا تَمْثِيلِ.

وَنَعْلَمُ أَنَّ مَا وُصِفَ اللَّهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ حَقٌّ، لَيْسَ فِيهِ لُغْزٌ وَلَا أَحَاجِيٌّ؛ بَلْ مَعْنَاهُ يُعْرَفُ مِنْ حَيْثُ يُعْرَفُ مَقْصُودُ المُتَكَلِّمِ بِكَلَامِهِ، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ المُتَكَلِّمُ:أَعْلَمَ النَّاسِ بِمَا يَقُولُ.وَأَفْصَحَ الخَلْقِ فِي بَيَانِ العِلْمِ.وَأَنْصَحَ الخَلْقِ فِي التَّعْرِيفِ وَالدَّلَالَةِ وَالْإِرْشَادِ.

وَهُوَ سُبْحَانَهُ مَعَ ذَلِكَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، لَا فِي نَفْسِهِ المُقَدَّسَةِ المَذْكُورَةِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَلَا فِي أَفْعَالِهِ، فَكَمَا نَتَيَقَّنُ أَنَّ اللَّهَ ﷺ لَهُ ذَاتٌ حَقِيقَةٌ، وَلَهُ أَفْعَالُ حَقِيقَةٌ؛ فَكَذَلِكَ لَهُ صِفَاتُ حَقِيقَةٌ، وَهُوَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ، وَلَا فِي صِفَاتِهِ، وَلَا فِي أَفْعَالِهِ.

وَكُلُّ مَا أَوْجَبَ نَقْصاً أَوْ حُدُوثاً فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهُ عَنْهُ حَقِيقَةٌ، فَإِنَّهُ ﷺ مُسْتَحِقٌّ لِلْكَمَالِ الَّذِي لَا غَايَةَ فَوْقَهُ، مُمْتَنِعُ عَلَيْهِ الحُدُوثُ؛ لِامْتِنَاعِ العَدَمِ عَلَيْهِ، وَاسْتِلْزَامِ الحُدُوثِ سَابِقَةَ العَدَمِ، وَلِافْتِقَارِ المُحْدَثِ إِلَى مُحْدِثٍ، وَلِوُجُوبِ وُجُودِهِ ﷺ بِنَفْسِهِ.

وَمَذْهَبُ السَّلَفِ بَيْنَ التَّعْطِيلِ وَالتَّمْثِيلِ، فَلَا يُمَثَّلُونَ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى بِصِفَاتِ خَلْقِهِ، كَمَا لَا يُمَتِّلُونَ ذَاتَهُ بِذَاتِ خَلْقِهِ، وَلَا يَنْفُونَ عَنْهُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ ﷺ، فَيُعَطِّلُونَ أَسْمَاءَهُ الحُسْنَى وَصِفَاتِهِ العُلَى، وَيُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَيُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ وَآيَاتِهِ.

ص ٣٨ - ٣٩

كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ فريقي التعطيل والتمثيل جامع بين التعطيل والتمثيل

وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ فَرِيقَيِ التَّعْطِيلِ وَالتَّمْثِيلِ فَهُوَ جَامِعٌ بَيْنَ التَّعْطِيلِ وَالتَّمْثِيلِ.

فَأَمَّا المُعَطلُونَ: فَإِنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ إِلَّا مَا هُوَ اللَّائِقُ بِالمَخْلُوقِ، ثُمَّ شَرَعُوا فِي نَفْي تِلْكَ المَفْهُومَاتِ؛ فَقَدْ جَمَعُوا بَيْنَ التَّمْثِيلِ وَالتَّعْطِيلِ؛ مَثَلُوا أَوَّلاً، وَعَطَّلُوا آخِراً، فَهَذَا تَشْبِيهٌ وَتَمْثِيلٌ مِنْهُمْ لِلْمَفْهُوم مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ بِالمَفْهُومِ مِنْ أَسْمَاءِ خَلْقِهِ وَصِفَاتِهِمْ، وَتَعْطِيلُ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ هُوَ سُبْحَانَهُ مِنَ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ اللَّائِقَةِ بِاللَّهِ.

ص ٣٩

لَيْسَ فِي العَقْلِ الصَّرِيحِ وَلَا فِي النَّقْلِ الصَّحِيحِ مَا يُوجِبُ مُخَالَفَةَ طَرِيقَةِ السَّلَفِ

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي العَقْلِ الصَّرِيحِ وَلَا فِي النَّقْلِ الصَّحِيحِ مَا يُوجِبُ مُخَالَفَةَ الطَّرِيقَةِ السَّلَفِيَّةِ أَصْلاً، لَكِنَّ هَذَا المَوْضِعَ لَا يَتَّسِعُ لِلْجَوَابِ عَنِ الشُّبُهَاتِ الوَارِدَةِ عَلَى الحَقِّ، فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ شُبْهَةٌ وَأَحَبَّ حَلَّهَا فَذَلِكَ سَهْلٌ يَسِيرٌ.

ص ٤١

التَّوْرَاةُ مَمَلُوءَةٌ مِنْ ذِكرِ الصَّفاتِ

وَأَيْضاً: فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ ﷺ قَدْ ذَمَّ أَهْلَ الكِتَابِ عَلَى مَا حَرَّفُوهُ وَبَدَّلُوهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّوْرَاةَ مَمْلُوءَةٌ مِنْ ذِكْرِ الصِّفَاتِ، فَلَوْ كَانَ هَذَا مِمَّا بُدِّلَ وَحُرِّفَ لَكَانَ إِنْكَارُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ أَوْلَى، فَكَيْفَ وَكَانُوا إِذَا ذَكَرُوا بَيْنَ يَدَيْهِ الصِّفَاتِ يَضْحَكُ تَعَجَباً وَتَصْدِيقاً؟!

وَلَمْ يَعِبْهُمْ قَطُّ بِمَا تَعِيبُ النُّفَاةُ أَهْلَ الإِثْبَاتِ عَلَى لَفْظِ التَّجْسِيمِ وَالتَّشْبِيهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، بَلْ عَابَهُمْ بِقَوْلِهِمْ: ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾، وَقَوْلِهِمْ: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾، وَقَوْلِهِمْ: إِنَّهُ اسْتَرَاحَ لَمَّا خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَقَالَ: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لَّغُوبٍ﴾.وَالتَّوْرَاةُ مَمْلُوءَةٌ مِنَ الصِّفَاتِ المُطَابِقَةِ لِلصِّفَاتِ المَذْكُورَةِ فِي القُرْآنِ وَالحَدِيثِ …

ص ٤٩

مَعْنَى التَّأْوِيل فِي لُغَةِ القُرْآنِ

وَالمَعْنَى الثَّالِثُ: أَنَّ التَّأْوِيلَ هُوَ: الحَقِيقَةُ الَّتِي يَؤُولُ الكَلَامُ إِلَيْهَا وَإِنْ وَافَقَتْ ظَاهِرَهُ.فَتَأْوِيلُ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي الجَنَّةِ مِنَ الأَكْلِ وَالشَّرْبِ وَاللُّبَاسِ وَالنِّكَاحِ وَقِيَامِ السَّاعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ هُوَ الحَقَائِقُ المَوْجُودَةُ أَنْفُسُهَا، لَا مَا يُتَصَوَّرُ مِنْ مَعَانِيهَا فِي الأَذْهَانِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِاللِّسَانِ.

وَهَذَا هُوَ التَّأْوِيلُ فِي لُغَةِ القُرْآنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ يُوسُفَ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: ﴿يَأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَىَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِن تَنَزَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾.

وَهَذَا التَّأْوِيلُ هُوَ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ.

ص ٥١ - ٥٢

تَأْوِيلُ الصِّفَاتِ هُوَ الحَقِيقَةُ الَّتِي انْفَرَدَ اللَّهُ بِعِلْمِهَا

وَتَأْوِيلُ الصِّفَاتِ هُوَ الحَقِيقَةُ الَّتِي انْفَرَدَ اللَّهُ بِعِلْمِهَا، وَهُوَ الكَيْفُ المَجْهُولُ الَّذِي قَالَ فِيهِ السَّلَمُ كَمَالِكٍ وَغَيْرِهِ: «الاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ، وَالكَيْفُ مَجْهُولٌ». فَالِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ؛ يُعْلَمُ مَعْنَاهُ وَتَفْسِيرُهُ، وَيُتَرْجَمُ بِلُغَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ مِنَ التَّأْوِيلِ الَّذِي يَعْلَمُهُ الرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ، وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ ذَلِكَ الاِسْتِوَاءِ؛ فَهُوَ التَّأْوِيلُ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ فِي تَفْسِيرِهِمْ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «تَفْسِيرُ القُرْآنِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهِ: تَفْسِيرٌ تَعْرِفُهُ العَرَبُ مِنْ كَلَامِهَا، وَتَفْسِيرٌ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ، وَتَفْسِيرٌ يَعْلَمُهُ العُلَمَاءُ، وَتَفْسِيرٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ ﷺ، فَمَنِ ادَّعَى عِلْمَهُ فَهُوَ كَاذِبٌ».

ص ٥٢

مِلَاكُ الأَمْرِ فِي إِصَابَةِ الحَقِّ: الْحِكْمَةُ وَالإِيمَانُ

وَمِلَاكُ الأَمْرِ: أَنْ يَهَبَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْعَبْدِ حِكْمَةً وَإِيمَانَا بِحَيْثُ يَكُونُ لَهُ عَقْلٌ وَدِينٌ، حَتَّى يَفْهَمَ وَيَدِينَ، ثُمَّ نُورُ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يُغْنِيهِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ؛

وَلَكِنْ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ قَدْ صَارَ مُنْتَسِباً إِلَى بَعْضِ طَوَائِفِ المُتَكَلِّمِينَ، وَمُحْسِنا الظَّنَّ بِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَمُتَوَهّماً أَنَّهُمْ حَقَّقُوا فِي هَذَا البَابِ مَا لَمْ يُحَقِّقْهُ غَيْرُهُمْ، فَلَوْ أُتِيَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعَهَا حَتَّى يُؤْتَى بِشَيْءٍ مِنْ كَلَامِهِمْ، ثُمَّ هُمْ مَعَ هَذَا مُخَالِفُونَ لِأَسْلَافِهِمْ غَيْرُ مُتَّبِعِينَ لَهُمْ، فَلَوْ أَنَّهُمْ أَخَذُوا بِالهُدَى الَّذِي يَجِدُونَهُ فِي كَلَام أَسْلَافِهِمْ؛ لَرُجِيَ لَهُمْ مَعَ الصِّدْقِ فِي طَلَبِ الحَقِّ أَنْ يَزْدَادُوا هُدى.

ص ١٤٠

كُلُّ مَنْ كَانَ بِالبَاطِلِ أَعْلَمَ كَانَ لِلْحَقِّ أَشَدَّ تَعْظِيماً

وكُلُّ مَنْ كَانَ بِالبَاطِلِ أَعْلَمَ كَانَ لِلْحَقِّ أَشَدَّ تَعْظِيماً، وَبِقَدْرِهِ أَعْرَفَ إِذَا هُدِيَ إِلَيْهِ. ص ١٦١